منذ سنوات بعيدة، وقبل أن أزور مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في دمشق، كنت أتخيل بأن المخيم هو عبارة عن مجموعة خيام منصوبة في الصحراء، يعاني أهلها حر الصيف وبرد الشتاء وقسوة التهجير كل يوم. تبددت الخيالات فيما بعد برؤية الأسواق والأبنية وأعمدة الكهرباء في تلك المخيمات. ها قد مرت الأعوام، وتعقلنت خيالاتي وظنوني، لكن العالم فيما يبدو، هو الذي ازداد جنونا مع الوقت.
قد لا تبدو مفردة الجنون في مكانها هنا. إذ أقل ما يقال، أن وحشية لا تعرف حدودا، هي التي تسم العالم لكي يترك بضع مئات من البشر عرضة للمرض ودهس السيارات والحرائق، وكأنما المطلوب تماما، أن يموتوا موتا بطيئا.. أو سريعا، لا فرق.
وها هي الخيام تعود لتفترش جزءا من الصحراء، ويعاني أهلها حر الصيف وبرد الشتاء وقسوة التهجير كل يوم، تماما كما تخيلتها فيما مضى.
عقب احتلال العراق، نزح مئات اللاجئين الفلسطينيين منه إثر عمليات القتل والتنكيل التي مورست بحقهم. دخل بعضهم إلى سوريا “حوالي 400 لاجئ”، ثم أغلق باب الهجرة الجديدة في وجههم، حيث لم تبد حتى الآن أية دولة استعدادا لاستقبالهم.
بعض هؤلاء، ويبلغ عددهم حوالي 330 لاجئا أغلبيتهم من الأطفال والنساء والشيوخ، يقبع منذ أيار الماضي على الحدود السورية العراقية عند معبر “التنف”. فيما يقدر عدد اللاجئين الفلسطينيين المنتشرين على الحدود السورية العراقية بشكل عام، بـ1200لاجئ.
وفيما فتحت الدول العربية أبوابها للاجئين العراقيين بمئات الآلاف، فإن بضع مئات من اللاجئين الفلسطينيين اعتبروا عبئا لا يمكن تحمله، خاصة وأن هؤلاء من المقدر لهم أن يبقوا في دول الهجرة الجديدة ولن يعودوا مع العائدين إذا استقرت الأمور في بغداد. أو على الأقل، هذه إحدى حجج تلك الدول لعدم استقبالهم.
بتاريخ 25-4-2007 شب حريق في مخيم التنف أدى إلى إصابة 70 لاجئا وتدمير 14 خيمة. لورانس يولس ممثل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في سوريا اعتبر أن “هذا مثال يوضح كيف أن هذا المكان غير لائق وخطير بالنسبة للاجئين ويبرز الحاجة لنقل هؤلاء إلى مكان آخر أكثر أمنا وأكثر ملائمة”.
مع العلم بأن هذا هو الحريق الثاني الذي يندلع في مخيم التنف منذ أن أصبح الوطن البديل لقاطنيه المهجرين.
في وقت سابق من فبراير الماضي، توفي لاجئ في المخيم نفسه بسبب تأخير دخوله إلى الأراضي السورية، بعد أن تدهورت صحته بشكل كبير. ووفقاً لمصادر صحفية، فقد كان هذا اللاجئ يعاني من مرض الكلى الذي أصيب به بعد اختطافه في بغداد على يد الميليشيات المسلحة وتعذيبه لمدة تزيد عن 16 يوما دون طعام وماء.
وقبل ذلك بفترة أيضا، توفي طفل من المخيم بعد أن دهسته إحدى الشاحنات، حيث أن المخيم ملاصق للطريق السريع بكل ما يحمل من مخاطر.
العالم يزداد بشاعة، وهو يشجع أو يتغاضى عن عمليات القتل والتهجير في بقاع عديدة منه. لكنها تصبح عصية على الفهم، أي أخلاقياته، عندما تترك مئات للموت كي يتلقفهم، فيما هي قادرة على إنقاذهم بكلمة ونصف.
فإذا استبعدنا الدول الغربية، وبعض الدول العربية الغارقة في مآسي القتل والدمار، وبعملية حسابية بسيطة، فإن 13 ألف لاجئ فلسطيني هم عدد الفلسطينيين في العراق، يمكن أن يتوزعوا على الدول العربية المختلفة بمعدل 700 لاجئ في كل دولة، لا يتوقع أن يخربوا اقتصادا أو يتسببوا في مجاعة شعب.
القضية أولا وأخيرا تتعلق بقيمة الحياة لدى أصحاب القرار. أو بالأصح، بلا قيمة حياة الآخرين لديهم. ومهما كانت الأسباب الداعية للتحفظ على قبول أولئك اللاجئين في أي من الدول العربية، وجميعها لا تبرر تركهم للموت، فأضعف الإيمان أن يتم إنقاذ النساء والشيوخ والأطفال. الأطفال…! ليت أحدا لا يعاتبهم، إذا كبروا يوما وفجروا أنفسهم في حافلة أو سوق شعبي. فهم لن ينسوا أننا نحن من صنعناهم، من القسوة واللامبالاة والاستهتار بحيواتهم المعذبة ، في منفى من الصحراء اسمه مخيم “التنف”.
razanw77@gmail.com
* دمشق
مخيم “التنف”.. شكل آخر للموت
اناكنت احدالاجئين في مخيم التنف عشت مايقارب السنتين في المخيم واناالان في دولةالسويد