ردود مختلفة توالت حتى اللحظة تعقيباً على مقالي الأخير (البدون مواطنون بلا وطن)..:
“نحن لدينا هوية وطنية وإن لم نحمل الجنسية”
“ولاؤنا وانتماؤنا للبلد الذي عشنا وتربينا فيه، ننتظر منه أن يعترف بنا وبوجودنا”
“ليس لي الحق في التعليم أو العمل أو الزواج أو السفر أو إصدار شهادة وفاة، أنا بدون بكل ما تحمله الكلمة من معنى”.
“أعيش في لندن وأعمل بمهنة التدريس في واحدة من جامعاتها، كنت بدوناً وأصبحت بريطاني الجنسية”.
“أنا بدون إذاً أنا غير موجود..”
لا أود التركيز الآن على البدون فقط كعنصر من العناصر التي تحيا على أرض البلد أو ما نسميه الوطن. اليوم أبحث عن تعريف الوطن ككل.. دفعتني ردود القراء والقارئات لمحاولة التعرف على المعنى العصري للمواطنة.
ما درسناه وتعلمناه عن الوطن مرتبط بالحياة والموت والذود بالدماء.. الوطن هو شيء ننتحر لأجله. حتى أناشيدنا الوطنية لا تنطوي على نداءات للتنمية الفكرية وآمال بالعدالة الاجتماعية والسياسية، قدر ما تتضمن دعوات لدخول ساحة الأبطال وإثبات الرجولة وإبراز العضلات والتأكيد على حب الأوطان بتقديم الأجساد هبات وأضحيات. لم يرتبط الوطن بمخيلتنا الثقافية وتنشئتنا الدارجة بمكان يشع بالعطاء والدفء. لذا فطبيعي أن تصير مسألة حب الوطن قيمة ثقافية، عادة متوارثة، خدمة إنسانية أو مطلباً رسمياً، لكنها ليست حباً جليلاً إلا فيما ندر. الحب الكامل هو حب متبادل، وفي علاقاتنا كمواطنين بأوطاننا النامية فليست المواطنة متبادلة، هو حب من طرف واحد. طرف المواطن فقط..
هل تشعر أوطاننا بمواطنة نحونا؟ هل تشعر أن مجموعاتنا الإنسانية تشكل حدود وطن لها؟ هل تخلص لنا أم يمكن أن يخون الوطن ويتنكر لأبنائه؟
وهل ولاؤنا للأوطان شرط لحدوث العكس؟
سواء كان الشخص بدوناً أو بهوية أو مقيماً، السؤال المطروح هو متى يعتبر البلد وطناً والإنسان مواطناً كاملاً؟ هل تمنحه الأوراق تلك الصفة العصية؟
أكثر الردود التي أتتني من فئات (البدون) تصر على امتلاكها للمواطنة وإن لم يعترف بها الحبر والورق. ما معنى أن يحيا إنسان دون تعليم وعمل وزواج ويحرم من اجتياز الحدود ونقاط العبور ويستمر ذات الإنسان بمحبة المكان والتأكيد على ولاء لا ينتهي لوطن لا يعترف به ؟ ما معنى أن يهاجر ويجد بدائل عديدة، ويبقى ولاؤه لوطن لم يمنحه اسمه.
العدالة تقول أن هذا الفرد هو الذي يحمل الولاء الكامل. هذا الفرد مواطن من الدرجة الأولى.
لكن بعض الأوطان تأخذ الكثير ولا تعطي سوى القليل، تتركك ترحل دون أن تذرف عليك الدموع، وبعضها يجذبك كالسحر. يناديك ليكون وطنك وأنت بالكاد تعرفه منذ بضع سنوات.
فأيهما يشكل الوطن..
هل الوطن بقعة جغرافية رسم تفاصيل معظم حدودها استعمار قديم؟ قال لنا قبل أن يرحل: هذا وطنك، وذاك وطنك. هل من الوطنية أن يكون ولاؤنا لحدود صنعها استعمار.
هل الوطن هو المكان الذي احتضن أسلافي أم المكان الذي يحتضنني أنا؟
ومتى يولد الوطن في داخلنا ومن تلده؟
البعض عرف المواطنة بأنها تشمل النسب لبقعة جغرافية معينة والشعور بالتعلق بها والانتماء إلى تراثها التاريخي وعاداتها ولغتها. وتعرف أيضاً على أنها علاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة بما يتضمنه من حقوق وواجبات. وتدل المواطنة في القانون الدولي على الجنسية سواء أصلية أم مكتسبة. لكن البعض الآخر يرى أن مقومات الوطن التقليدية اختلفت. ما عادت جغرافيا وعوامل تاريخية مشتركة، إن العولمة بنظرهم تجعل من فكرة الوطن مصالح وتكتلات اقتصادية. ويؤمن الكثيرون بأن الإنسان أصبح مواطن عالمي غير محدود، مواطنته للإنسانية قبل الجغرافيا واللغة.
إذا لفظتنا الأرض التي ننتمي إليها تاريخياً ولغوياً وثقافياً، وحالفنا الحظ فوجدنا أرضاً أخرى استوعبت آمالنا وعالجت آلامنا، أناس آخرين أحبونا أكثر، فرص عمل، فرص علم، فرص حب.. فهل تستبدل الأوطان..
وهل للمكان الذي ساهم في نهوضنا حق الولاء والإخلاص علينا؟ هل تبقى أرواحنا في وطننا الأصلي وتتحرك أجسادنا فقط؟ أم أن الروح المعاصرة يمكنها أن تتخذ من الأرض كلها وطن؟
خرج القادرون من البدون إلى انجلترا وفرنسا وغيرها، عاشوا وعملوا في الجامعات وحصلوا على جنسيات أوروبية تحلم بها ملايين عربية. عجزوا عن تحقيق الانتماء الرسمي في وطن متأخر لكنهم تحولوا لأدوار فاعلة في الغرب المتحضر. أيستمر المواطن الأوروبي الجديد باعتبار نفسه بدوناً أو غير موجود.. وإذا كان كذلك فهل يرجع السبب لحبه لتلك البلد الخليجية التي شهدت مولده أم لعقدة الرغبة بالاعتراف بوجوده في بيئة شعر أنها تطرده يوماً..
في المقابل هل يمكن أن تجتمع الجنسية وجواز السفر مع شعور بعدم الوجود أو الانتماء؟
ليس الأمر منحصر على البدون، فحتى حملة الجنسيات وجوازات السفر الرسمية، حين لا يجدون بيئة خصبة لنمو طموحاتهم داخل مواطنهم الأصلية.. يرحلون ويستوطنون بلدان جديدة.. جميعهم يقولون أن الوطن الأصلي يسكنهم، خجلون من إظهار عشق كبير سكن قلوبهم هو عشق وطن جديد بادلهم السلام. لم يبخل. لم يشح. منحهم اسمه ورمزه. واستمع لأحلامهم بآذان صاغية..
المواطنة حق وواجب، أهم مقومات الوطن العدالة الاجتماعية. وشعور الفرد أنه من البدون المضطهدة أو من الأقليات أو مواطن من درجة ثانية أو ثالثة، يفقد المكان أهم صفات الوطن.
لماذا يهاجر أهل الخليج هجرات جماعية مؤقتة كل صيف. لماذا يصر العديد من الإخوة المصريين على أنهم فراعنة وليسوا عرباً أو مصريين؟ لماذا يحلم المغاربي بالهجرة إلى فرنسا؟
لماذا يدعنا الوطن نرحل؟
Albdairnadine@hotmail.com
* كاتبة من السعودية
متى يحاكم الوطن؟
بعد التحية،
ليس ثمة أروع من ركوب صهوة الجياد الأصيلة..عفوا الأقلام ذات المنبع الحبري لذيذ المذاق..وليس ثمة أفضل من التمسك بالقلم لمعانقة لذائذ لا مثيل لها..ولطعم لا وجود لألذ منه..هذه عبارات لا أريد لها إلا أن تكون خلاصة للتعبير عن إعجابي وعميق إنشدادي بكل كلمة وردت بمقالك لهذا اليوم..ونظرا لعدم توفري على وقت فراغ حاليا سأعود للرد بكثير من التفاصيل عن هذا المقال..
فشكرا لك على هذه المحاولة الهادفة والعبارات الجادة في نسج مقاك هذا..ولي عودة إن شاء الله..لكن قبل محاكمة أي وطن..
مع تحياتي..
الصحفي:كيمو..من تونس..
متى يحاكم الوطن؟
يا بنتي يا نادين:لا تتعبي حالك,كلها كم سنة ويصبح الجميع بلا وطن بل مسجلون في قوائم شركات تدير الكرة الارضية لها مجلس ادارة واحد واصحاب أما الباقون فهم عمال من المهد الى اللحد ولقد سمعتها من احدهم في احد الفضائيات كالتي يسمونها (الحرة).هل هي حرة يا نادين؟إنها بداية وطن.