(الصورة: تدمير أهم معابد البهائية، منزل “الباب” مؤسس الدين، إبان ثورة 1979)
في 14 مايو، اعتقلت حكومة إيران 6 من قادة البهائيين البارزين ووجّهت لهم تهمة “تعريض الأمن الوطني للخطر”. وبسبب توقيت الإعتقالات، تكهّن البعض بأن حكومة إيران تسعى لربط قادة البهائيين بانفجارٍ وقع في مركز ديني في شيراز خلال شهر أبريل وأسفر عن مقتل 14 شخصاً. لكن، نظراً لأن المؤسسة الدينية في إيران تؤمن بأن وجود أقلّيات دينية يعرّض الأرثوذكسية الشيعية الرسمية للخطر، فإن هذه الإعتقالات تشكّل علامة سوداء إضافية في سجل إيران المديد والرديء في ما يتعلّق بحماية حقوق الأفراد والحريات الدينية.
البهائيّون: تهديد للأرثوذكسية الشيعية
بعكس الزرادشتية، واليهودية، والمسيحية، نشأت البهائية بعد الإسلام وهي تزعم أنها تتجاوز المذهب الشيعي. فأحد محاور المذهب الشيعي هو الإيمان بالإمام الثاني عشر (أو الإمام الغائب)، وهو من سلالة الإمام علي، وسيظهر في آخر الزمان. وقد أسّس الدين البهائي “علي محمد شيرازي” (1819-1850)، الذي زعم أنه “باب” الإمام الغائب ثم أعلن لاحقاً أنه هو نفسه الإمام الغائب. وبزعمه أنه هو نفسه الإمام الغائب، فإنه لم يشكّل تحدّياً للمؤسسة الدينية فحسب، بل وللتأويل الرسمي للنصوص المقدّسة. ومع أن الدين البهائي يطالب معتنقيه صراحةً بعدم الخوض في نشاطات سياسية، فقد نظر قادة إيران في تلك الفترة (ملوك القاجار) إلى مزاعم “شيرازي” كتحدٍّ لشرعية الدولة، باعتبار أن الملك كان رأس بلد شيعي. ولاحقاً، قاومت سلالة البهلويين ضغوط رجال الدين لإعلان العداء للبهائية سياسةً حكومية رسمية.
لكن تم اعتماد هذه السياسة بعد الثورة الإيرانية في 1979، حيث أن رجال الدين الشيعة اعتبروا الدين البهائي بمثابة إنكار لشرعيتهم. وبموجب دستور الجمهورية الإسلامية، لا تعترف الدولة بالبهائية كدين وتحظر على أعضائه أن يقوموا باحتفالات وطقوس علنية. وأثناء الثورة، تمّ سحل العشرات من البهائيين كما اعتقل كثيرون منهم. وحتى في القطاع الخاص، هنالك العديد من القيود الرسمية وغير الرسمية التي تجعل حياة البهائيين صعبة.
الرئيس المؤمن بآخر الزمن الوشيك يمارس الضغوط على البهائيين
عاش البهائيون فترة تسامح بين 1997 و2005 إبان رئاسة محمد خاتمي، حيث أجيز لعدد منهم الإلتحاق بالجامعات الرسمية بدلاً من برامج التدريب البهائية السرّية. ولكن الحكومة زادت الضغوط على البهائيين منذ وصول أحمدي نجاد إلى الرئاسة في 2005، وطردت البهائيين من الجامعات، وأبعدتهم عن مراكز معيّنة. وفي مارس 2006، أعرب مقرّر الأمم المتحدة الخاص بحرية الأديان أو الإعتقاد عن القلق بخصوص خطاب صدر في 2005 يأمر مختلف الأجهزة الحكومية بإحصاء البهائيين الإيرانيين وتجميع المعلومات حولهم.
وتقول حكومة أحمدي نجاد أن الدستور لا يعترف بالبهائية، وبناءً عليه فإن هذا الدين لا يتمتع بالحماية في إيران. ولكن موقف الرئيس المتصلّب إزاء البهائيين قد يكون ناجماً عن وجهات نظره الخاصة بآخر الزمان الوشيك وبتعلّقه الخاص بفكرة الإمام الغائب. إن أحمدي نجاد، الذي يؤمن بأن حكومته تخضع لإشراف الإمام الغائب، لا يستطيع أن يتسامح إزاء دينٍ ينفي وجود الإمام الغائب، حتى لو كان البهائيون يحرصون على عدم التعاطي بالسياسة. وقد أعلن “سيد أحمد علام الهدى”، وهو من أنصار أحمدي نجاد، في خطبة الجمعة في “مشهد”، في 23 مايو، أن “البهائية ليست ديناً وليست فكراً. كيف يمكن لنا أن نقبل أن يتمتع هؤلاء الجنود الإسرائيليون (إشارةً إلى أن المقرّ الرئيسي للبهائيين هو في حيفا) المخضّبة أيديهم بدماء ملايين البشر، بالحرية في بلادنا.. وأن يرتكبوا كل أنواع الجرائم”.
جماعات أخرى تواجه التمييز والعنف
عانت أقليات دينية أخرى في الجمهورية الإسلامية، مثل “الصوفيين” و”الدراويش” (المعروفين بفقرهم وتقشّفهم البالغ). وتتميّز الصوفية- تضم جماعات شيعية وأخرى سنّية- بتأويلها الشعبي للإسلام. وفي العادة، يعارض أتباع الصوفية الإسلام المؤسَّسي، الأمر الذي غالباً ما تسبّب باضطهادهم من جانب رجال الدين الإيرانيين. وعلى غرار البهائيين، يتجنّب الصوفيون والدراويش النشاطات السياسية، إنطلاقاً من معتقداتهم الدينية نفسها. مع ذلك، تعتبر حكومة إيران هاتين الأقليتين تهديداً لها ليس بسبب نشاطاتهما السياسية بل بحكم وجودهما نفسه.
لا تعترف الجمهورية الإسلامية بأن العداء للصوفية هو سياسة رسمية. مع ذلك، هنالك دائرة خاصة بتجميع المعلومات حول المتصوّفة في وزارة الإستخبارات. وقد عزّزت الحكومة الضغوط على الجماعتين منذ وصول أحمدي نجاد إلى الرئاسة. وفي نوفمبر 2007، قامت الشرطة بتدمير المركز الديني الصوفي في مقاطعة “لورستان” واعتقلت عشرات الدراويش. وسبق ذلك، في فبراير 2006، أن قامت الشرطة بتدمير مركز الدراويش في “قم”. وإبان هذه العملية الأخيرة، التي سقط فيها مئات الجرحى، قامت الشرطة باعتقال أكثر من 1000 من الدراويش كما طردت رئيسهم من المدينة.
بصورة عامة، تعاني كل الأقليات الدينية غير الشيعية، والشيعة الذين لا ينتمون لتيار الأغلبية، وبدرجات مختلفة، من التمييز الرسمي وغير الرسمي في التعليم، والوظائف، والإسكان. ومع أن مئات الألوف من “السُنّة” يعيشون في طهران، فقد عرقلت الحكومة باستمرار خططهم لبناء مسجد في المدينة. وبلغت الأمور أن الحكومة قامت بتفريق تجمّعات صلاة سنّية في الحدائق العامة، بل وقامت بمضايقة “السُنّة” الذين دخلوا أرضاً تابعة لسفارة باكستان من أجل الصلاة.
خطوات خطرة في سياق الضغط على الأقليات الدينية
في 20 مايو الماضي، أعلن الناطق الرسمي لحكومة إيران، “غلام حسين إلهام”، أن إعتقال 6 من زعماء البهائيين كان لأسباب أمنية، وليس بسبب معتقداتهم الدينية. وقال أن المعتقلين تعاطوا مع “أجانب، وخصوصاً الصهاينة” وأنهم كانوا يعملوا “ضد مصالح البلاد”. ومع أن الحكومة لم تصرّح بمثل هذا الزعم علناً، فقد اعتبر مراقبون أن الإعتقالات كانت بمثابة مسعى حكومي لربط قادة البهائيين بانفجار “شيراز” الذي أسفر عن 14 قتيلاً وحوالي 200 جريح. وبعد إنكار أن يكون الهجوم إرهابياً، تراجع المسؤولون في مطلع مايو وقالوا أنه كان هجوماً إرهابياً قام به “أنصار نظام الشاه” بالصلة مع الولايات المتحدة وبريطانيا. وبعد هذا التراجع بأيام، تمّ إعتقال قادة البهائيين.
خلاصة
إن استخدام الجمهورية الإسلامية لذريعة الأمن القومي هو مجرّد أحدث شكل من أشكال الإضطهاد ضد الأقليات الدينية. وربما كان زعماء إيران يعتقدون أن ذلك سيخفّف عنهم ضغوط منظمات حقوق الإنسان الدولية التي تتّهمهم بانتهاك الحرية الدينية. ولكن موقف حكومة إيران إزاء الأقليات الدينية، سواءً كانت أقليات صغيرة ولكن معترفاً بها (مثل الصوفية والدراويش)، أو أدياناً لا تحظى باعتراف رسمي (البهائية) ينبغي أن يُعتبر معياراً أساسياً لتقييم حقوق الإنسان والحرية الدينية في إيران.
* مهدي خلجي باحث في “معهد واشنطن”. درس مهدي خلجي الفقه والقانون في حوزة “قم” بين 1986 و2000. ثم عمل محرّراً في عدد من الصحف الإيرانية، وقام بترجمة كتب “محمد أركون” إلى الفارسية.
مقالات سابقة لمهدي خلجي:
سياسات آخر الزمان” في إيران(4): المهدوية في الجمهورية الإسلامي
“سياسات آخر الزمان” في إيران (3): “مشهد” ومتطرّفوها
“سياسات آخر الزمان” في إيران (2): المهدوية التراثية وقبل الثورة الإسلامية
معاملة البهائيين: إختبار لحقوق الإنسان في إيران
لا بدّ أن أقدّم لك الشكر يا أستاذ بيار عقل على جهودك في جعل الشفاف ليس فقط صحيفة انترنت أخبارية حوارية، بل في جعلها موسوعة في الدين والتاريخ والفكر. فالشفاف هي وحدها التي تتناول موضوعات كهذه وبهذا العمق وبهذه الشفافية.
فشكرا .. واعلم اننا نتابعها بشكل يومي وبأهتمام كبير ..