رغم ان صفة “المحروسة” التي يطلقها المصريون علي مصر هي صفة قديمة وحميمة مليئة بالمحبة والعاطفة والرجاء تجاه الوطن وسلامته إلا انها لم تكن كافية لحماية مصر من الاخطار وحراستها من أعين وأيدي المتربصين بها الطامعين فيها. فتاريخ مصر هو في معظمه سجل لهذه الاخطار التي تحولت إلي غزوات واحتلال طويل من قبل الجحافل القادمة من الشرق والغرب. وربما راح المصريون يستخدمون صفة المحروسة هذه في نوع من الامل والدعاء عسي أن يحرس الله الكنانة من أعدائها الكثيرين.
ورغم أن أخر غزو تعرضت له مصر كان هو العدوان الاسرائيلي عام 67، إلا ان هذا لا يعني ان مصر قد اصبحت في منأي عن الخطر بعد توقيع معاهدة سلام مع اسرائيل. فالمعاهدات عبر التاريخ لم تمنع الطامعين من نقضها والتعدي علي الاخرين بذرائع مختلفة حينما يستشعرون ضعف الطرف الاخر وغفلته عن مصادر الخطر عليه. هذا بالاضافة ان الغزو من الخارج ليس هو الخطر الوحيد الذي تتعرض له الاوطان فهناك أشكال أخري للغزو قد لا تقل خطورة ليس كلها مسلحا
وليس كلها من الخارج.
وللذين يستغربون حديثي عن أخطار تحدق بالمحروسة بينما لا توجد جيوش تحتشد علي حدودها إستعدادا لغزوها ويرون في حديثي هذا نوعا من التهويل غير المبرر أذكر لهم تجربة عملية شهيرة ألقيت فيها بضعة ضفادع في مياه شديدة السخونة فانتفضت الضفادع بمجرد ملامستها للمياه وقفزت خارجة منها ناجية بنفسها. وبعد ذلك وضعت هذه الضفادع في حوض أخر به مياه باردة فراحت تسبح فيها في هدوء ثم راح العلماء يرفعون درجة حرارة المياه تدريجيا بتسخينها ببطء فاستمرت الضفادع في الاستكانة للماء الدافئ وخدره اللذيذ حتي وصلت درجة حرارة الماء إلي درجة عالية السخونة أثرت علي المراكز العصبية لدي الضفادع فلم تستطيع القفز خارجاً ولقيت حتفها.
فنجد أن أمام هذه الضفادع لم يكن هناك خطر واحد ظهر لها فجأة ولكن الخطر كان يتزايد ببطء وبشكل كانت تتعود عليه تدريجيا حتي لم يعد في مقدورها استنفار الجهد الذاتي اللازم للانتفاض خلاصا منه.
والمراقب لحال مصر يجد أن آخر انتفاضة استجمعت فيها مصر إرادتها وطاقتها الذاتية دفاعاً عن نفسها كانت هي حرب العبور الهائلة التي قامت بها مصر عام 73 وحققت بها انجاز عسكريا باهراً بكل المقاييس ضد عدو تقف وراءه الامبراطورية الامريكية في مساندة غير محدودة. وعلى مدى ثلث قرن بعد هذا تعرضت مصر لاخطار الاعمال الارهابية من الداخل والتي اودت إحداها بالرئيس السادات الذي احرز إنتصار العبور. وتتابعت هذه الاعمال الارهابية بعد ذلك وما تزال تحدث كل فترة واخري.
هذه العمليات الارهابية ضد قادة الدولة و رموزها الاقتصادية والسياحية والامنية هي الوجه الظاهر للخطر المحدق بمصر. ولكن عنف العمليات الارهابية بكل صخبه ودمويته ورعبه الصادم المفاجئ ليس هو الوجة الوحيد للخطر المتربص بمصر. فالوجوه غير الظاهرة لاخطار داخلية تنمو في بطء وبالتدريج هي عوامل بالغة الاهمية والخطورة ولكنها – لأنها خفية وباطنية وتدريجية – لا تحظي بالاهتمام الكافي الجديرة به.
ويمكن تجميع هذه الاخطار الداخلية المتنامية في خدر داخل الجسد المصري بشكل سرطاني أصبح يهدد بالوصول الي روح مصر نفسها لنهشها نهشاً في نوعين أساسيين :
الأول : هو الإلتهاب الديني.
والثاني : هو الاستلاب السياسي.
الإلتهاب الديني
لقد أصبح واردا أن نسأل اليوم : هل أصبحت مصر دولة دينية ؟
وهذا السؤال ليس من نوع الجدل الذي جري في فترة التعديلات الدستورية الاخيرة حول المادة الثانية من الدستور التي تنص علي أن الاسلام دين الدولة والمصدر الاساسي للتشريع. فليس أهتمامي هنا هو ماذا ينص الدستور إذ أن المجتمع المصري لم يصل بعد إلي مرحلة تكون السيادة فيها للدستور وللقوانين المنبثقة منه وانما هو ما يزال في مرحلة السيادة فيها للأشخاص الماسكين بمقاليد الامور. فالحياة العامة في كافة جوانبها السياسية والاجتماعية والثقافية حياة ” مشخصنة ” وليست ” منظمة ” اي تتبع الشخص وليس النظام ( السيستم ) او القانون. فالعلاقات الشخصية هي اساس الحياة في مجتمع ابوي ( باطريركي ) يضبط فيه القوي حركة من هو أضعف منه بمجرد كلمة تخرج من فمه. وليس المكتوب والمنصوص عليه من مواد الدستور او القوانين سوي ديكورات استوردت من دول غربية كفرنسا وبريطانيا دون استيعاب روحها او تمثلها في الوجدان الشعبي او الشخصي.
ما أقصده بالسؤال : هل اصبحت مصر دولة دينية ؟ يتعلق بأسلوب الحياة للانسان المصري في الشارع المصري اليوم. وبالتالي اسلوب الحياة العامة التي يشكلها مجموع الاساليب الشخصية للاغلبية الغالبة من المصريين. وما اعنيه هو هل اصبح دين الفرد هو أول وأهم الملامح المحددة لشخصية هذا الفرد وفكره وتوجهاته واماله واقواله وافعاله ؟ وهل اصبحت الاغلبية الغالبة للمصريين لها هذا الملمح الديني المهيمن المحدد ؟ وفي هذه الحالة يمكن القول ان المجتمع المصري قد اصبح مجتمعا دينيا وان مصر قد اصبحت دولة دينية. وليس بالضرورة هنا ان يكون “الحكم” او “الحكومة ” او القيادة السياسية قيادة دينية وانما يكفي ان يصبح المجتمع مجتمعا دينيا لكي تصبح الدولة دينية فلا دولة بلا مجتمع ولا وطن بلا شعب.
وللتحديد اكثر : نعم لقد كان للدين دائما وجوده منذ ان ابتكره قدماء المصريين وعززه اخناتون اول من نادى بفكرة التوحيد الالهى قبل اليهودية والمسيحية والاسلام، وكان الانسان المصرى ينظر الى الفرعون الحاكم نظرة تبجيل وخوف وطاعة يشتبه معها وضع ومنزلة الفرعون لتقترب من منزلة الالهة او تتوحد معها او تصبح صورة منها او تجسيدا لها فاذا بالفرعون هو نصف اله او شقيق الاله او ابن الاله او زوج الالهة وتصبح طاعة الحاكم من طاعة الله، وقد تسربت بعض هذه كلها الى علاقة الانسان المصرى بالحاكم وبرجل الدين الى يومنا هذا حتى فى ظل الرسالات السماوية، فالسلوك المصرى فى اشتباك –او اشتباه- السياسى بالدينى هو سلوك قديم قدم مصر القديمة ومازال موجودا الى اليوم لدى المسلمين والأقباط على سواء.
ولقد كان الامل فى حركة النهضة المصرية فى مطلع القرن العشرين على يد روادها محمد عبده وقاسم امين ومن بعدهم طه حسين وسلامة موسى وتلاميذهم من اعلام ومصابيح التنوير فى مصر، كان الامل فى هؤلاء ان يكملوا مسيرة النهضة والتنوير العربية لتحرير الانسان المصرى للمشاركة فى بناء الحضارة العالمية الجديدة. ووصل الامل الى ذروته ونشوته الاعلى مع الثورة المصرية التى حققت التحرر الوطنى من الاستعمار وقطعت اشواطا كبيرة على طريق التحرر الاجتماعى والدينى داخليا ووضعت بذرة مجتمع –وانسان- مصرى لم يكن الدين هو ملحمه المهمين الاساسى، ووصل الامر فى ذروة الفكر التحررى القومى الى حد اننا ونحن طلبة كنا نخجل من ان يسأل احدنا الآخر عن دينه، وكانت اسماء المصريين التى شاعت وقتها لدى المسليمن والاقباط على السواء هى اسماء عادل ونبيل ومجدى وكامل وسعد وشكرى وجميله وليلى وناديه وساميه ونوال وسلوى…
ثم انتهى ذلك برحيل عبد الناصر واستلام السادات للسلطة واعلان ان اسمه قد أصبح فجأة “محمد انور السادات” وليس انور السادات كما كان معروفا طوال سنوات الثورة. وكانت هذه اشارة عليا واضحة تبعتها اعمال اخرى على الارض راحت تنهش تدريجيا فى المجتمع التحررى التنويرى الذى كان قائما ليحل مكانه اركان المجتمع الدينى المتزمت المتشدد الذى اسلم قيادته فى الشارع لجماعة الاخوان المسلمين التى رأى فيها سندا له ضد مجتمع الناصريين التحررى.
وعلى مدى ثلث قرن بعد هذا راح الاخوان المسلمون فى مصر بمساعدة اموال سعودية يرفعون بالتدريج من درجة حرارة مياه التزمت الدينى فى مصر فى غياب مذهل للدولة المصرية وانحسار وجودها فى الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمواطنين، فخلت الساحة للفكر السلفى الاخوانى لكى يرفع درجة التشدد الدينى فى مصر الى درجة الالتهاب. ونجح الاخوان فى فرض فكرهم على الشارع المصرى وعلى الوجدان والمزاج الشعبى فرأينا جيلا كاملا من الفتيات المصريات يلبسن الحجاب الذى لم تلبسه امهاتهن وكانت جداتهن قد خلعنه فى مطلع القرن!
وخلال الثلث قرن هذا طلع جيلان كاملان من المصريين وهم لايعرفون سوى حالة الالتهاب الدينى الماسكة بتلابيب الوجدان الجماعى فيتصورونها حالة طبيعية. فنجد الشباب الجامعى فى مختلف فروع المعارف الجامعية لايناقشون على مواقعهم على الانترنت سوى القضايا الدينية السلفية القديمة التى لاتضيف اى جديد للانسان فى حياته اليومية ولاتقدم علما ولافكرا بل تشغل العقل والعاطفة فيما لايفيد ولايصنع حضارة. وعلى هذا فالاجابة على سؤالنا هو ان مصر قد أصبحت فعلا دولة دينية ذات مجتمع دينى تحكمه وتشغله الى ابعد الحدود الفتاوى الدينية والمظاهر الدينية والخلافات الدينية المتشابكة دائما فى دوامة لاتنتهى.
اخطار الالتهاب الدينى
لحالة الاتهاب الدينى خطران على مصر. الأول هو ان الالتهاب الدينى يشغل المصابين به – وفى هذه الحاله هم أغلبية لايستهان بها من المواطنين – بأمور من مظاهر الدين لاعائد لها على حياة الناس وواقعهم فيذهب قدر كبير من وقت وفكر وجهد المجتمع فيما لايرتفع بمستوى البشر حياتيا ولاحتى اخلاقيا فيتخلف المجتمع بالضرورة عن ركب الحضارة المعاصرة وهو مايحدث حاليا بالضبط لمصر وللعالم العربى بشكل عام. والأدلة على هذا حولنا فى كل مكان وكل يوم فى مصر، انظر مثلا الى احدث هذه الادلة. فقد اصدر مسئول بجامعة الازهر فتوى تحلل رضاعة الكبير بين موظفة وزميلها بالعمل. وقالت المصادر الاعلامية ان خمسين (لاحظ العدد) من النواب المصريين المنتمين لجماعة الاخوان المسلمين يبحثون الموضوع لضبط عواقبه حتى لاتسبب احراجا للتيار الاسلامى، وقد قام الآلاف بالمشاركة فى التعليق على الخبر على مواقع الاخبار الالكترونية وفى منتديات النقاش بين معترض ومدافع. فتأمل القدر العظيم من الجهد والوقت المهدور فى قضية كهذه يطرحها ويطرح عشرات وعشرات مثلها دائما الفكر السلفى الذى يعيش فى عصر السلف ولايعيش فى عصرنا هذا، وبالتالى لا يكون جهد وفكر المجتمع مركزا على حل قضاياه الاساسية وكلها قضايا بالغة الخطر من التعليم المنهار الى الفقر المدقع الى البيئة الملوثة الى الامية المتفشية الى الانتاجية المتدنية الى التسيب والعشوائية الى الفساد المستشرى الى ازمات الاسكان والصحة والمواصلات والبطالة، فالانشغال والاشتغال بامور الدين بشكل يومى طاغ يستهلك المتبقى من فكر وجهد الفرد والمجتمع فى كل ماهو بعيد عن احتياجاته الانسانيه الملحة.
فالفكر السلفى والاخوانى مهووس بمشكلة المرأة والجنس ويوجه قدرا هائلا من فكره ووقته نحو المشكلة فيترك خمسون نائبا فى مجلس الشعب المصرى أعمالهم لمناقشة قضية رضاعة الكبير.
المجتمع الذى يعانى من الالتهاب الدينى لايملك الفكر ولا الطاقة ولا الوقت لكى يبدع وينتج فى مجالات الحياة والواقع ولذلك سرعان مايسقط من المسيرة الحضارية ويقبع خاملا متسولا فى قاع العصر.
الانشطار الطائفى
الخطر الثانى لحالة الالتهاب الدينى فى مصر هو ماتسببه من حالة انفصام الشخصية المصرية وانشراخ الوحدة الوطنية فمع دخول الاغلبية المسلمة فى دوامة حالة الالتهاب الدينى وماتصاحبها من طقوس ومراسيم وفتاوى وعادات وعبادات وسلوكيات تتسم كلها بالغلو فى المظاهر الدينية فى كافة نشاطات الانسان ولايتبقى فى حياة المواطنين المسلمين العامة مكانا لايشغله الدين يمكن ان يشاركهم فيه المواطنون الاقباط. وبالتالى يجد الاقباط انفسهم مطرودين من ساحة المواطنة العامة التى اصبحت ساحة اسلامية متشددة مليئة بمظاهر تقترب من الدروشة وتزدحم بالخرافة والفكر السحرى. فينعزل الاقباط داخل الكنائس ويصابون بحالة رد فعل هى ايضا نوع من الالتهاب الدينى المضاد.
تحت راية الفكر الاخوانى السلفى يطرد الاقباط خارج ساحة المواطنة ليلتحقوا فى ادبيات المتشددين “بالكفار من اليهود والنصارى”! وبهذا انقسم المجتمع المصرى فى الثلث قرن الاخير الى مجتمعين مختلفين دينيا واجتماعيا وثقافيا واصبح وجود الاقباط ثقيلا على قلب الكثيريين من المصابيين بالالتهاب الدينى- ولذلك فما ان يطلق احدهم بشائعة ضد الاقباط حتى يخرج المئات من المسلمين الى الشوارع كما فعلوا مؤخرا –للمرة الالف- ليعيثوا فى الاقباط ومتاجرهم وكنائسهم ومنازلهم تدميرا وحرقا وقتلا. وكلما تكررت هذه الاعتداءات وهى دائما تتكرر – يقال ان الامر مشكلة فردية او عادة التأثر الصعيدية!!
ولكن الواقع ان مشاعر التآخى والمشاركة الوطنية قد تآكلت الى حد كبير بين الاقباط والمسلمين بسبب حالة الالتهاب الدينى التى اصابت الأغلبية. وهذا الانفصام فى الوحدة الوطنية هو خطر كبير على مصر وسلامها الاجتماعى وامنها الاستراتيجى. فكثيرا مايتذرع الغزاة بحماية الاقليات لغزو مصر، ولاشك ان استمرار حالة الانفصام الاجتماعى وتآكل المشاركة بين عنصرى الامة سيزيد من الشرخ الذى بدأ فعلا وقد يصل به إذا استمر الى حالة التصدع والانهيار.
الاستلاب السياسى
أحد أسباب وصول الوضع الاجتماعى المصرى الى حالة الالتهاب الدينى هى حالة الاستلاب السياسى التى يعانى منها الشباب المصرى. فالجمود السياسى فى مصر منذ انتصار حرب العبور لايمنح الشباب الصاعد أية فرصة للمشاركة فى صنع احلامه وبناء مستقبله الجماعى والفردى، فالشباب فى كل مجتمع هو طاقة هذا المجتمع المتجددة التى تنطلق دائما متجاوزة جيل الآباء حاملة مشاعل احلامها الخاصة التى عادة تتجاوز أحلام الجيل السابق، ولكننا فى مصر فى ثلث القرن الاخير نجد الابواب مغلقة امام هذا الجيل، فلم تستطع القيادة السياسية والثقافية خلق وبلورة حلم وطنى مشترك جذاب يمنح الشباب الامل وفرص العمل وحرية الاختيار والابتكار. وراحت السياسات الاقتصادية تتخبط بين برامج خصخصة غير منضبطة تحكمها الشللية والمنفعة الشخصية.. وبرامج مالية ومصرفية سمحت بقدر هائل من النهب للمال العام حتى سمعنا عن ظاهرة “نواب القروض”! وبين هذه وتلك واجه الشباب وحش البطالة بمفرده فاضطر الكثيرون الى الهجرة وآخرون الى الجلوس على المقاهى التى اصبحت مفتوحة حتى فى اضيق الحارات طوال الليل والنهار بشكل لا نعرف له مثيلا فى بقية دول الارض.
لقد تجمد الوضع السياسى فى مصر على مدى ربع قرن بلا تغيير فى الاسماء الماسكة لخيوط الحكم والسياسة والثقافة والاعلام والاقتصاد والمال.. بما حجب عن الجيل التالى كل فرص العمل والامل معا. لقد سلبت جماعة صغيرة الساحة السياسية والاقتصادية والثقافية بكل مفاتيحها واختطفتها لحسابها الخاص تاركة جموع الشباب من الاجيال التالية لمصيرها من فقر واهمال وجهل وبطالة، فلم يكن امام هذه الملايين من الشباب سوى الانطواء تحت لواء من يقدمون لهم فرصة اللجوء الى الله، فعلى الاقل يحصلون على نصيب لهم من الآخرة بعد ان ضاع عليهم نصيبهم من الدنيا!
وهكذا كانت حالة الاستلاب السياسى سببا هاما من اسباب تفاقم حالة الالتهاب الدينى، وبالعكس كان شبح وصول الاخوان الى الحكم على موجة الالتهاب الدينى احد اهم اسباب سكوت ورضا بعض القطاعات المصرية بالنظام.. مكرسة بذلك حالة الاستلاب السياسى باعتبارها اهون الشرين. فى دوامة رهيبة لاتبدو لها نهاية مشرقة.
اهتزاز مكانة مصر
مع التشوه الذى حدث للشخصية المصرية من جراء معاناتها من الالتهاب الدينى بفكره السلفى الغائب عن العصر من ناحية.. والاحتقان الناتج عن الاستلاب السياسى وجمود الفكر القيادى فى كافة قطاعات المجتمع الحيوية من ناحية اخرى –وغياب الرؤية السياسية الخالقة للأمل القادرة على الانجاز داخليا وخارجيا على السواء، كان من الطبيعى ان تفقد مصر تدريجيا مواقعها القيادية فى المنطقة فى المجالات السياسية والثقافية والحضارية. فتراجع الاعلام والتعليم وتدهورت الثقافة والفنون والاداب والعلوم، وكاد ان ينقرض المثقف المصرى والفنان المصرى والمبدع المصرى والعالم المصرى، ولانكاد نجد نماذجا لهؤلاء فى الاجيال الصاعدة. ومع الضعف الداخلى كان لابد ان يأتى اهتزاز المكانة فى المنطقة، ورأينا تراجع الدور القيادى المصرى وتقدم الدور السعودى ليكون هو القائد البديل. وليس هذا غريبا فالسعودية هى القائد الطبيعى لحالة الالتهاب الدينى الذى اصاب البلاد العربية كلها تقريبا بتشجيع وتمويل من السعودية نفسها. فالفكر السلفى هو السائد اليوم بعد انحسار الفكر الوطنى القومى والفكر اليسارى الذى اصبح خارج العصر هو الآخر، وتخبط الفكر الليبرالى دون بوصلة وطنية تقوده على طريق الشرعية فإذا ببعض المؤمنيين به يؤيدون الغزو الامريكى للعراق ويدافعون عن مواقف المحافظين الجدد المعادية للمصالح العربية بل والمعادية للمنطق والعقل والعدل بصفة عامة.
وهكذا تتصدر السعودية المشهد العربى المشوه الحالى –وتنزوى مصر تلعق جراحها الذاتية التى اصابت جسدها وروحها على السواء.
ويشكل هذا كله خطرا كبيرا يهدد امن وسلامة ومستقبل مصر.
نعم، ان المحروسة فى خطر.
fbasili@gmail.com
* كاتب من مصر يقيم في نيويورك
مصر بين الالتهاب الديني والاستلاب السياسي: هل المحروسة في خطر؟
نعم ياسيدي مصر في خطر داهم ولا يلوح في الأفق أي أمل و لن ينقذها الا معجزة.