اود اولا ان استأذن واعتذر من المؤسسة اللبنانية للارسال ومن الكاتبة دلال البزري على الاقتباس. ولكن العنوان مغرٍ. ليس سهلا ان تكون لبنانيا، واود ان اضيف عليه ليس سهلا ان تكون لبنانيا واعلاميا الى اي فئة من فئات العاملين في مهنة الِمتاعب انتميت.
منذ بدأت العمل خارج لبنان، ادركت صعوبة كوني لبنانيا واعلاميا، ثم ادركت انني لست وحيدا في المعاناة، فجميعنا سواسية امام حملات التحريض والغيرة والحسد من الزملاء. حملات أنتجت تمييزا في حقنا اجبر العديد منا على التأمل والتأفف والتذمر من واقع كوننا اعلاميين نعمل في بيئات لا تتسع لنا بما نختزن من معرفة في اصول المهنة، وان ليس على وجه التعميم. وما التواجد المكثف للاعلامين اللبنانيين في جميع وسائل الاعلام العربية سوى خير دليل على غنى التجربة اللبنانية في مجال الاعلام حتى اصبحنا نحن الاعلاميين اللبنانيين شراً لا بد منه للمحطات الناطقة بالعربية.
وفي دراسة الاسباب نجد ان اللبنانيين يتعرضون لمنافسة غير متكافئة من سائر الزملاء العرب. وعذرا سلفا، فالمقصود ليس التقليل من شأن اي اعلامي عربي بل وضع النقاط على الحروف بقياس التجارب المقارنة للاعلاميين اللبنانيين مع نظرائنا من سائر الدول العربية. واكرر القول ليس على وجه التعميم، فالمقصرون في المهنة من جميع الجنسيات العربية ومن بينهم اللبنانيون ايضا.
اذا بدأنا باعلاميي شمال افريقيا نجد انهم قلة في المؤسسات العربية الاعلامية ومشكلتهم الرئيسية الاولى تكمن في اللغة العربية. فمعظمهم لديهم مشاكل في التعاطي مع اللغة العربية نطقا وكتابة وبالامكان تمييز لهجاتهم والى اي دولة ينتمون .
الزملاء من السودان ايضا لديهم مشاكلهم مع اللغات الاجنبية وان يكن ليس على وجه التعميم ايضا ولكنهم ايضا قلة ولديهم مشكلة ايضا في النطق بالعربية. وبالامكان تمييز اصواتهم.
اما الاعلاميون من مصر وهم كثر، وينافسون اللبنانيين جديا ولا تعتري عربيتهم لغة وكتابة اي شوائب اذا استثنيا الصعوبة عند البعض من بينهم في نطق الجيم التي تميز اللهجة المصرية.
اما الزملاء من سوريا وفلسطين والاردن فلديهم مشاكل مع اللغات الاجنبية التي يبدأ تعليمها متأخرا، وان كانوا لا يواجهون اي متاعب مع اللغة العربية كتابة ونطقا.
اما الاعلاميون من منطقة الخليج العربي فيبدو ان المهنة جديدة بالنسبة لهم. وعلى الرغم من وجود مدن اعلامية في منطقة الخليج العربي إلا ان حضورهم قليلا بين الاعلاميين وهم ايضا يعانون مشاكل مع اللغة العربية.
هذه هي المشاكل التي تختص بكل منطقة اعلامية عربية. اما المشاكل التي يجتمع فيها سائر الاعلاميين فتعود الى تعلم المهنة وممارستها بين الاكاديمية الجامعية والممارسة الميدانية. وكي لا نكون جازمين او نعلن احكاما مطلقة فان معظم الزملاء يتدرجون في وسائل اعلامية موحدة التوجهات وتعمل على قياس الانظمة، وهي في مجملها وسائل اعلام موجهة، فيجدون صعوبة كبيرة، عندما ينطلقون الى فضاء الاعلام المستقل واعلام الرأي والرأي الآخر الموضوعي، في ان يكونوا محايدين او حتى ليبراليين نتيجة الخوف الذي تراكم لديهم اثناء مزاولتهم المهنة في بلدانهم. فقلما نرى او نسمع او نقرأ وسيلة اعلامية معارضة لاي نظام عربي ولديها من الصدقية وحرية التعبير ما يجعلها مؤثرة في توجيه الرأي العام في اي دولة عربية. فيمارسون المهنة من دون حس صحفي، تحكمهم هواجس الخوف من العقاب ان هم تجاسروا على انظمتهم او حتى نقلوا خطابا لرأي مخالف لرأي النظام الذي ينتمون اليه. فهم، في نهاية المطاف، سيعودون الى بلدانهم وأعين الرقيب تلتقط الاشارات حتى من خارج الحدود للمعترضين والمعارضين، ويوم الحساب آت لا محالة.
وبالعودة الى اللبنانيين فهم في حق، ليس كلهم ولكن السواد الاعظم بينهم، يتدرجون في مدارس اعلامية متنوعة ومختلفة ناتجة عن الغنى اللبناني في وسائل الاعلام الذي بدأ التعاطي معه مبكرا منذ نزح اللبنانيون الى مصر وارادوا نشر القومية العربية في وجه القومية الطورانية ومحاولات التتريك التي كانت تسعى اليها الامبراطورية العثمانية لطمس الهوية العربية. فانطلق اللبنانيون والمسيحيون من بينهم تحديدا الى رحاب العالم العربي ناشرين وكتاب وصحافيين فأسسوا كبريات الصحف العربية وفي مقدمها صحيفة الاهرام المصرية. وعرف من بينهم اعلام في المهنة في مصر وفرنسا كم اسهموا في اطلاق النهضة العربية على غرار شبلي الشميل وفرح انطون وخيرالله خيرالله واسعد داغر وآل اليازجي واحمد فارس الشدياق وجبران خليل خبران وامين الريحاني ومارون عبود وخير الله خيرالله وسواهم ايضا مما لا يتسع ذكرهم.
ومع بدايات عهد العالم العربي في مهنة الاعلام كانت بيروت الحاضنة الاول لانتشار الصحف ومكتبة العالم العربي ومطبعة العالم العربي. واذا اضفنا الى ميزات العاصمة اللبنانية ما نتج عن طبيعة النظام اللبناني المعروف ايضا بتنوع قياداته السياسية وانقساماته ما قبل الحرب بين يمين ويسار، وانتشار الاحزاب العلمانية والدينية، وفسحة الديمقراطية التي تستفيد منها اولا واخيرا وسائل الاعلام، نجد ان اللبنانيين وحدهم دون سواهم قادرون على مزاولة قناعاتهم السياسية في الصحافة والاعلام. فهم يستطيعون انتقاد الطبقة السياسية، بحق او من دون وجه حق، ولا يخشون التعرض للسجن. او ليست احدى المحطات التلفزيونية اللبنانية حاليا تبث برنامجا يحمل عنوان الفساد يتناول مسؤولين حايين وسابقين! وفي معزل عن الرأي الشخصي في البرنامج لا استطيع القول ان في العالم العربي مجتمعاً محطة او وسيلة اعلامية تستطيع ان تبث برنامجا شبيها.
إذاً، اللبنانيون طلاب مدرسة عريقة في القدم حتى قيل ان انفلاش الصحافة اللبنانية كان احد الاسباب التي ادت الى اندلاع الحرب الاهلية بعدما تحولت بيروت الى منبر للمعارضات في العالم العربي فكانت وسائل الاعلام اللبنانية مصدر إزعاج للانظمة العربية مجتعمة.
وعندما نتوجه كاعلاميين للعمل خارج لبنان قد لا تكون تجربتنا المهنية كاملة وناجزة للدخول من اليوم الاول في تجربة الاعلام الاوسع من المحلي، ولكن الاكيد اننا نعرف الاصول ونلتزمها ولدينا قابلية للتكيف بسرعة فنجد انفسنا وقد انتقلنا من الخبر المحلي الى الخبرالعربي والعالمي بسلاسة وسهولة ولا تعترينا مشكلة اللغات الاجنبية التي اصبحت عصب غرف الاخبار الرئيسية. فنحن ندرس اللغات الاجنبية من اليوم الدراسي الاول ولا نواجه مشاكل مع اللغة العربية نطقا وكتابة. فنحن من عمل على المحافظة عليها وحمايتها من التتريك والاندثار، ولا تواجهنا مشكلة الرأي والرأي الآخر فهذا مفهوم منتشر في لبنان وكثرة الآراء فيه. ولا تواجهنا مشكلة استيعاب التقنيات فنحن منتشرون في بقاع العالم ونطلع على احدثها على رغم المآسي التي نعيشها ونتعلم الكومبيوتر، وليس “الحاسوب”، ولغتنا الاجنبية جيدة ونستطيع ان نتعاطى مع التكنولوجيا.
وعندما نبدأ العمل تبدأ الشائعات واقلها اننا نحمل اجندات سياسية. وهذا ليس عيبا او نقيصة. فالادلاء بالرأي السياسي شيء واستخدام المحطة او الوسيلة الاعلامية لتسويق الرأي السياسي شئ آخر. وليس بخاف على احد ان اللبنانيين يتعاطون السياسة بإدمان، وهم منقسمون سياسيا عاموديا وافقيا. ولكن هذا مصدر غنى للمهنة وليس نقيصة إلا عندما يتم استخدام الموقع المهني لتسويق الرأي الشخصي. ولكن ماذا لو كان هذا الرأي ينسجم مع اهواء مالك المحطة؟ عندها يصبح الاعلامي اللبناني المسيس نعمة للمحطة، اما اذا كان مخالفا فيصبح عندها، وبحكم اطلاقي، جميع الاعلاميين اللبنانيين مسيسين ويريدون استخدام وسائل الاعلام لتسويق ارائهم.
وعندما تصل الامور الى المواقع الرئيسية في المهنة، تجد ان العديد منهم يتبوأ مواقع قيادية وتقريرية وما يعرف عنهم انهم لا يتهربون من تحمل المسؤليات التي يمارسونها بجدارة. ولكن لا ينفكون يتعرضون لتحرش المبتدئين والذين يزاحمون على مواقع ليسوا اهلا لها.
اننا متهمون بالمعرفة، وهل هذه تهمة؟؟؟
ينقص ان يكتب على اعلانات التوظيف: “المجال مفتوح للصحافين غير اللبنانيين”! ولكن ماذا لو حصل العكس وقرر اللبنانيون ان يغادروا وسائل الاعلام العربية التي تمارس التمييز في حقهم؟ في اعتقادي ان هذه الوسائل الاعلامية على اختلافها ستجد نفسها في مأزق فعلي في كيفية تأمين تأمين البديل.
ملاحظة: حاول احد الزملاء تغيير مكان عمله وسعى جاهدا الى الحصول على وظيفة ثانية، وهو ليس لبنانيا بالمناسبة. وبعد جهد وجد الفرصة التي يريدها ولكن في محطة من غير المرغوب بهم. فحار في امره، فما كان منه الا ان لجأ الى الأزهر لاستصدار فتوى بجواز العمل مع المحطة. وجاءه الرد بعدم جوازه، فتجاهل طلب التوظيف الذي كان يسعى جاهدا للحصول على موافقة عليه.
kricha@radiosawa.ae
* كاتب لبناني- الإمارات
مش هيّن تكون لبناني
بحكم كوني متخصصا في اللغة العربي سأعلق على نقطة واحدة فقط :
كتل الكاتب المحترم أن كل شعوب العرب يعانون من مشاكل في العربية عدا أهل الشام : الأردن …. لبنان ، والعجيب أنه جعل لبنان لا تعاني من ذات المشاكل !!! ، وأنا أقول إن مشكلة اللبنانيين في ميلان اللسان كبيرة ولكنها مهضومة 🙂 خاصة على المذيعات مو هيك … 🙂 ، جميل أن ترى عيوب الآخرين والأجمل أن ترى عيوبك .. كل الشعوب العربية تظن لسانها قويما وأن على البقية أن يأتمروا بأمرها !!! … ما أخيبكم وما أتعس لغة أنتم حاملوها … 🙂