ثمّة إشارات متزايدة توحي بارتباك العلاقة السورية الإيرانية، ترافقها مظاهر “نرفزة” تجاه دمشق لدى الإيرانيين برزت خلال عملية السيطرة المسلحة على بيروت مطلع أيار (مايو) الماضي وما تلاها من تطورات كان أبرزها التوصل إلى إتفاق الدوحة حيث بدا ان النظام العربي الرسمي يداري إيران ويحاول ان يجذب سوريا إليه.
وكان لافتاً في هذا الإطار كلام عالي النبرة يصدر في طهران عن الدكتور علي لاريجاني عقب توليه منصب رئيس البرلمان حول “انتصار إقليمي” حققه حزب الله في لبنان نتيجة اختراق الخط الأحمر للفتنة الشيعية السنّية ورفع علم “ولاية الفقيه” في عاصمة عربية رمزية بامتياز هي بيروت. وتزامناً مع إعلان التقدم في المحادثات السورية ـ الإسرائيلية عبر تركيا استقبل المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” الفلسطينية خالد مشعل، وجاءت تصريحات المرشد في هذه المناسبة لتندد بأولئك الذين يسلكون طريق المفاوضات لانتزاع حقوقهم المغتصبة من الإسرائيليين. وإذا أضفنا ابتعاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير عن الموقف التقليدي للمقاومة بالتشديد على انها لم تعد تحتاج إلى إجماع وطني، نقترب من تلمس حالة اهتزاز للعلاقة الإيرانية السورية، وكأن كل من الشريكين يوضب أوراق حساباته في إطار شركة قد تكون معرّضة للتفكك، أو كأن كل واحد منهما يريد ان يعرف مقدار حصصه تحوطاً لتطور ما مفاجئ ولو كانت الشركة غير مرشحة للحل.اما بقاء وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي يومين في بيروت عقب حضوره مراسم تنصيب الرئيس ميشال سليمان. وإصراره على ان يكون المسؤول الاجنبي الأول الذي يستقبل في قصر بعبدا في العهد الجديد، فإنه من نوع “الظهور” الذي ينطوي على “رسالة” تعني انه بات لإيران حصة مباشرة في لبنان وانها مصرة على العمل فيها سواء بالصدام مع الآخر أو بالتفاهم مباشرة معه، وان لبنان لم يعد ورقة بيد سوريا في حين لم يعد اللاعب الإيراني احتياطاً للورقة السورية.
هذا لا يعني ان الشريكين السوري والإيراني عازمان على الطلاق، ولكن الظروف الموضوعية التي تحكم التقدم على المسار التفاوضي السوري ـ الإسرائيلي، قد تضفي صفة عادية على العلاقة السورية ـ الإيرانية، بحيث تنزع عنها قيمة الترابط الحيوي والمصيري، خصوصاً بعدما أبلغ الرئيس السوري بشار الأسد وفداً بريطانياً في الآونة الأخيرة ان المحادثات السورية ـ الإسرائيلية إذا سجلت تقدماً فإنه يصبح من المفيد والضروري للبنان ان يذهب بدوره إلى التفاوض مع إسرائيل، ما يعني انتفاء الحاجة إلى “الوظيفة الإقليمية” لحزب الله بدخول قضية مزارع شبعا مرحلة الحل الديبلوماسي الفعلي.
في أي حال، ان المسألة الآن ليست ان تنجح المحادثات السورية الإسرائيلية أو لا تنجح، بل كونها تمثل متغيراً اقليمياً يُظهر قطيعة مع واقع كان سائداً الشرق الأوسط حتى الأمس، وبالتالي تخلق نوعاً من التوتر مرده إلى ان كلاً من الشريكين السوري والإيراني لا مفر من ان يحاول توضيب أوراقه. ولا ننسى في هذا الشأن أنه إذا جاء الجمهوري جون ماكين إلى البيت الأبيض في واشنطن، فإنه سيعمل بالتأكيد على “تشليح” إيران أوراقها الاقليمية وأبرزها الورقة السورية الحيوية لجهة عملية الربط بالصراع العربي ـ الإسرائيلي عبر “حماس” و”حزب الله”.
وتفيد التصريحات الصادرة عن مجمل المؤسسة الحاكمة الأمنية ـ السياسية في إسرائيل، ان العملية التفاوضية مع سوريا جدية سواء بقي ايهود أولمرت على رأس الحكومة الإسرائيلية أم لا، ما يعني ان الطرفين لهما مصلحة في “عملية التفاوض”، وان سوريا ليست مضطرة إلى التخلي عن مجموع أوراقها الاقليمية (على الأقل في بداية المطاف) ما دامت ملتزمة قواعد اللعبة التي من شأنها ان تغيّر بعض السلوكيات السورية حتى قبل ان تصل المفاوضات إلى الغايات المستهدفة، بحيث لا يأتي التحول في السلوكية السياسية لمصلحة “حماس” أو “حزب الله” أو السياسة الإيرانية الإقليمية.
الخلاصة ان من المفيد جداً الآن التنبّه لتعقيدات ومفارقات الحالة السورية ـ الإيرانية، في الوقت الذي ولج لبنان مرحلة انتقالية دقيقة قد تشهد تجيير بعض مظاهر الاضطراب لحساب هذا الشريك أو ذاك، كأن يندفع أصدقاء إيران على سبيل المثال، إلى رفع درجة تشددهم لكونهم يحتاجون إلى شيء في يدهم بمعزل عن الوصاية السورية.. أو إلى العرقلة في مكان ما بهدف احراج سوريا أو جس نبضها (testing) أو للقول “تعالوا احكوا مع إيران ولا تفكروا انه يكفي الحديث مع سوريا”.
كل هذه الأمور تدخلنا في مرحلة إعادة بناء التوازنات، وقد تعرف خلالها العلاقة السورية ـ الإيرانية بعض الاهتزازات التي لا يمكن ان ترى بالعين المجردة من دون ان تطيح العلاقة ما دام الطرفان بحاجة لبعضهما البعض وان في ظل شيء من النفور بينهما أو عدم الانسجام.
المستقبل
http://almustaqbal.com/stories.aspx?StoryID=293720