هل من نموذج لمعارض (ة) او معترض (ة) يمكن أن يقبله (ا) حزب الله دون أن يتّهمهم بالعمالة اوالخيانة او الضلال؟
في محاولة للبحث في الدائرة اللبنانية عن شخص او جهة تعارض حزب الله في قضية سياسية او وطنية، او تمتلك وجهاً آخر للحقيقة التي يدّعي حزب الله القبض عليها، من دون أن يضعها في دوائره مشبوهة او يصنّفها على أنّها عدوّ أو عميلة إسرائيلية، يصعب ايجاد مثل هذا النموذج الذي تنطبق عليه صفة المختلف والمعارض وفي الوقت نفسه ليس في دائرة الشبهة. لكن في طريق البحث تجد من كان في قاموس الحزب في زمن ما “حالة صهيونية” وصار رمزاً وطنياً، ومن كان قاتلاً يستحق القتل، وصار حليفاً و”عنواناً للشرف والوفاء”.
يأخذك السؤال الى بداية تأسيس هذا الحزب ومساره طيلة ثلاثة عقود. فهو قام على مركزية حادة بلا مساحات حرّة خارجه، معادية او غير معادية. وقام على عقلية الفسطاطين: انا الحق والآخرون شياطين، او على ضلال إذا أحسن النيّة.
فالبدايات كانت إلغائية، اذ اصطدم بكل من يحيط به في بيئته الشيعية، العقل الذي يحمله لا يحتمل في تفكيره فكرة الاختلاف، باعتباره القابض على الحقيقة الدنيوية والالهية. فالذين عاصروا عقد الثمانينيات يذكرون كيف كان احد اكبر مراجع الشيعة منذ قرون، السيد ابو القاسم الخوئي، عرضة من قبل حزب الله، وانصار ولاية الفقيه، للتسفيه واعتبار تقليده غير مجزٍ، بل يودي بصاحبه الى جهنم وبئس المصير. هذا المثال فقط للاشارة الى أنّ تمرير واشاعة تناول مثل هذه الشخصية التاريخية، بهذا السوء في دائرة المحازبين والمؤيدين، كان كفيلاً بجعل من هو دون السيد في العلم والدين والمرجعية قابلاً لأن يكون هدفاً سهل المنال في هذه البيئة. فكيف لمن هو خارج هذه الدائرة الدينية؟
واعود الى الاختلاف مجدداً لأبحث عنه في قاموس الحزب فلا اجده. ربما لأن الذي يتربى على الطاعة المطلقة، ضمن منظومة ولاية الفقيه، الواجبة كطاعة الله والرسول وائمة اهل البيت، لا يمكن ان يجد في قاموسه مساحة للاختلاف. من هنا يصير الاختلاف في خانة الضلال. وثقافة الطاعة المطلقة لا مكان فيها الا للحقيقة او الضلال.
قالها مرات الامين العام لحزب الله، ان حزبه لم يعد ذاك الحزب الذي كانه قبل عقدين واكثر: فهل طال التغيير الجوهر او العقل وطريقة التفكير؟ ام أنّ التغيير كان تكتيكياً، في الشكل؟ وفرضته ظروف سياسية وعسكرية نقلت البلد من مرحلة الحرب الاهلية الى مرحلة سياسية؟ وبمعنى اوضح: هل تغيرت منظومة ولاية الفقيه وقواعد الطاعة والولاء المطلق الذي تقوم عليه؟ هل قدم حزب الله مراجعات فكرية وسياسية جدية لتجربته؟
لم يكن الراحل السيد محمد حسين فضل الله يوما بعيدا عن تأييد حزب الله، كان داعماً له، لكنه لم يكن تابعاً، ولا آمن بولاية الفقيه. وعندما تصدّى للمرجعية الدينية في التسعينيات من القرن الماضي، صار هدفاً مشروعًا امام ايران وحزب الله، ولم تشفع له مواقفه المؤيدة لحزب الله بوقف حملات التشهير التي طالته بشكل منظّم ومدروس. حملة كانت اقرب الى الاغتيال المعنوي، ما جعل السيد فضل الله يعبر بألم وبحرقة، امام كثيرين ومنهم صاحب هذه السطور، عن الحقد والأذى الذي تعرض له ممن كان يعتبرهم ابناءه…
هذا السيد فضل الله وقبله السيد الخوئي، لذا لا حاجة لاستحضار اولئك غير الدينيين من الذين كان لهم حضورهم في البيئة الشيعية، من مفكرين او محازبين ضاق بهم حزب الله فاغتال بعضهم سياسيا اومعنويا اوجسدياً. هو عقل يقوم على اغتيال كل مختلف، ان لم يكن جسديا، فمعنويا. وهو سلوك لم يتغير. ففهم حزب الله للحياة السياسية يقوم على الانصياع والطاعة، بينما هي العكس تماماً، إذ تقوم على الاختلاف والتنوع، والصراع بين عناصرها يتم على الموضوعات بمعزل عن الشأن الشخصي. وليس عبر اثارة الشبهات ونشر الاشاعات. فالعقل الذي يتعامل مع المختلف باعتباره عدوا او غبيا او “عميلا موضوعياً”، “عرف أم لم يعرف”، لا يفقه معنى الاختلاف ولا يحتمله، وليس له مساحة وجود لديه…
وهذه حال حزب الله هذه الأيام، إذ يشهّر بناشطين مدنيين وكتّاب وإعلاميين، وآخرهم عماد قميحة ومحمد بركات وأكرم علّيق ووسام سعادة وبادية فحص ورضوان السيّد وكاتب هذه السطور، وبمؤسسات إعلامية مثل موقع “جنوبية” وإعلام “المستقبل”، وغيرهم كثيرين ممن ينعتهم بالعمالة لإسرائيل أو الولايات المتحدة.
اذا سألت هذا العقل ما هو نوع المختلف والمعارض لك، الذي يمكن أن تقبله من دون أن تعتبره عدوّا أو عميلا أو غبيا أو مغرّرا به في أفضل الأحوال؟ لأجاب بثقة واعتداد: هذا كائن غير موجود.
alyalamine@gmail.com
البلد
إقرأ أيضاً:
معارض يقبله حزب الله: كائن غير موجود
الطفيلي من يقتل من حزب الله بسوريا الى جهنم ليس شهيدا
http://www.youtube.com/watch?v=0uWy1ocOXks&feature=c4-overview&list=UU3qkaOgAWFrG8puElkIn7kw