إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
في مقابلة نادرة، اتهم “عباس باليزدار” (السياسي الذي كشف فساد كبار المسؤولين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والمنتمي للتيار الأصولي) الشخصيات المعينة من قبل المرشد الأعلى علي خامنئي في المناصب العليا بالفساد المستشري، ووصف مجتبى خامنئي، نجل المرشد، بالشخص الذي لديه القدرة على محاربة الفساد الهيكلي في النظام.
مجتبى خامنئي، كشف في أكتوبر الماضي، وفي موقف غير مسبوق، عن استقلاله عن والده في عمله، وأعلن من خلال فيديو عن إغلاق درسه الديني بالقول إن والدي لم يكن يعلم بقراري. ورغم أنه نفى أن يكون هذا القرار سياسيا، يبدو أن السبب الأهم لنشر هذا الفيديو هو إعلان الاستقلال السياسي عن والده وبدء فترة جديدة من العمل السياسي بهدف تحقيق السلطة المطلقة.
يمكن أن تكون المقابلة التي أجراها باليزدار، الشهير بمحاربته الفساد، والتي نشرتها صحيفة “ديدبان إيران” في 9 نوفمبر (السبت الماضي) قطعة من لعبة “البازل” التي يلعبها مجتبى من أجل خلافة والده.
إن الهجوم “السافر” على المرشد، من خلال الإشارة إلى أن جميع المعينين من قِبله في أعلى المناصب الرئيسية هم فاسدون، وأن خامنئي أعطى الإذن مباشرة لسعيد مرتضوي (المعروف بقاضي الموت) لإصدار أحكام الإعدام (ضد أفراد المعارضة)… إن هدف ذلك هو تبرئة مجتبى من الفساد، ضمن استراتيجية صنع بطل المستقبل في معركة “المصارعين المعممين”، باعتبار أنه ليس هناك منقذ للعمامة إلا شخص اسمه مجتبى خامنئي.
يعرف مجتبى جيداً أن “الوصول إلى السلطة بشعار مكافحة الفساد” لا يزال يحظى بمشترين كُثُر. وهذه المرة يتم الدخول إلى هذه المواجهة ببطاقة عباس باليزدار. إن فتح المزيد من ملفات الفساد الممنهج في أروقة النظام الرئيسية، وإعادة قراءة قضايا الفساد، والتذكير بالفساد الواسع النطاق لشخصيات محسوبة على علي خامنئي والمعينة في أعلى مؤسسات النظام، جعل في واقع الأمر خطوة “بناء الثقة” تتجه إلى الوراء. وبالطبع، فمن خلال رش الملح على جراح الناس الغارقين في الفقر بسبب هذا الفساد الممنهج، يصوّرون الوضع بطريقة تجعل المجتمع يصرخ من أجل ولادة “منقذ”. لذا مَن هو الأفضل من “ولي العهد الشاب” لمواجهة والده مباشرة.
هناك عدد غير قليل من قادة العالم الذين وصلوا إلى السلطة بهذه الاستراتيجية وركبوا موجة مكافحة الفساد في المجتمع ولم يحققوا شيء باستثناء استمرار الفساد أو حتى تفاقمه.
ويعد “بولسونارو” أحد الأمثلة المعاصرة لشخصية وصلت إلى رئاسة البرازيل عام 2018 برسالة محاربة الفساد وشعار تنظيف السلطة من الفاسدين، لكن مع اتهامات وُجِّهت لعائلته وحلفائه ودون تحسين مرتبة البرازيل في موضوع مكافحة الفساد.
المثال الآخر هو “ناريندرا مودي” رئيس وزراء الهند الأسبق، الذي تولى السلطة تحت شعار “لن آخذ رشاوى، ولن أسمح للآخرين بأخذ رشاوى”، لكن الفساد كان على أعلى المستويات في الهند، وتحول في النهاية إلى تفضيل الشركات الاقتصادية المتورطة في الفساد.
“فلاديمير زيلينسكي”، الممثل الكوميدي الأوكراني الذي تولى السلطة من خلال الوعد بمحاربة الفساد وإنهاء نفوذ القلة في أوكرانيا، هو مثال آخر، حيث تمكن من بناء جسر للوصول إلى السلطة بناء على تعب الناس من الفساد. ومع ذلك، فإن مكافحة الفساد الهيكلي تتطلب إصلاحات قانونية وسياسية ومؤسسية شاملة بدلاً من إطلاق الشعارات، وهو أمر كان صعبا تحقيقه على أرض الواقع.
● تمهيد الطريق لخلافة مجتبى
باليزدار، ولفضحه فساد المسؤولين وبقائه في السجن لسنوات عديدة، روى في المقابلة حالات فساد عدد من آيات الله (رجال الدين الفقهاء). وباستثناء “كاظم صديقي” (إمام صلاة الجمعة في طهران)، فإن بقية آيات الله الذين سماهم بالفاسدين ماتوا، وربما تصريحاته لم تكن تكلفه شيئا.
يقول في هذه المقابلة: “يقولون لنا تتحدثون وكأن الفساد أصبح نظاما عاما، لكنني أقول إنه أسوأ من هذا. للأسف بلادنا غارقة في الفساد ونحن نعاني من الفساد. هناك فساد في كل مكان في البلاد. ولا يوجد مكان في البلاد لا يوجد فيه فساد”.
وفي إثبات ادعائه أشار إلى قضايا فساد عدد من آيات الله، من ذلك:
– قضية “محمد يزدي”، الرئيس السابق للسلطة القضائية، والتي كانت وفيرة لدرجة أنها وصلت إلى مستوى طاولة الطعام. ومن قضاياه الاستيلاء على حوالي 3000 هكتار من أراضي الغابات شمال محلّة الخليل التابعة لعباس آباد في مدينة بِهْشهر. وقضيته الأخرى متعلقة بإطارات ماركة “دِنا” التي استولى عليها دون أن يدفع ريالا واحدا باسم الخصخصة. والقضية الثالثة متعلقة بملف منزله الشخصي، حيث أرسل رسالة إلى رئيس القضاء في محافظة هرمزغان ذاكر أحمدي، وأمره بتحويل مليار تومان في حسابه، فقام أحمدي بالإستيلاء على سفن الصيد المملوكة للناس وبيعها وتحويل أموالها في حساب يزدي. مثل هذا الشخص كان رئيس سلطتنا القضائية.
– منجم ذهب “مُوتَه” في أصفهان وعدة مناجم أخرى كانت مملوكة لعائلة “هاشمي شاهرودي”، الرئيس السابق للسلطة القضائية.
– منجم “دهبيد فارس”، الذي يحتوي على أحد أفضل الأحجار في العالم، استحوذ عليه آية الله “إمامي كاشاني” (إمام سابق لصلاة الجمعة في طهران) وعندما نقلنا الخبر إلى وسائل الإعلام، أنشأ جمعية خيرية لإعادة التأهيل وخصص المنجم لهذه المؤسسة.
– استيلاء “كاظم صديقي” على الأراضي لم يكن ليتم دون التنسيق مع باليزدار. أعرف الأشخاص الذين هم حوله، لم تكن لديهم الشجاعة للقيام بذلك بمفردهم.
– “سعيد مرتضوي” (المعروف بقاضي الموت) كان من الأشخاص الذين يردد باستمرار إنني مهما فعلت، فإنا أحصل على إذن من “الشخص الأول في البلاد”.
– قضية “غلام علي حداد عادل” (رئيس البرلمان الإيراني سابقا، وابنته هي زوجة مجتبى خامنئي) تتعلق بأرض في “دماوند” تملكها أخته وزوجها.
– “داوود أحمدي نجاد” (شقيق الرئيس محمود أحمدي نجاد) كان يقول: “محمود أخي بالدم، فلا تظنوا أنه أخي غير الشقيق. لكن من وجهة نظري فإن محمود ليس له دين، هو لا ديني. وكأنك لا تفهم ما أقول؟ أنا أقول أن محمود لا دين له، هو كافر. هل تعتقد أنني أقول هذا؟ أقول هذا من أعماق قلبي”.
باليزدار ذكر في المقابلة أنه أرسل ملخصاً بـ 180 صفحة من أصل 54 ألف صفحة من الوثائق وتقارير الفساد إلى مرشد الثورة، وأعطى نسخة لرؤساء القوى الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، لكن لم يحدث شيء يذكر، وقال: “مجتبى خامنئي لديه القدرة على كسر رقاب المفسدين الاقتصاديين”. بالطبع لا يوضح باليزدار أنه إذا كانت لدي مجتبى مثل هذه القدرة، فلماذا لم يتعامل مع فساد عائلة زوجته، أي مع فساد حداد عادل، الذي ورد اسمه كأحد الفاسدين الاقتصاديين في هذا التقرير.
باليزدار، الذي حدد مهمته بوضوح في هذه المقابلة بأنها “تمهيد الطريق لمجتبى خامنئي وتعزيز موقعه”، يهاجم ضمنيًا المرشد باعتبار أن الأفراد المعينين من قِبله كانوا فاسدين، ويحاول أن يسرد رواية طويلة عن حياة مجتبى كخليفة لوالده، يقول عن ذلك: “خلال الثورة كانت هناك ظروف ساهمت للأسف في تعزيز وجود الفاسدين في مواقع في النظام، وربما لم يكن من الممكن للمرشد الأعلى أن يواجههم لا في الماضي ولا في الحاضر. لكنني أعتقد أن السيد مجتبى لديه الروح اللازمة لمحاربة الفساد بجدية. وهنا لا ينبغي توبيخ متلقي الفساد فحسب، بل ينبغي أيضا توبيخ من يقف وراء الفساد ومعاملتهم بجدية وإبعادهم عن المجال السياسي وعن موقع الحكم”.
يقول أيضا: “ليس لدينا من هو أعلى منه (من مجتبى) يستطيع أن يشرف على القضايا التنفيذية وعلى أحوال البلاد. يمكنه أن يلعب دوراً فعالاً في مستقبل البلاد. لديه القدرة على كسر رقاب الفاسدين الاقتصاديين”.
وفي نهاية اللقاء يروج باليزدار لنفسه ويقول: “إذا تم تعييني مفتشاً خاصاً لرئيس البلاد، فبالتأكيد لن أسمح للوزارات بالتدخل. مثل السيد خلخالي (المعمم المعروف بالقصّاب في أوائل عمر الثورة الإسلامية)، إذا ذكر اسمي، فإنهم – أي الفاسدون – سوف يتسترون تلقائيًا، لأنهم يعرفون أن باليزدار ليس رجل أعمال ولا غير متعلم وأجوف. عند وصولي للمنصب سيتم إغلاق بعض قضايا الفساد، وجزء منه سيتم منعه بالبرامج الموجودة لدينا. وبطبيعة الحال، يجب إعطاء الذكاء الاصطناعي المعلومات”.
● مجتبى خامنئي كما يرويه باليزدار
في المقابلة المفصلة، يقدم باليزدار نجل المرشد كشخص لديه القدرة على كسر رقاب الفاسدين، ويقول: “قضيت فترة من الوقت في جبهة الدفاع المقدس (جبهة الحرب العراقية الإيرانية) مع السيد مجتبي خامنئي. هناك أطلقوا عليه اسم سيد مجتبي حسيني، بعد ما أصر على عدم ذكر اسم خامنئي في اسمه. لقد خدمت في تلك الكتيبة لمدة 10 أشهر تقريبا وكنت مع السيد مجتبي. كان من الأشخاص الذين تواجدوا في جبهة الحرب لفترة طويلة. ولكي لا أكون مخطئا، عندما توفي جده وذهب إلى طهران، أراد العودة مجددا إلى الجبهة، ولكن والده رفض ذلك، فيما والدته كانت منزعجة، فبقي في طهران للدراسة. وبما أن مجتبي أراد العودة إلى الجبهة، قررنا مع بعض الأصدقاء الذهاب إلى طهران للحصول على موافقة والده لعودة مجتبي إلى جبهة الحرب، لكن الأصدقاء لم يتمكنوا من إقناع والده.
عندما كان مجتبي يدرس في مدرسة السيد جوادي آمُلي (أحد مراجع الدين) في قم، استمر الإتصال بيننا. وبسبب هذه العلاقة النسبية التي نشأت معه منذ الماضي، ومع وصول حداد عادل إلى البرلمان، عملنا على تحفيز بعض أعضاء البرلمان لمحاربة الفساد بشكل جدي، حيث أعددت اقتراحا بإنشاء لجنة برلمانية لمحاربة الفساد وتمت الموافقة عليها”.
يعتبر باليزدار أن إعلان مجتبى وقف درسه الديني مرتبط بمناقشة موضوع خلافته لوالده. ويعتقد أن الأشخاص المتعاطفين مع النظام هم الذين أرادوا وقف هذا الدرس. ويرى أن مجتبى خيار جدي كبديل لوالده لقيادة النظام، ويقول حول ذلك: “يجب أن يكون مجتبى منفتحا على قضايا أخرى إلى جانب مكافحة الفساد مثل الحريات الاجتماعية وإطلاق سراح النشطاء السياسيين من السجون و…”.
قدم باليزدار مجتبي كحامل لواء حرية الإعلام، وقال: “نأمل في ظل وجود السيد مجتبي على رأس القيادة في إيران، أن يتحقق هذا الحدث (الكشف عن الفساد الاقتصادي من قبل وسائل الإعلام) وأن تقوم وسائل الإعلام بعمل حقيقي وصحيح. وبحسب معرفتي بمجتبى، أتمنى أن يتحقق هذا الحدث وأن تتحقق بحضوره الإصلاحات الأساسية”. وأضاف: “آمل أن تصبح الحرب ضد الفساد جدية. وأنا مستعد للانضمام إليه في مكافحة الفساد كمفتش خاص. وعلى حد تعبير أحد أصدقائي، دعونا نصبح «ميتي كومان» الخاص بمجتبى للتعامل بجدية مع جمع قضايا الفساد. نأمل أن يحدث هذا قريبا”.
● تهيئة الساحة الإعلامية لخلافة مجتبى
يبدو أن مقابلة باليزدار هي من أخطر الأنشطة التي تديرها العصابة التي تعمل من أجل أن يصبح مجتبى خامنئي المرشد القادم. فمن ناحية، تحاول هذه العصابة تقديم مجتبى كبطل في الحرب ضد الفساد، ومن ناحية أخرى، تروج له كشخصية روحية.
وكانت وكالة أنباء “تسنيم” التابعة للحرس الثوري كتبت، في 1 أكتوبر، عن سبب إغلاق درس مجتبى: “حظي تعليق درس آية الله السيد مجتبى خامنئي باهتمام كبير ونقاش وتحليل، ولكن ما يمكن أن يكون السبب الحقيقي لقراره هو قدوته وفق سيرة علماء السلف. ففي بعض الأحيان، عندما كان علماء الأخلاق يرون أن درسهم ناجح، كانوا يغلقون ذلك الدرس من أجل تثقيف أنفسهم، إلا إذا وجدوا سببًا يخالف حذرهم الأخلاقي”.
مجتبى خامنئي، الذي كان منخرطا بشكل مباشر في كافة شؤون البلاد منذ الانتخابات الرئاسية عام 2004، بشهادة “مهدي كروبي”، يقدمه جهاز دعاية النظام الآن كشخصية قادرة على محاربة الفساد، بينما كان لديه في العقدين الماضيين ما يكفي من القوة لكسر المقاومين الفاسدين، ولم يقتصر الأمر على عدم اتخاذ خطوات بناءة في هذا الشأن، بل كان يُذكر دائمًا على أنه كان من وراء الكواليس الداعم للفساد السياسي والأمني وانه يقف خلف القمع المنظم في البلاد.
وفي الوقت نفسه، فإن ما يمكن فهمه من مقابلة باليزدار والأنشطة الإعلامية الأخرى للجهاز الدعائي المحيط بمجتبى خامنئي وبموضوع خلافته لوالده، هو أنه بعد الإقصاء الجسدي لمنافسي مجتبى، بدءا من “أكبر هاشمي رفسنجاني” إلى “إبراهيم رئيسي”، حان الوقت لمواجهة علي خامنئي شخصياً. ويبدو أن الحديث عن الخلافة دخل مرحلة جديدة، وسنشهد هزات أكثر في الأيام والأشهر المقبلة.