أجرى المقابلة “أمير مير” في لاهور
للوهلة الأولى، يبدو البروفسور حافظ محمد سعيد، مؤسس جماعة “عسكر طيبة”، وأمير “جماعة الدعوة” حالياً ، مجرّد شخص أكاديمي يميل للمرح يبتسم بسهولة ولا يفارق غطاء الرأس التركي الذي يضعه على رأسه. ويرتدي حافظ محمد سعيد الزي الذي يسمّيه الباكستانيون “شروال قميص”، وهو “شرقي” للغاية في ملبسه وعاداته. وهو ودّي ومتواضع إزاء من يصغون باهتمام إلى أقواله. والأرجح أن كل علاقته بمنتجات التجميل تنحصر في “الحِنّة” التي يصبغ بها لحيته الطويلة- وتلك سمة مألوفة لوجهٍ مألوف في هذا الجزء من العالم. وإذا تمعّنت فيه جيّداً، فإنه يتعمّد التهرّب من الكاميرات. إن هذا الرجل الذي تندر صوره يؤمن بأن الإسلام يحرّم “أسر” الصور البشرية. أما “أسر” البشر أنفسهم، فذلك موضوع آخر!
السورة المفضّلة لحافظ سعيد هي “وجاهدوا في سبيل الله”. ونظرته للعالم مباشرة وبسيطة: فقد “أمر الله كل مسلم بالجهاد حتى يقوم حكم الإسلام”، حسب قوله، مضيفاً “نحن لا نملك سوى خيار إطاعة الله”. البروفسور، إذاً، يتّبع الأمر الإلهي. وأداة الأمر الإلهي هي “الجهاد”. وتدعو جماعة “عسكر طيبة”، وجناحها السياسي المسمّى “المركز”، منذ سنوات عديدة لتوسيع “الجهاد” إلى كل أنحاء الهند من أجل خلق دولتين مستقلتين للمسلمين في جنوب وفي شمال الهند. وكحطوة أولى، فإنها تدعو إلى تكثيف النشاطات الجهادية في “حيدر آباد” (بعد إستقلال الهند، أصبحت جزءاً من ولاية “أندرا براديش”) و”جُناغاد” (باتت جزءاً من ولاية “غوجارات”). إن الصوت الوحيد الذي يصغي إليه البروفسور هو صوت الله. وهو يقول أن “الله، سبحانه وتعالى، أمر بالجهاد، ولا يستطيع أحد أن يوقف الجهاد”. إن البروفسور حافظ سعيد يمسك أعنّة الجهاد بيديه. ويجدر بنا أن نتذكّر دائماً أن البروفسور شخص يتّسم بالورع الشديد.
ما يلي مقتطفات من مقابلة مع البروفسور حافظ محمد سعيد في لاهور:
• ما تعليقك على المزاعم الهندية بأن باكستان متورّطة في هجمات مومباي؟
– مثل أي وطني باكستاني، فإنني أنفي هذه المزاعم بشدّة. هنالك إنطباع سائد بأن القيادة الهندية تستخدم باكستان كذريعة من أجل تغطية فشلها الداخلي. بدلاً من إلقاء اللوم على باكستان، كان جديراً بالهند أن تتصرّف كدولة مسؤولة، وأن تتحلّى بالصبر، وأن تركّز على التحقيقات الجارية من أجل تحديد المذنبين الحقيقيين في هجمات مومباي. هذه ليست أول مرة يحمّلون باكستان مسؤولية إخفاقاتهم، مع أن أياً من إتهاماتهم السابقة لم تترافق مع أدلّة. ودعني أذكّرك بأن القيادة الهندية سارعت إلى اتهام باكستان بالتخطيط لمأساة قطار “سامجوتا” السريع في العام 2007 ومأساة “ماليغاوون” في العام 2008. ولكن الوقائع تشير إلى أن أجهزة الأمن والمخابرات الهندية انتهت إلى اعتقال ضابط هندي، هو العقيد “بوروهيت”، الذي كان العقل المدبّر لهذه العمليات.
• لكن سلطات الهند تؤكّد أن الإرهابي الوحيد الذي ظلّ على قيد الحياة بعد هجمات مومباي أقرّ بأنه عضو في “عسكر طيبة” وبأنه جاء من باكستان؟
– بعد كل عمل إرهابي كبير في الهند، فإن المسؤولين الهنود يتحدّثون عن مثل هذه الإعترافات المختلقة. والواقع أن سلطات الهند ليست مهتمة على الإطلاق بإجراء تحقيقات سليمة حول حادثة مومباي. كل ما يرغبون به هو إلقاء اللوم على باكستان التي سارعوا إلى تسميتها حتى قبل انتهاء العملية.
• هل تقصد أن “عسكر طيبة” ليست متورّطة في هجمات مومباي كما يزعم الهنود؟
– من الناحية الفنّية، أنا لست مخوّلاً التصريح نيابةً عن “عسكر طيبة”. فأنا أمير “جماعة الدعوة” ولا صلة لي بـ”عسكر طيبة”. لكن، يمكنني أن أقول، بكل ثقة، أن “عسكر طيبة” لا تؤمن بقتل المدنيين. وقد بلغني أن ناطقاً بلسان “عسكر طيبة” في “سريناغار” قد نفى المزاعم الهندية حول تورّط جماعته في هجمات مومباي، وأعلن أن توجيه هذه الإتهامات يهدف للإساءة إلى النضال من أجل تحرير كشمير.
• لكن السلطات الهندية ما تزال تعتقد أنك، أنت، المسيّر الحقيقي لـ”عسكر طيبة”، وربما كان ذلك ما دفعهم لمطالبة باكستان بتسليمك لهم؟
– لقد تخلّيت عن منصب “أمير” جماعة “عسكر طيبة” في ديسمبر 2001، وأميرها الحالي هو “مولانا عبد الواحد كشميري” الذي يقيم في “سريناغار”.
• تزعم سلطات الهند أنك ما تزال تتمتع بدعم جهاز الإستخبارات المشترك (أي إس أي) وأن جماعتك تقيم صلات مع “القاعدة”؟
– ليقولوا ما طاب لهم. لا يهمّني ماذا يقولون. فسأواصل نشر رسالة الله تعالى رغم كل الضغوط، مدركاً بأن الهنود سيواصلون نشر الأكاذيب في المجتمع الدولي حول صلاتنا المزعومة بـ”عسكر طيبة”، ومع الـ”أي إس أي” و”القاعدة”.
• هل لديك تعليق على مطالبة الهند بتسليمك بناءً على اتهامات بدورك في أعمال الإرهاب؟
– لا يسعني أن أمنع الهنود من التقدّم بمثل هذه المطالب التي لا تمثّل سوى محاولة مكشوفة لتحويل إنتباه الشعب الهندي عن الفشل الأمني والمخابراتي الكبير جداً الذي سمح بوقوع هجمات مومباي. إن “جماعة الدعوة” لا تهتمّ سوى بالرعاية والخدمات الإجتماعية، وكل الناس في باكستان تعرف نشاطاتنا. وبغض النظر عن ذلك، دعني أوضح أنه لم يسبق أن صدر ضدي حكم قضائي سواءً في باكستان أو الهند. من جهة أخرى، فما تزال أمام محاكم باكستان قضية جنائية اتُّهم فيها زعيم “حزب الشعب الهندي”، ل.ك. أدفاني، بأنه كان العقل المدبّر عملية إغتيال “القائد الأعظم محمد علي جناح”، ومع ذلك فلم تطالب باكستان بتسليمه.
• لا بدّ أنك سمعت حول إمكانية شنّ ضربات جوية هندية ضد مركز قيادة “جماعة الدعوة” في “مورديكي”، التي يعتبرها الهنود مخبأ للإرهابيين. ما تعليقك؟
– سيكون مؤسفاً جداً إذا ما لجأت الهند إلى مثل هذه الهجمات لأن “مركز مورديكي” مخصّص فحسب للنشاطات الثقافية. أنا أنفي وبشدّة أن يكون في “مركز مورديكي” أية مرافق ذات صلة بالجهاد. إن الهدف الوحيد للمزاعم الهندية هو التأثير بالمجتمع الدولي، الذي ينبغي له أن يدرك أنها مجرّد مزاعم.
• ماذا سيكون ردّك لو عمدت الهند فعلاً إلى قصف “المركز”؟
– سيكون على حكومة باكستان وجيش باكستان أن تقرّر كيف ستردّ وبأية طريقة على مثل هذه المغامرة الهندية. إن الجيش هو المسؤول عن الدفاع عن حدود باكستان الجغرافية ضد أي عدوان خارجي. ومثل أي وطني باكستاني، فسنقف خلف قواتنا المسلحة إذا ما اعتدى الهنود على سيادة باكستان.
.
amir.mir1969@gmail.com