رغم ارتفاع اصوات مطالبة بالحل الغير دستوري، ورغم خروج الكثير من المسائل عن طورها في الاونة الاخيرة بين المجلس والحكومة، لم يعد الحل الغير دستوري ممكنا، ولم يعد، على ما يبدو من سياق الازمة في الكويت احد الحلول المطروحة للتعامل معها. فما كان ممكنا قبل عشرة او عشرين عاما لم يعد ممكنا اليوم. لقد تغير الشعب الكويتي بأكثر مما تعي اطراف عديدة، وقد تغيرت النفوس وتغيرت التوازنات و القوى و الادوار، كما ان التركيبة السكانية الكويتية هي الاخرى تغيرت بالكامل. لهذا بالتحديد لو وقع الحل الغير دستوري سيؤدي حتما الى لبننة الكويت وادخال قوى عديدة عربية وغير عربية لصالح تبني فرق واتجاهات مختلفة. ان حل المجلس حلا غير دستوري سيأخذ الكويت نحو الصراع الداخلي، وسيساهم في حشد القوى السياسية ضد الخطوة وسيساهم في جلب هذه القوى لانصار اقليميين، وستصبح الكويت في صراع مع الذات بلا ضوابط وبلا اطر. لقد تجاوز الزمن الحل الغير دستوري ويجب البحث عن بدائل جديدة في عملية الاصلاح السياسي الكويتي.
لهذا اصبح لزاما على القوى السياسية ولزاما على السلطات الحكومية في الكويت التفكير بمخارج جديدة تسمح بالخروج من المأزق الراهن. بل اصبح طبيعيا ان تستغل القوى السياسية في الكويت كافة المنافذ الدستورية للاتفاق على المرحلة القادمة. فتغير الحكومات وتغير الوزراء امر طبيعي في وضع كهذا، كما ان حل البرلمان تمهيدا لانتخابات مبكرة هو الاخر امر دستوري في ظروف كهذه. السياسة في النهاية تتطلب التغير، فما لم يجرب يجب ان يجرب الان في اطار الدستور، والذي لم يجرب حتى الان في الكويت هو ممارسة اصلاح سياسي استراتيجي موسع ينعكس على طريقة عمل السلطة التنفيذية وطريقة صنعها للقرار وطريقة بناءها للدولة كما وينعكس على مشروعها الاقتصادي والانساني. فهذه التغيرات ان وقعت ستكون كفيلة باستيعاب مجلس الامة استيعابا تنمويا.
وبينما لعب مجلس الامة دورا معطلا للسلطة التنفيذية في مجالات عديدة، لكن من جهة اخرى، هناك مشكلة سياسية اكثر عمقا، وهناك مشكلة ادارية اكثر صعوبة تتعلق بالسلطة التنفيذية. هذه المشكلة التي تعبر عن نفسها في الادارة الحكومية تعكس تراكمات لمنهج ولطرق عمل ولاساليب عمل حكومية كانت قائمه في الماضي وفي عدد من الحكومات قبل تشكيل حكومات الشيخ ناصر المحمد. ان ما تتطلبه الكويت هو تغير استراتيجي في الرؤية والاسلوب والوسيلة يتجاوز التركيز على الاشخاص، ويبحث عن المستقبل والجيل القادم وانفتاح البلاد و ومقدرتها على تفعيل طاقات الشعب والتجديد في التعليم والاقتصاد وفي العمل الحكومي وبناء الانسان.
ان المستقبل بالنسبة لكل الدول في العالم خاصة تلك التي تسيطر عليها انظمة ملكية واسر حاكمة في ظل اجواء ديمقراطية عالمية لن يبتعد ابدا عن المسار الذي اخذته بلدان العالم المتقدم. رويدا رويدا ووفق رؤية يجب تقديم تنازلات جوهرية للشعب حتى لو كانت احيانا قاسية في شكلها ولم نتعود عليها. فطبيعة السياسة تفرض ممارسة التغير امام قوى شعبية تطالب برفع سقف المطالب وسقف الدور وصولا لوزارات السيادة وانتهاءا بتداول السلطة. هذا هو معنى ومضمون السيادة للشعب، وهو معنى الثقة بالشعب وقدراته. ان هذا الاحتمال جزء لا يتجزء من التطور الديمقراطي التاريخي. فما هو واضح في التجربة الكويتيه الان انها تحتوي على بذور صراع قوة بين البرلمان وبين السلطة التنفيذية التي يتم تعينها بلا دور واضح لمجلس الامة، وان صراع القوة هذا مرتبط بتراكمات تتعلق بممارسات السلطة التنفيذية ولكنه ايضا مرتبط بطموح البرلمان للعب دور سياسي اكبر في في التشكيل الحكومي. في نهاية اليوم يجب ان نثق بالمجتمع وبالشعب، ويجب ان نثق بالناخب حتى لو اخطأ في اختياره المرة تلو المرة، فالديمقراطية في نهاية اليوم لديها المقدرة على تصحيح الاختيار.
ان البرلمان الكويتي لا يتحكم بالسلطة التنفيذية ولا يختار وزراءها او يشكلها وفق حزب الاغلبية، فالتجربة الكويتية بحاجة لاصلاحات جادة وقانون احزاب لكي ترتقي الى الامام وتخرج من ازمتها. كما ان التجربة الكويتية بحاجة لتفعيل دور المحكمة الدستورية لحماية المواطن من تجاوزات السلطة التنفيذية ام السلطة التشريعية عندما تقع. اذ يجب ان تعلب السلطة القضائية دورها في حماية الحريات وحق الاختيار بالنسبة للافراد. ان التوسع في العمل الديمقراطي لا يتناقض مع الدستور الكويتي او مع قيام سمو الامير باختيار رئيس الوزراء، او مع قيام رئيس الوزراء باختيار الوزراء. اذ لا يوجد تناقض بين دستور الكويت والتطور الديمقراطي. ان تداول السلطة قائم الان في العراق وسوف يتعزز في السنوات العشر القادمة، وسوف ينتشر في دول عربية اخرى مقبلة على التغير، والكويت بطبيعة الحال ليست بمنأي عن هذه التغيرات خاصة وانها تمثل تجربة متقدمة عن بقية التجارب البرلمانية العربية. لكن هذا لا يعني اننا يجب ان نقفز مرة واحده بهذا الاتجاه وان تتحول هذه القفزة باتجاه المجهول.. هناك مجال للمرحلية وهذه المرحلية ستأخذ سنوات طوال وربما عقد او عقدين من الزمان قبل ان تنضج التجربة. ولكن التحضير لهذا يجب ان يبدأ من الان وفي ظل الرخاء الذي لا زال يعم البلاد.
ان ما يقع في الكويت الان يعكس طبيعة التغير، وهو ليس دائما منسجما مع نخبويتنا كمثقفين ليبراليين او منسجما مع نخبوية الفئات التجارية او نخبوية اصحاب القرار، فنحن عادة ما نفضل تغيرا هادئا يسير وفق تصوراتنا ويخلو من المواجهات والمهاترات والتحريض والتصعيد واحيانا التخريب.. ولكن التاريخ يعملنا ان الجماعات الحاكمة لا تقدم تراجعات لجمهور شعبي الا بعد صراع مرير، كما يعلمنا التاريخ السياسي لمجتمعات كثيرة انه عندما تلجأ اجنحة من الفئة الحاكمة لاستخدام مباشر لفئات شعبية في الصراع السياسي بينها كما هو حاصل في الكويت فعادة ما تكون النتيجة مزيد من التحول الديمقراطي ومزيد من المخاسر للفئة الحاكمة ككل. هذه هي لعبة التغير في العمل الديمقراطي، هكذا تتعلم الشعوب السياسة قبل ان تنضج وترتقي في ممارساتها.
shafgha@hotmail.com
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
مخاطر الحل غير الدستوري في الكويت
تشير الدلائل على أن قرار حل مجلس الأمة قد يكون ردة فعل لأمور غير معلنة…
كم أمل أن تكون الخطوات اللاحقة مدروسة دراسة تمنع أدخال البلد إلى نفق مظلم…
وكم أتمنى ان تتسع صدور الكويتيين لنتائج “الديمقراطية” فى الكويت.