في أواخر سنة 1969، وكنت حينها أدرس في معهد العلوم الاجتماعية في موسكو- الاتحاد السوفييتي السابق، وصل لعلمنا ان محمود درويش حصل أخيرا على جواز سفر مؤقت، لمدة سنة واحدة أو أقل قليلا.. لمغادرة اسرائيل الى موسكو.. الى معهدنا. (معهد الأحزاب الشيوعية كما كان يعرف).
هذا الخبر شدني بشكل خاص. كنت أعلم وانا في الوطن، ان السلطات الاسرائيلية ترفض منحه جواز سفر اسرائيليا، لأنها لا تعتبره مواطنا، انما مقيما، ربما نزل من السماء، في دولة اسرائيل، وهذه المشكلة عانى منها الكثير من الفلسطينيين الذين هربوا من التصفيات العرقية في العام 1948 التي كانت تنفذ ضد المواطنين العرب الباقين في وطنهم ، ثم عادوا بعد هدوء الأحداث الى وطنهم، لاجئين، مشردين في وطنهم بعد ان هدمت قراهم وصودرت اراضيهم ومنعوا من العودة اليها. وكان الجيش الاسرائيلي غالبا ما يجمعهم ويقذفهم من جديد وراء الحدود نحو الدول العربية. وقد خاض الحزب الشيوعي وقتها، مع محامي الحزب المرحوم حنا نقارة معركة شعبية بطولية وقانونية لمنع تهجير اللاجئين في وطنهم.. وكثيرا ما منع الشيوعيون الأوائل تهجير اهلنا باجسادهم حين استلقوا امام السيارات المحملة بالفلسطينيين الذين عادوا ولم يتسجلوا في سجلات دولة اسرائيل. واشتهرت هذه المعارك باسم معركة الهويات، اذ كان الهدف الحصول على هوية زرقاء لمنع التهجير.
قضية الحصول على جوازات سفر، حتى لمن لا توجد مشكلة حول مواطنته، أيضا لم تكن سهلة، وقد عانيت شخصيا من ذلك، بسبب تسجيلي اني ساسافر للاتحاد السوفييتي، ولم أحصل على جواز سفري الا بعد أكثر من نصف سنة وتدخل محامي من طرفي.رغم عدم وجود مشكلة “قانونية” حول مواطنتي!!
كنت في بداياتي الأدبية… كاتبا مبتدئا تشده رومانتيكية الأدب، وكان يومها محمود درويش نجمنا الأدبي الأعلى الذي لا تخلو مهرجاناتنا من قصائده.
كانت قصائد محمود درويش قد بدأت تتحول الى محفوظات وطنية نرددها.. وما زلت أذكر قصيدته (سجل أنا عربي) التي ألهبت الجماهير، في معركة التحدي ضد الحكم العسكري المفروض على العرب في اسرائيل، حين قررت السلطات انشاء قوائم سوداء ضد “السلبيين” من العرب، والقصد ضد القوى الشيوعية والوطنية التي تناضل بلا كلل وبطولة، ضد سياسة الاضطهاد القومي والتمييز العنصري. وكانت تفرض على هذه القوى الاقامات الجبرية وتحديد التنقل واثبات الوجود في مراكز الشرطة، وهو ما عانى منه محمود درويش والعشرات من رفاقه لسنوات طويلة. وقد قيدت حرية تنقلي أيضا ولم أكن قد تجاوزت سن العشرين، والمضحك اني وصلت بتصريح عسكري لا أشك ان محمود درويش وصل بتصريح مثله لمطار اللد (بن غوريون اليوم) وسجل تحت الهدف من الوصول للمطار “السفر للاتحاد السوفييتي فقط” وكأنهم يحددون مكان وجودي خارج اسرائيل أيضا، رغم اني سافرت أولا لقبرص… وقد ُسجلت حتى الطريق التي يجب ان التزم بها للوصول الى المطار مع ملاحظة تمنعني من الدخول للبلدات في الطريق، ما عدا لمحطات الوقود… في مثل هذه الظروف نشط محمود درويش وكتب قصائد المقاومة، في مفهوم التحدي للسلطات العنصرية الغاشمة، والدفاع عن الحقوق القومية للشعب الفلسطيني من داخل الوطن المغتصب. وكانت القصيدة أهم من خطاب سياسي، وخطاب مجند للنضال.. من هنا انا على قناعة تامة ان شعرنا المهرجاني الوطني لعب دورا تثقيفيا وسياسيا هاما لا يمكن مقارنته بأي شعر منصات آخر. لذلك حين تقييم هذا الشعر، يجب ان نفهم ان حديثنا عن الشعر الوطني أو المهرجاني التقليدي، له قيمة خاصة في الشعر الفلسطيني الذي كتبه الشعراء العرب الفللسطينيون في اسرائيل. قيمته تتجاوز فنيا أيضا، كل الشعر الشبيه الآخر الذي كان يغرق فيه الشعر العربي.
كانت المهرجانات الشعرية تتحول الى مهرجانات سياسية نضالية حتى بدون خطابات وشعارات حماسية… كان الشعر زادا ثوريا ثقافيا للجماهير، وحين أستعرض واقعنا الثقافي اليوم اصاب بالصدمة… كم تغيرنا، كم تراجعنا، ليس سياسيا فقط، بل ثقافيا ايضا… اليوم ندوة شعرية صار عدد الشعراء فيها أكثر من عدد الحضور.. ولكن ذاكرة شعبنا لا تنسى، حين حضر محمود درويش الى حيفا، قبل أشهر قليلة، امتلأت القاعة لتسمعه، وعدد الذين لم يحظوا بتذكرة دخول للقاعة كان أكبر من عدد الحضور.. حقا كانت أمسية نوستالجيا (حنين) أيضا… حنين الى الماضي القريب، الماضي الطاهر.. كلمة وموقف وشعار وقصيدة.
لم تكن معرفة سابقة شخصية بيني وبين محمود درويش، رغم اننا كنا من نفس الموقع السياسي، وكان محررا للمجلة التي اعتبرت فخر ثقافتنا المحلية.مجلة “الجديد” التي تعتبر ايضا من افضل المجلات الثقافية العربية على الأطلاق. ولا ابلغ بالقول ان الجديد كانت جامعة ثقافية لعشرات المثقفين.. وما زلت أعتبر نفسي خريج هذه الجامعة الثقافية، التي لعبت دورا تقافيا سياسيا هاما، في كسر دائرة التجهيل بتراثنا العربي، وكسر عزلنا عن الثقافة العربية.. وتنشئة جيل جديد من المثقفين بعد النكبة.
كنت أعرفه من المنصات ويعرفني من القصص التي ارسلها للنشر في الجديد… وقد شعرت بتوتر من لحظة اللقاء مع محود درويش وانتظرتها قلقا من طول الدقائق…
وصل محمود درويش الى موسكو، ونقلوه كالعادة الى “الداتشا” – قصر للنقاهة في الجبال.. حيث كانت تجرى الفحوصات الطبية لكل الوافدين للمدرسة الحزبية في موسكو.. قبل نقلهم الى الداخلية وبدء برامج التعليم في المعهد.
ذهبنا، نحن الطلاب – الرفاق العرب من اسرائيل لزيارة محمود درويش ورفاقه في “الداتشا”.. وكانت تلك اول مرة ألتقي به وجها لوجه، ونتعارف، ونتبادل التصافح بالأيدي.
راقبت كل حركات محمود درويش لسبب لا أفهمه، ربما لأفهم العلاقة بين هذا الانسان الهادئ الوديع، الذي اسمه محمود، وله مظهر الانسان الحالم… وبين شعره المتفجر بنار الغضب والثورة والجرأة. ربما توقعت ان أرى انسانا حديديا رهيبا لكلماته فعل الرصاص… ولكني وجدت انسانا حلو المعشر، حديثه عذب جذاب، يحب الحياة، يضحك بطلاقة، رقيق لأقصى ما تحملة الرقة والدماثة من معنى. له مظهر حالم كما قلت، وربما حتى بعض الحياء.
هذا هو انطباعي الأول عنه.
وسألت نفسي وقتها: ترى هل وراء هذا الانسان الرقيق الهادئ، الذي يرعب دولة اسرائيل.. يختبئ أسد متوثب، مرعب؟!
هل حقا هذا هو محمود الذي سجن وعانى من الاضطهاد، والحبس المنزلي وتقييد حرية التنقل لدرجة عدم السماح له بزيارة أهله على بعد نصف ساعة سفر من حيفا؟!
هل هو محمود نفسه، الرافع لراية شعبه، المعبر عن مآسيه، من النكبة حتى مجزرة كفرقاسم الرهيبة (50 ضحية) ومقتل الشباب العرب الخمسة والتنكيل بجثثهم بصورة وحشية ، وغيرها من مآسينا المتواصلة، مثل مصادرة أراضينا ومنعنا من العودة الى قرانا المهجرة، وتقييد حرية العمل؟!
أعرف ان بعض ما أكتبه اليوم يبدو كتابة عن عالم آخر.. مساحة الحرية اليوم واسعة جدا.. القيود تحطمت.. رغم استمرار سياسات التمييز العنصري، الا اننا أنجزنا بنضالنا مكاسب تبدو اليوم شيئا عاديا لا يحتاج الى تفكير ونضال. ولكن الويل لشعب ما زال مشردا في وطنه وخارج وطنه، من الاطمئنان لمنجزاته، واعتبارها أمرا لا عودة عنه، لأن القوى الفاشية ما زالت تتحين الفرصة للانقضاض على ما انجزناه وما حققناه من قامة مرفوعة.. ما زالت الحية الرقطاء حرة طليقة… وما زال وجودنا مشروطا باستمرار يقظتنا، ويقلقني ظن البعض ان التاريخ لم يبدأ الا بهم، متجاهلين ما أنجزه الشيوعيون والوطنيون الأوائل، وما دفعوه من ثمن شخصي مأساوي بكل الحسابات. كانت القيادة تعني السجون والملاحقة والنفي، والمسؤولية عن مصير شعب. واليوم صارت تزعما غبيا وشعارات خاوية من المضمون، وتحزبات شخصية داخل التنظيم الواحد، ومكاسب انتهازية شخصانية لا ترى ابعد من انفها. ومظاهر كاذبة، وتبوؤ الصدارة بشكل يبعث على السخرية والقرف.. حين تعرف ان متبوء الصدارة كان جبانا، منعزلا، عميلا لأحزاب صهيونية.. وحين صار النضال مكاسب ومراكز، ومنافع شخصية، تغير الوضع، ولكن شعبنا الطيب يعرف الزؤان من القمح.
هذه الأفكار تراودني اليوم وانا أستعيد ما سجلته عن لقائي الأول بمحمود درويش.
وسالت نفسي أيضا: هل حقا هو محمود نفسه الذي أطلق عليه شعبنا لقب ” شاعر النكبة”؟!
قلت كنت في بداياتي، وكان محمود قد بدأ اسمه يسبقه أينما ذهب.كان العالم العربي منبهرا بشعره وشعر زملائه لدرجة تجاوزت المنطق.. مما جعله يطلق صرخته الشهيرة وقتها، عبرمجلة الجديد: “انقذونا من هذا الحب القاسي”. كأنها كانت نبوءة لخطر العشق العربي بلا منطق لكل ما ينتجه أدبنا المحلي.
شعرت بالرهبة والارتباك وانا بالقرب منه، اسما مبتدئا لا يعرف لغة التودد، ولا أعرف أن أبني علاقات على اساس المنفعة الذاتية، أو التعلق بسماجة بالآخرين.
بعد الفحوصات وانتهاء الترتيبات المختلفة، التحق محمود بمعهدنا.
لا أدري كيف ذاب الثلج بيننا، وكيف استقرت العلاقة الفريدة التي جمعتني به في المعهد.ولكنها لم تستغرق غير اسابيع قليلة على ما اذكر.. حتى استطعت التخلص من ارتباكي والحديث الحر معه..
سحرتني شخصيته بوداعته التي تبلغ حد الطفولة. ومع ازدياد معرفتي به، كنت أكتشف أمامي معدنا صلبا نقيا، انسانا حقيقيا لا تتنازعه الميول الطارئة، ولا يبني علاقاته الا على اساس الاحترام.
قلت اني لا أذكر تماما كيف تطورت علاقتنا. ولكن الواضح ان وجودنا في نفس بيت الطلبة، وفي نفس المعهد، وفي نفس طبقة بيت الطلبة، وفي فرقة واحدة لا يتعدى أفرادها الثمانية… جعل المسافة بيننا تتقلص، واللقاء اليومي بدا يولد تفاهما في الذوق والميول وحب الحياة، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني.. الى جانب معرفتي الجيدة نسبيا باللغة الروسية وبالعاصمة موسكو ومطاعمها الجيدة وحدائقها الجميلة وشوارعها وسائر تفاصيلها… وقد اكتشفت ان هذا الانسان الحالم لا يحفظ الشوارع بسهولة، ولا يحب التقيد بنظام بيت الطلبة الذي يحدد ساعات بقائنا خارج المنزل حتى الحادية عشرة مثلا، حيث كان الحارس للمبنى يغلق الأبواب ومن يتأخر يواجه مشكلة الدخول، ثم تنبيها وانتقادا.. إلخ. في أول سهراتنا بالخارج أخبرت محمود بهذا التحديد.. فرفضه ضاحكا معبرا عن امنيته التي طالت بقضاء سهراته خارج غرفته لساعات الفجر. ففهمت انه يعني ان هذه فرصة العمر، فبعد سنة سيعود الى حيفا والى الحبس المنزلي بعد غروب الشمس وحتى شروقها، حسب قانون الطوارئ الانتدابي الذي واصلت اسرائيل فرضه على المواطنين العرب. ولتذهب كل التقييدات الى الجحيم!!
حاولنا ان نحصل على اذن بالبقاء خارج المنزل لوقت أطول، فلم ننجح، فوجدنا طريقة لا يمكن ان تفشل، باهداء الحارس للمبني، قنينة فودكا كلما شئنا ان لا نعود في الوقت المحدد… كنا نعلمه مسبقا.. وكان دائما على استعداد للتغاضي عن موعد عودتنا. وهكذا نجحنا في التحرر من قيود النظام.
كان جليا ان متعته الكبرى ان لا يعود للمنزل قبل الفجر. كأنه يقهر شرطة اسرائيل بسهراته حتى الفجر هنا في موسكو.
في موسكو التقى محود درويش بالناقد والمفكر اللبناني حسين مروة، الذي كان يعد رسالة الدكتوراة في نفس المعهد. والذي اعتبر في وقته (1969) محمود درويش كأبرز شاعر عربي معاصر. في مداخلة قدمها في اطار المعهد امام اساتذة وطلاب المعهد.
التقى محمود درويش في موسكو بعدد من ادباء العربية، بقي في ذهني منهم الكاتب السوري سعيد حورانية، الذي كان يحرر اسبوعية “انباء موسكو” باللغة العربية ، حيث كنت أنشر قصصا ونشر محمود احد قصائده الجديدة التي كتبها في موسكو، وأظن انها كانت انتقادا لأنظمة عربية تعاملت معنا كعملاء للصهيونية. كذلك التقى مع الشاعر السوداني جيلي عبد الرحمن، ومع الناشر اللبناني، من دار العودة، محمد سعيد محمدية، والأديب اللبناني د. سهيل ادريس صاحب الآداب اللبنانية، والكاتب اللبناني محمد دكروب، محرر مجلة “الطريق” اللبنانية وغيرهم تفوتني أسمائهم … وقد حضر بعضهم الى موسكو بعد انتشار خبر وصول درويش اليها، خاصة ادريس ومحمدية بهدف الحصول منه على حقوق نشر أعماله، اذ كان الناشران على خلاف قضائي حول حقوق نشر أعمال درويش في لبنان، رغم عدم حصول أي منهما رسميا على هذا الحق.
قضيت اكثر من نصف سنة مع محمود درويش، في لقاء يومي وأحاديث يومية، للأسف لم أسجل أيا منها، وبعضها كان يتعلق بأدبنا المحلي، مشاكله ومشاكل تطويره، والتجديد في الشعر، وقد بدات ألمس من وقتها انطلاقة محمود درويش نحو ما بات يعرف في شعره اليوم بالفضاء الانساني العالمي… خارجا من مرحلة الشعر الوطني التقليدي. وقبلها شعره الغنائي الغزلي بمعظمه…
لا أقول هذا للتقليل من مرحلة الشعر الوطني، أو أن محمودا لم يعد يكتب شعرا وطنيا، ولكن حتى في شعره الوطني بدات ملامح الفكر الانساني الشمولي تأخذ مساحة هامة في كتاباته.
صحيح اني أتحدث عن ذكريات بات عمرها اليوم أربعة عقود، وقد نشرت بعض تفاصيلها قبل عقدين من الزمن، وهي التي أعتمدتها في هذه المراجعة..
في موسكو كتبت عدة قصص جديدة، كان محمود أول قارئ لقصصي، وعدلت بعضها حسب ملاحظاته، وأذكر انه تحدث بايجابية مع حسين مروة حول كتابتي القصصية، لدرجة جعلت حسين مروة يطلب مني مجموعة لينشرها في لبنان، كذلك لجريدة الأخبار ومجلة الطريق التي يصدرهما الحزب الشيوعي اللبناني.
لسبب لا أفهمه اليوم، لم أستغل الفرصة لنشر أعمالي في مجموعة قصصية في لبنان. ربما خوف المبتدئ ومسؤوليته سيطرت علي. وقد حثني حقا محمود درويش بأن استجيب لطلب حسين مروة، وعشت ترددي، وأعتقد اني ارتكبت أكبر خطأ ثقافي بعدم استغلال الفرصة التي فتحت أمامي، لم أفهم هذا الأمر الا بعد عودتي للوطن، وظواهر التجاهل المهين لنا نحن الأدباء الشباب. من حزبنا وحركتنا النقدية … وطال الوقت حتى نجحت بعد جهود غير سهلة، شخصية ومادية ‘ من اصدار أول مجمعة قصصية، وقد جاء اصدارها مهيناً من ناحية الطباعة والمنتجة والغلاف، وخسارة عشرين عاما كاملة.
في ذكرياتي عن لقائي بمحمود درويش تختلط امور كثيرة.. هناك ما أعتبره من المسائل الذاتية جدا التي لا أحب الخوض فيها.
عندما سمعت ، بعد عودتي بشهر أو أكثر محمود درويش يعلن عبر اذاعة القاهرة (1970) انتقاله لموقع آخر، حزنت وفرحت في نفس الوقت. حزنت لفقداننا هذا الركن الهام في شعرنا المحلي، وفرحت لإنطلاقة النسر من أسره. بنفس الوقت لم أتفاجأ من خطوته. ربما يصعب علي تفسير ذلك، ولن أحاول تفسير خطوته التي لم تفاجئني.لأنها قد تحمل الكثير من باب التأويل، وهذا لا أحب التطرق اليه، لأني اذا لمست بعضه، فذلك بسبب قربي الشخصي من محمود في تلك الفترة. وهي تقع في باب ذاتي وموقف محمود بأني أهل للثقة.
كتبت النص الأول عن لقائي مع محمود قبل عشرين سنة، وبعد عشرين سنة من ذلك التعارف الذي جعلني أفهم الأدب أكثر من مجرد أسم في جريدة.. او نص لغوي جميل… وبلا شك ان وجود محمود درويش في نفس المعهد، وما أثاره وصوله الى موسكو في وقته من أهتمام واسع، حفزني على المزيد من الابداع، ومن جعل الابداع والفكر والنشاط الثقافي عامة مبدأ ومنهجا لحياتي. وكان الطلاب العرب يتساءلون عن مكان درويش في موسكو، وكثيرا ما عرفوه في الشوارع ونادوه باسمه ليحيوه بحب وتقدير ما رايت مثله في حياتي.
الانعكاس الأساسي علي انه جعلني أفهم الأدب كالتزام واع بقضايا الناس وتطلعاتهم، وان الوطني حقا هو انساني بالمقام الأول أيضا.
اليوم حين أنظر لخارطة العالم العربي الثقافية، وارى المكانة المرموقة لمحمود درويش، ودوره الطليعي في خريطة الشعر العربي، واسمه الذي صار عنوانا لقضية، وطنية وانسانية في نفس الوقت، أفكر وأقول لنفسي : الا تبدو كتابتي عنه نوعا من التزلف والتفاخر الأجوف؟!
ليس من طبيعتي شيء من ذلك. ولكنها حقيقة أفخر بها وأعتز بها.
اليوم حين نودع سنديانتا الشعرية.. وحلمنا ونموذجنا الأعلى… أشعر كم سنبقى مقصرين، بحق الانسان والشاعر.. المتألم لآلام شعبه، والذي ترك في نفس كل واحد منا شيئا من ذاته.شيئا من طهارته. شيئا من انسانيته وشيئا من تحديه…
سيبقى محمود درويش علامة فاصلة لشعرنا، لثقافتنا، لانسانيتنا، ولقدرتنا على مواصلة الابداع.. ومواصلة التحدي والنضال لتحقيق الحلم الكبير لمحمود ولشعب محمود، باقامة دولة فلسطين الدمقراطية، بيتا دافئا للشعب الفلسطيني، ويكفي فخرا لشعب فلسطين شاعرهم القومي الانساني، الذي صار اسمه مرادفا لما هو جميل وراق في الأدب العربي والعالمي كله.
nabiloudeh@gmail.com
* كاتب، ناقد واعلامي – الناصرة
محمود درويش كما عرفته غادر ليبقى الى الابد . بعد إن انتهى الاتحاد السوفيتي تحولت كلمة “عربي” إلى شيء غير جيد , وأمريكي أوروبي ممتاز جدا , مسلم أيضا نفس الشيء , لهدى مع بعض من الأصدقاء الروس حاولنا رغم الظروف الصعبة في تلك الفترة أعادت الاعتبار , رغم أنة لا يمكن إعادة الاعتبار لنا بسهولة لأنة دخل في الخط الإسلام الوهابي في روسيا و أصبحت سمعتنا سيئة جدا إلى أخر درجة , من هنا قمنا بإنشاء موقع اكتروني ينشر فيه إشعار محمود درويش , أغاني مارسيل خليفة باللغتين , و عبرا لموقع تعرفنا على الكثير من الروس من كانوا… قراءة المزيد ..