تساءلت جريدة “لوموند” الفرنسية اليوم إذا كان الرئيس محمد مرسي “دميةً” في خدمة الإخوان المسلمين أم حاكماً يطمح للإستبداد بالسلطة في المستقبل؟
وفي رسالة من مراسلها السياسي “كريستوف أياد”، ذكرت “لوموند” أن “ما لم يتغيّير في مصر بين عهد مبارك وعهد مرسي هو غياب الشفافية في قمة السلطة. وسواءً في حالة الحاكم المستبد الموالي للغرب أو الإسلامي الذي انتخبه الشعب، فإن أحداً لا يعرف كيف تُتَّخّذ القرارات في مصر، أو حتى من الذي يتّخذ القرارات.
لقد نمّ السيد مرسي، الذي أعطى انطباعاً بأنه شخص عادي وطيّب في لحظة تبوؤ السلطة، عن تصميم مفاجئ لا هوادة فيه: وعلى التوالي، فقد أطاح بقيادات المؤسسة العسكرية، ثم فرض تبنّي دستور مثيرٍ للسجال، مؤذناً بذلك بانتهاء المرحلة الإنتقالية التي ابتدأت مع سقوط الرئيس مبارك في فبراير ٢٠١١.
واعتمد مرسي “سياسة تسارع” فرضتها عليه، حسب مزاعمه، العقبات التي وضعها أنصار النظام القديم أمام الثورة، سوى أن تلك السياسة أدّت إلى انعطافات مفاجئة وتناقضات واضحة. وذلك إلى درجة أن الناس بدأت تتساءل عمن يحكم مصر فعلياً: هل يمثّل محمد مرسي دميةَ في خدمة “الإخوان المسلمين”، أم رئيساً يطمح للتفرّد بالسلطة،
ويعمل للإنعتاق من سيطرة الحزب الذي جاء من صفوفه؟
إن لكل من النظريتين أنصارها بين المحلّلين المصريين. وحسب النظرية الأولى، فأن السيد مرسي هو صنيعة “خيرت الشاطر”، أي الشخصية الثانية في “الإخوان المسلمين” وزعيمهم الحقيقي.
أما النظرية الثانية فتعتبر أن مرسي رجل يسعى لتأكيد إستقلاليته عن “الإخوان”.
ويشير أنصار النظرية الأولى إلى أن السيد “خيرت الشاطر” كان المرشّح الأول للإخوان حينما قرّروا خوض معركة الرئاسة في الربيع الماضي. وحينما حال حكم قضائي سابق دون ترشيحه للرئاسة، فإن “خيرت الشاطر” هو الذي اختار “محمد مرسي”: وهو شخص مغمور ومنضبط، غير قادر على منافسة “الشاطر”، ولا يوجد أي شك في ولائه المطلق للتنظيم الإخواني.
وهنالك حجّة ثانية، وهي أن ديوان الرئيس مؤلّف بأكمله من رجال خيرت الشاطر: والمقصود أيمن علي، وأحمد عبد العاطي، وخالد القزاز (السكرتير الخاص)، وماهي حامد، وأسد شيخة (المسؤول عن الأمن)، ومحمد رفاعة الطهطاوي (السكرتير العام للرئاسة). وكل من سبق ذكرهم مقرّبون من “مكتب الإرشاد” الذي يسيطر عليه “خيرت الشاطر” منذ الإنتخابات الداخلية التي جرت في العام ٢٠٠٩. وغالباً ما يدلي خيرت الشاطر، وهو رجل أعمال ثري، بتصريحات سياسية تُظهره وكأنه رديف الرئيس. وحينما وصل وفد كبير من رجال الأعمال الأميركيين إلى القاهرة، فإن خيرت الشاطر هو الذي التقى بالوفد لطمأنته إلى عدم وجود تعارض بين الإيديولوجية الإسلامية والديمقراطية.
مرسي لم يعلم بقرار إرسال ميليشيا الإخوان لتأديب محتجي “الإتحادية”!
وبناءً عليه، فالسيد مرسي ليس إلا دمية تنفّذ أوامر يأخذها سواه. وهذا ما زعمه مستشارون، من الصفّ الثاني، لرئاسة الجمهورية. وحسب هؤلاء، فإن الرئيس بالكاد كان يعرف بالقرارات التي يتم اتخاذها في الظل. وينطبق ذلك، في ما يبدو، على قرار إرسال ميليشيا الإخوان المسلمين، في يوم ٥ ديسمبر، لإخلاء محيط قصر الرئاسة من المحتجين بالقوة، الأمر الذي أسفر عن سقوط ثمانية قتلى وعشرات الجرحى.
هل تمت استشارة الرئيس مرسي، وهل كان مطّلعاً، على ذلك القرار؟ يبدو أن مرسي لم يكن على علم بذلك القرار، حسب ما قالت لنا مصادر قريبة من قيادة الإخوان المسلمين! وطوال الأزمة التي افتتحها مرسوم السلطات الإستثنائية التي منحها الرئيس مرسي لنفسه في ٢٢ نوفمبر، فإن مرسي بدا كرهينة للتنظيم الذي جاء من صفوفه، والذي استخدم ميليشياته للضغط على العدالة- وخصوصاً “المحكمة الدستورية”- والذي قصر عزاءه على قتلى الإسلاميين وحدهم، الأمر الذي شكّل صدمةً للعديد من المصريين.
أما أنصار النظرية الثانية فيزعمون أن مرسي يسعى للتحرّر من سطوة “خيرت الشاطر”. وأن ذلك هو سبب الإعلانات المتناقضة، والتحولات غير المفهومة التي شهدتها الأسابيع الأخيرة.
وعلى سبيل المثال، في ٩ ديسمبر أكّد الناطق بلسان الرئاسة التوقيع على مرسوم يقضي بزيادة الضرائب وبرفع الرسوم على ٧٠ من سلع الإستهلاك، الأمر الذي دفع حزب “الحرية والعدالة” (الذراع السياسي لـ”الإخوان المسلمين”) لإعلان أن المرسوم “غير ملائم” قبل أسبوع واحد من استفتاء غير مؤكد النتائج على الدستور.
واضطرّ “مرسي” إلى التراجع في الليلة نفسها، وأعلن على صفحته على “الفيس بوك” عن تعليق العمل بالمرسوم!
ويقول “محمد عبد القدّوس”، المعلّق في صحيفة “الحرية والعدالة” التابعة للإخوان، أن محمد مرسي عبّر عن “قلة خبرته وعن عدم نضجه” سواءً بإعلانه عن رفع الأسعار، أو بمرسوم السلطات الدستورية، أو بطريقة إدارته لقوى الأمن في يوم ٥ ديسمبر. ويضيف هذا الصحفي الإسلامي أن “محمد مرسي يريد أن يعزّز مكانته وأن يبدو كصاحب قرار وأن يتحرّر من سيطرة خيرت الشاطر. وهذا ما يدفعه لاعتماد خيارات طائشة، وغير مدروسة. وفي النهاية، يجد تنظيم الإخوان نفسه مضطراً لتسوية المشكلات الناتجة عن خياراته”!
إن “خالد حمزة”، المسؤول عن عدد من المواقع التابعة للإخوان المسلمين، يلحّ بدوره على عدم خبرة الرئيس مرسي، ولكنه يعتبرها دليلاً على حسن نواياه وعلى استقلاليته: “إنه يقوم بمحاولات، وحينما يلاحظ أن المصريين لا يوافقونه الرأي فإنه يتراجع. إن ذلك دليل عافية ديمقراطية”! والمشكلة هي أن المصريين ينظرون إلى كل هذه التراجعات كدليل ضعف وليس كدليل عافية!
وأبعد من ديوان الرئيس، فإن معظم مستشاري الرئيس هم جامعيون إسلاميون يفتقدون إلى خبرة السلطة، مثلهم مثل مرسي نفسه. وأبرزهم، مسؤول العلاقات الدولية “عصام الحداد”، و”سيف الدين عبد الفتاح”، والمستشار القضائي “محمد فؤاد جاب الله”، و”باكينام شرقاوي”. وحسب أحد الجامعيين الذين يعرفونهم عن كثب فإن “معرفتهم بالأمور السياسية تقتصر على النظريات”.
النموذج السوفياتي: مرسي رقم ٥ أو ٦ في حزب الإخوان!
ويقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، “مصطفى كامل السيّد”، أن رئاسة مرسي تطرح مشكلة مؤسسة لا سابقة لها بحكم انتمائه للإخوان المسلمين: “لقد أصبحنا اليوم في وضع يشبه وضع الإتحاد السوفياتي، حيث كان هنالك حزب مسيطر ومؤسسات دولة. ولكن، في مصر، ليس هنالك قانون ينظم العلاقة بين تنظيم الإخوان ومؤسسات الدولة، كما أن رئيس الدولة هو الشخصية رقم ٥ أو رقم ٦ في تنظيم الإخوان”!
ويتحدث محلّلون آخرون في القاهرة عن نموذج إيران، حيث يتعايش رئيس مع “مرشد أعلى” هو الرئيس الحقيقي للدولة. بل إن أنصار “الإخوان”، مثل “خالد حمزة” و”محمد عبد القدوس”، يعترفون بوجود “مشكلات تنسيق” بين المرسي والتنظيم.
إن الدستور الجديد يعطي الرئيس مرسي مزيداً من السلطات، ولكن يبقى عليه أن يثبت أنه يمتلك خامة رئيس للدولة المصرية.