بقلم “سيريل لوي”
مراسلة “الفيغارو” الفرنسية في القدس
عادت أعلام “حماس” الخضراء لترفرف في شوارع “رام الله”. وبعد أسبوعٍ فحسب من توقيع إتفاق المصالحة مع “فتح” بقيادة الرئيس محمود عبّاس، فعد تظاهر أكثر من 1000 من أنصار “حماس” يوم الأربعاء الماضي من غير أن تتصدى لهم قوات أمن السلطة الفلسطينية. وذلك تطوّر نادر منذ نشوب حرب الأشقاء في العام 2007، ويعتبره دعاة التقارب علامة مشجّعة. ويقول عضو البرلمان الفلسطيني عن بيت لحم، خالد طافش، الذي ينتمي إلى “حماس”: “نشعر ببداية إنفراج، ولكن التغييرات الحقيقية تظلّ رهن المستقبل”، مشيراً إلى أن اعتقال الناشطين في “حماس” يستمرّ في الضفة الغربية حتى الآن.
وإدراكاً منهم للعراقيل التي تعترض طريقهم، وللشكوك المنتشرة في أوساط الرأي العام، فإن أصحاب محاولة التقارب الأخيرة يرغبون في التقدم بسرعة. ويقول رجل الأعمال “منيب المصري”: “أولويتنا، حتى قبل التخلّص من الإحتلال، هي إعادة النظام إلى البيت الفلسطيني”. ويُفترض أن يلتقي محمود عبّاس، الذي أعطيت له خمسة أسابيع لتشكيل حكومة تكنوقراط مقبولة من منظمة التحرير الفلسطينية ومن “حماس”، اليوم الإثنين بخالد مشعل في قطر (انعقد الإجتماع فعلاً).
إعادة بناء المؤسسات الأمنية
من زاوية “حماس” الإسلامية، فالأولوية الأكثر إلحاحاً هي تخفيف الحصار الذي يفرضه الجيش المصري على قطاع غزّة. ومنذ إقفال معبر رفح وتدمير أنفاق التهريب التي تربط القطاع بشبه جزيرة سيناء، بات قطاع غزة معزولاً كلياً عن العالم الخارجي. وتأمل منظمة التحرير الفلسطينية في إقناع حكومة مصر بتخفيف الطوق المفروض على “حماس”. ويقول النائب في البرلمان الفلسطيني عن الضفة الغربية “مصطفى برغوتي”: “يرغب الجيش المصري طبعاً في أن يتأكد من أن مثل هذا الإجراء لن يؤدي إلى استئناف عمليات التسلّل من غزة إلى سيناء”. مما يعني أن “حماس” ستكون مضطرة إلى تقاسم الإشراف على نقطة العبور مع قوات السلطة الفلسطينية.
وتتّفق الآراء على أن إعادة بناء المؤسسات الأمنية يشكل أحد الملفات الأكثر تعقيداً. ومنذ العام 2007، باتت تلك المؤسسات مخترقة أو خاضعة للحزبين الحاكمين، “حماس” في غزة، و”فتح” في الضفة الغربية، الأمر الذي يضعف مصداقيتها في نظر الفرقاء الآخرين. ويؤكد “عزّام الأحمد”، وهو مسؤول كبير في “فتح” أنه “من حيث المبدأ، فإن منظمة التحرير الفلسطينية وحماس متفقتان على أنه لن يكون من حق رجال الشرطة وعناصر الجيش في المستقبل الإنتماء إلى أي حزب سياسي”. وفي غزة، هنالك تصوّر لدمج 20 ألف رجل شرطة تابعين لحكومة “حماس” مع 40 ألف موظف تابعين للسلطة الفلسطينية ويعيشون في حالة بطالة إضطرارية منذ استيلاء الحركة الإسلامية على السلطة بقوة السلاح في العام 20007.
ويقول النائب الإسلامي “أيمن دراغمة” أن “عملية إعادة البناء الحسّاسة هذه ستتم بطريقة تدريجية للغاية، وعلى مدى سنتين تقريباً”.
ولكن الملفّ الأكثر حساسية، وهو مصير الجناح المسلّح لحركة “حماس”، لم يُحسَم بعد. وإذا كان رجل الأعمال “منيب المصري” يعتقد أنه “ينبغي لهم أن يسلّموا أسلحتهم في المستقبل”، فإن معظم المسؤولين الفلسطينيين يحاذرون حتى الآن في الدعوة إلى حل “كتائب عز الدين القسّام”، الذي ترمز إلى “المقاومة”. ويقول النائب الإسلامي “أيمن دراغمة” أنه “من الآن فصاعداً، لن نرى أولئك المقاتلين وهم يستعرضون أسلحتهم في شوارع غزة، ولكنهم سيظلون جاهزين للرد عسكرياً على الإعتداءات الإسرائيلية”. وإذا ما حدث ذلك، فالأرجح أن إسرائيل ستحمّل السلطة الفلسطينية المسؤولية.
طمأنة المجتمع الدولي
وتمثّل العواقب الإقتصادية لاتفاق المصالحة دافعاً آخر للقلق بين المسؤولين الفلسطينيين. ويعرض أستاذ الإقتصاد في جامعة بئر زيت، “ناصر عبد الكريم”، أن “الرواتب المستحقة لـ40 ألف موظف تابعين لحماس التي ينبغي للسلطة الفلسطينية أن تدفعها تدريجياً سوف تُعوََض بالمداخيل التي ستجبيها حكومة قطاع غزة وهي تقدّر بـ250 مليون دولار”. بالمقابل، لا يستطيع أحد أن يقدّر العقوبات المالية التي يمكن أن تترتّب على فك العزلة عن حركة حماس.
وحرصاً منهم على طمأنة المجتمع الدولي، فقد استقبل مسؤولو منظمة التحرير الفلسطينية عدداً من الديبلوماسيين الأوروبيين المعتمدين لديهم في الأسبوع الماضي، وأبلغوهم بأن الحكومة المقبلة لن تضم أي وزير من حركة “حماس”، وبأنها سوف تعترف بدولة إسرائيل، كما ستدين اللجوء إلى العنف.
ولكن بنيامين نتنياهو استخفّ بتلك الوعود، وأعلن أنه لن يفاوض مع أية حكومة تدعمها “حماس” طالما ظلت “حماس” على رفضها لوجود إسرائيل. ويوم السبت الماضي، أكد الرجل الثاني في حركة “حماس” مجدداً أن حركته لن تعترف “أبداً” بوجود إسرائيل. بالمقابل، يقول النائب الحماسي “خالد طافش” أن الحركة مستعدة للنظر في إقامة دولة فلسطينية على أساس حدود 1967- مما يعني الإعتراف بوجود إسرائيل. ويضيف: “إذا حدث ذلك، فسندرس فكرة هدنة طويلة الأجل”!