يدّعي مَراجع الدين الشيعة في قم والنجف وغيرها من المدن أنهم يحوزون على أطهر الفضائل الإنسانية. ويؤكدون أن المعتقدات الدينية التي يتبنونها لها علاقة وثيقة بالعقلانية والمنطق، وأن الأحكام الشرعية التي يستنبطها الفقهاء تتوافق مع العقل وتؤيدها الحكمة البشرية.
وهنا يطرح البعض التساؤل التالي: لماذا، في ظل مزاعم التوافق بين الأحكام الفقهية وبين العقلانية والمنطق… لماذا يرفض المَراجع الدخول في نقاشات ومناظرات مع خصومهم من “اللادينيين” استنادا إلى المنطق الحديث والعقلانية االحديثة؟
شبيه هذا التساؤل تم طرحه في موقع إيراني (TAVANA) على الإنستغرام. وقد تنوّعت إجابات الكثير من المتابعين، على الرغم من تشابهها في المحتوى:
فقد أكد البعض أن رفض مَراجع الدين الدخول في نقاشات مع مختلف الأشخاص الذين ينتمون إلى الشرائح غير الدينية، مرتبط بإصرار المَراجع على “استمرار الجهل المعرفي والمنطقي” عند أنصارهم، حيث أن ذلك يتوافق مع النهج المرجعي ويخدم مصالحهم، وخاصة حينما نكتشف بأن المَراجع غير مؤهلين للخوض في المسائل المنطقية والعقلية الحديثة.
أحد المتابعين قال إن المَراجع والفقهاء ورجال الدين تعوّدوا على أن يطلقوا الكلام من فوق المنابر، وفي المقابل تعوّدوا أيضا على أن يسمع البقية كلامهم بصورة تلقينية، وأن أي محاولة لمساءلتهم أو مناقشتهم، خاصة فيما يتعلق بالمسائل العقدية الحساسة، قد تصل إلى تكفير السائل وإقصائه وتسقيطه.
أمّا إذا أطلقوا إجابات ردّاً على بعض الأسئلة، فهي لن تتعدى أن تكون مليئة باستنادات غيبية بعيدة عن العقل والمنطق، أو أن تكون تلك الإجابات هي مجموعة من “الأحاديث”، أو من النصوص الدينية، والتي لا مجال للرد عليها أو التشكيك فيها، لأنها “صحيحة” وصادرة عن معصومين، على الرغم أن المَراجع، بل معظم رجال الدين، يتداولون “أحاديث غير مؤكدة وغير صحيحة” كثيرة في خطبهم وفي منتدياتهم الدينية.
إحدى المتابعات قالت، إنّ المَراجع لا يملكون معرفة حديثة تتناسب مع تطوّر مسائل الحياة وتغير أسئلتها. فالآراء الدينية التي يتبنونها والمشاكل التي يناقشونها والحلول التي يطرحونها، بمختلف تفاصيلها، تنبع من الواقع الماضوي القديم.
شخص آخر قال إن “الخوف” هو عامل رئيسي يتجنّب المَراجع من خلاله الدخول في نقاشات مع “اللادينيين”، لأنهم يخافون من أسئلة لا يملكون إجابات عليها، أو يخافون من الاستدلال المنطقي في حديث منافسيهم، لذا يخشون من فقدان القدرة على المناقشة. فانتماء المنافسين للعقلانية الحديثة هو من أوجد في المَراجع هذا الخوف والهلع.
متابع قال إن “الجهل” وتبني نهج “الخرافة” ساهم في ولادة مثل هذا الظرف، مشددا على أن الناس بشكل عام عبروا هذا الطريق، طريق الجهل، مشيرا إلى أن المَراجع وأنصارهم لا يستطيعون إلّا أن يعيشوا في هذه البيوت الدينية المليئة بالجهل، وأي مسعى للخروج منها يعني الاستعداد لهدم هذه البيوت.
إن الإدّعاءات الدينية للمَراجع، حسب مشارك إسمه مسموح، سهلة الإطلاق، لكن إثباتها وفق المنهج العقلي الحديث هو الأمر الصعب، لذلك يتجنب هؤلاء الدخول في النقاشات المنطقية القادرة على أن تعرقل التلقين الديني، أي تعرقل أساسا أصيلا في النهج الديني وفي مسألة التديّن والإتِّباع.
أحدهم ينقل عن المرجع الديني الإيراني الراحل”مصباح يزدي”، المعروف بتشدده في الدفاع عن الثقافة الدينية الماضوية رغم صيته العالي في الفلسفة الإسلامية، والذي من جهته ينقل أيضا عن نبي الإسلام قوله لشخص دخل في نقاش قوي معه: “هل هناك من يستطع أن يخنق هذا الرجل ليضع حدّا لكلامه”؟ للدلالة على عدم تأييد المَراجع للنقاشات. في حين قال آخر إن المَراجع يستطيعون التأثير على الأفراد العاطفيين، ولا يستطيعون مجاراة من يستخدم العقل والمنطق الحديث في كلامه.
“علي رضا” قال إن المَراجع يكسبون الكثير من المال (الخمس والتبرعات) والشهرة والإحترام الشعبي نظير تبنّيهم هذا الطريق، فكيف يمكن أن يقبلوا الدخول في نقاشات قد تفقدهم كل هذه المكاسب؟
مشارك اسمه “حسين” قال إن الدين ليس مكانا للنقاش والأخذ والرد، إمّا تقبل الدين بالتسليم الكامل له من خلال ما يقوله المَرجع، وإما ترفض الدين. كما أكد أن التاريخ الديني مليء بالعنف ضد رافضي الدين. في حين أن النقاش القائم على المداراة وقبول التنوع الفكري والنقاش مع أصحاب الأفكار المختلفة، مهما كانت الخلفية الثقافية لهؤلاء، هو نهج علماني حديث لا علاقة له بتاريخ الدين، وما قبول بعض رجال الدين، من غير المراجع، الدخول في نقاشات مع اللادينيين إلا نوع من الخضوع للنهج العلماني.
أحدهم، واسمه “سروش”، كتب يقول إن المَراجع يرون أنفسهم “آلهة تمشي على الأرض” رغم حياتهم البسيطة، مضيفا بأن من جعلهم أصناما بشرية هم الجهلاء، لذلك هم لا يَطيقون العقلاء، مؤكدا بأن المرجع يعتقد بأنه “العقل الكامل” في المجتمع، في المقابل يرى أن الناس ليسوا إلا مجموعة من “الجهلة”.
مشارك آخر قال بأن عبارة “مرجع التقليد” تعني أن يقول المرجع شيئا أو أن يصدر فتوى أو حكما وأن على البقية أي المقلِّدين أن يقلّدوه حرفيا دون أي اعتراض، ولا وجود لأي نقاش في إطار هذه الآلية، فهو يتحدث ومقلِّدوه يستمعون إليه وينفّذون أقواله وفتاواه وأحكامه وكأنه يلقّنهم، ولا يحق لهم الاعتراض على أي شيء يقوله. فإذا كانت علاقة المرجع مع المقلِّدين هي هكذا، فكيف يمكن أن تكون علاقته مع الكفار والملحدين والمرتدين واللادينيين؟
على الرغم من أن محتوى غالبية الإجابات كانت متشابهة إلى حد ما، إلا أنها عكست جانبا من نظرة عامة الناس لمَراجع الدين الشيعة، والتي كانت نظرة سلبية جدا وواقعية، لكنها نظرة مهمة ولابدّ من طرحها في ظل عادة أفراد المجتمع على سماع الموقف الإيجابي غير الواقعي تجاههم.
كما عكست الإجابات ضرورة أن يعي المَراجع أن النقد الحديث والمنطق الحديث والعقلانية الحديثة هي أدوات معرفية ضرورية، وأن الجلوس في أبراج دينية ماضوية عاجية منفصلة عن الواقع لن تكون نتيجته إلّا مزيد من الهجوم اللاذع على موقع المؤسسة المرجعية وعلى أفرادها.