من حق المشفى الوطني في السويداء، أن يفخر بنفسه، كونه من المؤسسات العامة الكثيرة التي دشنت في عهد الوحدة، أيام / الرئيس جمال عبد الناصر/ وقد يكون، المشفى الميداني الأول في المنطقة الجنوبية. حيث بدأ بطاقة استيعاب تقدر بحوالي 200 سريراً، إلى مرحلة متقدمة من التوسع تفوق 500 سريراً، مع أقسام متعددة تغطي كافة الاختصاصات.
لكن، بعد حوالي 50 عاماً من بدء العمل به، تغير الواقع كثيراً؟؟ من خدمة مثالية أيام زمان، في مجال العمل الإنساني، وتقديم كل إمكاناته المتواضعة إلى جموع المرضى، من كافة أنحاء القرى المترامية في المحافظة، وكل ذلك بدون تذمر أو انزعاج. إلى عكس ذلك للأسف حالياً في كل المجالات!!!
وكوننا نريد الأفضل، لا ينبغي أن يكون هناك أية سلبيات تذكر، محاولين تسليط الضوء إلى تخفيفها، أو إزالتها بالكامل، لتصبح بذلك كل المشافي والمراكز الطبية في سوريا وطنية بكل ما للكلمة من معنى. وقصة التوسعات والملحقات التابعة للأقسام وانهماك الإدارة في ذلك. باتت عندها متابعة التفاصيل الأخرى ثانوية، والتي من شانها أن تساهم في إتمام الأمور من كل الجوانب بشكل أفضل؟؟؟.
فأسلوب (المناقصات) للترميمات والرقيعات المتواصل والمتبع في مشفى السويداء منذ أكثر من عشر سنوات، كفيل بإنشاء أفضل مشفى جديد بكل التجهيزات اللازمة ؟؟؟.أو على الأقل ساهم بإتمام العمل في مشافي المحافظة الأخرى، مثل مشفى شهبا الحكومي (المنسي) منذ مدة؟؟ أو المساعدة في الإقلاع الصحيح لمشفى صلخد بكل الاختصاصات، والذي استمر البناء فيه لأكثر من (20) سنة متواصلة. وليس المهم أن تتم زيارات المسؤولين (المفاجئة) للمشفى كنوع من الواجب فقط، بل من المفيد أن تشمل كل جوانبه وأقسامه، بعيداً عن الشكليات والمظاهر الخادعة، والمجهزة بكل التفاصيل لخريطة سير المواكب الزائرة، وبعلم مسبق من كل العاملين بالمشفى؟؟
بعض الحوادث المؤسفة:
وفي هذا السياق، لابد أن نشير، إلى سياسة جديدة متبعة في كثير من الأقسام، وهي ظاهرة تهريب المرضى إلى (المشافي الخاصة)، وهذا ليس بخفي للأسف؟؟ وقد يلمس بشكل ظاهر وجلي، خاصة في قسم الولادات؟؟؟ أو(للعيادات الخاصة بالأطباء)، وبعضاً من الاخصائين يزورون مرضاهم قبل وبعد العمليات الجراحية من باب (رفع العتب!!) فقط، مع ترك بطاقة تشير إلى مكان العيادة، وأوقات الدوام، وأرقام الهواتف فيها، وذلك للمراجعة بعد العملية، أو لفك قطبها!! ناهيك عن مدة دوامهم، والتي لا تتجاوز في حدها الأعلى ساعتين يومياً؟؟.وكم هو مسكين ذلك المريض، الذي يدخل المشفى بعد الظهر في كثير من الأحيان، حيث لا يوجد إلا طبيب الإسعاف المقيم، الذي يقوم بكل الأمور، من استقبال، وتشخيص، ومن ثم توزيعه إلى القسم المختص بمرضه، ليرقد هناك بسلام مع جرعة مسكنة لآلامه، لينظر بأمره في صباح الغد، (إن بقي على قيد الحياة) لحين (زيارة الأطباء) المختصين (الساعيّة) إلى المشفى؟؟ (كون الاتصال ليلاً بأحدهم مقطوع في حالات كثيرة!!).
وحوادث الأخطاء الكثيرة في التشخيص، تقض مضاجع كل من يدخل إلى المشفى الوطني مريضا كان، أو في أية حالة اسعافية، والقصة الحزينة التي أودت بحياة شاب لم يتجاوز الثلاثين عاماً ماثلة للعيان، حيث بدأت الحالة من ارتفاع حروري حاد، بدأ علاجه في قسم الداخلية دون جدوى، ثم إلى قسم الكلية للاشتباه بان السبب التهاب في الكليتين، وبعد فترة وعند انخفاض الحرارة… إلى البيت، ليقضي بين أهله ساعات معدودة، قبل تدهور حالته العامة مجدداً، ومن ثم اسعافياً إلى المشفى، ليكتشف السبب بعد فوات الأوان، إلى التهاب حاد في اللوزتين (خرج عن السيطرة) وأمام تفاقم الحالة، إلى قسم القلبية في العناية المشددة… ومن هناك للأسف….. إلى مثواه الأخير.
وما حدث مؤخراً للطفل (ط) ابن العشر سنوات، من شلل عطل حركة رجله بالكامل، بعد حقنه بإبرة مسكنة؟؟، في أحد المراكز الطبية؟؟ إلا دليل واضح على الاستهتار الذي أصاب صحتنا العامة!!.
أمام هذه الحالات المؤسفة، لا يسعنا إلا القول: بأن تجارب البشرية جمعاء، لم تتطور بشكل ايجابي، إلا بالاستفادة المثلى، من كل التجارب والمحاولات والأخطاء، للذين سبقونا في كل المجالات، وأهمها المجال الطبي، كونه يهم الجميع بدون استثناء. وإن تسليط الضوء على حالة ما، ما هو إلا خوف من تكرارها.
دوام الكادر الطبي وهمومه:
والحديث في أمر دوام الأطباء المتعاقدين مع المشافي ذو شجون من كل جوانبه؟؟ فلو كانت رواتب وأجور هؤلاء الأطباء مقنعة – هل سيفكرون في فتح عيادات خاصة؟؟ وهذه الملاحظة تفسر سبب عزوف الأطباء المختصين للتعاقد مع القطاع العام؟؟ والجانب الآخر المتعلق ايضاً بسياسة التوظيف تلك – حيث لا يوجد (إلى الآن) قوانين واضحة للعاملين من الأطباء في القطاع العام، تحتم على المتعاقدين منهم الالتزام بالدوام الكامل في المشافي والمراكز الطبية؟؟ وذلك بسبب (تأخر) قانون التفرغ للأطباء المختصين المطروح للحسم منذ سنوات؟؟ وهذا الأمر، ينقلنا بالضرورة، إلى الوضع الصعب الذي يمر به العدد القليل من الأطباء المقيمين، وفترة مناوبتهم الطويلة، والتي قد تستمر إلى حدود 36 ساعة متواصلة، وحتى خمسة أيام؟؟، دون الاهتمام بحاجتهم الأساسية، المتعلقة بالسكن المريح، ونوعية الطعام المتردية في كل المشفى، وإصابتهم بالإرهاق المتواصل (طبيب مقيم واحد فقط في كثير من الأقسام)، يحتم عليهم البقاء تقريبا طيلة فترة المناوبة، في توتر دائم، وفقدان للراحة بسبب انعدام وندرة ساعات النوم الضرورية لهم؟؟
مشكلة أعطال الأجهزة الدائمة:
ولنطرق أمراً آخر، على جانب كبير من الأهمية يتعلق بالتقنيات والأجهزة (المريضة أو المتمارضة) في المشفى؟؟
و يتم حاليا تداول قصة العطل الدائم الذي أصاب جهاز التصوير (الطبقي المحوري) والذي ترافق عطله بأن يأخذ دوره (بقدرة قادر) جهاز مشابه له (للمصادفة) في احد المشافي الخاصة؟؟؟ ولسان حال المسؤولين عن الأمر: بأن الشركة الأساسية حصرياً هي المسؤولة عن أمر إصلاحه، ونحن بدورنا ننتظر نتيجة المراسلات بين وزارة الصحة والشركة المعنية لإصلاح الجهاز. والمرضى في دوامة يائسة بسبب هذا، وما حادثة نقل المريض (س) ليتم تصويره في مشفى صلخد، وتوقف قلبه فجأة في منتصف الطريق، واضطرار سائق سيارة الإسعاف للعودة به إلى حيث كان، ليتم إعادته إلى الحياة مجدداً (و لله الحمد) بالصدمات الكهربائية.إلا شاهد فاضح على الحال التي وصلت إليها مشافينا؟؟
– لمصلحة منّ؟؟ لم يتم إصلاح الأجهزة الأخرى، الكثيرة والمتكررة الأعطال، مثل (التصوير الإشعاعي) و(أجهزة تخطيط القلب أو الطابعة الملحقة أو نفاد الورق الخاص بها) و (جهاز الايكو):
– إذا كان لمصلحة العيادات الخارجية الخاصة، فهذا الأمر- يعود للأطباء المختصين في المشفى – مع من يساعدهم في إهمال تلك (الأجهزة الخاصة بأمراض العيون أو أجهزة تخطيط السمع لمرضى الاذنية) أو تعطيلها؟؟ حيث، يوجد في المشفى جهاز تخطيط منذ (عصر الجاهلية)، وبدون غرفة معزولة وخاصة بالتخطيط الأمثل، بل في مطبخ قديم!!!
– أو لمصلحة المشافي الخاصة والكثيرة – الرابحة طبعا والتي لا يكفيها، ما تأخذه من المواطنين الفقراء والأغنياء، سواء بسواء!! دون النظر من باب الرحمة، إلى الفرق بينهم!! لتقديم الخدمات المحولة إليها من المشافي العامة، كون أكثر الأطباء المتعاقدين مع المشفى الوطني، شركاء في المشافي الخاصة، وذلك بعلم الجميع!!
– وان كان الأمر إراحة للعاملين على تلك الأجهزة؟؟، فاكتظاظ طواقم التمريض في كل ركن من أركان المشفى شاهد عيان على ” البطالة المقنعة ” والراحة المثلى للعاملين في المشافي والمراكز والنقاط الطبية المتعددة في كل القرى والمناطق وموظفيها (المأجورين) والعاطلين نسبياً عن العمل!!
– أو إن سبب التقصير بالكامل هو سياسة الفساد والإفساد المتبعة في كل جوانب ومؤسسات القطاع العام وخاصة (طواقم ورش الإصلاح) و(الأيادي الخفية المرتبطة بمصالحها الكائنة خارج المشفى؟؟) والرقابة وكافة المسؤولين في المشفى؟؟
وللعلم لا يوجد في المشفى الوطني حتى الآن جهاز لتفتيت (البحصة) في الكلية وتوابعها، فيضطر المريض في هذه الحالة، للسفر إلى درعا للقيام بذلك – لقربها – أو- ليس له من سبيل إلا المشافي الخاصة وتكاليفها الباهظة إذا كان من ميسوري الحال، أما الفقراء، وما أكثرهم في هذا الوطن، فليس لهم في كل نوبة رمل – إلا- التضرع (لله) لمساعدتهم على قضائها؟؟.
ومن بعد ذلك، أمر التحاليل الطبية يستوجب التساؤل: فأغلب التحاليل المكلفة تهرب إلى المخابر الخارجية، بحجة فقدان المواد الخاصة بهذا التحليل أو ذاك، أو عطل مفاجئ في أجهزة التحاليل، أو أجهزة التعقيم؟؟
مشاهد مزعجة:
– ثمة أمر لم أجد له أي تفسير ويتعلق بالكرامة الإنسانية لكل من يدخل (حرم المشفى) بغض النظر عن كل الظروف الأخرى،؟؟ ” أيعقل ” أن نرى في قسم القلبية وبالتحديد في غرف العناية المشددة مريضاً يتجاوز عمره / 70 / عاما مكبلة قدماه بالسلاسل الثقيلة المربوطة بالسرير وقفل بحجم اليد، وزد على ذلك شرطياً بكامل قيافته، يجلس على بابه يراقب كافة تحركاته؟؟
و المشهد السابق نفسه بكل تفاصيله، يتكرر لمريض آخر في قسم العظمية، توضع جبائر الجفصين فوق أرجله المكسورة إضافة إلى فكيّه ويده بسبب حادث سير أليم؟؟
– الوساطة، والمعارف، وأقارب النافذين في السلطة، والرشاوي الكثيرة التي تقدم للأطباء والممرضين، لتقديم مواعيد العمليات على حساب المرضى الآخرين الذين ليس لهم من يتكلم بأمرهم؟؟
– النظافة أمر هام، وهي مرآة أي عمل يقابلنا في أي مكان نتجه، وخاصة في المشافي، ولا نريد الخوض في ذلك كون رائحة النشادر، والدوار والغثيان المرافق لها، والبرك العائمة في الحمامات تنسينا مانحن بصدده، وخاصة في الأقسام المرمّمة والمسلّمة قبل انتهاء العمل فيها؟. وخاصة في قسم الأطفال وما فيه من سوء في الانجاز؟؟
– عدم تنظيم مواعيد الزيارات، حيث من الممكن أن ترى زواراً في أقسام كثيرة من المشفى، يقومون (بالسيران) في الساعة الثانية عشر ليلاً!!.وكأنهم في حديقة عامة؟؟
– إن رؤية الحيوانات من مختلف الأنواع، في بعض أقسام المشفى (الكلاب والقطط والجرذان) يطرح أكثر من تساؤل؟؟ وخاصة بالقرب من غرف العمليات؟؟
اقتراح مجاني:
وهل لنا أن نطرح رأياً متواضعاً من باب المساهمة في حل مشكلة (نقص التمويل للمشافي العامة) والاقتراح هو: عبارة صندوق أشبه (بصندوق التكافل الاجتماعي) ويتمثل بوضع إيصال إجباري بقيمة رمزية لا تتجاوز / 100 / ليرة سورية لكل من يدخل بحالة مرضية إلى المشفى، ويبقى هذا الإيصال مع المريض لحين خروجه ، فلو فرضنا إن عدد رواد المشفى في الشهر / 1000 / مريض، لتراكم لدينا كتلة نقدية شهرية تقارب / 100000 / ليرة، تخصص في سد أكثر من ثغرة في جدار المشفى، من إصلاح متواصل لبعض الآلات المعطلة، وأمور طارئة أخرى كثيرة.. منها شراء الأدوية والعقاقير المرتفعة الثمن، والتي يقوم نزلاء المشفى- المرضى- مجبرين بشرائها من الصيدليات الخارجية؟؟.
ونتمنى أن يكون هذا المبلغ الرمزي، بديلا مجدياً أكثر من نظام (البطاقة الصحية) الإجباري، والمعمول به منذ مدة قصيرة في المحافظة، والذي أربك كافة المواطنين المحولين إلى المشفى، (من إضاعة للوقت بدون جدوى، وتكاليف إضافية ترتب عليهم) بشكل عام، ومرضى الاحتشاء القلبي، وإسعاف النساء الحوامل إلى قسم الولادة بشكل خاص!!
أخيراً:
إننا في هذه العجالة، لا نتحدث عن هذه الأمور (المقلقة بشكل مخيف) في كافة مشافينا الحكومية من باب (التشفي)، أو الإساءة لأي كان (لا سمح الله).
– فعندما يتكرر الحديث، وبشكل يومي عن (الانجازات العظيمة) التي تقدم للمواطنين، وخاصة خدمات القطاع العام (الصحة مثلاً)، (تشتعل الأكف بالتصفيق). وفي حال الشكوى العرضية من قبل احد هؤلاء المواطنين، ولو مرة، من دخله المتواضع بشكل خجول ، أول ما يتطرق له المسؤولون (البعثيون) في كل خطابتهم الرنانة؟؟ (الطبابة المجانية، نعم الطبابة المجانية)، وما يقدم (للشعب) في قطاع الصحة، من خدمات تطال الجميع (دون استثناء)؟؟ وعند هذا الكلام فقط، لا نرضى أن يكون – حقنا – في الخدمات الصحية أو العلاجية ناقصاً في أي جانب من جوانبه.. بعكس كثير من الحقوق المنسية، والتي تمس حياتنا اليومية في كل تفاصيلها، والتي لا مجال للخوض فيها الآن..
إن المواطن المسكين في بلدي، يكفيه مايلاقيه من شظف الحياة، ومشاكلها، وارتفاع الأسعار، وشح الموارد، ومحدودية الرواتب والأجور، والضرائب الكثيرة التي تثقل كاهله، والتكاليف المرتفعة لمصاريف المدارس والجامعات ومتطلباتها، ناهيك عن أمراض العصر العديدة، التي أصبحت تطفو على السطح بشكل رهيب .
فأمام كل ذلك، من سوداوية حياتنا، ليس لنا إلا المشافي العامة، لنلاقي فيها ما فقدناه في أيامنا من العطف، والرأفة، والرحمة، والراحة اللازمة لاستمرارنا مستقبلاً (على وجه البسيطة) أحياء!!. قبل أن نصبح جادين بالبحث عن أماكن لنا في مصحات الأمراض النفسية غير الموجودة حالياً في المحافظة والتي قد نحتاج إليها مستقبلاً.. وعسى أن لا نحتاجها أبداً…. آمين.
marwanhamza@maktoob.com
شهبا – السويداء (سوريا)