زيارة جيفري فيلتمان إلى لبنان تأتي فور انتهاء زيارة أحمدي نجاد التي كانت نوعاً من “هدنة 3 أيام” قبل عودة التوتّر إلى التصاعد في بيروت على ضوء تهديدات “حزب الله”، وشركائه في دمشق، التي تتراوح بين الإنسحاب من الحكومة (كخطوة أولى) وصولاً إلى.. “الإنقلاب”، على طريقة 7 أيار 2008. وتأتي الزيارة، كذلك، بعد الضغوط غير المسبوقة التي يتعرّض لها رئيس الحكومة سعد الحريري، حتى من بعض أصدقائه السعوديين، للتنصّل من “المحكمة الدولية”!
وكان “الشفّاف” قد نقل يوم أمس عن مصادر ديبلوماسية أن “الإدارة الأميركية وجّهت تحذيراً إلى الحكومة السورية بأن أي “اجتياح” لبيروت ستكون له عواقب وخيمة على العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا. وقالت المصادر أن التحذير يرتبط بما يتردّد في العاصمة اللبنانية حول إمكانية قيام حزب الله والجماعات التابعة لنظام الأسد بـ”انقلاب” يكون على غرار 7 أيار 2008 أو حتى أوسع نطاقاً منه!”
طابع “العجلة” الذي ارتدته زيارة فيلتمان إلى لبنان يفترض أن الإدارة الأميركية متخوّفة من انهيار سريع للوضع الداخلي، خصوصاً بعد زيارة أحمدي نجاد الذي “شجّع” أصدقاءه بإعلانه عن “إنتصار محور إيران وسوريا على المحور الأميركي”. وقد زار فيلتمان القاهرة والرياض قبل بيروت، مما يعني أنه نقل إلى الملك عبدالله موقفاً أميركياً حازماً ضد مطالب دمشق باستعادة “السيطرة” على لبنان! وهذا الموقف الأميركي “المتجدّد” يلتقي مع الموقف المصري.
وبشكل آو بآخر، فإن زيارة فيلتمان تمثّل نوعاً من “مشاركة أميركية” في القمة السريعة التي جمعت، في الساعات نفسها تقريباً، بين الملك عبدالله بن عبد العزيز والرئيس بشّار الأسد!
تبقى الإشارة إلى أن زيارة فيلتمان لوليد جنبلاط بالذات قد تكون إشارة ذات مغزى لأن كل “تحوّلات” جنبلاط منذ عامين ترتبط بـ”خيبة أمله” إزاء رد الفعل الأميركي الفاتر على إنقلاب 7 أيار 2008!
*
وطنية – 17/10/2010 زار نائب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان، بيروت بعد ظهر اليوم، ولبضع ساعات فقط، التقى خلالها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، ورئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط، واتصل برئيس حزب الكتائب الرئيس أمين الجميل، ثم عقد مؤتمرا صحافيا في مطار رفيق الحريري الدولي – بيروت، قبل مغادرته متوجها إلى مدينة كازابلانكا في المغرب.
واستهل فيلتمان المؤتمر بالقول: “التقيت الرئيس سليمان وأجرينا مباحثات بناءة حول الوضع الحالي في لبنان وقد نقلت له رسالة من الرئيس الاميركي باراك اوباما تؤكد دعم الولايات المتحدة المطلق والكامل لسيادة لبنان واستقلاله في وجه أي إنقسام للدولة. الولايات المتحدة ملتزمة بمساعدة لبنان لبناء مؤسسات قوية ومستقلة عبر دعم المؤسسات الأمنية وعبر برنامج مساعدات اقتصادية”.
أضاف: “لبنان القوي، السيد والمستقر هو حيوي لمصلحة لبنان، الشعب اللبناني، الولايات المتحدة وشعوب المنطقة والمجتمع الدولي. اهتمامنا الأساسي يرتكز على أي أمر يؤثر على سيادة لبنان واستقراره”.
وتابع: “الرئيس أوباما يدعم بشكل حازم عمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، كما باقي المجتمع الدولي. المحكمة هي منظمة مستقلة غير سياسية تم إنشاؤها بموجب اتفاق بين الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة بهدف وضع حد لحقبة غير مستقرة من الاغتيالات في لبنان. نحن نؤمن أنه يجب أن يسمح للمحكمة بأن تقوم بإنجاز عملها ضمن المهلة القانونية المعطاة لها دون أي تدخل خارجي لمعرفة المسؤولين عن جريمة اغتيال الرئيس الحريري والاغتيالات الأخرى التي حصلت”.
ثم دار بين فيلتمان والصحافيين، الحوار الآتي:
سئل: كيف تقيم زيارة نجاد الى لبنان، ونتائج زيارة مصر والسعودية؟
أجاب: “أعتقد ان أصدقاء لبنان في المنطقة وفي المجتمع الدولي أكدوا دعمهم مرارا وتكرارا لسيادة لبنان واستقلاله. إذا نظرنا الى قرارات مجلس الأمن في الماضي واليوم، نلاحظ ان هناك دعما كبيرا من قبل المجتمع الدولي لاستقلال لبنان وسيادته. لقد وصلت للتو من جولة زرت فيها مصر والمملكة العربية السعودية وسمعت من المسؤولين الرسميين السعوديين والمصريين الكلام نفسه الذي يقوله المسؤولون الاميركيون والذي يصب في خانة دعم لبنان.
أما في ما يتعلق بزيارة الرئيس أحمدي نجاد للبنان، ان لبنان دولة سيدة مستقلة. هذه مسألة تخص لبنان وايران لأن لبنان هو دولة سيدة مستقلة وهو يقرر الدول التي يرغب بإقامة علاقات معها وهذه زيارة رسمية. تقييم الزيارة أمر أتركه للبنانيين، أما كأميركي أقول ما نراه في لبنان هو التعددية والحراك الاعلامي والديناميكية والديموقراطية التي يتمتع بها لبنان. وأنا آمل أن يكون أحمدي نجاد أثناء زيارته للبنان قد تعلم شيئا من الحياة الديموقراطية التي يعيشها هذا البلد”.
سئل: أنت تصل الى لبنان بعد جولة مباحثات أجريتها في السعودية ومصر، هل هناك أي علاقة بين زيارتك الى بيروت وجولة المباحثات التي أجريتها في الرياض والقاهرة والقمة السورية – السعودية؟
أجاب: “كنت في السعودية في سياق زيارة ثنائية عادية. لدينا شراكة قوية مع المملكة على أصعدة عدة وفي مسائل عدة. القمة السعودية – السورية هي مسألة تخص كلا من السعودية وسوريا. أنا جئت الى لبنان اليوم لأنضم الى السفيرة (الأميركية مورا) كونيلي بنقل رسالة الرئيس اوباما وهي تأكيد دعم الولايات المتحدة لدولة مستقرة سيدة ومستقلة”.
سئل: هل تعتبر ان المحكمة الخاصة بلبنان ستكون قادرة على إنجاز مهمتها؟
أجاب: “نحن نثق ان المحكمة الخاصة بلبنان ستقوم بدورها وبعملها، نحن ندعم مبدأ وجود محكمة خاصة بلبنان أما عمل المحكمة فهو مستقل كليا. نحن ليس لدينا أدنى فكرة عما يجري داخل المحكمة وهكذا يجب أن تكون الأمور، هكذا يجب أن تجري الأمور. لكن فكرة مساعدة لبنان في التحقيق في الجريمة هو أمر يدعمه مجلس الأمن. ولأجل ذلك قام مجلس الأمن في أيار 2007 بتحويل المحكمة الدولية الى واقع من أجل وقف سلسلة الاغتيالات. نحن لدينا ثقة ان المحكمة ستنجز عملها، لا نعلم متى ولا يجب أن نعلم متى لأن كل شيء مرتبط ومتوقف على المحكمة نفسها. نحن ندعم المحكمة ولكننا لسنا داخل المحكمة”.
سئل: ذكرت أنك التقيت الرئيس سليمان، لماذا لم تلتق قوى 14آذار ليطلعوك على آخر مستجدات الوضع في لبنان؟
أجاب: “عندما كنت سفيرا في لبنان كان لدي الكثير من الوقت للتباحث مع قوى الرابع عشر من آذار الذين أقدر تحليلاتهم وصداقتهم وصياغتهم ووجهات نظرهم. اليوم أنا أتيت لأنقل رسالة الرئيس اوباما الى الرئيس سليمان. كان لدي فرصة أن أمر بعد إنهاء مباحثاتي في بعبدا مع الرئيس سليمان، للقاء النائب جنبلاط للتباحث معه على عجلة، لكن هدف زيارتي اليوم الى لبنان هو نقل رسالة البيت الأبيض للرئيس سليمان”.
سئل: لماذا تم إيصال الرسالة الآن؟
أجاب: “نظرا لان هناك توترات داخل البلد، نحن نرى ذلك وأنتم ترون ذلك وتقرأون وتغطونه كل يوم في الأخبار، وجدنا أنه من الضروري إعادة تأكيد هذا الالتزام تجاه لبنان من خلال رسالة الرئيس اوباما الى الرئيس سليمان. الرئيس اوباما يشعر بقوة الرابط بين الولايات المتحدة ولبنان ونحن جئنا لنؤكد على هذا الرابط القوي الذي يربطنا بلبنان ورأينا أنه من المناسب إعادة التأكيد على هذا الرابط الذي يربط الولايات المتحدة بلبنان. هناك رابط قوي وحقيقي بين لبنان والولايات المتحدة خاصة عندما ننظر الى ملايين اللبنانيين -الاميركيين المنتشرين في الولايات الخمسين، أنا اليوم أشعر بالفخر بأن اقوم بنقل رسالة الرئيس اوباما، الرئيس اوباما يقدر الرابط بين لبنان والولايات المتحدة وهو شعر أنه من الواجب والمناسب في هذا الوقت بالتحديد نقل رسالة دعم الى لبنان”.
أضاف: “الرئيس اوباما يقدر هذا الرابط القوي بين الشعبين والدولتين. اللبنانيون قلقون من انعكاس الوضع في المنطقة على الداخل اللبناني، وتحديدا في ما يتعلق بعملية السلام. عملية السلام في المنطقة ستنعكس ايجابا على لبنان والمنطقة. كلنا نريد أن نرى سلاما في الشرق الأوسط، يمكن أن نناقش في مسألة متى نصل الى اتفاق وسلام وكم نحتاج من الوقت للتوصل الى اتفاق سلام في المنطقة، (لكن) كلنا نريد سلاما في الشرق الأوسط، سلاما يحمي لبنان، يسمح لدولة فلسطينية يفتخر بها الفلسطينيون وتجلب السلام للاسرائيليين. كلنا نريد رؤية ذلك يتحقق أما إذا كنا عاجزين عن تحقيقه بالسرعة التي نريدها، لا يعني ذلك أن نتفاجأ نظرا لتعقيدات الأمور المتعلقة بهذه المسألة، ونظرا لأن هذه القضية قد أصبح عمرها 60 سنة وهي موضع خلاف.
أما عن مدى السرعة التي ينجز فيها هذا الأمر، آمل أن يركز اللبنانيون على لبنان وعلى ما يحتاجونه من أجل بناء ديموقراطيتهم. لبنان بلد مميز في المنطقة، لبنان يتمتع بنظام ديموقراطي غني ومتنوع قائم على التعددية والحرية الاعلامية. نريد لبنان أن يكون جزءا من عملية سلام ناجحة في المنطقة. ولكننا أيضا نعلم أننا بحاجة لتفعيل المفاوضات على المسار الاسرائيلي – الفلسطيني والمسار السوري – الاسرائيلي ونريد لبنان أن يدخل الى هذه المفاوضات”.
سئل: الولايات المتحدة هي المحرك الأكبر لعملية المفاوضات، فماذا ستفعلون بسرعة من أجل تفعيل هذه المفاوضات؟
أجاب: “استمعتم الى الرئيس اوباما في خطابه في الأمم المتحدة في الجمعية العمومية، فهو امل أن نرحب العام القادم بدولة فلسطين كعضو في منظمة الأمم المتحدة. لدينا التزام في واشنطن باستخدام قيادة الولايات المتحدة لهذه المفاوضات من أجل، ليس فقط الحديث عن الدولة الفلسطينية، ولكن بدء الاعتراف بالدولة الفلسطينية أو الوصول الى نقطة نستطيع فيها الاعتراف بدولة فلسطين. لا أستطيع أن أقول متى سيحدث ذلك لكني أستطيع القول ان الالتزام بهذه القضية موجود والاحساس بضرورة تحقيق ذلك هو شعور متوافر لدى كل الأطراف”.
سئل: كيف تفسرون الحماس الديبلوماسي الاميركي في ظل صدور أي قرار ظني عن المحكمة الخاصة باغتيال الرئيس الحريري، والتأكيد والحديث عن عدم تسييس لهذه المحكمة؟
أجاب: “لا نعلم متى سيصدر القرار الظني ولا يجب أن نعلم متى يصدر القرار الظني عن المحكمة. أنا مثلكم قرأت المقال. ما يجب أن نفعله هو أن نضع ثقتنا في القضاة المستقلين الذي يعملون على هذا الموضوع، ولكن لا يمكن أن نتنبأ متى سيصدر القرار الظني”.
سئل: هل أنت قلق من حدوث أي اشتباكات أو توترات في الداخل، خصوصا وأنكم تركزون دائما على الخطر الذي يمثله حزب الله؟
أجاب: “الولايات المتحدة مهتمة بما يحدث في لبنان، رأينا أشياء تحدث في لبنان سابقا، نحن مصممون على أن نستخدم تأثير قيادة الولايات المتحدة ونفوذها للتخفيف من حدة التوتر داخل لبنان. نحن حريصون على الوضع ونبدي دعمنا لدولة المؤسسات. نحن ندعو كل الأطراف في لبنان والمنطقة إلى العمل لخفض التوتر وأن يكون لديهم الالتزام نفسه للتخفيف من حدة التوتر في لبنان”.
وردا على سؤال عن المحكمة الدولية وإمكانية وجود صفقة، قال: “لا يوجد أي صفقة على المحكمة، المحكمة أقرها مجلس الأمن وهي جسم مستقل، تقوم المحكمة بعملها، تم إنشاؤها من قبل مجلس الأمن، وبالتأكيد استمعتم الى الأمين العام للأمم المتحدة يتحدث في هذا الموضوع الأسابيع الفائتة، قال: “ان عمل المحكمة لن يتوقف وعملها سوف يستمر”. أعتقد أنه يجب علينا التعود على فكرة ان المحكمة الخاصة بلبنان ستقوم بعملها في إطارها المستقل”.
في عمشيت
وكانت السفارة الأميركية في بيروت، قد وزعت بعد ظهر اليوم، تصريحا لفيلتمان بعد لقائه رئيس الجمهورية، قال فيه:
“لقد خرجت للتو من اجتماعي بفخامة رئيس الجمهورية ميشال سليمان وكان لنا نقاش مثمر للغاية حول الوضع الراهن في لبنان. انضممت الى السفيرة كونيلي لتسليم رسالة من الرئيس اوباما أكدت على التزام الولايات المتحدة الاميركية الثابت بتطور لبنان مستقل وذي سيادة مع مؤسسات دولة قوية وفعالة. ان الولايات المتحدة ملتزمة مساعدة لبنان في بناء مؤسسات قوية من خلال برامجنا للمساعدات في مجالي الأمن والاقتصاد. ان لبنان قوي، ومستقر وذي سيادة هو من المصالح الحيوية للشعب اللبناني والمنطقة والولايات المتحدة الاميركية والمجتمع الدولي. ونحن قلقون إزاء أي عمل من شأنه أن يقوض هذه السيادة والاستقرار”.
أضاف: “يدعم الرئيس اوباما بقوة عمل المحكمة الخاصة بلبنان، إسوة بالمجتمع الدولي. ان المحكمة، مؤسسة غير سياسية ومستقلة وقد تم تشكيلها بموجب اتفاق بين الأمم المتحدة وحكومة لبنان لوضع حد لحصانة الاغتيالات السياسية في لبنان، ونحن نعتقد بأنه يجب أن يسمح للمحكمة بأن تستكمل عملها بحسب توقيتها من دون تدخل خارجي الى أن يمثل المسؤولون عن اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري وغيره من الشخصيات أمام العدالة”.
المغادرة
يشار إلى أن المؤتمر الصحافي لفيلتمان في مطار بيروت، انتهى حوالى السابعة إلا ثلثا من مساء اليوم، وقد بقي المسؤول الأميركي في صالون الشرف الرئيسي لغاية الساعة الثامنة والثلث، موعد إقلاع الطائرة التي أقلته إلى المغرب.