ليس اصعب من التكهن بما ستكون عليه السنة 2017. كل ما يمكن قوله انّ من ان احب 2016 بكلّ ما جاءت به من مفاجآت، سيعشق 2017 التي ستزداد فيها المفاجآت وسيكون حجم هذه المفاجآت اكبر بكثير من المتوقّع.
كانت 2016 سنة خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي. كانت أيضا سنة وصول دونالد ترامب الى الرئاسة في الولايات المتحدة. مع وصول ترامب تزداد الأسئلة التي لا وجود لاجوبة عنها في انتظار اكتمال الفريق الذي سيكون الى جانب الرئيس الأميركي الجديد. هذا على الصعيد العالمي. أما في ما يخص الشرق الاوسط، فقد كانت 2016 سنة صعود “الحشد الشعبي” في العراق، مع ما يعنيه ذلك من انهيار لما بقي من الدولة العراقية، والانهيار الكامل لسوريا بعدما تاكد ان ليس هناك في العالم من يريد المساعدة في إعادة لملمة هذا البلد باي شكل من الاشكال.
تختزل حلب المأساة السورية. لم تكشف حلب حجم التواطؤ الاميركي مع روسيا وايران إسرائيل فحسب، بل كشفت أيضا الى أي حدّ يوجد رهان في غير محلّه على تركيا. تحدّث الرئيس التركي رجب طيب اردوغان قبل اشهر قليلة عن ان حلب “خطّ احمر”. تبيّن، بكلّ بساطة، ان حلب ليست خطّا احمر باي مقياس من المقاييس. سبق للرئيس الاميركي باراك أوباما ان تحدّث في العام 2013 عن “خطّ احمر” في حال استخدم النظام السوري السلاح الكيميائي ضدّ شعبه. في آب ـ أغسطس من تلك السنة، لجأ بشّار الأسد الى السلاح الكيميائي. قتل آلاف السوريين بواسطة هذا السلاح. تبيّن أيضا، بكلّ بساطة أيضا، انّ لا “خط احمر” اميركيا ولا من يحزنون. كلّ ما هناك انّ الإدارة الاميركية ليست مستعدّة للاقدام على ايّ خطوة من اجل نصرة ثورة الشعب السوري. على العكس من ذلك، تبدو إدارة ادارة باراك أوباما مستعدة في كلّ وقت للاجهاز على سوريا. كلما مر يوم تزداد سوريا تفكّكا وتفتيتا. من المستفيد من ذلك؟ لا حاجة الى طرح أسئلة كثيرة. هناك ثلاث قوى مستفيدة هي إسرائيل، قبل أي قوّة أخرى، وايران وروسيا. امّا تركيا، فهي في وضع من يتوقّع تحقيق مكاسب في المدى الطويل، خصوصا انّ هناك فراغات لا يمكن لاحد غيرها ان يملأها نظرا الى قربها من سوريا من جهة وطول الحدود معها من جهة أخرى. لم يكن اردوغان افضل من أوباما. الاثنان يريان كلّ الألوان باستثناء اللون الأحمر!
ما اكثر علامات الاستفهام التي طرحتها السنة 2016. ايّ مستقبل لاوروبا الذي بدت غائبة عن المسرح العالمي على نحو لا سابق له. من كان يتصوّر ان بريطانيا ستخرج من الاتحاد الاوروبي وانّ رئيس الوزراء ديفيد كاميرون سيجد نفسه في وضع لا يسمح له سوى بتقديم استقالته من منصبه بعدما استخفّ بداعمي الخروج من الاتحاد الاوروبي. للمرّة الاولى منذ وصوله الى موقع رئيس الوزراء، تصرّف كاميرون كرجل دولة. اعترف بانّه لم يقم بما يتوجّب عليه القيام به. خسر الاستفتاء، ففضل الخروج من موقع رئيس الوزراء اعترافا منه بانّ الشعب عاقبه.
سيظل السؤال الأساسي في 2017 ما الذي سيفعله دونالد ترامب؟ الى أي مدى سيذهب في تحالفه مع فلاديمير بوتين الذي لم يخف أخيرا انّه معجب الى ابعد حدود بالرئيس الاميركي الجديد؟
ولكن تبقى هناك نقطة تلتقي فيها التحولات العالمية التي جاءت بترامب رئيسا مع التحولات التي يشهدها الشرق الاوسط ومنطقة الخليج. نقطة الالتقاء هذه هي ايران. كيف سيتصرّف دونالد ترامب مع ايران، هو الذي تحدّث المرّة تلو الأخرى خلال حملته الانتخابية عن مساوئ الاتفاق الذي تمّ التوصل اليه صيف العام 2015 في شأن ملفها النووي.
الى ايّ حدّ سيذهب ترامب في المواجهة مع ايران التي تبدو متمسّكة اكثر من ايّ وقت بالاتفاق الذي وفّر لها الى الآن مبالغ مالية كبيرة أرسلها اليها باراك أوباما نقدا، ولكن من دون ان يرفع عنها العقوبات. تكمن المفارقة في ان الكونغرس جدّد العقوبات الاميركية على ايران لمدّة عشر سنوات، فيما باراك أوباما يستعد لمغادرة البيت الأبيض. هل تمتلك ايران القدرة على الردّ؟
جاء تجديد العقوبات الاميركية على ايران ليعطي فكرة عن توجّهات الإدارة الاميركية. ليس هناك ما يوحي بأن دونالد ترامب مستعد للتساهل مع ايران بايّ شكل. اكثر من ذلك، ان معظم الذين اختارهم، الى الآن، ليكونوا في مواقع مهمّة في ادارته يعتبرون معادين للسياسات الايرانية والمشروع التوسّعي الايراني.
ستكون السنة 2017 حبلى بالمفاجآت. تشير كلّ المعطيات الى انّ اليمين المتطرّف ينتصر في كلّ مكان. من قاد حملة الخروج البريطاني من الاتحاد الاوروبي كان هذا اليمين المتطرّف الذي تذرّع بضرورة وقف هجرة الأجانب الى بريطانيا. اما ترامب، فكان العداء للاسلام من ابرز الشعارات التي طرحها والتي جعلت البيض الخائفين من كلّ مهاجر جديد، بل من ايّ مهاجر جديد، يلتفون حوله.
حسنا، صار دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة. دعا الى استعادة اميركا لامجادها. كيف ستكون الترجمة لذلك؟ اين ستكون الترجمة لذلك؟ من الصعب الإجابة عن ايّ سؤال مطروح. كلّ ما يمكن قوله انّ هناك، وسط كلّ علامات الاستفهام التي تملأ الجو، وعيا عربيا لخطورة ما يجري في العالم والمنطقة. هناك محاولة للملمة الوضع العربي عبّرت عنها القمة الأخيرة لدول مجلس التعاون الخليجي التي انعقدت في المنامة والتي ترافقت مع الجولة الخليجية للملك سلمان بن عبد العزيز. ان دلّت هذه الجولة على شيء، فهي تدلّ على مدى استيعاب المملكة العربية السعودية لدقة المرحلة، عالميا وإقليميا، واهمّية بلورة موقف خليجي موحّد من التطورات العربية والدولية.
من يقرأ البيان الصادر عن القمة الخليجية الـ37 يتأكّد من امر واحد هو انّ هناك جدّية عربية عموما وخليجية على وجه الخصوص بالنسبة الى التعاطي مع التطورات العالمية والاقليمية. ليس في وارد ان يقبل العرب الرضوخ للمشروع التوسّعي الايراني. هناك موقف للقمّة من كلّ قضية في المنطقة. من اليمن… الى سوريا، مرورا بالتدخل الايراني في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
هناك سعي عربي الى عدم الوقوع ضحية المفاجآت. ستكون 2017 سنة المفاجآت الكبيرة. صحيح انّ أحدا لا يستطيع التكهّن بما ستأتي به السنة، لكنّ الصحيح أيضا ان لا شيء يمنع اتخاذ الاحتياطات اللازمة كي يكون تأثير هذه المفاجآت محدودا قدر المستطاع…