تتفاوت الانتماءات بين ان نكون محليين في دولنا العربية المختلفة او ان نكون عروبيين نتجاوز هذه المحلية. وتتفاوت المشاعر والاراء بين ان نكون محليين وعالميين او مسلمين ووطنيين في ظل اوضاع عربية متغيرة . ففي الشخصية العربية اليوم تداخلات كبيرة وقلق متواصل يشعر بها كل عربي كما ويعيشها كل مسلم. فمن نحن في بلادنا العربية؟ هل نحن احفاد من فتحوا المعمورة ونشروا الاسلام وتمددوا عبر التاريخ والحضارات، ام نحن سعوديين وكويتيين ولبنانيين نتاج بناء الدولة الوطنية في القرن العشرين وسقوط الدولة العثمانية؟ وهل سنكتفي بهذه الحالة ان سنسعى لتجاوزها بوسائل مختلفة وطرق عديدة؟ ام نحن مسلمين اولا او ثانيا ام اقباط ام نحن سنة او شيعة ام مسيحيين ام اكراد ام—-؟ سؤال الهوية لا زال سؤالا كبيرا في عالم عربي غني بالهويات وبالتاريخ ولكنه حتى الان يقوم على تناقض الهويات وتواجهها لا تصالحها وتكاملها.
في المرحلة القومية التي تصاعدت في الخسمينات من القرن الماضي تداخلت الهويات العربية في اطار حركة سياسية واحدة هدفها وحدة العرب. و تبين مع الوقت ان وحدة العرب السياسية ليست ممكنة في المدى المنظور وان ما يفرقهم هو الاخر كبير بغض النظر عن اسبابه المحلية والخارجية. بل تبين ان الوحدة التي تقوم على العصبية ورفض الاخرين من سكان المنطقة اكانوا اكراد ام بربر ام ايرانيون ام شركس واشوريين هو الاخر يضعف القومية العربية بصفتها الجامعة. ان القومية العربية في اوج تطورها تصادمت مع المشاعر الوطنية والقطرية والمحلية ولم تسعى لا ستيعابها وتفهمها لتقوية الفكرة القومية. لقد وقع التيار القومي العربي في اخطاء الفرز ووجد نفسه يسبح في بحر لا يستطيع ان يوحد كل مياهه وسط تداخلات دولية واقليمية. تراجعت القومية بقيادة جمال عبد الناصر وحركات سياسية عديدة خاصة بعد هزيمة ١٩٦٧ ونتائجها الاقليمية. ومع ذلك لازال للقومية العربية ارضية، ولازال للاطار الجامع مكانه، لكن ذلك امر مرتبط بأعادة تعريف وتطوير واستنهاض.
لكن التاريخ سار بطريق اخر، اذ برز مكان القومية فكرة قومية اخرى وهي الالتزام تجاه القضية الفلسطينية والسعي لبناء حالة من التألف بين دول العرب وواقعهم في طريق تحرير الارض واستعادتها ومواجهة العدو الخارجي. في هذا برزت الثورة الفلسطينية العربية كحالة عربية امتصب طاقات اجيال من الفلسطينيين و العرب في بلاد المشرق والخليج والعالم العربي الاوسع. لكن حروب عدة ومواجهات كثيرة مع اسرائيل وردود فعل الدول العربية التي استضافت العمل الفدائي ضد اسرائيل ادى مع الوقت الى تراجع الظاهرة في مرحلة انتشارها. لكن تراجعها الرئيسي وقع على يد حروب اساسية شنتها اسرائيل تتوجت بحرب ١٩٨٢ واحتلال مدينة بيروت ومعظم لبنان.
ان الفراغ بعد ذلك اعاد الى الساحة ازمة التعريف وازمة القومية العربية الحديثة. بل عاد السؤال ثانية: هل ننكفأ على اوطاننا ام نسعى لقضايا اقليمية جامعة ام نتحرر من الوطنية الى شيئ اخر مذهبي ام ديني، ام نوازن بين كل هذا؟ هكذا وقع في الثمانينات شيئ من الفراغ.
ولكن منذ الثورة الاسلامية في ايران عام ١٩٧٩ بدأ الاسلام السياسي يحل مكان التوجهات السابقة. فقد عبأ الاسلام السياسي الفراغ الناتج عن الهزائم والمواجهات الكبرى والحروب. فحلّ الاسلام السياسي على المستوى الاسلامي والعربي مكان التوجهات القومية، بل اصبح تعبيرا عن قومية جديدة تصنع اعمالها في الميدان. اصبحت الجماعة الاسلامية والاخوة الاسلامية وافكار عديدة حول تطبيق الشريعة مدخل الوحدة الاسلامية والطموح الاسلامي الجديد.
لكن الحركات الاسلامية الجديدة هي الاخرى حملت معها تناقضات جديدة وأثارت اسئلة جديدة حول الهوية والانتماء والوطنية. ففي بعض ابعادها عمقت الحس الطائفي بين العرب وبين المسلمين، وفي ابعاد اخرى ادت الى حالة من الانغلاق على الذات والابتعاد عن الاخر مهما بعدت او اقتربت المسافة.
وقد سارت التيارات الاسلامية في طرق مختلفة بل تبدو متناقضة احيانا. فمنها من سار في طريق تطبيق الشريعة فتصادم مع مجموعات في المجتمع وفئات هي الاخرى لديها فهم مختلف للشريعة وللحياة ولما هو عصري وغير عصري، بينما سارت فئات اخرى من التيارات الاسلامية في طريق المقاومة والمواجهة مع اسرائيل كما حصل مع حزب الله في جنوب لبنان وحماس في غزة. كما ان جانب من التيارات الاسلامية اخذت طريقها باتجاه التحول الى قوى معارضة بينما اخذ بعضها طريق العنف المطلق. وفي جنوب لبنان اصبح حزب الله تعبير جديد عن الوطنية الفلسطينية التي تعتبر الاقصى والعودة وتحرير الارض جزء من برنامجها السياسي الوطني ومن هنا قومية حزب الله الاسلامية والعربية. اما حماس فأصبحت مكان فتح بصورتها الاولى في طرحها وتركيزها على الكفاح المسلح وتحرير الارض والعودة والجانب التاريخي للصراع كما عرفناه في اساسياته الاولى.
ان التيارات العابرة للاوطان والمؤثرة بها مستمرة في اقليمنا، بل انها في صعود مستمر. فهذه التيارات بصورتها القومية ام بصورتها الاسلامية هي جزء من عطش الاقليم للتعامل مع قضاياه الاقليمية والحقوقية بصورة تتجاوز الدولة الوطنية او الدولة المحلية، وبنفس الوقت فأن الدولة المحلية اصبحت صورة قائمة واحد اساسيات البناء العربي الجديد. بل اصبح واضحا ان الدولة العربية الوطنية لا تستطيع الحفاظ على وجودها خارج سياق التوازن مع العمق الاقليمي والعربي، وخارج التوازن مع التيارات الاقليمية بصورتها القومية والوطنية والاسلامية. واصبح واضحا ان الدولة الوطنية هي الاخرى لا تستطيع ان تسبح خارج النسق الانساني والعالمي في كل ما يتعلق بقيم الانسان والحقوق والعمالة والعولمة والاقتصاد.
ان هذه التناقضات الصعبة ربما تفسر لنا جزئيا كيف بدأت عدد من الدول العربية في السقوط امام شدة الضغوط المحلية والاقليمية والدولية: فشل الدولة في اليمن، السودان، الجزائر، وافاق امتداد هذا الفشل لدول عربية عدة تعبير عن ازمة الدولة الوطنية العربية.
هل يعني هذا ان العالم العربي سيبقى في ازمة وراء الاخرى؟ الاجابة صعبة لكن على الاغلب لن ينتهي التاريخ والعالم العربي يبقى يعيش ويتفاعل مع ازمات قادمة. والاكيد ايضا ان مسألة الهوية ستبقى قضية اساسية تقلق افاق الاستقرار في العالم العربي. ستبقى حالة التجاذب الكبير بين ان نكون عربا او ان نكون محليين او بين ان نكون انسانيين وعالميين وبين ان نكون مسلمين وحديثين او بين ان نكون وطنيين ومؤمنين بالقضية الفلسطينية او الوحدة وتنمية بلادنا. مخاضر كبير، يصعب ان نعرف من الان اين سيقف.
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
معنى ان نكون عربا؟ د.شفيق ناظم أحييك على المقال الجيّد.فمن النادر أن نعثر على ما يُكتب بذلك الأسلوب التأليفي الذي توخيتَه حضرتك. لن أعيد سرد ما تعرّضتَ له من معوقات وما أبدَيتُ من تساؤلات وما استعرضت من تعريفات لوضعية أن نكون عربا،ولكني أفضل أن أضيف على تحليلك الممتاز الأمر التالي: بصفتي مدرّس لغة أجنبية لا أسمح لنفسي إلاّ أن أبدي رأيي من منظور مقاربات علوم التربية والتي نتوخاها جملة وتفصيلا في منهجيات تعليم اللغات.والذي يلفت النظر حقا أنّ معظم المبادىء التي تتأسس عليها هذه المقاربات والتقنيات صالحة أيضا لتأسيس منهجيات موازية ومماثلة في المجال السيكوسوسيولوجي بخصوص ما قد أسميه “مهارة… قراءة المزيد ..
معنى ان نكون عربا؟
هذه افكار لا تطابق الواقع، هناك قومية عربية بحس تاريخي فقط، واقعا هناك دول عربية ولكل دولة اقليم وشعب وحكومة ذات سيادة ومصالح وطنية. الدولة هذه تنجز من خلال آلياتها ومؤسساتها بناء الامة على اقليمها فيصبح لكل دولة أمة.هناك الامة الكويتية، وهناك أمة عراقية واخرى سعودية ومصرية.الامة العربية، والامة الاسلامية، والامة السورية أشكال تاريخية ارتبطت بشكل الدولة الامبراطوري.الواقع الدولي المعاصر يقوم على الدولة القومية الحديثة التي تشكل وحدة البناء فيه.