للشيخ محمد عبده (1849- 1905) في مجال الثقافة والفنون بيان أشبه بالفتوى، يبيح فيه التصوير (الرسم) والنحت ذكره في مقال كبير ورد عن رحلته إلى صقلية. ذلك أنه لم يرَ في التماثيل والمنحوتات واللوحات والصور.. التي كان يراها في رحلاته المختلفة في البلدان الأوروبية، ضرراً أو ضيراً. وقد أنكر أن يكون للتمثال أو للصورة تأثير سلبي في الدين وعند المتديِّن. يقول الشيخ محمد عبده في ذلك ما نصه:
((ربما تُعرض لك مسألة عند قراءة هذا الكلام، وهي ما حُكم الصُّور في الشريعة الإسلامية،إذا كان القصد منها ما ذُكر من تصوير هيئات البشر في انفعالاتهم النفسية أو أوضاعهم الجسمانية، فهل هذا حرام؟ أو جائز؟ أو مندوب؟ أو واجب؟ فأقول لك: إن الراسم قد رَسم، والفائدة محقّقة لا نزاع فيها، ومعنى العبادة وتعظيم التمثال أو الصورة قد مُحي من الأذهان، فإما أن تفهم الحكم من نفسك بعد ظهور الواقعة، وإما أن ترفع سؤالاً إلى المفتي وهو يجيبك مشافهة، فإذا أوردت عليه حديث إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصوّرون أو ما في معناه مما ورد في الصحيح، فالذي يغلب على ظني أنه سيقول لك إن الحديث جاء في أيام الوثنية، وكانت الصُّور تتخذ في ذلك العهد لسببين، الأول: اللهو، والثاني: التبرُّك بمثال من ترسم صورته من الصالحين، والأول مما يبغضه الدين، والثاني مما جاء الإسلام لمحوه (…) فإذا زال هذان العارضان وقصدت الفائدة، كان تصوير الأشخاص بمنزلة تصوير النبات والشجر في المصنوعات (…) وبالجملة؛ إنه يغلب على ظني أن الشريعة الإسلامية أبعد من أن تحرِّم وسيلة من أفضل وسائل العلم، بعد تحقيق أنه لا خطر فيها على الدين، لا من جهة العقيدة ولا من جهة العمل)).
من المعلوم أن أغلب الفقهاء المسلمين تعاملوا مع نصوص الحديث النبوي التي حرَّمت النحت والرسم والتصوير لكل ما فيه روح من الحيوان والإنسان، تعاملاً حرفياً بعيداً عن الاحتكام للقصد بدلالته مع الواقع وتحولاته.
ولكن الشيخ محمد عبده أجاز كل تصوير/رسم أو نحت/حفر وصناعة التماثيل وما إلى ذلك مما كان يُظن أنه محرّم في الإسلام، فكأن تغييب العقل والجهل، وعدم الوعي الكافي من لدن الفقهاء والمؤسسات الدينية.. وراء تلك النظرة السلبية إزاء الفن طيلة قرون.
لقد سوّغ الشيخ عبده الرسم والنحت في خطوة، وفي خطوة أخرى أثبت أن الدين يرضى بهما ويوافق عليهما، وفي خطوة ثالثة نادى بضرورتهما إذ هما كما قال: ((وسيلة من أفضل وسائل العلم)).
ثم هناك القيمة النفعية أيضاً للرسم والنحت، تتمثل في أن الفن يسجّل المآثر، ويحفظ من الضياع والنسيان والفَقْد، وذلك ما عدا كونه أداة تربّي/ تهذّب الذوق وتصقل الحواس. وأما الحديث النبوي الذي ظن البعض أنه يحرِّم الفن، فهو كالتدابير الاحترازية، فضلاً عن كونه حالة تاريخية/ظرفية.
إن تفسير الشيخ محمد عبده للحديث النبوي طوّعته العقلانية، والنظرة التجديدية إلى النص والواقع. إن الرسام/المصور/النحات.. في هذه العقلانية – كما صوَّرها عبده – فنان مبدع له علينا واجب الشكر والتقدير، إذ لا بد من ((الشكر لصاحب الصنعة على الإبداع فيها))، وليس هو من أولئك الذين هم ((أشد الناس عذاباً يوم القيامة)).
ayemh@yahoo.com
* كاتب كويتي
متى يشكر الدين المبدع؟ خرافة الجهلاء في نظرية التحريم الوهمي . نشرب بلهفة نحن من رحيق الحضارة الغربية كحولها الفكرية ونسكر لساعات بدون تفكير, لماذا؟ ونكرر كل يوم هدى , من أنهارها ومأكولاتها نستمتع ونصبح ذات كروش وخلفية ضخمة ونرفض الاتهام بأننا تتبعين للغرب روحا وجسدا , في أوديتهم و كمالياتهم نسبح ونفتخر بها وكأنها من عصير عقولنا ,حتى من سيولهم التي معها تجرف كل شيء جميل و أنساني ورقيق في الشرق, كان بالأمس مختبئ عن الأنظار –العولمة- اليوم يندثر ” الحب ” , اليوم نستقبل كل آفات المجتمع الغربي من خلال نقل كل ما هو سيء إلى الشرق العربي,… قراءة المزيد ..
متى يشكر الدين المبدع؟
نحن بحاجة إلى تجاوز الفكر الديني الإسلامي أولاً حتى نستطيع فهم ما يقدمه الفنان والمبدع لنا من جمال