مشاريع القاع على الحدود اللبنانية السورية (رويترز) – في مزرعة مهجورة تقع بأرض مرتفعة داخل حدود لبنان مباشرة راقب لاجئون سوريون بعجز الجانب الآخر من الحدود بينما كانت طائرة هليكوبتر تقصف القرى التي فروا منها قبل أيام قليلة.
وعلى مدى 30 دقيقة اسقطت الطائرة الهليكوبتر ما لا يقل عن 12 قنبلة على القرى التي تبعد اربعة كيلومترات تقريبا عبر امتداد من بساتين الزيتون وحقول الخضر. وتصاعدت اعمدة الدخان الاسود الى السماء بعد كل ضربة.
وقال احداللاجئين الذي ذكر انه يدعى حسني “لا استطيع ان اصدق ذلك. ما هو شعورك اذا كنت تشاهد منزلك وهو يدمر امامك؟” واشار اصدقاؤه الى السماء وصرخوا في غضب وألم.
ووادي البقاع منطقة تعمها الفوضى حتى في افضل الاوقات. ويمتد الطريق الى الحدود بمحاذاة مزارع العنب الغناء والاثار الرومانية القديمة في بعلبك. وعمل المهربون لفترة طويلة في المناطق النائية ويزرع بعض المزارعين مخدر الحشيش مثلما فعل آباؤهم لقرون من الزمان.
والان امتدت اليهم آثار الحرب. فالقرويون اللبنانيون اضطروا لترك منازلهم مع سقوط القذائف على حقولهم. ويحتمي مقاتلو المعارضة ويستريحون في الكفور والنجوع الواقعة خلف الحدود السورية. ويقول القرويون السوريون ان قوات الاسد تجوب الحقول ليلا.
وقد تزيد هذه المنطقة الحدودية من اشتعال حريق في حرب اودت بالفعل بحياة 30 الف شخص ووصلت حتى حدود تركيا والاردن ومرتفعات الجولان التي تحتلها اسرائيل بالاضافة الى لبنان.
وقال حسني ولاجئون آخرون انهم فروا عبر الحدود بعدما داهمت القوات السورية قرى جوسية والزارة وربله في وقت سابق الاسبوع الحالي.
وقال القائد المحلي شريف ابو زيد ان نحو 240 اسرة تحتمي حاليا في هذه المزرعة الواقعة بمشاريع القاع بينما كان يشرف على تفريغ شاحنتين محملتين بالبطاطين والمفارش والصابون ومعجون الاسنان التي وفرتها اللجنة الدولية للصليب الاحمر.
وحصل الرجال على استراحة من المهمة عندما شوهدت طائرة هليكوبتر في السماء الزرقاء الصافية ليتابعوا في رعب وفزع منازلهم وهي تقصف. وامكن سماع القصف الجوي والمدفعي واطلاق النار الذي استمر بعد الظهر من داخل سوريا.
وقال جندي في آخر موقع عسكري لبناني قبل الحدود السورية “الامر على هذا النحو كل يوم. الاسوأ يحدث في الليل.”
واكبر بواعث القلق في لبنان هو ان يدفع الانقسام الطائفي في سوريا العنف عبر الحدود. وتعرض هيكل التوازن السياسي والديني الدقيق في لبنان نفسه لهزة من الصراع السوري والفتيل الذي قد ينسفه ربما يشتعل في البقاع.
وتقول المعارضة السورية التي يغلب عليها السنة وداعموها الدوليون ان الوادي اصبح قاعدة لميليشيا حزب الله الشيعية القوية في لبنان لدعم حليفها الرئيس السوري بشار الاسد.والاسد وحزب الله كلاهما مدعوم من ايران.
كما يستخدم المعارضون وادي البقاع في الشمال كممر لنقل الاسلحة والرجال الى سوريا.
وينفي حزب الله الذي يشارك في الحكومة اللبنانية وله شبكة سياسية واجتماعية واسعة في الضواحي الجنوبية لبيروت انه يقاتل عبر الحدود الى جانب قوات الاسد. غير انه يقول ان مقاتليه يعملون في القرى الحدودية على الجانب السوري لحماية الشيعة اللبنانيين الذين يعيشون هناك من المعارضة.
وقتل علي ناصيف الضابط بحزب الله واثنين آخرين في سوريا في وقت سابق هذا الشهر واقيمت لهم جنازات عامة. وقال مسؤولو حزب الله ان ناصيف قتل وهو في جهاد في بلدة حدودية.
وقال الامين العام للحزب حسن نصر الله في خطاب تلفزيوني الاسبوع الماضي “النظام ليس بحاجة لا الينا ولا الى احد ليقاتل الى جانبه. اصلا ليس من مصلحته اي قوة غير سورية ان تدخل الى ميدان القتال .. لا هو مصلحته ولا هو بحاجة ولا هو طلب ولا نحن اخذنا هكذا قرار ولذلك هذا ليس موجودا حتى هذه اللحظة.”
واضاف “لا يهددنا احد ولا يهول علينا ولا يجربنا.”
وقال حسني ولاجئون آخرون ان مقاتلي حزب الله شاركوا في مداهمة قراهم السنية.
واضاف “حزب الله كان هناك. ارتدوا (مقاتلوه) اقنعة سوداء. كانوا مع الجيش السوري لكنهم كانوا يسيطرون عليه. هم يدمرون المنازل – لا احد يقيم في القرى.”
واومأ رفاقه برؤوسهم تصديقا لكلامه.
وقال رجل آخر قال ان اسمه علي علي “شاهدناهم جميعا. الامر كان واضحا جدا.”
ونفوذ حزب الله في البقاع واضح جلي. فالعلم الاصفر للحزب يرفرف على مسجد صغير على جانب الطريق الذي يمتد لعشرة كيلومترات بين موقع الجمارك اللبناني عند القاع ونقطة تفتيش سورية.
وتتدلى صورة لقائد حزب الله الذي اغتيل عماد مغنية في الخارج وتنتظر سيارة اسعاف تحت ظلال الاشجار. واتى عدد قليل من الرجال لتحية الزوار لكن بعد تشاور وجيز عبر جهاز اتصال لاسلكي قالوا انه لا أحد يريد الحديث.
وعلاقة “عش ودع غيرك يعيش” غير المستقرة متماسكة حتى الان على ما يبدو بين قوات حزب الله على الجانب الشرقي لوادي البقاع والمزارعين واغلبهم من السنة على الجانب الغربي.
وعلى طول الطريق الرئيسي في وسط السهل الصخري توجد مخيمات تتناثر فيها القمامة للبدو الرحل. ويعتمد كثير منهم على العمل كجامعي محاصيل ويقولون ان العنف دمر مصدر رزقهم.
وفي فناء منزله الريفي على الحدود السورية تقريبا جلس شحادة فارس يأكل العنب بهدوء ويحتسي القهوة مع صديقه محمد على وقع دوي اطلاق النار والانفجارات.
وقال محمد “هذا ليس شيئا جديدا. هذه المنطقة مشلولة الان ..ميتة. لا نستطيع الحصاد. علينا ديون وقروض. لكن ليس لدينا حصاد.”
وقال ان مقاتلي حزب الله يستخدمون طرق التهريب القديمة على الجانب الاخر من الوادي لكنهم لا يضايقوه. ومشكلته هي الجيش السوري.
وقال ان القذائف تسقط على الحقول وان القوات عبرت الحدود واحرقت المحاصيل ونهبت المنازل. وتخشى اسرته من القناصة.
وقال “نحن ننام في خوف.”
وذكر محمد ان اغلب الاسر غادرت المنطقة بالفعل وان العمل في مزرعته توقف.
واشار فارس الى الالات في مصنع الالبان الذي يملكه. ورغم انها لا تزال تعمل فإن من الصعب ايجاد اللبن حيث اخذ معظم جيرانه ابقارهم معهم عندما غادروا.
وقال “اريد ان ارسل اسرتي بعيدا وكذلك الابقار لكن ليس لدينا مكان نذهب اليه.”