يوم نجحت “ثورة 25 يناير” 2010 في خلع الرئيس المصري حسني مبارك، اجريت اتصالا هاتفيا بالصديق المصري الدكتور مصطفى اللباد مهنئا بالإنجاز، ولأنني اعرف موقفه الحاسم من العداء لاسرائيل سألته: هل ستكون الخطوة التالية اسقاط معاهدة كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني؟ فأجاب، وعلى الطريقة المصرية: إنت بتهزر ولا إي؟”. وتابع: “عندما ننجح في حماية السد العالي من عدوان اسرائيلي حينها يمكن لك ان تسأل المصريين هذا السؤال”. وأضاف: “كم كانت الكلفة المادية لحربكم في لبنان في تموز 2006؟ 5 ام 10 مليارات دولارهل ؟ وجدتم من يعوّض لكم خسائر الحرب المادية؟ وهل تعتقد ان مصر اليوم ستجد من يعوض لها خسائر حرب محتملة فيما لو بادرت الىإلغاء المعاهدة، فضلا عن كلفة استعدادها لخوض مثل هذه الحرب؟ فنحن لا آبار بترول لدينا ولا احد مستعد من العرب او سواهم ان يتحمل اعباء الخسائ،ر فضلا عن عدم قدرتها”.
تذكرت هذه المحادثة وانا استمع إلى، وأقرأ، بعض المواقف والتعليقات المستهجِنة والمنددة بتقديم السفير المصري في اسرائي،ل عاطف سيد الأهل، اوراق اعتماده الى الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز قبل يومين. وتذكرتها ايضا لأنني لم أسمع، حتى من أعتى خصوم تيار الاخوان المسلمين في مصر، من اعتبر ان هذه الخطوة انتهاك للثورة. ولم يبرز في المشهد السياسي المصري الفاعل من طالب بقطع العلاقات مع اسرائيل والغاء معاهدة كامب ديفيد اليوم قبل الغد، خصوصاً لدى تيارات لا يشكك احد بمعاداتها إسرائيل، وفي بلد لم تحقق فيه العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل اي خطوة يعتد بها على مستوى التطبيع لدى الشعب المصري.
ماذا يعني الا نسمع اعتراضًا جاداً في مصر على خطوة النظام تجديد الالتزام بمعاهدة كمب ديفيد؟ فيما نسمع ونقرأ التنديد والرفض من خارج مصر؟ فهل من هم خارج مصر اكثر دراية من القوى السياسية المصرية الموالية والمعارضة بمصالح المجتمع والدولة؟ ام انهم اكثر وطنية وحمية على مصر من المصريين انفسهم.
من الثابت في الوعي المصري العام ان بنود معاهدة كمب ديفيد تراعي مصالح اسرائيل أضعاف ما تراعي المصالح المصرية، لكن ذلك لم يدفع المجتمع السياسي الى طلب الغائها.
ثمة من يحب ان يختصر المشهد الاسرائيلي المصري بتقديم اوراق اعتماد السفير المصري في اسرائيل، بحثاً عن ادانة للثورة، او تعبيرا عن طفولية نضالية تختصر الصراع وتعقيداته بالصورة او بالظاهرة الصوتية من دون التنبه الى شروط القوة والى نظام الأولويات، وغالباً ما يستهين هؤلاء بوطنية المصريين واعتدادهم بتاريخهم. إعتداد عبرت عنه ثورتهم الاخيرة، وعن التطلع والسعي الى استعادة موقعهم اللائق في المنطقة العربية والعالم.
العلاقات الندّية مع اسرائيل هو ما تطمح اليه اليوم قوى الثورة المصرية التي خطت خطوات في هذا الاتجاه، ترافقت مع الانهماك المستمر في ترتيب البيت الداخلي بعد الثورة. المصريون اوقفوا تصدير الغاز الى اسرائيل بأسعار خاصة ومتدنية كان نظام مبارك قد منحها لها. ورغم رفض اسرائيل تعديل المعاهدة، نجح الجيش المصري في زيادة عديد قواته في سيناء، وان كان الهدف المباشر ضرب المجموعات الاسلامية المتطرفة التي استهدفت جنوداً مصريين قبل اكثر من شهرين. ونجح النظام في نقل النقاش نحو تعزيز حضوره في سيناء واعادة طرح تنمية هذه المنطقة التي كان هدف اسرائيل جعلها شوكة في الخاصرة المصرية من خلال تثبيت بقائها خارج صلاحية واهتمام الحكومة المصرية.
بالتأكيد اسرائيل متمسكة بشروط انسحابها من سيناء، لكن من العمى عدم رؤية تقدم مصر في طريق تحقيق سيادتها الكاملة على سيناء بعد الثورة، وهو هدف يتطلب جهوداً فيها من الحنكة والمواجهة الدبلوماسية اكثر من حاجتها للقوة العسكرية.
هدف تحقيق العلاقات النّدية هو ما جعل الحكومة المصري،ة ومعارضيها على السواء، يقفان معا وراء اعتبار غزّة امتدادا للأمن القومي المصري. وهو ما التقطته حركة حماس وغيرها من الفلسطينيين الذين اعادوا تموضعهم الاقليمي بما يتلاءم مع الحقائق الجديدة التي فرضتها الثورة المصرية اكثر مما فرضته الثورة السورية من تموضعات جديدة في غزّة. هذا ربما ما جعل البعض ينظر الى مصافحة السفيرالمصري الرئيس الاسرائيلي بعين الادانة فيما كان لا يجد ضيرا ان ينصب اقواس النصر لسواه من الدوحة الى بنت جبيل.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد