في الاجتماع الأخير للقادة المسيحيين في بكركي، برز رأي أغلبي لصالح مشروع “اللقاء الأرثوذكسي” بشأن قانون الانتخابات البرلمانية. ويمكن تلخيص هذا المشروع على النحو التالي: يختار الناخبون من كل طائفة فقط أعضاء البرلمان المنتمين الى طائفتهم وتحتسب نتائج الإقتراع تبعا لمبدأ النسبية.
أثار هذا الموقف ردود فعل قوية. وقد سلّط معظم المنتقدين الضوء على النقاط التالية: إن تنفيذ هذا المشروع من شأنه أن يخلق برلمانا مستقطبا، عبر قطع الجسور بين مختلف الطوائف. وقد يتسبب الزخم الذي يولده المشروع بإثارة النزاعات الطائفية بدلا من الحد منها. سيواجه المجتمع اللبناني خطر تفككه بشكل مستمر. وسيزيد من سطوة زعماء الطوائف. أما على المستوى الإقليمي، فإن تطبيق هذا القانون سيؤدي إلى عزلة المسيحيين.
إن هذه المخاوف لها ما يبررها بالتأكيد، ولكن بغية تقييم أفضل لجدواها، من الضروري توضيح سمات المشروع التي تساهم في تشجيع الانطواء السياسي والمخاطر التي تنتج عنه، وتلك التي قد يكون لها جوانب إيجابية.
يكمن الجانب السلبي من هذا “المشروع” في أن الطوائف مجبرة على اختيار من يمثلها فقط ممن ينتمون اليها. أما عكس ذلك، أي حرمان طائفة معينة من القدرة على التأثير بشكل مجد فيمن ُينتخب لتمثيلها في السلطة السياسية، فقد يكون بنفس القدر من الخطورة. إذ أن الخيبة والتهميش اللتان ستنتجان عنه سوف يسببان الاحباط ويولدان شعورا بالغبن، مما قد يتحول بسهولة إلى البحث عن حلول خارج أي إطار قانوني أو مؤسسي، مع ما يترتب عن ذلك من مخاطر اللجوء الى العنف.
ولذلك، يجب علينا أن نسعى لتفادي هذين الحلين المتطرفين. إن “مشروع اللقاء الأرثوذكسي” هو رد فعل على واحد منهما: تهميش المسيحيين اللبنانيين الذي نشأ بجانب منه من التفسير الخاطئ لاتفاق الطائف في القوانين الانتخابية التي عُمل بها عام 2009 وتلك التي سبقته، مما أعطى العوامل الديموغرافية في الانتخابات ثقلا كان من المفترض أن يكون إتفاق الطائف قد نجح بتحييدها.
إن التفسير المبتور للمناصفة (مبدأ المساواة بين المسلمين والمسيحيين المنصوص عليه في إتفاق الطائف والمذكور صراحة في الدستور) يختصر هذه المساواة بالقاعدة الحسابية المبسطة التي ينتج عنها تقسيم المقاعد البرلمانية بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين. يفترض هذا التفسير، أنه يكفي أن ينتمي المرشح الى طائفة معينة لكي يمثل التطلعات التاريخية لهذه الطائفة حتى لو انتخب من قبل أصوات من طائفة أخرى. والواقع أن نسبة كبيرة من أعضاء البرلمان من المسيحيين يُنتخبون بأصوات المسلمين، في حين أن العكس ليس صحيحا.
المناصفة الحقيقية هي في إعطاء المسيحيين القدرة الإنتخابية المتساوية مع المسلمين. وبعبارة أخرى، ينبغي أن تتيح هذه المناصفة للناخبين المسيحيين إنتخاب العدد نفسه من أعضاء البرلمان الذي ينتخبه المسلمون. “مشروع اللقاء الأرثوذكسي” يلبي هذا الشرط ويطبقه بشكل دقيق وواضح، وهو أمر ضروري لجعله مطمئنا للأقليات. لكن هذا المشروع يورد شرط القدرة الإنتخابية المتساوية في إطار من العزلة الطائفية الذاتية، مما يشوّه مبدأ المناصفة ويُدخل المجتمع اللبناني في خضّم دينامية مضرّة.
تجدر الملاحظة أن القوانين الانتخابية للعام 2009 وتلك التي سبقته قد طبقت بالفعل عوامل ترجيح أعطت لتصويت الفرد المسيحي ثقلا أكبر من صوت الفرد المسلم. ولكن ذلك تم تطبيقه بطريقة غير منتظمة الى حد كبير، مع محصّلة نهائية أنه تم انتخاب 20 عضوا مسيحيا في البرلمان ضمن دوائر إنتخابية ذات أغلبيات مسلمة كبيرة، بينما لم يتم انتخاب سوى 3 مسلمين في دوائر إنتخابية ذات غالبية مسيحية، مما أخلّ بالتوازن الذي رمى اليه إتفاق الطائف بين المجموعتين الدينيتين الرئيسيتين. وعلاوة على ذلك، فإن مبدأ “القدرة الإنتخابية المتساوية” لم يكن معترف به بشكل رسمي، مما أضعف الهدف المراد منها، إلا وهو طمأنة الأقليات.
كان عدد الناخبين المسلمين في لبنان في عام 2009، 1.52 ضعف عدد الناخبين المسيحيين. في إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية في عام 2009، كان الانحراف عن هذه النسبة المتوسطة كبيرا جدا في بعض الأحيان. في قضاء كسروان، على سبيل المثال، كان عدد الناخبين المسيحيين لكل نائب 17,470، في حين أنه في بنت جبيل، كان عدد الناخبين الشيعة لكل نائب أكثر من ضعف هذا العدد. وقد أدخل المشرع اللبناني في قوانين الانتخابات السابقة مبدأ “القدرة الانتخابية المعدلة”، ولكن المحصلة النهائية للإنتخابات كانت أن التمثيل المسيحي بقي خاضعا لاصوات المسلمين. لذلك، فإن إعتماد نظام انتخابي يقوم على قبول صريح لمبدأ “القدرة الإنتخابية المتساوية” لا يشكل خطوة إلى الوراء، إذ أن هذا المبدأ قد طبق بالفعل، ولو جزئيا وبشكل غير متساو، في التشريعات السابقة. ينبغي لنظام كهذا، السعي لتطبيق عامل الترجيح المتوسط 1.52، دون أي انحرافات كبيرة، في جميع الأقضية، وأن يطبق بوضوح ونزاهة وفي كافة الحالات.
من المهم أيضا أن نذكر أن القوانين الانتخابية لعام 2005، 2009 وتلك التي سبقتها، إعتمدت ترسيما للدوائر الانتخابية تسبب، في عدد منها، بدينامية إنطوائية كالموجودة في صلب “مشروع اللقاء الأرثوذكسي”. على سبيل المثال، في عام 2009، كانت الدوائر الانتخابية التالية، البترون، زغرتا، بشري، الكورة، جزين، المتن وبيروت الأولى، دوائر تقوم فيها أغلبية ساحقة من الناخبين المسيحيين باختيار أعضاء البرلمان من المسيحيين. أما الدوائر الإنتخابية التالية، بيروت الثالثة، طرابلس، المنية – الضنية، مدينة صيدا فكانت مناطق سنية متجانسة تقريبا تنتخب أعضاء في البرلمان ينتمون الى المذهب السني، في حين أن صور، بنت جبيل والنبطية، ذات أغلبيات شيعية كبيرة جدا كانت تنتخب فقط نوابا من المذهب الشيعي.
النظام الانتخابي الحالي فيه إلى حد كبير الجوانب السلبية ذاتها التي قد تعرضت لانتقادات في “مشروع اللقاء الأرثوذكسي”. يجب إذن صرف النظر عن النظامين على حد سواء.
ما هي البدائل الأخرى المتوفرة حاليا؟ أهم الجهود الحثيثة في هذا الصدد هي التي بذلت من قبل لجنة بطرس. وكانت التوصية الرئيسية لهذه الجنة إعتماد نظام التمثيل النسبي، وفي الوقت عينه احترام الحصص المخصصة لكل طائفة. وأتت النتيجة نظاما شديد التعقيد لا تفهم الغالبية العظمى من الناخبين تفاصيله. وقد عمدت الحكومة، التي تبنت نسخة معدلة من إقتراح لجنة بطرس، الى تنظيم حملة مسهبة تدعم فيها النظام النسبي، ولكن دون الدخول في تفاصيل خطتها لتطبيقه.
يستند النظام المقترح من جانب الحكومة على مبدأ القوائم الانتخابية المقفلة. لا يمكن للناخبين اختيار المرشحين من قوائم إنتخابية مختلفة، وعليهم تبعا لذلك التصويت لقائمة واحدة بأكملها. وعند إحتساب عدد الأصوات التي نالتها القوائم، تحصل كل قائمة على عدد من المقاعد البرلمانية يساوي نسبة الأصوات التي نالتها. جيد جدا لغاية الآن. تظهر المشكلة على مستوى اختيار الأعضاء من ضمن كل قائمة.
لنعرض المثال التالي الذي يساعد في فهم الصعوبات في هذا الجزء من عملية الاختيار. لنفترض أن القائمة (أ) نالت 40٪ من الأصوات في دائرة إنتخابية خصص لها 10 نواب. يعني ذلك أن علينا إختيار 4 نواب من القائمة (أ). الأمر واضح ولا يشكل أي مشكلة لغاية الآن. يكمن التعقيد في تحديد أي أربعة من المرشحين العشرة من القائمة (أ) يجب علينا إختيارهم، علما أن العشر أعضاء نالوا العدد نفسه من الأصوات وينتمون إلى عدة طوائف. الحقيقة أن عامة الشعب في حيرة من أمرهم في فهم كيفية عمل هذا النظام إبتداء من هذه المرحلة. كل ما فعلته الحكومة مجرد إعلانها أن الأصوات التفضيلية ستستخدم لإتمام عملية الاختيار.
هناك طرق عديدة لاستخدام الأصوات التفضيلية. مع الأسف، في ظل ظروف معينة، قد يؤدي بعضها إلى نتائج غير منطقية، مثل الحالة التي قد يجد فيها أعضاء من طائفة معينة تشكل أقلية في دائرة إنتخابية ما، أن أفضل وسيلة لإنجاح مرشح طائفتهم تكون عبر الإقتراع للقائمة المناوئة لهم. حتى أن نزار يونس قد زعم أن هذا النظام غير محدد من الناحية الرياضية (انظر “برلمان الغد”، منشورات المسار، 2006. صفحة 193 الى 208).
إن مكمن القوة في النظام النسبي هو انه يزيد من التمثيل عن طريق إزالة فخ نظرية “أهون الشرور”، أو “التصويت المفيد” الذي يحد من قرارات الناخبين في القوانين التي تعتمد النظام الأكثري. هل الزيادة في التمثيل أمر جيد في كافة الأحوال؟ ما يأمله مؤيدو النظام النسبي هو أنه سيتيح بروز قادة جدد من المجتمع المدني، يمكن أن يحلوا تدريجيا محل القادة الطائفيين التقليديين. إن هؤلاء القادة المعتدلون موجودون بالفعل ضمن التشكيلات الطائفية الكبيرة، وفي حال تركهم لهذه التشكيلات، من الممكن أن تتجه هذه الأخيرة نحو خطاب أشد طائفية.
هناك عامل آخر يجثم على الجانب السلبي للتمثيل الأكبر: سيسهل النظام النسبي نمو الجماعات الدينية المتطرفة أكثر بكثير مما يسهل بروز الجماعات العلمانية. لقد شهدنا دينامية نمو الجماعات الدينية في الربيع العربي. وفي اسرائيل التي تعتمد النظام النسبي، نجحت الجماعات الدينية، من خلال نموها السريع، في تهميش حزب العمل العلماني بشكل كامل.
النظام النسبي له الى حد كبير التأثير نفسه على البلدان كما لتأثير التحليل الفرويدي على الأشخاص. كلاهما يكشف عن الإحباطات المخفية أو الدوافع المقلقة التي يعمد عادة الشخص السليم أو المجتمع المعافى الى كبتها. لقد أثبت العلاج الفرويدي فشله فشلا ذريعا، لأنه يتسبب بتفكيك الشخصية ولا ينجح في إعادة بنائها. وبالمثل، فإن النظام الانتخابي النسبي قد لا يساعد بلدا يعاني من أزمة، بل يعجل في سقوطه نحو حالة شبه دائمة من الدولة العاجزة (failed state).
هناك حجة أخيرة نوردها ضد استخدام النظام النسبي في ظل الظروف الحالية في لبنان. سقطت مناطق بأكملها تحت سيطرة جماعات مسلحة قمعت بالقوة أو التهديد أي شكل من أشكال المعارضة المنظمة. بينما تنعم مناطق اخرى بحرية أكبر وتتنافس فيها قوى سياسية متعارضة . نورد المثال التالي لنوضح أن تطبيق النظام النسبي في ظل هذه الظروف غير عادل.
لنفترض أن مجموعة (أ) نجحت في جعل المنطقة (أ) “متجانسة” عبر إستخدام القوة أو التهديد بإستعمالها. أما المنطقة (ب) فتسودها حرية الرأي وتتواجد فيها مجمعوعات من أرآء متعددة. النظام النسبي سيسمح للمجموعة (أ) بالفوز بحصة لا يستهان بها من التمثيل في المنطقة (ب). أما المجموعة (ب)، فسوف تجد صعوبة بالغة في الاختراق في المنطقة (أ). لذلك، سيكون نوعا من العدالة الملتوية أن نقترح نظاما يكافئ أولئك الذين يستخدمون الأساليب القمعية لتأمين السيطرة الكاملة على مناطقهم، ومعاقبة الجماعات التي تسمح لجماعات المعارضة بالعمل دون قيود في مناطقها.
لقد تم عرض النظام النسبي من قبل مؤيديه بمثابة النظام الأكثر حداثة والأكثر استخداما في العالم اليوم، كما لو كان هذا النظام آخر صيحات الموضة التي ينبغي علينا اتباعها. إن الديمقراطيات الأكثر تقدما والأكثر خبرة، والتي ينبغي أن تكون لنا بمثابة القدوة، لا تستخدم هذا النظام. الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا يعتمدان نظام الدوائر الفردية “Uninominal System” (دوائر إنتخابية صغرى حيث يتم انتخاب عضو برلمان واحد فقط بالأغلبية البسيطة). البرلمان الفرنسي ينتخب تبعا لنظام الدوائر الفردية أيضا، وذلك بعد عدة محاولات سابقة غير ناجحة باستخدام النظام النسبي. أما بالنسبة لانتخاب مجلس الشيوخ الفرنسي، فهو يقوم على نظام مختلط (نظام صوت واحد أكثري في نصف الدوائر والتمثيل النسبي في النصف الآخر).
إذن، نظام الدوائر الفردية له مؤيدون بارزون. ولكن هذا النظام هو أيضا يسبب إشكالية عندما يتم تضمينه الحصص الطائفية. لقد قام نزار يونس باقتراح أحد أنظمة الدوائر الفردية(المرجع نفسه). ولكن للأسف، يؤدي هذا الاقتراح عمليا إلى إختيار الناخبين لأعضاء البرلمان المنتمين الى المجموعات الدينية الخاصة بهم فحسب، ويعيد إدخال إحدى جوانب “مشروع اللقاء الأرثوذكسي”، مع الدينامية السلبية نفسها التي تدفع بكل طائفة الى الإلتفاف على نفسها. حول هذا الموضوع، يرجى الرجوع إلى مقالي في صحيفة ديلي ستار، 4 نيسان، 2008، حيث قمت بمناقشة مشروع يونس، واقتراح تعديل من شأنه أن يضمن مناصفة صحيحة ويؤسس لبناء جسور بين مختلف الطوائف وإنتاج وسط قوي معتدل في البرلمان .
من المهم، قبل تفصيل “مشروع قانون إنتخابي” المقترح، تبرير الحفاظ على الحصص الطائفية والقدرة الإنتخابية المتساوية بين المجموعتين الدينية الرئيسيتين، حيث أن الإعتراضات ما زالت ترفع في وجه هاتين المسألتين إستنادا الى المبادئ الديمقراطية (انظر إفتتاحية مايكل يونغ في صحيفة ديلي ستار في 22 كانون الأول، 2011، حيث يصف المؤلف هذه الأفكار على أنها “غير ديمقراطية في العمق”).
لا توجد مبادئ مطلقة لتحديد القواعد الإنتخابية. إن مبدأ الديمقراطية مقيّد عبر إتفاقية تأسيسية تحدد، إذا تم القبول بها بحرية، قواعد اللعبة الديمقراطية من الناحية القانونية، حتى لو كانت هذه القواعد غير مبنية على المساواة. الدستور النرويجي، على سبيل المثال، ينص على أن أكثر من نصف أعضاء الحكومة يجب أن ينتموا إلى المذهب اللوثري (هذه القاعدة في طور التغيير حاضرا، ولكنها معتمدة لغاية تاريخه، وهذه هي الديمقراطية الاسكندنافية).
المثال الأكثر مطابقة فيما يتعلق بالوضع في لبنان هو مجلس الشيوخ الأميركي. كل ولاية أميركية تتمثل بعضوين في مجلس الشيوخ بغض النظر عن عدد سكانها. كانت كاليفورنيا في عام 2011 تعدّ أكثر من 37,691,000 نسمة، أي حوالي 66 مرة أكثر من عدد سكان وايومنغ، التي كانت تعدّ 568،000 فقط آنذاك. إن صوت الناخب في وايومنغ يساوي الوزن السياسي نفسه الذي يمثله 66 ناخب من كاليفورنيا. وبالتالي، ففي انتخابات مجلس الشيوخ الامريكي، عدد متساو من ممثلي الولايات ومساواة في “القدرة الإنتخابية”، بغض النظر عن عدد السكان. إن المساواة في القدرة الانتخابية هي العامل الحيوي لناخبي وايومنغ.
إن الوضع القانوني الذي ينص على منح الولايات الأمريكية قوة إنتخابية متساوية تم إعتماده في “تسوية كونيتيكت” في عام 1787. أما في لبنان، فقد تقرر في تسوية الطائف لعام 1989، الإعتماد الرسمي لمبدأ المساواة بين المسيحيين والمسلمين في السلطتين التشريعية والتنفيذية. ليس من الممكن تقييم مشروعية القواعد الديمقراطية في لبنان من دون فهم واضح لأحكام اتفاق الطائف.
كان من المفترض أن يساهم إتفاق الطائف في إقناع المسيحيين في المنطقة الشرقية من البلد أن يتوحدوا مجددا مع بقية البلاد. إذ أنهم كانوا قد اختاروا الانفصال لأنهم شعروا أن شركاءهم في إدارة البلاد يفضلون الحلول الإقليمية على التشارك في إدارة لبنان مستقل. وكان المسلمون ينتقدون “المواقف المسيحية” المعادية للعرب ويتهمونهم بالسيطرة على أجهزة الدولة ويصروا بالتالي على خضوعهم للسلطة المركزية للدولة الموحدة. وقد استندت التسوية الأساسية للطائف بشأن النزاعات بين الطوائف الى ثلاثة شروط رئيسية:
1 – على المسيحيين الخضوع للسلطة المركزية والقبول بهوية لبنان العربية. لقد تمت تلبية هذا الشرط. تم حل الدولة المسيحية الصغيرة وأصبح الخطاب السياسي للفصائل المسيحية متماشيا مع المحيط العربي.
2 – في المقابل، كان على الجماعات الاسلامية والتقدمية أن تمنح ولائها للبنان سيد، موحّد ومستقل، وطنا نهائيا لجميع أبنائه. إن هذا الشرط، بالرغم من طبيعته الأساسية ووروده في مقدمة الدستور، لم يتم الوفاء به: لبنان بعد الطائف تم تسليمه الى السوريين وتخلت مجموعات لبنانية اساسية اليوم عن منظورها الوطني لكي تخضع لسلطة أقطاب إقليمية.
3 – قبول الطرفين بالمناصفة: حصص متساوية للمجموعتين الدينيتين في السلطتين التشريعية والتنفيذية. كان ذلك الشرط إستجابة للمطالب المشروعة للمسلمين الذين كانوا يتشكون من الهيمنة المسيحية على أجهزة الدولة (قبل اتفاق الطائف، كان للمسيحيين أغلبية في البرلمان والسلطة التنفيذية كانت متمثلة في نظام رئاسي قوي في يد الموارنة). وفي الوقت نفسه، أقرت المناصفة لحماية المسيحيين من أي تغييرات ديموغرافية مستقبلية قد تأتي على حسابهم. ولكن القاعدة الاساسية في المناصفة تم تنفيذها بشكل سطحي، غير متكافئ، وبصورة جزئية.
تجدر الملاحظات التالية في هذا الصدد.
1. لقد تم تنفيذ التنازلات المطلوبة من المسيحيين تبعا لاتفاق الطائف. أما الجماعات الاسلامية – التقدمية التي كانت طرفا في النزاع في ذلك الوقت، فلم تف بالتزاماتها، إن فيما يتعلق بالمناصفة، وإن، وهذا أمر أساسي، فيما يتعلق بمقدمة الدستور: الولاء للبنان سيد حر ومستقل. إن هذين الشرطين من مستلزمات اتفاق الطائف مرتبطان، لأن الحركة الاستقلالية اللبنانية تركزت تاريخيا في المجتمع المسيحي. ولذلك، فإن إعطاء المسيحيين وزنا سياسيا أكبر من نسبة عددهم في الوقت الحاضر، يعزز الحركة الإستقلالية في البلاد، ويساعد على تحقيق رغبة اللبنانيين من جميع الطوائف الذين يطمحون للعيش في بلد حر ومستقل. إن في هذا الواقع التاريخي بالذات تكمن الحجج المقنعة التي تبرر المناصفة وبقاء النظام الطائفي.
2. تشير المادة 24 من الدستور إلى تطبيق مبدأ “المساواة بين المسيحيين والمسلمين”. وبالتالي، فإن المناصفة هي أكثر من معادلة انتخابية مبسطة: إنها المبدأ الذي يجب أن تتم صياغة قانون الانتخابات على اساسه، كما تقاسم السلطة التنفيذية. أما شرط “القدرة الإنتخابية المتساوية” فهو بالتالي متناغم مع روح ونص الدستور المستمد من اتفاق الطائف، وكل ما يتطلب تنفيذه هو اعتماد قانون انتخابي مناسب.
3. ينص الدستور اللبناني على عدة تدابير من شأنها أن تضمن أن لا يؤدي تطبيق المناصفة إلى عدم مساواة إجتماعية وإقتصادية بين أفراد الطوائف المختلفة. وغني عن القول أنه ينبغي إحترام بنود الدستور بإخلاص بغية إعطاء جميع المواطنين الحريات الديمقراطية نفسها، وتأمين تكافؤ الفرص من أجل التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
4. يضع الدستور اللبناني آلية تهدف إلى القضاء على الطائفية السياسية في البرلمان، في حين يعيد إدخالها في مجلس شيوخ مستحدث. إذن، لا توجد نية في الدستور للقضاء على الطائفية السياسية بشكل كامل. وعلاوة على ذلك، ينص الدستور على إتمام تنفيذ عملية تحويل الطائفية من البرلمان إلى مجلس الشيوخ على عدة مراحل. أما المرحلة الأساسية الأهم، أي تلك التي يجب أن تسبق كافة المراحل الأخرى، وهي التي تم تأكيدها في مقدمة الدستور، فهي أبعد من أن تكون قد نفذت. هذه المرحلة هي إرساء أسس دولة: ولاء جميع الأفرقاء للبنان، “الوطن النهائي”، والخضوع للدولة اللبنانية التي تحتكر دون سواها العلاقات الخارجية والقوات المسلحة. الواضح أنه من غير الوارد المضي قدما في إلغاء الحصص الطائفية قبل تحقيق هذه الخطوة الأساسية.
لذلك، يبقى شرطا الحصص الطائفية والقدرة الإنتخابية المتساوية أساسيين في ترسيخ وحدة واستقلال البلاد. وحالما يتم تعزيز ولاء جميع الأفرقاء إلى “الوطن النهائي”، سوف يفقد النظام الطائفي سبب وجوده.
إن الغرض من هذه الوثيقة إقتراح مشروع قانون إنتخابي يضع شرط “القدرة الإنتخابية المتساوية” في دينامية إنفتاح ومشاركة في بناء دولة ديمقراطية موحدة ومستقلة، فضلا عن شراكة مسيحية إسلامية أكثر حيوية، دينامية من شأنها تطوير الأسس الإنسانية والسياسية للقضاء النهائي على الطائفية السياسية.
القانون الانتخابي المقترح
يمكن أن يتخذ إدخال شرط “القدرة الانتخابية المتساوية” في النظام الانتخابي أشكالا عديدة، تبعا لحجم الدوائر والمزيج الطائفي الذي تتألف منه. تشكل الشروط التالية أساس “مشروع الشراكة” المقترح:
1) الدوائر حيث ينتخب المسيحيون سوف تكون منفصلة عن الدوائر التي ينتخب فيها المسلمون. تنتخب الدوائر المسلمة نصف أعضاء البرلمان، كما تنتخب الدوائر المسيحية النصف الآخر، وبالتالي يتم ضمان تطبيق المناصفة بشكل كامل ودقيق.
2) في كل دائرة مسيحية، سيكون هناك عدد متساوي من النواب المسلمين والمسيحيين. وينطبق الأمر نفسه على الدوائر المسلمة. وبالتالي، ففي دائرة مسيحية في كسروان، على سبيل المثال، تنتخب نائبين، ينبغي أن يكون أحد النائبين مسلما والآخر مسيحيا. وبالمثل، في دائرة مسلمة في الشمال تنتخب ستة نواب، ينبغي أن يكون ثلاثة منهم مسيحيين، والثلاثة الآخرون مسلمين. لا توجد قوائم مقفلة: يمكن للناخبين انتقاء مرشحين من أكثر من قائمة واحدة. ولكن، يتم قبول إقتراعهم فقط إذا كان لعدد متساو من المسيحيين والمسلمين. سوف يساعد ذلك في بناء الجسور بين الطوائف، وفي تبديل لهجة الخطاب السياسي عن طريق إنشاء مجموعة وسطية معتدلة في البرلمان.
3) ينبغي أن يتم ترسيم الدوائر الانتخابية بحيث يضمن أن لا تكون الأقليات في دائرة معينة بوضع تبعي للطائفة أو المذهب الذي يمثل الأغلبية في هذه الدائرة.
4) ينبغي أن يكون عامل الترجيح (عدد الناخبين المسلمين/عدد الناخبين المسيحيين لكل عضو برلمان) أقرب ما يمكن إلى القيمة الوسطية 1،52 في جميع المحافظات.
كثيرا ما أثيرت تساؤلات تتعلق بالمناطق المتجانسة في البلاد. هل يقوم الناخبون في دوائر متجانسة، كأحد دوائر كسروان، على سبيل المثال، بالإقتراع لنائب مسلم ونائب مسيحي لتمثيلهم في البرلمان؟ ومن أين يؤتى بالمرشحين المسلمين في هذه الدائرة؟ الجواب على الشطر الأول من السؤال هو نعم، وعلى الشطر الثاني من السؤال، أن هؤلاء المرشحين يمكن أن ينتموا إلى أي منطقة من البلاد. في لبنان، يمكن لأي شخص الترشح في أي دائرة، حتى لو لم يكن مسقط رأسهم أو مقر إقامتهم في هذه الدائرة. علاوة على ذلك، تنص المادة 27 من الدستور على التالي:
“عضو مجلس النواب يمثل الأمة جمعاء ولا يجوز أن تربط وكالته بقيد أو شرط من قبل منتخبيه”.
ومن ثم ليس من الضروري أن يشارك أعضاء البرلمان عن كثب في الشؤون المحلية التي تتعلق بالمنطقة التي انتخبتهم. ومن حيث المبدأ، تعتبر ممارسة سيئة من قبلهم أن يقوموا بتقديم الخدمات الفردية للناخبين بغية ضمان أصواتهم في المستقبل، لا سيما إذا تم ذلك عبر إستخدام مفرط لنفوذهم في الدولة.
إن تقسيم الدوائر الأكثر جدوى، والذي من شأنه المساعدة على إعادة الإعتبار للمساءلة داخل النظام السياسي وعلى تجديد الطبقة السياسية، هو التقسيم الى دوائر صغرى حيث يقترع الناخبون لاثنين فقط من النواب: نائب مسلم ونائب مسيحي.
للأسف، الأوضاع الأمنية في بعض المناطق في لبنان تجعل الاستخدام المعمم للدوائر الصغرى غير منصف. ففي هذه المناطق، تم إسكات المعارضة السياسية للحزب المحلي المهيمن أو تم إلغاءها بشكل كامل، مما يجعل نجاح أي مرشح للمعارضة صعبا للغاية. أما في المناطق التي تنعم نسبيا بدرجة من الحرية، والتي لا تزال قطعا تحت سيطرة الأجهزة الأمنية للدولة، ستكون نتائج الانتخاب متفاوتة، وستكون أحزاب المعارضة قادرة على تحقيق مكاسب في بعض الدوائر الصغرى. سيكون من غير المنصف مكافأة الأطراف التي تقمع المعارضة في المناطق التي تسيطر عليها ومعاقبة الذين يسمحون المعارضة الديمقراطية في مناطقهم. المشروع المعدل لـ”مشروع قانون إنتخابي” تم عرضه في الملحق، وهو يستخدم الدوائر الصغرى (نائبان في كل دائرة) في المناطق “الديمقراطية”، ودوائر أكبر في المناطق التي تسيطر فيها الجماعات المسلحة.
الختام
الجوانب الإيجابية لـ “مشروع قانون إنتخابي”، وبشكل خاص التقسيم الى دوائر صغرى، نوردها فيما يلي.
1) يتم ضمان الإحترام الفعلي لمبدأ المساواة بين المسيحيين والمسلمين المشار إليه في المادة 24 من الدستور. سوف يحدّ ذلك من الاحتكاك بين المذاهب المختلفة، الناجم عن المساومة المتواصلة بشأن إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية، بشأن مسألة الحد الأدنى لسن الناخبين، وإقتراع اللبنانيين المقيمين في الخارج. إن القانون الانتخابي الذي يحترم المناصفة فعليا يوفر الطمأنينة للمسيحيين وينزع فتيل المواقف الطائفية. وستشعر المجموعتان الدينيتان الرئيسيتان كشريكتين على قدم المساواة في بناء المؤسسات التي تدافع عن الحرية والكرامة لجميع مواطنيها.
2) الفعل السياسي الوحيد على الصعيد الوطني الذي يقوم به جميع المواطنين اللبنانيين البالغين سنا معينا، والذي يتمثل في اختيار ممثليهم، سوف يجسد الشراكة الحقيقية بين المسيحيين والمسلمين. سوف يخفف من حدة المواقف الطائفية ويعد العقول للقبول بإلغاء الطائفية السياسية. وتجدر الإشارة هنا، أنه ينبغي أن تعتبر أوراق الإقتراع التي تحتوي على اسماء من طائفة واحدة ملغاة ، من أجل إرغام الناخبين أن يتمثلوا بأعداد متساوية من المجموعتين الدينيتين.
3) في المناطق التي يتم فيها إنشاء دوائر صغرى، سيكون عدد النواب الذين ينتخبون في كل دائرة مقتصرا على إثنين، مما يسهل قرار الناخبين، ويتيح بالتالي تقييم المرشحين بسهولة أكبر، متابعة أفضل لأدائهم، ورد إعتبار للمساءلة في النظام السياسي. إن صغر حجم الدوائر يتيح للمرشحين المستقلين التنافس بسهولة أكبر مع الماكينات الانتخابية الضخمة التي تتحكم بها القيادات الطائفية. وقد أظهرت الانتخابات البلدية الأخيرة، التي جرت تبعا للدوائر الصغرى، أن التحالفات المحلية تمكنت في كثير من الأحيان من إختراق الحدود الفاصلة بين الحزبين السياسيين الرئيسيين. وسوف يساعد ذلك في تجديد الطبقة السياسية.
4) ستكون ربع المقاعد المسيحية وربع المقاعد المسلمة في البرلمان مؤلفة ممن يتم إنتخابهم من قبل أفراد ينتمون الى طائفتهم. لذلك، سوف يمثل هؤلاء النواب “صوت” طوائفهم ويعبّر عن تطلعاتهم ومخاوفهم وإحباطهم داخل البرلمان، حيث سيتم الانصات لصوتهم، أخذهم في الاعتبار وتلبية مطالبهم. وسوف يمنع ذلك المواقف المتطرفة خارج الندوة البرلمانية، والتي قد يلجأ اليها أفراد الطائفة الذين يشعرون أنهم غير ممثلين تمثيلا كافيا في البرلمان.
5) ستكون ربع المقاعد المسيحية وربع المقاعد المسلمة في البرلمان مؤلفة ممن يتم إنتخابهم من قبل أفراد ينتمون إلى طائفة آخرى. هؤلاء النواب سيمثلون الوسط المعتدل في البرلمان. وسوف يمثل ذلك الضربة المباشرة الأشد ضد القبضة التي يمارسها معظم القيادات الطائفية على مجتمعاتهم. وسيؤدي ذلك إلى تبديل في البيئة السياسية العامة، وإلى رفع مستوى النضج في الخطاب السياسي، والذي يمكن أن يركز بعد ذلك على احتياجات المواطنين وعلى التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
6) إن الشعور لدى المسيحيين والمسلمين بكونهم على درجة معينة من السيطرة المتبادلة، سوف يخفف من عقلية “تشويه صورة الآخر” ويقلص من القلق الشديد الذي تعاني منه الأقليات، والذي قد يتحول إلى سلوك عنيف أو غيره من سلوكيات التدمير الذاتي.
7) إن تخصيص إنتخاب عدد معيّن من النساء في البرلمان لا يشكل وسيلة ناجعة لزيادة مشاركة المرأة في الحياة السياسية. إن تضمين عدد من النساء في القوائم الانتخابية التي يهيمن عليها الرجال، دونما تمتعهن بقاعدة إنتخابية مستقلة، سوف يجعلهن يلعبن دورا ثانويا. ينطبق ذلك أيضا على أعضاء البرلمان الصغيري السن بشكل عام، والذين لا يتمتعون إلا بالقليل من الظهور الإعلامي، باستثناء بعض اللحظات النادرة وبعض الإستثناءات القليلة. بعض هؤلاء النساء غير معروف من قبل الجمهور ويقتصر دورهن غير النشط على الإقتراع تبعا لأسس حزبية. إن دور وصورة المرأة في الحياة السياسية سيكون ذات تأثير أكبر إذا ما حددت لهن كوتا في مجلس الوزراء بدلا من البرلمان. تخصيص حصة من ثلاثين في المائة من الوزارات للنساء، مع المسؤولية المباشرة وشبه المستقلة المنوطة بوزاراتهن، سيكون له التأثير الأكثر عمقا وقوة على صورة المرأة في الحياة السياسية. أما بالنسبة إلى الانتخابات البرلمانية، فإن أفضل وسيلة لتعزيز مشاركة المرأة تكون عبر تشجيعهن على المشاركة من خلال منحهن الدعم المالي واللوجستي، وتزويدهن بالكوادر التي تتولى إدارة حملاتهن الانتخابية.
8) لقد أبرزت مختلف تقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي حول التنمية البشرية العربية، أوجه القصور في النخب السياسية العربية، خاصة فيما يتعلق بضعفها حيال الضغوط والتأثيرات الخارجية. هذه المشكلة حادة بشكل خاص في لبنان، حيث لم تكن التأثيرات الإقليمية في كثير من الأحيان نتيجة للأزمات الكبرى، بل مفجّرة لها. إن الأسباب التاريخية لهذا النقص في المناعة تجاه العوامل الخارجية، تكمن في أن إرادة الحكم الذاتي المستقل قد تم محوها من أذهان فرقاء رئيسيين ينتمون لتلك الطوائف اللبنانية التي تمثل التهديد الأشد لهيمنة الغزاة الأجانب على المنطقة (السلاجقة، المغول، المماليك، العثمانيون، الفاطميون). بقي لبنان لعدة قرون قبل استقلاله يرزح تحت نير فاتح من هنا أو أخر من هناك. ربما كانت هذه السياسة الرامية الى خدمة “السلطان” بدلا من السعي للإستقلال، استراتيجية ناجعة تعتمدها هذه المجتمعات للحفاظ على وجودها، ولكنها أصبحت عقبة قوية على طريق توطيد بناء لبنان الحديث.
وقد إستسهلت هذه النخب، التي غالبا ما تكون الأفضل تنظيما داخل مجتمعاتها المحلية، أن تخضع في أغلب الأحيان لسلطة القوى الخارجية، بدلا من الدفاع عن مصالحها ضمن الإطار الوطني اللبناني. إن “مشروع قانون إنتخابي”، سيسمح للمجتمعات التي تترسخ فيها القومية اللبنانية بإنتخاب قادة يشتركون معها في المفاهيم القومية نفسها، رغم أن هؤلاء قد ينتمون إلى تلك المجتمعات التي تهيمن عليها منظمات ذات تطلعات إقليمية. وحالما يبلغ عدد هؤلاء القادة الوطنيون الجدد حجما معينا، سيصبح بإمكانهم تنظيم قواهم لمواجهة واستبدال النخب التي تستمر في اتباع استراتيجية الحفاظ على وجودها والتي تضعها في حالة من التبعية بالنسبة إلى الخارج. عندئذ فقط يمكن التوصل الى تسوية جديدة بين الطوائف (مثل الطائف)، تكون بين أفرقاء مستقلين سياسيا، يضمن إستقرارها وإستدامتها، لأن هذه التسوية ستكون أكثر قدرة على إحتواء الصدمات الخارجية القادمة من منطقة تهزّها الإضطرابات من حدب وصوب.
9) وسعيا لاستعادة سيطرة الدولة على كافة العلاقات الخارجية والقوات المسلحة، ينبغي أن تبقى المسائل الأساسية حاضرة في الأذهان. الأزمة الحالية التي تدور حول وجود قوة مسلحة موازية لتلك التي تملكها الدولة، بالرغم من كونها خطيرة وشاقة، لا تمثل في حد ذاتها المشكلة اللبنانية المزمنة الأهم، بل هي مجرد إحدى مظاهرها. إن هذه المشكلة لها جذورها في غياب النخب السياسية التي تم إجتثاث أي إرادة مستقلة فيها عن طريق حملات الترهيب التي مارسها غزاة المنطقة منذ مئات السنين ضد أي مقاومة لسلطتهم. إن استراتيجية البقاء لدى هذه النخب لا تزال تسعى إلى الحصول على حصة أكبر في السلطة، بهدف أوحد يتمثل في إهدائها، كتعهد ولاء، لمراكز النفوذ الإقليمية، مقابل حصولها على الامتيازات والحماية. ضمن هذا المنظور، فإن المهمة الأساسية هي إبراز نخب قيادية قومية لبنانية داخل المجتمعات كافة. وتبعا لذلك، ينبغي إقرار عدد من القوانين والمراسيم التنفيذية والقرارات الادارية تنظم بشكل صارم العلاقات بين جميع الأفرقاء السياسيين والدول الأجنبية، من أجل ترسيخ احتكار الدولة للعلاقات الخارجية، وحصر المنافسة السياسية ضمن الإطار الوطني اللبناني. أما مسألة التسلح الموازي، فينبغي معالجتها كجزء من تسوية سياسية شاملة تحدد دور لبنان حيال الأزمات والمشاكل الإقليمية. إن الصرامة المعتمدة في تطبيق القوانين التي تنظم العلاقات مع الدول والمجموعات الأجنبية ستكون المقياس الدقيق لجدية ومتانة التسوية السياسية المرتقبة.
10) ليس من المتوقع أن ينجح قانون انتخابي وحده بحل المشاكل الأساسية. إن مشروع قانون إنتخابي مجرد خطوة في الاتجاه الصحيح، وهو يعالج الإشكالية اللبنانية على عدة مستويات. فمن خلال تطبيق مبدأ المساواة بين المسلمين والمسيحيين بطريقة عادلة ومنتظمة، يوفر المشروع الطمأنينة إلى الأقليات ويعطي أفضل ضمان لاستقلال البلاد والحريات الفردية. وهو يحد من أثر المواقف والروابط الطائفية، يعيد الإعتبار للمساءلة، يضعف قبضة زعماء الطوائف المباشرة على مجتمعاتهم، ويساهم في تجديد الطبقة السياسية. ويكمن أهم جانب من جوانب المشروع السياسية في تطوير النخب الإستقلالية ضمن جميع الطوائف.
ملحق
الجداول 1 الى 10
مشروع قانون إنتخابي
وضع المشروع المقترح أعلاه بناء على لوائح الشطب في إنتخابات 2009، حيث أن اللوائح الخاصة بالعام 2013 لم تكن جاهزة بعد بتاريخ كتابة المشروع.
يبيّن الجدولان 1 و 2 عدد الدوائر وعدد النواب في كل محافظة، تبع ما طبقت في العام 2009، وحسب ما جاءت في المشروع المقترح.
يبيّن الجدول 3 توزيع الناخبين تبعا للمذهب في إنتخابات 2009.
الجدولان 4 و5 يبيّنان نظرة عامة لتقسيم الدوائر في كل محافظة.
وأخيرا، تبيّن الجداول 6 إلى 10، لكل من المحافظات، توزيع الناخبين والنواب تبعا للمذهب، ضمن كل من الدوائر المقترحة.
ترجمة: نبيل صبيح
كانون الثاني 2012
paulmourani@gmail.com
يمكن قراءة النص ومراجعة الجداول على: