لن أتدخل أيها السيد الرئيس في سياساتكم الدولية لمناقشة صواب موقف حكومتكم من نظامنا الديكتاتوري أو عدمه فهذا من شأنكم الداخلي، سيما وأني ضيف لديكم في فرنسا الحرية التي اعتادت منذ قرون على أن تكون موئل طريدي الحرية في العالم، ولهذا باسم فرنسا الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان نناشدك – ياسيادة الرئيس- أن تتدخل من أجل آيات عصام أحمد لإيصال لعبتها (الدبدوب) لها في زنزانتها، حيث سجانو بشار الأسد يمنعون وصول اللعبة -التي اعتادت أن تنام معها- إلى سجنها، عساها أن تبث لها آلامها وأحزانها وجراحها التي خلفها التعذيب على جسدها الغض…
فآيات أحمد تعذبت يا سيادة الرئيس.. وآثار التعذيب على رأسها ووجهها ويديها وأصابعها وأدخلت إلى المشفى أكثر من ثلاث مرات بسبب ذلك، وفق شهادة سجينة عراقية أفرج عنها… ولا أحد يعرف لماذا؟
لا آيات ولا أهلها ولا نحن الذين هجّرنا نظام أسد عن وطننا سوريا…؟
طبعا حجتهم جاهزة دائما، وهي اعتبار كل معارض في سوريا (أصوليا–سلفيا)، حتى أن السجون (الأسدية) عرفت الكثيرين من معتقلي الرأي من طوائف غير إسلامية (مسيحية) اعتقلوا وسجنوا عشرات السنوات بتهمة التطرف الأصولي الإسلامي (السلفي)، وإلى درجة أن أجهزة الأمن تصدر اليوم بيانات مزورة تدافع عن أيات بوصفها (سلفية) لتعطي لنفسها شرعية خارجية أمام المنظمات الحقوقية الدولية…
في حين أن الشابة (آيات 18 سنة)، طالبة سنة أولى في الأدب الفرنسي، ومن يدرس الأدب الفرنسي فلا سبيل للأصولية والسلفية والتطرف والعنف إلى عقله النير، وهذا ما يضع على عاتقكم مسؤولية التدخل للتضامن مع محبي ثقافتكم الفرنسية العظيمة.
الصغيرة (آيات) ابنة بيت معتدل، حيث المعروف عن الأب أنه ليس حتى من ممارسي الشعائر الدينية وفق رسالة أمها الموجهة إلى الديكتاتور بشار الأسد تناشده الإفراج عن ابنتها، أما معهد أحمد كفتارو الذي درست به آيات فهو يفترض أنه معهد معترف به رسميا، إذ أن السيد الراحل الشيخ أحمد كفتارو ظل لفترة عقود مفتيا للجمهورية العربية السورية، وهو في نهجه وطريقته أقرب إلى مدارس الإسلام الصوفي الإنساني الذي يريد بشار الأسد أن يضعه تحت سلطته الأمنية مما سبب باعتقال أبناء الراحل كفتارو، إذ أن إسلام التصوف، هو إسلام روحاني يأنف من الزمني والسياسي وعلاقات القوى والمنافع، كما ويرفض أن يكون أداة للحاكم الديكتاتور أسد.
لا نقول ما نقوله عن عدم (سلفية) الصبية الشابة، لتبرئة آيات وأهلها، مثلما أرغمت عواطف الأم نحو ابنتها أن تخاطب الضمير الشيطاني لأسد لتستعطف وجدانه الرجيم من خلال الكشف عن خصوصية عائلية وهي: إن والد آيات لا يصلي ولا يصوم… وذلك رجاء أن يقبله الشيطان (الأسدي) بوصفه من آله وجماعته الرجيمة…!!!
إن إشارتنا لموقف الأم في دفاعها عن عدم صلة ابنتها بالسلفية، إنما نريد منه تكذيب ادعاءات النظام الطائفي الذي يخوض حربه (الأقلوية) الانتقامية ضد الأغلبية المجتمعية الوطنية السورية المقهورة في سبيل المزيد من إشاعة ثقافة الخوف في مملكة الصمت الأسدية فيما سماه السيد حسن نصر الله بـ (سوريا الأسد).
فالنظام الديكتاتوري في سوريا نظام تسلطي شمولي يرفض التعامل مع الإنسان بوصفه “ذاتا”، بل يعامله بوصفه “موضوعا”، إذ يرفض النظر إلى البشر كذوات حرة تتمتع بـ (أناها) القانونية والحقوقية، بل بوصفها موضوعات للإكراه والقسر والسادية للتعبئة والتطويع والتجييش ككائنات عضوية غريزية…
آيات أحمد لم تتمكن سوى أن توصل لنا رسالة واحدة وهي أنها تريد أن يرسلوا لها (دبدوبها)… وعندما وجدت أني لا أستطيع أن أحقق لآيات أمنيتها باستعادة (لعبتها)، ولا يمكن لأهلها أن يفعلوا ذلك، ولا يستطيع أحد من المعارضة السورية أن يوصل هذا الطلب للسيد (الديكتاتور الصغير) بشار أسد، بما فيهم (حزبه البعث أو مجلس شعبه أو جبهته الوطنية التقدمية)، ولا أحد أفراد عائلته المستولية على سوريا سيما أن حرمه تقدم نفسها كمدافعة عن الطفولة السورية…!!!
وكأن كل هؤلاء البشر عاقرون لا أبناء لهم ولا يعرفون مما معنى البنوة وما قيمة الطفولة في عالمنا… حيث القاعدة في سوريا (الأسد)، أن أي فرع من فروع الأمن الكثيرة في وطننا الأسير، يستطيع أن يدخل أي مواطن سوري إلى السجن سياسيا، لكن لا يستطيع الإفراج عنه إلا الرئيس…
تلك هي القاعدة الأساسية التي وضعها الأب المؤسس للطغيان الأسدي في سوريا، منذ تلك الطفلة ابنة الثانية عشر من العمر التي حبسها الأب أكثر من ثلاثة عشر سنة لأنها وضعت له على صورته المنتشرة على غلاف كل الكراسات المدرسية (أذني حمار)، مدفوعة بحدسها البريء أنه لا يمكن لفرد بشري نبيه أن يضع صورة على ملايين الكراسات المدرسية لأطفال المدارس دون السخرية منها، فألهمها حدسها الطفولي أن تنصفه ففعلت عندما وضعت له (أذني الحمار)، فما كان من الأسد الأب إلا أن (ركلها) ثلاث عشرة عاما في السجن حتى خرجت منه كهلة من آثار سياط زمن السجن، فكانت الطفلة السورية البطلة الأولى التي أعلنت وبرهنت في سجنها (عري الملك)، لكن هذه المرة كشفت ليس عريه من الذكاء بل ومن الضمير… ببساطة كشفت أنه طاغية غبي، ككل طغاة التاريخ الأغبياء…!؟
إن عادة سجن الأطفال في سوريا تقليدا لا يثير دهشة أحد يا سيادة الرئيس! إذ أن هناك مئات الأطفال الذين ولدوا في السجون السورية وترعرعوا فيها، بوصفهم أبناء سجينات، فقضوا فترات السجن مع أمهاتهم رأفة بهم من قبل الحاكم السجان بعدم إبعادهم عن صدور أمهاتهم فحبسهم معهن…
كما هو معروف ومشهور مهجع الأحداث في سجن تدمر، الذي ضم في بعض المراحل 147 طفلا تتراوح أعمارهم بين 9 سنوات و13 سنة، وهؤلاء جميعا كانوا رهائن بدلا عن ذويهم الفارين إلى خارج الوطن.”
طبعا ستقول السلطة المتغوّلة المستولية على وطننا سوريا: بأن آيات ( أصولية -سلفية -إرهابية)!
وسيقولون أنها تبث أخبار كاذبة تضعف الشعور القومي…! وتوهن نفسية الأمة ! كما فعلوا مع قادة إعلان دمشق للتغيير السلمي الديموقراطي الذين بدأنا نستقبل بعضهم من الذين أنهوا فترة حكمهم (سنتان ونصف) بالتهم ذاتها، تهمة إضعاف الشعور القومي للتسويق الداخلي، وتهمة الأصولية للتسويق الخارجي، عبر الإدعاء بالدفاع عن لعلمانية التي يغلفون بها فاشيتهم وطائفيتهم….!
إذ أن المفرج عنهم والذين لم يفرج عنهم بعد، ينضوون تحت الشرعية الدستورية المدنية العلمانية، إذ ليس في إعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي (سلفيون)، كما تريد أجهزة النظام الديكتاتوري الإيحاء نحو الصبية (آيات)، بل هناك تيار إسلامي مدني ديموقراطي يدخل في تحالف واسع مع اليساريين والعلمانيين والليبراليين في إطار إعلان دمشق…..
ونظرة إلى الأسماء التي قضت “محكوميتها” (سنتان ونصف) ممن أفرج عنهم، تبطل كل الأكاذيب التي تصدّر إلى الخارج حول مزاعم النظام عن علمانيته و(الأصولية السلفية) لكل معارضته، لقد أفرج حتى الآن عن: أسيرة سوريا الدكتورة فداء الحوراني ابنة أحد رواد الحركة القومية العلمانية في سوريا نائب رئيس الجمهورية العربية المتحدة مع مصر (أكرم الحوراني)، والدكتور أكرم البني (السجين السابق بما مجموعه 23 سنة) وهو – ماعدا تاريخه اليساري العلماني الشيوعي وحاضره اليساري الليبرالي، ينحدر من وسط (مسيحي)، مما يعني أنه لا يمكن أن يكون أصوليا إسلاميا (سلفيا) وجهاديا في أية حالة من الحالات، والأستاذ جبر الشوفي المثقف اليساري ذي التاريخ الشيوعي العلماني، والليبرالي اليساري المتحدر من إحدى الطوائف الإسلامية (الدرزية) التي لا يمكن لها عقديا أن تكون مصدرة للسلفيين… والدكتور وليد البني السجين السابق لخمس سنوات الليبرالي العلماني، والدكتور ياسر العيتي والدكتور أحمد طعمة ممثلا شباب التيار الإسلامي المدني الديموقراطي المستنير الذي انخرط مع تياره في إعلان دمشق للتغيير السلمي الديموقراطي المدني الدستوري، إيذانا بممكنات قيام كتلة تاريخية ديموقراطية تضم كل تيارات الفكر السياسي الديموقراطي (ليبرالية –قومية – يسارية- إسلامية ) تدفع بمشروع الدولة المدنية الدستورية الديموقراطية، دولة القانون واحترام حقوق الإنسان إلى الأمام…
سيادة رئيس فرنسا العظمى دولة حقوق الإنسان: لم أستطع أن أنسى أو أتناسى عندما عرفت أن أجهزة الأمن في بلادي تمنع عن طفلة (لعبتها) في زنزانتها في سجنها الكابوسي الفظيع، فلم أجد سواكم بوصفي ضيفا على بلادكم الصانعة الأولى للحريات في العالم، أن أنقل لكم ألمنا –نحن المثقفون والمفكرون والكتاب والأدباء والفنانون السوريون- وعجزنا تجاه الطفولة المغتصبة في بلادنا والبراءة المنتهكة، عسى أن تصل -إلى سيادتكم- شكوانا ورجاءنا للتدخل للإفراج عن الصبية (آيات)، وصبية في ذات عمرها (طل الملوحي)، والشيخ العجوز (80 سنة) رجل القانون المعروف هيثم المالح، وإذا ما أمكن أن تقنعوا النظام السوري أن يفرج عنهم-لأنه معروف عنه خروجه على القانون وإدارته ظهره للعالم والشريعة الدولية التي يبتزها عبر أخذ أبناء شعبه رهائن – فإذا رفض الإفراج عنهم، فعلى الأقل أن تطالبوه أن يستجيب لأمنيات الصبية باستعادة (دبدوبها) ليؤنس طفولتها المستباحة في أقبية المخابرات، بدلا من شائعاته وادعاءاته المزيفة عن دوره الإنساني في الإفراج عن الصبية الفرنسية (كلوتيلد)، فليكن على الأقل عطوفا بأبناء شعبه بدل التبجح بأنه منقذ لبنات فرنسا…!
إن النظام السوري ألغى المجتمع السوري واختزل ملف سوريا إلى ملف سلطة (مافياتها) المستولية على البلاد والعباد، ولذا نرجو- يا سيادة الرئيس- أن تتذكروا دائما عندما يعرض أمامكم الملف السوري أنه يختصر سوريا إلى أن يكون ملف سلطتها الشمولية : بأنه ملف ملوث بالدم والألم والعذاب البشري..وحرمان آيات من (لعبتها )…
فنحن نخشى على مصير معتقلينا سيما (آيات)، التي عرفنا أنها تتعرض لتعذيب وحشي همجي يمكن أن يكلفها حياتها في ظل قانون يبرئ ممارسي التعذيب من (جرائم) القتل في السجون السورية…
هل تتصور –يا سيادة الرئيس- أن هناك مرسوما جمهوريا، يدافع عن الجريمة صراحة وبعلنية لا تصدق.. وذلك عندما يقول بأن أجهزته الأمنية من حقها أن تقوم بـ(الجرائم) دون أية ملاحقة قانونية… إذ صدر المرسوم رقم 14 لعام 1969 أي في زمن البعث الحاكم استمرارا حتى اليوم، فنصت مادته 16 “على حماية العاملين في أمن الدولة من الملاحقة القضائية إذا ارتكبوا ( “جرماً”)، وتم تأكيده وتجديده في صيغته ذاتها في زمن الأسد (الابن)، الذي لا يستحي أن يشارك في أعياد الثورة الفرنسية…
نعم يا سيادة الرئيس : إذا لم يكن بالإمكان مناشدة بربريتهم الهمجية بالإفراج عن (آيات) لما يرعب وحشيتهم من براءة الأطفال، فعلى الأقل أن يسمحوا لها بوصول (دبدوبها) إلى زنزانة سجنها… إننا نناشد فيك: ضمير فرنسا الحرية الذي تربى على مبادئ حقوق الإنسان التي قدمتها فرنسا هدية عظيمة للبشرية، والتي رأس معانيها دلالة مقولة (كانت): تسقط كل الأفكار والعقائد العظيمة أمام انتهاك ابتسامة طفل… إنهم ينتهكون في بلادي سوريا ابتسامة الأطفال يا سيادة الرئيس…
mr_glory@hotmail.com
* كاتب سوري- فرنسا