مساءُ وجعٍ يطعنُ يقظتك.. كصوت مؤذن جامعٍ عجوز.. تراخت كل حباله الصوتية والسمعية والبصرية أيضاً.. مساءُ وجعٍ يستيقظ على وخز السؤال المرافق لصوت المؤذن المُتهدج بالتقوى المُصطنعة والمُمنهجة والمُبرمجة في ملتقيات الفكر الثوري العقائدي.. حيث يتقلى الوعاظ والشيوخ سُنن مذهبهم على أيدي فقهاء الثورة من “حُمر البهيم” وحتى طبيب التقبيح القبيح والرجيم.
مساءُ وجعٍ يزعق في أذن عقلك بسؤال.. وأنت تردد وراء المؤذن.. الله أكبر.. والسؤال يتردد.. أكبر.. أكبر من ماذا؟ أصغر من ماذا؟
أكبر من قامات ساداتكم الّذين تعلموا منكم السحر وصاروا يبيعونه لكم.. أصغر من ماذا؟.. أصغر من قامة فقيه، قميء، قصير، قريب إلي الأرض، له وجوه عدة، إذا التحى صار فقيهاً وهابياً إخوانجياً.. يعلم الناس “فقه القدوم على الله”.. قبل أن يقول لهم وبوضوح إلى أي إله يَقدمُهم؟
هل نحو الإله الرجيم الّذي وفد إليه الفقيه الإخوانجي طالباً عفوه ورضاه ومبايعاً لولي عهده.. أم صوب الإله الرحيم الّذي ليس له وليٌ لعهده، ولا يفد عليه أحد، قبل أن يأذن هوَ ويرضى.
أصغر من ماذا.. أصغر من قامة فقيه، قصير، قمئ، قريب إلى الأرض.. إذا قشرته من لحيته، وعمامته، وعصاه التي له فيها مآرب آخرى، يظهر عليك بوجه فقيه روائي مُرائي.. يغير سنن الله في كونه.. وينزع عن الحمائم عشقها الأزلي لأغصان الزيتون ويجعلها تُجن بخضرة البزات العسكريه لرواد “الثورة”.. فتجعلها برجها التي يقودها حنينها الصوفي لتأوي اليه.. غير عابئة بالف ومائتا حمامة تحلق في فضاء الكون تبحث لها عن خرابة تحط فيها.. مساءُ وجعٍ يا وطن له إطلالة روائي مُرائي.. يُخرط مساحات روحك ويهديها لمن لم يكن له منذ منذ عرفناه من هم إلا تدمير روحك.
مساءُ وجعٍ كَبُر بك يا وطن.. ولم تفلح أن تكبر به.. مساءُ وجع له طعم مخاض حمل كاذب بميلاد دولة وبناء وطن له دستور يقوم عليه.. مساءُ وجعٍ له صريخ صرخات مُتَوهمة لجنين أكاذيبك.. الّذي ولد ميتاً ولازلت أنت منذ الأزل تتقفى آثار جلجامش وتبحث له عن المستحيل ليكون نفخةٍ أو نفحةً تحييه من موته الطويل.. أو قبس نورٍ يضئ عَتمة عينيه الجاحظتين والمُتجمدتين.. كعيني مومياء مطفئة منذ الآف السنين.
مساءُ وجعٍ من نوعٍ آخر.. وجعٍ مقنننٍ ومدسترٍ هذه المرة.. حيث زعم هُدهد الخيمة.. بأن هناك لجنة مكونة من نُخبة النخبة تكاد ترفع الأنخاب.. إحتفاءً بإتمام وضع مسودة لدستور غير متفق عليه.. أخيراً أيها السادة سيصير لنا دستور.. سيصير لفردوس العبيد الأشرار الغير آمن دستور…. فبخٍ.. بخٍ يا شعب ليبيا العصران جدا.
على أعتاب الألفية الثالثة والإنسان هنا يعود ليتقفي أثار “ارمسترونج”.. ويحفر عميقاً تحت وقع خطواته.. ليتفجر الماء. وليصدق قول ربه.. ويجعل من الماء كل شيءٍ حيّ ، على سطح كوكب قمر عُذرى الحالم.. وليقيم الأبراج بين قرني الهلال، الّذي لا يزال أعراب نجد وعسير، ومن أستن بسنتهم.. يتقاتلون ويتباغضون على مواعيد بزوغه ورؤيته.. ليشرعوا في عباداتهم المُكدسة والمُقدسة.. لإله القمر الّذي لا يعرف أن في جوف القمر الّذي خلقه ماء.
على أعتاب محاولات الإنسان الجاهدة لينفُذ من أقطار السموات والأرض بسلطان الإيمان بنفسه وبالقدرات العظيمة المودعة فيه..على أعتاب هذه الالفية التي قد تكون الأخيرة لهذا الكوكب.. نمجد نحن أشاوسنا الّذين فكروا أخيرا أن يجعلوا لنا دستور..
فزغردي يا عازه فهذا آون الزغاريد والزغاريت والتغريد.. زغردي هذا الزمان الّذي عرانا من كل قشورنا، وقشرنا حتى من أنفسنا أمام الله وخلقه.. زغردي هذا الزمان الّذي صرنا فيه أضحوكة حتى لأعراب القرى من حولنا.. فلم نبلغ ما بلغوا.. ولم نحظى حتى بدساتير مضحكة مثل دساتيرهم.. سواء كانت دساتير سماويه تنزلت من السماء بأيدي الملائكة وأعتمرت عمامة الفقيه ً.. أو دساتير أرضية خارجة من قيعان المجهول ومعتمرًة قبعة “روسو”.
ما يقرب من نصف قرن من الزمان.. ونحن نعيش بلا دستور يدثر عوراتنا القبيحة.. ما يقرب من نصف قرن من الزمان.. عشناها على البركة التي تتنزل من السماء.. رأفةً بالأنعام.. ورأفاً أيضاً بأؤلائك الّذين هم أضل من الأنعام.. فرأفة الله وسعت كل شيء.. بل وحتى لا شيء.. من تلك الكائنات التي لها قلوب لا تفقه بها.. ولها أبصار لا تنظر بها.. ولها أذان راداريه لكنها لا تسمع بها إلا السفه، والإنحطاط، وكل دواعي الإحباط.
على أعتاب الألفية الثالثة يمنون عليك يا مواطني البائس بدستور.. دستور مفصل ليكون صالحا كـ “بامبرز”.. “بامبرز” فُصل على مقاس مؤخرة ولي العهد اللدنة والتي ولدت على ظهرك يا مواطني البائس ولم تعرف طوال حياتها مقعداً تضرط وتتغوط عليه إلا عنقك الشريفة والذليلة والخانعة.
على أعتاب الألفية الثالثه ، وفي الحين الّذي يتأهب فيه الإنسان للفرار من هذا الكوكب، والنجاة من شروركم، التي لاحقته في قاراته الجديدة التي أكتشفها بعقله ولم تمنحها له علوم شريعتكم البائسة، التي لم تنتج إلا أكوام وأكداس من الجهلة والجهاليل.
على أعتاب ألالفية التي قد تشهد رحيل الإنسان عن هذا الكوكب ليجد له مكاناً آمناً يناقش فيه قضايا إرتقائه وتفوقه على نفسه بعيداً عن أصوات سجالات كبار هيئة علمائكم حول قضايا إتيان المرأة من الدبر.. وإرضاع الكبير.. والخلافات حول ان تكون الخمس المُشبعات التقاما مباشراً من الثدي أم بكوس الخزف الصيني كما رخص “العبيكان”،عليه وعلى من استن بسنته لعنة الله وملائكته والناس أجمعين.
على أعتاب الرحيل نحظى نحن في جماهيرية الفرح والسعد بدستور.. دستور أشاع بعض الخبثاء بانه يجري صراع مرير بين حماة القيم والغيارى على الدين وبين بعض المُتحليلين الّذين يريدون أن يحوي دستور الفردوس اباحة الزواج للمثليين.. أي حرية ممارسة اللواط والحقيقة أن هذا القانون لا يبيح شيئاً جديداً ومستهجناً، في مجتمع يدعي إستهجانه للواط الجسدي ، ويمارس لواطاً فكرياً وقيمياً وأخلاقياً.. مجتمع يتعيش على منظومة قيم لوطية، لواطية.. لكنه يدس أدرانه تحت سجاده الأعجمي كربّة البيت الوسخة.. لتتفجر كل أوساخه في وجهه فجأة ويكون لدوي إنفجارها صوت قبيح.. صوت له رائحة نفاذة قبيحة خانقة.
على أعتاب الألفيه الثالثة لا نزال نتصارع على مسودة الدستور أيها السادة.. دستور نريده مستمداً من الشريعة الغراء.. تلك الشريعة الغراء التي لم تتنزل من السماء إلا لتعلمنا “فقه القدوم على الله”.. الله.. رب الشيوخ والفقهاء وليس رب العالمين.
على أعتاب الألفية الثالثة والإنسان يحتفي هنا بالمعجزة الإلهية الإنسانية التي فجرت الماء على سطح القمر، ممهدة الطريق، وفاتحة الأمل للإنسان الّذي عمر هذه القارات المبتكرة، وبنى عليها مشروع لحلم أنساني عظيم ،أتبت مقدرته على خلق أنسان عظيم يُفجر الماء على وجه القمر.. ويقترب خطوة إلي الأمام من كوكب أخر وحلم آخر لآدم معجرة الله الخالدة التي ستعمر كل هذا الكون.. وستبني معابد ومساجد وبيوت يذكر فيها اسم الله في كل المجرات.. لازلنا نحن أيها السادة ننتظر أن يطلع البدر علينا من ثنيات الخيمة يحمل لنا صفحات دستورنا المجيد.. الوثيقة التي سيتم الاعتراف لنا فيها أخيراً بأننا “قد” وأقول “قد” نكون من بني الإنسان في يوم من الأيام.. والشرط لتأنسننا هو أن نلتزم بما سيلزمنا به الدستور.. أخيراً يكون لنا مسودة دستور قد يقتضينا النقاش والحوار حولها من الوقت ما يكفي ليستقر فيه الإنسان على سطح كوكب أخر.. وتظهر أمارات الخراب والقيامة وتقوم قيا متنا ونحن لم ننهي نقاشاتنا بعد.. تقوم القيامة ليس على جنس الإنسان.. بل على طائفة ممن تنتسب إلي بني الإنسان.. وتتشكل يأشكالهم.. لكنها تصر وتعاند وترفض التطور والّذي هو شرعة وشريعة الحياة.. ترفض التخلص من بقايا أدران قرديتها.. ترفض أن تقر بشريعة الله التي أرتضى لعباده.. وتريد أن تقيم شرائع أسلافها المزورة.. تنازع الله ألوهيته لتستعبد بها خلقه.. ولتقيم ممالك للعبيد لا تنتج إلا الخراب والدمار، ليحيق بها مكر جهلها وتقوم عليها القيامة وحدها في أرضها التي لا يزال الفقيه يراها مركز الكون بينما يكون الإنسان يتقدم في فضاءات الله باحثاً ومنقباً عن ربه في نفسه.
فهنيئاً لشعب ليبيا العظيم هذا الفتح المبين.. هنيئاً لكم بدستور يَجُبُ ما قبله.. فالدستور المعجزة سيمسح من عقولنا وقلوبنا كل مرارات السنين.. دستورهم المُعجز سيجعلنا نتوقف عن السؤال أين ترقد جثث قتلى أبو سليم.. وعن قصة أطفال “الايدز” المشوقة.. وعن ضحايا الرياضية.. والذين ضاعوا في متاهات التماسيح في تشاد واوغندا..دستورهم المُعجز سيجعلنا نتوقف عن طلب معرفة نقاسيم وتفاصيل وجه ذلك “الليبي” الّذي أطلق النار على “عبدالله العبيدي” الفتى ذو الثالثة عشر ورفاقه.. الدستور سيمسح على قلوبكم وأكبادكم أيضا يا شعب ليبيا العظيم فيجعلكم تصيرون عباد “الله” إخوانا.. وتنسون مرارات اربعون دهراً من التيه عن أنفسكم قبل تيهكم عن وطنكم.. الدستور سيتولى إنجاز المعجزة.. فلا عليك يا مواطني التعيس.. فقط إجلس وأنتظر نظريات المُنظرين.. ومقترحات النُخب الغير منتخبة.. ليس عليك يا مواطني إلا أن تفترش مؤخرتك وتنتظر أن يأتيك العسل من مؤخرة الناقة ونائق الناقة والناعقيين وراء الناقة ونائقها.
فأبتهج يا مواطني البائس فسيصير لك دستور وليخسأ الخاسئون.. المشككون في قيادتنا المسردبة في “سرنديب” الخيمة.. والمحاصرة من الأشرار الّذين سرقوا ثورتها..قيادتنا التي تستنجد بنا عبر صرخاتها تحت أسماء متعددة تظهر ولمرة واحدة على الصفحة الرئيسيه لجريدة الدولة الرسميه ثم تختفي إلى الأبد..مقالات تتوجع وتتفجع علينا وعلى عدم إستحقاقنا لقادة وزعماء بهذا الوزن.. تتوجع هناك لأوجاعنا التي أحدثها صبيتهم بلا علمهم فينا، وهم يتعلمون كيفية سَوق القطعان الآدميه على ذات وتيرة سَوق قطاعان البعران.. قيادتنا الغافلة عنا لأربعة عقود.. والتي تحدث الآخر باسمها.. وأستأسد علينا بدواعي القرب منها والولاء لها.. قيادتنا التي سرق الآخر صورتها ولسانها وخرج يأمر أحبابها بتفطيس كل كلب ضال.. سرق صوتها ليقول لنا بصوتها ارحلو عني إلى أفريقيا أو ايطاليا أو اإلى أية داهية سوداء تخلصني منكم.. قيادتنا التي سرق الآخر عباءتها المقدسة وتلفع بها وخرج على الدنيا ليقول للعالم أن هذه المزرعة عندها فائض في النقود لا يحتاجه ولا يستحقه هؤلاء الأوباش الأنذال الّذين يستجدون مرتباتهم لثلاثة شهور.. ويتقاتلون في رمضان على إستلام شيكات الصدقة وزكاة أموال قيادتنا او لكي يستقيم الوزن نقول زكاة أموال الّذين يُغيبون قيادتنا ويحجبونها عنا بالأصح.
ما عليك من سوء يا وطني فأنت بخير.. هكذا قال العارفون.. وبهذا جزموا.. أنت بخير يا وطن.. ما من بأس عليك.. سواء رياح صفراء قاحلة.. تهدد بالموت القادم من الشرق والغرب والجنوب.. ما عليك من بأس.. إلا أنك هُنت إلى الحد الّذي صرت فيه مطمعا لأمثال “حسني البارك” و القميء “بوتفليقة” بل وحتى “للزين” زوج ليلى.. ما من بأس عليك يا وطن فلا تستمع لأقوال المُرجفين من الّذين فروا من فردوس الفضيلة.. ما من بأس عليك فالخير قادم.. وما عليك إلا أن تنظف جيوبك وقلبك وتستنزف ما تبقى من ماء وجهك لتعيش عصرا جديداً.. عصراً تصير فيه كل شرائع الفساد و الاستعباد التي قامت وتأسست على فكر بدوي شاذ ونازي.. تصير هذه الشرائع مقننة ومؤطرة بدستور توقع عليه أنت وتدفع أنت من ثروة بلادك فاتورة النِعال التي ستصفع وجهك وتصفق قفاك..
فمساء وجع جديد يتنتظرك على قارعة طريقك المُغْبَرّ.. مساءُ وجعٍ جديد يُسلمك هذه المرة إلى إغفاءةٍ طويلة جداً.. مساءُ وجعٍ جامد، ومجمد، جمودك أنت يا وطن في غيبوبتك الطويلة التي لم يعد أحداً من الحكماء يرجو لك منها فواق.. فمساءُ وجعٍ يا وطن بطعم الغيبوبة والغياب.
* كاتب ليبي
مساء الوجع يا وطن 2
فتحي بن خليفة — yanwilul@hotmail.com
أتقنت وأبدعت ،، لك خالص التقدير والإعجاب
مساء الوجع يا وطن 2
عبدالهادي البشري — a.m.s.d19@gmail.com
أنا وحزني والوطن
لطالما ترافقنا معاً
مساء الوجع يا وطني