في تحليل مخصّص للوضع الميداني في سوريا، كتبه مراسلها “بنجامان بارت”،ـ قسّمت جريدة “لوموند” الفرنسية، في عدد اليوم الأربعاء، سوريا إلى ٦ مناطق:
* منطقة خاضعة للنظام ولكنها ليست مؤيدة له. وهي العاصمة دمشق، حيث يتعامل النظام مع أغلبية سنّية معادية لحكم الأسد. يسيطر الجهاز الأمني الحكومي على على محاور المواصلات الرئيسية وعلى معظم أحياء العاصمة باستثناء بعض الأحياء الجنوبية، مثل “كفر سوسة”. وتسعى السلطة لإظهار سيطرتها على الوضع في العاصمة، ولكن عدد التفجيرات، مثل التفجير الذي هزّ مركز هيئة الأركان في آخر شهر سبتمبر، يكذّب مزاعمها.
* منطقة يسيطر عليها النظام وتظل موالية له حتى الآن. تشمل المنطقة الساحلية الضيّقة الواقعة بين “اللاذقية” و”طرطوس”، والقرى الجبلية المطلّة على الساحل. إن تأييد سكان هذه المنطقة للنظام يعود لأسباب طائفية (أغلبية سكّانه من “العلويين”) ولأن معظم أبناء المنطقة موظفون في مؤسسات الدولة، وخصوصاً أجهزتها الأمنية.
إن انسجام هذه المنطقة معرّض للخطر من جانب ثوار “جبل الأكراد” و”جبل التركمان” (اللذين يقعان في شمال شرق اللاذقية) الساعين إلى التقدّم باتجاه الساحل.
* مناطق تسيطر عليها المعارضة ولكنها عرضة للقصف. وهذه تشمل محافظتي “إدلب” و”حلب”، في شمال البلاد، وكذلك “وادي الفرات”، من “دير الزور” إلى “البوكمال” في شرق سوريا. إن معظم هذه المناطق تخضع لكتائب الجيش الحر، ولكن النظام يحتفظ بسيطرته على عدة مدن، بينها “إدلب”، وعلى حفنة من القواعد العسكرية التي يطوّقها الثوّار مما يجبر النظام على تموينها من الجو.
إن هذه الجيوب المتبقية تتمتع بأهمية حاسمة بالنسبة للنظام لأنها تكسر الإستمرارية الجغرافية للمناطق “المحرّرة”. مثل معسكر “وادي الضيف” في محافظة “إدلب”، على مقربة من “معرّة النعمان”، والذي يسعى النظام عبره لحماة خطوط إمداده نحو مدينة “حلب”. ويقول الباحث الفرنسي “توماس بييريه” أن “مقاتلي الجيش الحرّ يسيطرون على “معرّة النعمان” ولكنهم يظلون تحت رحمة القصف من القاعدة العسكرية القريبة. وحيث أنهم لا يملكون أسلحة ثقيلة، فقد عجزوا عن إحتلال القاعدة العسكرية. ويتمثل التكتيك الذي يتبعونه حالياً في محاصرة القاعدة العسكرية وتجويع جنودها”.
* مناطق مُتَنازَع عليها تشهد مواجهات متكرّرة، وخطوط مواجة غير ثابتة. تشمل ضواحي المدن الكبرى، مثل “دوما” و”حرستا” و”داريا”، في ريف دمشق، والمنطقة المحيطة بـ”درعا”، وبعض أحياء أطراف “حلب”، التي تظل تحت سيطرة النظام. وتشمل هذه المناطق المُتَنازَع عليها كذلك الأحياء الداخلية لبعض المراكز المدينية، التي تشكل خط تصدّع طائفي، مثل “حمص”، التي تنقسم بين أحياء “سنّية” وأحياء “علوية”، أو التي تنقسم على أساس إقتصادي بين أحياء محرومة وأحياء ميسورة، وذلك هو الحال في “حلب”.
في جميع هذه المناطق، يعوّض النظام عن غيابه النسبي بقصف كثيف وبهجمات تعقبها مجازر أحياناً. لكن عمليات “التنظيف” هذه لا توفّر للنظام سوى راحة محدودة، لأنها لا تمنع عناصر الجيش الحرّ من العودة مجدداً بعد أسابيع أو بعد أشهر. ويقول الباحث “توماس بيريه” أن “تلك هي مشكلة النظام البنيوية. فهو يعاني من نقصٍ في عدد الجنود يمنعه من تحويل تفوّقه العسكري إلى مكاسب على الأرض”.
* مناطق خاضعة لسيطرة الميليشيات الكردية أو لسيطرة وجهاء متحالفين مع النظام. وتشمل محافظة “”الحسكة”، في الشمال الشرقي، التي تسيطر عليها القوات الكردية شبه النظامية، القريبة من “حزب العمال الكردستاني”، التي تتعاون مع النظام وتتجنّب الإشتباك مع الجيش الحر. كما تشمل قسماً كبيراً من محافظة “الرقّة”
في شرق وسط البلاد، التي يقطنها بدو غير رحّل من السنّة، تشتري السلطة ولاءهم بالمال. وهذا، علاوة على محافظة “السويداء” في الجنوب.
* مناطق حدودية شديدة التوتّر. سواءً كانت سائبة أو محكمة الإقفال، وسواءً كانت خاضعة للنظام أو للجيش الحر، فإن الحدود تشكل موضوعاً خاصاً في الأزمة السورية. من جهة، لأنه يتدفّق عبرها مئات الألوف من اللاجئين- تفيد إحصاءات الأمم المتحدة أن ٣٥٨ ألف سوري فرّوا إلى خارج البلاد، وخصوصاً إلى لبنان وتركيا والأردن، ويتوقع أن يصل العدد إلى ٧٠٠ ألفاً في نهاية السنة الحالية. ومن جهة أخرى، لأن هذه المناطق تشمل النقاط التي يمكن أن تشعل نزاعات إقليمية. إن منطقة الحدود مع تركيا، حيث تتمركز هيئة اركان الجيش الحر، كانت مسرحاً لتصعيد عسكري في منتصف شهر أكتوبر. وقد ردّت “انقرة” بقصف من الدبابات على قذائف الهاون التي طالت أراضيها.
في الجهة الأخرى، فإن مخاطر زعزعة الإستقرار أكثر وضوحاً في لبنان. بين حزب الله الذي لم يعديخفي كثيراً أنه يلعب دور ميليشيا رديفة للنظام الديكتاتوري السوري، والمواجهات الدائرة في “طرابلس” بين”السنّة” و”العلويين”، ثم اغتيال اللواء وسام الحسن في ١٩ أكتوبر، والذي تّتَّهَم دمشق بتدبيره، فإن لبنان يمكن أن يغرق في المأساة السورية.
*
في ١٩٨٠ “ثورة المدن ضد الأرياف”، في ٢٠١١ ثورة الأرياف والمدن الصغيرة
كانت الثورة التي شهدتها سوريا في العام ١٩٨٠، بالدرجة الأولى، ثورة البرجوازية المتوسطة في المدن، القريبة غالباً من “الإخوان المسلمين”، ضد الأرياف التي كانت المعقل الإنتخابي لحزب البعث. أما ثورة آذار/مارس ٢٠١١، فتبدو معاكسة. فقد انطلقت الإنتفاضة من أرياف المدن المتوسطة، مثل “درعا”، حيث كان الناس يشعرون أنهم ضحايا الإنفتاح الإقتصادي في عهد بشار الأسد. وهذا ما يفسّر الصعوبة التي تواجهها الثورة للإستيلاء على المدن الكبرى.