من أجل فك الحصار عن سوريا

8

منذ سنوات والزميل د.برهان غليون يستخدم عدته المنهجية – الأكاديمية في تحليل الواقع السوري، الذي هو بذاته واقع تحلل إلى ما دون قوانين العقل، فهو دون مستوى التحليل والتركيب، محكوم بالاستجابات الغريزية للعسكر ذوي الأصول الريفية الرعاعية.

إن واقع التحلل هذا على درجة من التفسخ أنه لا يحتاج إلى برهان “العقل”، ولا إلى برهان “غليون” لإثبات تفسخه وتعفنه، إذ يصح فيه وعليه حجة الفقهاء في صيغة تساؤلهم: هل يحتاج ضوء النهار إلى إثبات… أما في الحالة السورية فيمكن قلب حجة الفقهاء في صيغة سؤال: وهل يحتاج الظلام إلى البرهان على ظلاميته…

كنا منذ ما يقارب عشر سنوات، منذ أن وضعنا وثيقتنا الأساسية، وثيقة (لجان إحياء المجتمع المدني) التي حملت توقيع نخبة من المثقفين والمفكرين السوريين: حددنا الخطوط الأساسية- استقراء- التي لا تحتاج إلى برهان، فأكدنا:

أولا: على موضوعة أن سوريا خضعت كغيرها الكثير من بلدان العالم إلى الانتقال من الشرعية الدستورية إلى الشرعية الثورية، وذلك منذ الوحدة مع مصر التي أنهت اللحظة الوطنية الدستورية للانتقال إلى اللحظة (الثورية) التي مثلتها الايديولوجيا القومية (الناصرية والبعثية) بإخلاص وطني وقومي صادق مشبع بالروح الخلاصية الرومانسية..انطلاقا من فرضية تجاوز الرأسمالية إلى الاشتراكية، من أجل تسريع وتائر التنمية للخروج من وهدة التخلف اقتداء بنموذج الثورات الاشتراكية، سيما التجربة السوفييتية..

لكن أصحاب النموذج المثل – (الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية) – تخلوا عن المثل الذي ضربوه للإنسانية، فقرروا أن يوقفوا مسيرة (حرق المراحل) لأنها لم تفعل شيئا سوى أنها أحرقت (الحريات الديموقراطية وثقافة حقوق الإنسان) لصالح الشمولية والديكتاتورية والاستبداد، أي أحرقت الحريات الفردية الليبرالية دون أن تأتي بالحرية الاشتراكية والعدالة الاجتماعية المتوخاة…وفق الثلاثية المعروفة التي تبدأ: بحلول الحزب محل المجتمع، ثم حلول قيادة الحزب محل الحزب، ثم حلول الأمين العام محل قيادة الحزب… ولم تشذ التجارب العربية (المصرية- السورية – العراقية – الجزائرية – الليبية) عن هذه القاعدة الأثيرة التي حكمت المنظومة الاشتراكية، أو بتعبير أدق (المعسكر الاشتراكي)، إذ تعبير معسكر أدق، لأنه قدم انجازات مهمة على مستوى العسكرة (انتاج التكنولوجيا العسكرية المتقدمة) بالتوازي مع (عسكرة) المجتمع… لكن في بلادنا فإن العسكرة لم تنتج سوى عسكرة المجتمع والسياسة والثقافة، أما على المستوى العسكري (التقني) في استجابته للتحديات الخارجية، فهي لم ينتج سوى الهزائم والعار حيث حلول الجيش العقائدي محل الجيش التقني..!؟

لقد راهنا على هذا المدخل التحليلي النظري من خلال الوثيقة النظرية للجان إحياء المجتمع المدني فيما سمي بـ (وثيقة الألف) أن نفتح فضاء للمراجعة النقدية، مراجعة تشمل اليسار القومي (البعث) واليسار الماركسي (الشيوعي) المشارك في السلطة والمعارضة معا، سيما وأننا كنا نعيش زمن زوال كابوس الأب الأسدي بعد موت الديكتاتور، ومجيء ابنه الشاب الطبيب المدني، الذي كان يمكن أن يراهن على عقله الشاب في فهم هذه المعادلات النظرية الجديدة، قبل أن يتبين أن ثمة نسقا – عسكريا – غريزيا – وراثيا أقوى في واقعيته من ممكنات الارتقاء العقلاني بالواقع إلى مستوى قوانين العقل…

انتشرت المنتديات، وسقطت الحواجز العقائدية والايديولوجية بين التيارات الفكرية والسياسية ليس القومية واليسارية فحسب، بل والإسلامية المستنيرة التي التحقت معنا في إطار لجان إحياء المجتمع المدني… ومع هذا الانبعاث (الطفرة) ستشهد الساحة حضورا مميزا لكتاب شباب استفادوا من تجربة السجن في إنضاج وعيهم ومنظوراتهم بتفاوت في نسب الخبرة والموهبة معا… وقد شارك الزميل د.برهان في هذا الحراك بالحدود المتاحة له عندما كان يأتي لزيارة سوريا….

إذن كان الخطاب المتداول: هو خطاب نقدي – عقلاني – مدني – ديموقراطي معتدل، على اعتبار أن لا أحد له فضل على أحد، من حيث الاشتراك في (التاريخ الشمولي) لجميع القوى والأحزب، وان كان لابد من التمييز في هذا الإطار بين (الضحية “المعارضة ” والجلاد “السلطة”)…

لقد كان ثمة أمل برؤية المتغير الدولي والعالمي، وما يمكن أن يراهن عليه في عودة الفرع إلى الأصل، أي أن تقوم الأحزاب الشمولية في الأطراف أن تقوم بالمراجعة كما حدث لدى الأحزاب الشمولية الأصل في المركز (الاتحاد السوفييتي وأوربا الشرقية) التي سبق للأب الديكتاتور أن تكيف معها اقليميا..طبعا دون تكيف ايديولوجي وسياسي، مما كان يمكن أن يراهن عليه لدى الجيل الجديد للبعث من الأبناء..

ولذا فقد قمنا-ثانيا- في موازي هذه الأطروحة النظرية ومفاعيلها، بصياغة الأطروحة التي غدت شعار الحراك الديموقراطي السوري بكل فصائله حتى اليوم… وهو (إعادة السياسة للمجتمع، وإعادة المجتمع للسياسة)، وذلك ردا على إلغاء الحياة السياسية والمجتمعية عبر عقود تحت ظل الشمولية البعثية، ومن ثم لاحقا (الوثنية الأسدية)..

هذه الأطروحة طرحت في ظروف معتدلة ومتفائلة، حيث تم في حينها الإشارة من قبل المعارضة إلى بعض جوانب الانفراج في الحياة السياسية، والانسحاب النسبي للأجهزة الأمنية وتخفيف قبضتها، وقد عبر عن هذا النفس الاعتدالي الممثل الأبرز للصوت الراديكالي في المعارضة السورية الأستاذ رياض الترك، وذلك في محاضرته في منتدى الأتاسي، مما كان يفترض أن ليس لدى المعارضة رغبات ثأرية أو دعوات انتقامية…

لكن قرع طبول الحرب ضد لجان إحياء المجتمع المدني، وضد أطراف المعارضة الديموقراطية التي توجت باعتقال العشرة الفضلاء الأوائل الذين كان بينهم ثلاث رموز سياسية (رياض الترك)، مجتمعية (رياض سيف)، وثقافية (عارف دليلة)، فقد أظهرت للجميع أن نسق الغرائز كان أكثر عمقا وترسخا من الومضات العابرة للعقل التنويري البريء، فإذا بالشاب الطبيب المدني تطول أنيابه ومخالبه بسرعة مفاجئة استجابة لنداء الغريزة الوراثية، مبرهنا على أصالة انتسابه لأبيه المؤسس للطغيان في المسار الشمولي البعثي…

فكان على الخطاب المعارض أن يتجاوب –ضرورة- مع هذه المنحنيات التي يشهدها الواقع السوري..حيث كان لابد من القطع مع المراهنة على (الإصلاح) المستحيل، وطرح مشروع (التغيير) المفتوح والممكن استراتيجيا، وذلك مع خطاب انبثاق إعلان دمشق…

إذ أن التغيير في هذا السياق هو تغيير في منظور الرؤية للواقع، وليس تغيير الواقع الذي لم يكن لدى أحد أوهام حول ممكنات تغييره ذاتيا في هذه الفترة، بسبب الإدراك العميق بأن عملية التدمير الاجتماعي والسياسي والروحي والأخلاقي الذي أنتجه البعث والأسدية لاحقا بلغت حدا من الخراب، لا تملك المعارضة على التنطع لإعلان قدرتها على زواله… سيما بعد أن تكشف للعالم درجة سرطانية هذه النماذج من الأنظمة ومنعتها الشديدة أمام التغيير الداخلي، في حين أن بناءها كان ملحيا أمام اجتياح القوى الخارجية في صورة إسقاط الشقيق التوأم الايديولوجي والسياسي للأسدية السورية في صورة سقوط رفيقهم صدام حسين، الذي تكشف على أن (العسكر – عربيا – هم عسكر على شعوبهم).

فكان لابد لمنظور (التغيير) الذي انتقلت له المعارضة مع (إعلان دمشق) أن ينتج لغته ومفردات وأدواته المفاهيمية التي تصرخ وتهجو وتعري وتفضح وتهزأ وتحتقر (فولتيريا)، وذلك مراهنة على إحداث قطيعة بنيوية أخلاقية مع السلطة في صورة رفض عقلي ووجداني وروحي وأخلاقي، يبادلها الاحتقار بالاحتقار ما دام ليس ثمة خيار، كما دعونا مرارا وتكرارا… في حين ظلت بعض الكتابات الأخلاقية ذات النوايا الطيبة تعصر العقل واللغة النظرية عصرا تحت وهم أنه يريد العنب لا قتل الناطور…. باسم عقلانية باردة ما كان لها أن تنتج سوى ما يمكن تسميته بـ (الكتابة المائية)، ليس على مستوى وظيفتها التي تثبت تعريف الماء بعد الجهد بالماء فحسب… بل في طبيعتها ونوعيتها المائية حدا وتعريفا من حيث أنها (لا لون لها ولا طعم ولا رائحة)…

ولعل هذين الخطين عبر عنهما موقف إعلان دمشق بشكل متردد ذات مرة: وذلك حينما أعلن في أحد بياناته أن إعلان دمشق لا يريد عزل السلطة وحصارها مما شكل خطا لدى عدد من المثقفين، فيما سميناه بالكتابة المائية في الداخل والخارج… الذين تتأسس كتابتهم على منظور المراهنة على (الإصلاح) الذي يفترض أن إعلان دمشق قد قطع مع هذا الخطاب بدون أوهام رغبوية أو امنيات ذاتوية، إذ طرح برنامج التغيير السلمي التدريجي الديموقراطي… وعلى اعتبار أننا على أبواب انعقاد (اجتماع المجلس الوطني لإعلان دمشق في المهجر 6-7 تشرين الثاني في بروكسل..فإننا اخترنا أن نحاور آخر هذه المراهنات على فكرة عدم عزل النظام، ومن ثم الدعوة إلى فك الحصار عنه: باسم فك الحصار عن سوريا، هي المقال الذي كتبه الزميل برهان تحت عنوان (من أجل فك الحصار عن سوريا) حيث ينطلق من بديهية أن قرار مجلس الأمن (الأخير) رقم 1636 يشكل تحديا استثنائيا لسوريا “نظاما وشعبا معا”..

للوهلة الأولى أوحت لي كلمة (الأخيرة) أن ثمة قرارا جديدا صادرا عن الأمم المتحدة، سيما أن الزميل برهان لم يشر لنا إلى فحوى القرار، فكان علينا أن نتذكر أن هذا القرار مرّ على صدوره أكثر من خمس سنوات، وهو القرار المتعلق: (بدعوة سوريا للتعاون الكامل مع لجنة التحقيق الدولية في اغتيال المرحوم رفيق الحريري)… لكن الزميل الذي يبدو أنه كان محرجا أن يعتبر أن هذا القرار يشكل تحديا (استثنائيا) للشعب السوري، فترك الإشارة إلى فحوى القرار ليقفز بنا الخطاب إلى القول أن التركيز الراهن على ملابسات جريمة اغتيال رفيق الحريري…)

لكن الحرج الذي أراد أن يمر على ذكر القرار بدون التذكير بفحواه، سرعان ما كشف عن نفسه بعد استطرادات طويلة لا علاقة لها بموضوع القرار وتحدياته الاستثنائية..بقفزه إلى الخاتمة التي تلخص صراحة مؤداه الذي يطالب بتحميلنا جميعا مسؤولية الحصار، (دولة ومجتمعا) وأن علينا أن نتحمل (مسؤولياتنا)، حيث ” لا مهرب من أن يتحمل كل مواطن سوري قسطه من المسؤولية في سبيل فك الحصار عن سوريا وإعادة الأمور إلى مجراها الطبيعي، ومن ثم الانتقال إلى نصيحة النظام بضرورة أن يكون (التواصل قويا بين الطبقة الحاكمة والرأي العام بحيث لا يحتاج النظام في سبيل ضمان بقائه إلى حجز حرية الأفراد وانتهاك حقوقهم… الخ

إن نص مقال الزميل برهان يثير أمامنا ثلاثة نقاط:

النقطة الأولى:اعتبار القرار 1636 المتعلق بدعوة سوريا للتعاون مع لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري بوصفه يشكل تحديا استثنائيا للسلطة والشعب معا:

هذا الرأي قبل مناقشته يجب أن نعرف أنه الرأي الذي تجمع عليه السلطة السورية وحزب الله المتهم بالضلوع ومن ثم إيران، وبالضرورة حلفاؤهم من جماعة 8 آذار..وليس هناك في سوريا أي رأي معارض يعتبر هذا القرار تحديا للشعب السوري، أو أن ثمة ضرر سيلحق بالشعب السوري، بل إن قوى المعارضة الديموقراطية – حتى ولو لم تعلن موقفا رسميا- تلقت هذا الخبر مثلها مثل الشعب السوري- ببعض من البشر والتفاؤل في أن المجتمع الدولي بدأ يلتفت منتبها لسيرة العذاب التي يعيشها الشعب اللبناني ومن ثم بالضرورة السوري… استشعارا بأن وحشية النظام السوري التي لا يشاركه فيها سوى شريكه العراقي البائد، في أنه لا يمكن مواجهة هذه الوحشية من قبل شعب مطوق بالعزلة والرعب كمقبرة تسكنها الأشباح، وعلى هذا استشعر الناس ضوءا في نهاية النفق، وهو أن العالم يتابع أو يعرف على الأقل الممارسات الإرهابية الوحشية التي تمارسها عصابات المخابرات السورية!

بل إن المفارقة المثيرة التي من الصعب أن يعرفها ويفهمها العالم عن تركيبة البنية الباطنية للنظام التشبيحي نفسه، وهي أنه ما كان يريد للشعب السوري ولا اللبناني ولا العالمي أن يصدق إنكارهم لتهمة مشاركتهم بالجريمة، بل هو دائما حريص على الإيحاء بالتورط لكن دون مستمسكات… وذلك لكي لا يضيع البعد الوظيفي لرسالة الخوف الناتجة عن عملية الإغتيال المرسلة للمجتمع السوري واللبناني من جهة، ولكي لا تضيع وظيفة الرسالة الموجهة للعالم حول أهمية دورهم في مسألة الاستقرار أم عدمه في المنطقة، ولهذا لم يلجأوا إلى اتخاذ أي تدابير توحي بأنهم حريصون على إبعاد الشبهة عن أنفسهم، بل أوعزوا إلى أزلامهم في السلطة اللبنانية أن يقوموا بإجراءات تثير الشبهة لبقاء الأضواء مسلطة على دورهم بالجريمة دون أن تبلغ حد الإثبات، مثل المسارعة إلى محو معالم الجريمة عن أرض الحادث لتأكيد إثارة الشبهات حول دورهم… إنهم يريدون إثارة الشكوك والشبهات، لكن عبر الإنكار وعدم تمكين القضاء من اكتشاف المجرم الحقيقي… وهذا الموضوع لمسته بتجربتي الشخصية بعد استدعاء لي من قبل رئيس أحد الفروع الأمن العسكرية الذائعة الصيت، عندما سألني (باستنكار غير حاد) حول كتاباتي بكونها توجه لهم أصابع الاتهام بعملية اغتيال المرحوم الحريري… طبعا استشعرت خطورة الأمر، لكن لم يكن بالإمكان الإنكار، وذلك لأني لا أنكر أمامهم أي فعل قمت به لكي لا أعطيهم فرصة النشوة بالتراجع أمامهم من جهة، ومن جهة أخرى ليس بالإمكان الإنكار، لأنه يستند إلى نصوص مقالاتي المكتوبة، فعندما كنت أعرض حيثيات موقفي، سارع إلى القول وسط دهشتي قائلا: (“باختصار إنك تعتبرنا “لبّيسة”) قاصدا بـ (لبّيسة) أنهم تليق بهم لُبوس مثل هذه الجرائم، وذلك لأن سيرتهم لا تتعارض مع مثل هذه الأفعال، ومن ثم انتقل إلى نقاط أخرى بسلاسة دون التوقف عند ما سماه اتهاماتي لهم…!!!

إنه لم يكن جادا بالدفاع عن نفسه وعن نظامه، لأنه لو أنكر بشدة على طريقتهم المألوفة، لضيّع قيمة الانجاز ووظيفته الإرهابية المتوخاة في تعميق الرعب في أوساطنا كمعارضين..! لكنه طالبني بود أن أدافع عن سوريا. وطبعا هم يقصدون بحديث الدفاع عن سوريا: هو الدفاع عنهم بعد أن إستغرقهم شعور امتلاك سوريا، فإذا هم هي وإذا هي إياهم حسيا وغريزيا وليس عاطفيا ووجدانيا كناسها وأهلها والمحرومين منها… وهم لهذا يرحبون بهذا الالتباس البناء عندما ندعو إلى (فك الحصار عن سوريا)، فهو لا يعني بالنسبة لهم أمر سوريا إلا بوصفه أمرهم، بل ويشاركهم الشعب السوري هذا الإحساس: بأن فك الحصار عن سوريا ليس سوى فك الحصار عن استيلائهم على البلد… لأن الشعب السوري لا يشعر بأية ملكية وطنية لسوريا بلده…!!!!

النقطة الثانية: إن نص الزميل برهان يدعونا إلى أن “نتحمل مسؤوليتنا كمواطنين في سبيل فك الحصار عن سوريا”… والسؤال الأساسي هو كيف نفعل ذلك؟

لن نعيد الحديث عن الجانب الشعوري في العلاقة مع سوريا بين النظام التسلطي التملكي الاستيطاني لها، وبين افتقاد المجتمع الشعور بأية عمومية وطنية تشعر المواطن السوري بأن سوريا ملكه… لن نعيد الحديث عن هذا العامل الذاتي على أهميته، بل سنتحدث عن الجانب الموضوعي، لنتساءل ما هي الأسس الموضوعية التي يمكن اعتمادها شعبيا لفك الحصار هذا، أي ما هي المؤسسات التمثيلية السياسية والحقوقية والنقابية، ومن ثم القنوات المدنية والشعبية التي يمكن لنا كمواطنين أن نعمل عبر قنواتها على فك الحصار عن سوريا أو حتى عن طغمها العصبوية الطائفية!؟

إذا كان مجموعة من الشبان يقبعون في السجن لأنهم أرادوا رفع الأوساخ عن حيهم، وقد شارفوا على الخمس سنوات وهم في السجن !؟ وإذا كان حديث هيثم المالح عن الفساد يوهن نفسية الأمة وعزيمة الوطن، ويكلفه الحبس ثلاث سنوات بعد عمره الثمانيني… وإذا كانت الطفلة طل الملوحي تغيب وراء الشمس ولا يسمح لأحد أن يراها أو يعرف عنها شيئا..بسبب أنها هددت الجمهورية الأسدية، بإعلانها الشعري عن حلمها ببناء “جمهورية الإحساس ” فأرعبت جمهورية الغرائز الوحشية والدموية التي أقاموها عبر عقود… تحت البند الدستوري: (حزب البعث هو الحزب الحاكم والقائد و”المالك” لسوريا) ووفق الآليات الشمولية عن حلول قيادة الحزب محل الحزب، ورئيس الحزب محل قيادته… فإن أحلام طل ببناء “جمهورية الإحساس” هددت (جمهورية الغرائز الأسدية) القائمة على أنقاض دمار الإحساس وكل المشاعر الإنسانية التي تنتمي إلى القيم المدنية لعصرنا…

أما النقطة الثالثة: فهي نصيحة الكاتب النظام بتقوية التواصل بين الطبقة الحاكمة والرأي العام بحيث لا يحتاج النظام في سبيل ضمان بقائه إلى حجز حرية الأفراد وانتهاك حقوقهم… فهذه الأطروحة تصب في صلب مقولة النظام عن حاجته إلى القمع وحجز الحريات بسبب (التحديات الاستثنائية: الامبريالية والصهيونية والأصولية والحريرية والإنعزالية المتصهينة والموهنون لنفسية الأمة….) التي يواجهها بدءا من حربه الخيالية مع إسرائيل وصولا إلى قرار 1636… حيث هو مضطر لإسكات (الأصوات التي تعلو على صوت المعركة) والتحديات الاستثنائية، فيلجأ الخطاب المعارض –عادة وعلى مألوف خطابه المراهن على الإصلاح- للنصيحة التقليدية لمصالحة النظام مع شعبه كما كان ينصح الناصحون صدام حسين، فكان يصر العم البعثي السابق كما يصر اللاحق (الوريث الثأثاء الأسدي) بكل فصاحة أنهم ليس لديهم مساجين سياسيين: بل خونة وعملاء ومجرمون…

والغريب في الأمر أن جماعة المراهنة على (الإصلاح) الذين يريدون فك (عزلة سوريا)، لا يلحظون ولا يتعلمون أبدا أن استبدادا ووحشية هذه الأنظمة، ليس لها علاقة بدرجة الضغط والتحديات المنسوبة دائما إلى الخارج، إذ هي تقمع وتسحق عندما تكون ظروفها عسيرة، وتقمع وتبيد أكثر وبارتياح واطمئنان عندما تكون ظروفها مرتاحة ويسيرة…

فهم محكومون بأنساقهم الغرائزية المتوحشة، التي تأخذ شكل إدمان مرضي ” فالمدخن يدخن في فترات الحزن ويدخن أكثر في فترات الفرح ” فهم يمارسون وحشيتهم بمتعة سادية..بسهولة وسلاسة ويسر ومتعة واسترخاء المدخن في كل المناسبات…!!!!

mr_glory@hotmail.com

• كاتب سوري- فرنسا

8 تعليقات
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
ضيف
ضيف
13 سنوات

من أجل فك الحصار عن سوريا
وائل — waelsaadeldeen@hotmail.fr

الغريب في أمر هؤلاء المتحسسين من انطباق صفات الرعاعية والحثالية عليهم انها تبلغ درجة الحساسية المرضية حد أنها تبلغ درجةهوسهم في ملاحقتهالهم في لاوعيهم حتى وإن اضطرو لتذكرها …فالأخ سعيد أبوالحسن يحدثنا عن (الاستنساخ)) في كتابة الدكتور عيد ومقدما أمثلة تكرار استخامه لهذه المفردات (رعاع -حثالات) فعدت إلى مقال الدكتور عيد فلم أجدها ولو لمرة واحدة…

فأية صدقية تتمتعون بها أيها الحساسون لسمعة نظامكم الممانع والصامد ضد الإمبريالية؟؟؟؟ !!!

ضيف
ضيف
13 سنوات

من أجل فك الحصار عن سوريا
محمد ماهر خير — mohammadmaher@hotmail.com

مفردات الدكتور عيد في وصف النظام السوري (رعاع الريف وحثالات المدن ) أصبحت صيغة متداولة في الخطاب المعارض الحي وليس البيروقراطي الحزبي.. فهذه المفردات توصيف للنظام وستتداول دائما مادام هذا النظام قائما، وحتى الآن لم نقرأ من يفكك المضمون العلمي لهذا التوصيف للنظام السوري بينما كل من يعترضون على هذا التوصيف يستشعرون درجة انطباقه عليهم..

ضيف
ضيف
13 سنوات

من أجل فك الحصار عن سوريا سعيد أبو حسن — saaid700@hotmail.com أظن مقال الدكتور عيد هذا في الرد على الدكتور برهان غليون ومع كل الاحترام للجميع الا أنه يعتبر سقطة لا تليق بحق عيد وبغض النظر ان كانت النداء أخطئت أم لا فمن المعيب بجق كاتب وباحث بحجم عيد الوقوع في هكذا مطب. ثم نقد أتمنى أن يتحمله صدر الدكتور عيد: مقالاتك بات يطلق عليها “استنساخ” حيث الكلمات مكررة وجملك هي هي نفسها ومفردات من مثل “رعاعية” و”حثالة “وعصابة”…. الخ باتت مكرورة ومملة وقارئ مقالك لايخرج بأي فائدة . ولكي لا ينصرف القارئ عن مقالاتك نرجو منك نحن محبيك الاقلاع… قراءة المزيد ..

ضيف
ضيف
13 سنوات

من أجل فك الحصار عن سوريا وائل — waelsaadeldeen@hotmail.fr الغريب أن يطالب موقع النداء الدكتور عبد الرزاق عيد بالحصافة ..تدراكا لعدم حصافتهم بنشرهم لنص يعود إلى أكثر من خمس سنوات …وهذاالأمر كان إحدى النقاط التي ناقشها الدكتور عيد منتقدا نص المقال. ثم أي تحمل للسمؤولية هذه التي التي يتحث عنها الموقع إذ هو يلقي المسؤولية عن كتفه ليحملها للدكتور عيد .. وألعجيب في الأمر -هذا الحماس لكاتبهم المدلل- أنهم يقدمون قراءة مزورة لمقاله، بوصف المقال دعوة لسورية للتعاون مع لجنة التحقيق الدولية الخاصة باغتيال الشهيد الحريري …وهو الموضوع الأساسي لمأخذ الدكتور عيد على الدكتور غليون الذي اعتبر أن هذا القرار… قراءة المزيد ..

ضيف
ضيف
13 سنوات

من أجل فك الحصار عن سوريا http://www.annidaa.org/modules/news/article.php?storyid=7051 د. عبد الرزاق عيد: يعلق على مقالة (من أجل فك الحصار عن سورية) لـ د. غليون ، وموقع النداء يوضح معتذرا إدارة موقع النداء: في التعليق الذي كتبه د. عيد و المنشور على موقع شفاف الشرق الأوسط يوم 5/10/2010، والذي ننقله أدناه ، لم يشرالكاتب إلى مصدر مقال د. غليون ( من أجل فك الحصار عن سوريا) موضوع تعليقه، ولا إلى تاريخ نشره. ونظرا لأننا نتحمل مسؤولية ، ولو جزئية، عن الالتباس الذي نتج عن خطأ في إعادة نشر مقال قديم لـ د. غليون، فنحن نبادر إلى توضيح ما يلي: إن المقال المذكور… قراءة المزيد ..

ضيف
ضيف
13 سنوات

من أجل فك الحصار عن سوريا
وائل — waelsaadeldeen@hotmail.fr

مبروك للدكتور عبد الرزاق عيد انتخابه رئيسا للمجلس الوطني لاعلان دمشق في المهجر… الذي سمعنا انه انهى أعماله اليوم مساء الأحد في بروكسل، ومبروك لنا نضج الحراك الديموقراطي في سوريا أن يبلغ مستوى رياديا -ليس سوريا فحسب- بل عربيا، وذلك بأن ينتخب مفكرا إلى رئاسة أوسع تحالف سياسي وطني ديموقراطي معارض في سوريا، وهو تحالف اعلان دمشق.

ضيف
ضيف
13 سنوات

من أجل فك الحصار عن سوريا علي — postmaster@panoramasouria.net النظام السوري الطائفي يقول ما لا يفكر به حقيقة. هذا الأمرمعروف للشعب السوري واللبناني منذ أربعين عاما. ليس في سوريا لا حزب بعث ولا أي حزب آخب الجهاز الوحيد الموجود هو الأمن والمخابرات المقادة من أبناء الطائفة الحاكمة والمنتشرين في كافة المدن السورية. ألأستاذ عبد الرزاق عيد وضع الاصبع على الجرح. فلا حلول مع هكذا نظام. فما يهمه الاسئثار والاستمرار في السلطة فقط. زائر سوريا بعد دخول القوت ألأمريكية بغداد كان يمكنه أن يجد بسهولة فرحة السوررين بتخيلهم بان بوش سوف يكما على هذا النظام. الذي حول عند الشعب السوري العدو… قراءة المزيد ..

ضيف
ضيف
13 سنوات

من أجل فك الحصار عن سوريا امين الامين تحيتي وتقديري واحترامي لك يادكتور عبد الرزاق عيد, فانت بكل تأكيد لست بحاجة لثناء او تقييم او اي كلام اطراء او اي نوع من انواع النفاق من شخص (مجهول) مثلي.. لكنني وبكل ثقة وامانة استطيع القول واعتقادي به راسخ, والكثير من افراد الشعب في بلدي تؤيد ما اقول ..! ( بأنك يا دكتور مفكر كبير نعتز بك كثيراً، حيث تشخص الامور بدقة وتعبر عن ما لا يستطيع ملايين من السوريين التعبير عنه فيما يخص او يتعلق بمعاناتهم اليومية والمستمرة) ففي هذا البحث الشامل استطعت ان تضع يدك على اماكن الالم ومواطن الخلل… قراءة المزيد ..

Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading