بعد ٦ سنوات من الحرب، تحوّلت سوريا إلى ركام. ولكن أصحاب رؤوس الأموال يرفضون تمويل بشّار الأسد.
بقلم مراسل « الفيغارو »، جورج مالبرونو
٣٠٠ مليار دولار: ذلك هو التقدير الهائل لكلفة إعادة إمار سوريا بعد ٦ سنوات من الحرب الأهلية التي أوقعت أكثر من ٣٥٠ ألف قتيل! من سيدفع ومن يرغب في الدفع؟ تمويل سوريا موحّدة، حتى لو كان معنى ذلك تعزيز سيطرة بشار الأسد؟ أم انتظار نشوء سلطة انتقالية في دمشق؟
مع أن الجميع يوافق على أنه بعد هزيمة الثوّار في « حلب »، في أواخر شهر ديسمبر، فإن مستوى العنف سينخفض نوعاً ما في الأشهر المقبلة، فإن رهانات إعادة الإعمار تثير الخلاف في صفوف المعنيين بحربٍ تحوّلت إلى حرب إقليمية ودولية يكثر عدد الأطراف المشاركة فيها. مع ذلك، فأمس الأربعاء، وفي ذكرى خروج التظاهرات الأولى قبل ٦ سنوات، شهدت دمشق عمليتين انتحاريتين تسبّبتا بسقوط ٣٠ قتيلاً…….
«فيديريكا موغريني » ليست ضد تمويل الإعمار في ظل الأسد؟
« أموال دافعي الضرائب لا ينبغي أن تموّل مشرعات إعادة البناء التي يريدها النظام السوري طالما لم تبدأ عملية انتقال سياسي تشمل الجميع »، ذلك ما أعلنه إئتلاف يضم ٨٠ منظمة غير حكومية عشية الذكرى السادسة للثورة. وجاء ذلك النداء بعد أسبوعين من مؤتمر دولي انعقد في ٤ و٥ أبريل في بروكسيل تحت رعاية الإتحاد الأوروبي، وكان موضوعه تمويل إعادة إعمار سوريا.
« ليس مطروحاً على الإطلاق أن ندفع أموالاً لبشار الأسد »، حسب مصادر مسؤولة في باريس، حيث يعتقد البعض أن مسؤولة الإتحاد الأوروبي، « «فيديريكا موغريني »، تؤيد تلك الفكرة! وردّاً على مطالبة وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، من طهران في ٢٩ أكتوبر، بوضع « خطة مارشال لسوريا »، كانت موغريني قد أعلنت عن نيّة الأوروبيين في « العمل المشترك مع دول المنطقة » من أجل إعادة إعمار سوريا. وحسب دعاتها، فإن مثل تلك الخطة توفّر « أداة ضغط اقتصادي « على النظام السوري الذي لا يملك، لا هو ولا حلفاؤه الروس والإيرانيون الأموال اللازمة لتمويل إعادة الإعمار.
ويقول ديبلوماسي فرنسي: « ذلك كمين منصوب لنا ». ويضيف: « لن تسمح تلك الأموال للأسد بأن يعزّز وضعه فحسب، بل وسيستفيد النظام منها لممارسة ابتزاز دائم في قضايا الإرهاب واللاجئين ». وباختصار، سيقول الرئيس السوري أنه « إذا لم نسمح بتمويل إعادة إعمار سوريا تحت جزمته، فإنه سيواصل عمليات طرد اللاجئين نحو تركيا، مما يعني مزيداً من طوبير اللاجئين على حدود أوروبا ».
ويزايد الباحث « توماس بييريه » قائلاً: سيستفيد نظام الأسد للتلويح بخطر تحوّل بلاده إلى ما يشبه إريتريا في الشرق الأوسط ».
بل إن البعض يرى في هذا التمويل لنظام دمشق « وسيلةً لتمويل الإحتلال الإيراني » لسوريا، في تلميح إلى الدعم الحيوي الذي يحصل عليه الأسد من طهران وحلفائها في ميليشيا حزب الله اللبنانية.
“الدردري” نصف منشق؟
ومنذ العام ٢٠١٣، يعمل رجل في الكواليس حول هذا الملف الفرعوني بضخامته: إنه « عبدالله الدردري »، نائب رئيس حكومة سوريا سابقاً، قبل أن يعلن « نصف إنشقاق » من بيروت، حيث كان يدير أحد مكاتب الأمم المتحدة، قبل تعيينه مؤخراً نائب رئيس « البنك الدولي »، ومقره في واشنطن. وقد وضع فريقه- المؤلف من خبراء، ومن معارضين- اللمسات النهائية مؤخراً على تقرير ضخم بعنوان « أجندة وطنية لسوريا ». ولكن، طالما ظلّ الأسد في السلطة، فإن ملكيات الخليج سترفض أن تمد أيديها إلى جيوبها.
من جهتها، تعوّل دمشق على إيران، وروسيا، ودول “البريك” (البرازيل، الهند، الصين)، وحتى على بعض المليارديرات السوريين العاملين في الخارج، من أجل تمويل إعادة إعمار البلاد. وفي مقابلة أخيرة، غازل الأسد المستثمرين الصينيين. وفي مطلع شهر فبراير، وقّعت الصين عقوداً اقتصادية مع دمشق بقيمة إجمالية وصلت إلى 16 مليار دولار.
وفي لبنان، يتطلع بعض الصناعيين منذ الآن نحو السوق السوري.
أما في بروكسيل، فالموقف الرسمي هو أنه ليس مطروحاً على الإطلاق أن تدفع أوروبا أية اموال قبل التوصل إلى “حل سياسي” في سوريا. ولكن ذلك لا يحول دون التفكير، منذ الآن، في ورشة الإعمار.