في مقالات سابقة، عمل هيرش كقناة للذين يدافعون عن التعاون الاستخباراتي بين الولايات المتحدة وسوريا
نشرت الزميلة “دايلي ستار” في بيروت أمس مقالاً للصحافي مايكل يونغ رد فيه على ما أورده الصحافي الأميركي سايمور هيرش، في مقاله الأخير الآتي ترجمة لمقال يونغ:
باتت عادة ان يستقبل كل ما يكتبه الصحافي سايمور هيرش بوقار. لكن بعد زعمه المضحك الصيف الماضي ان حرب إسرائيل في لبنان كانت اختباراً لقصف أميركي على إيران ـ وهو اتهام تزعزع بفعل روايات ما بعد الحرب التي اظهرت الطريقة المشوشة التي تعاملت بها إسرائيل والولايات المتحدة مع النزاع ـ فإن شكوكي ازدادت قوة. وفي مقالته الأخيرة “في نيويوركر” يؤكد هيرش انه نبش المزيد من الوسخ للإدارة الأميركية: الولايات المتحدة متورطة في احتواء إيران بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال “تقوية جماعات سنية متطرفة تعتنق رؤية متطرفة للاسلام ومعادية لأميركا ومتعاطفة مع القاعدة”.
الوجوه البلاغية الواسعة التي يستخدمها هيرش في نقاشاته صحيحة. الولايات المتحدة تخلت عن مقاربة المحافظين الجدد تجاه الشرق الأوسط (التي يشمئز هيرش منها كثيراً) للعودة إلى سياسة “الواقعية” المستندة إلى توازن القوى. وبما يشبه كثيراً ما فعلت الولايات المتحدة في الثمانينات من القرن الماضي عندما دعمت العراق في حربه على إيران فإن إدارة بوش اليوم تستخدم السنّة ضد الشيعة (مع انها في العراق تستخدم بشكل رئيسي الشيعة ضد السنّة). هذه السياسة خطرة ـ العبث مع الطائفية يمكن ان يرتد عكساً في النهاية ـ لكن المشكلة مع هيرش هي انه يعرض القليل من الدليل القوي على العديد من تأكيداته الخلافية.
وفي الحقيقة ان نقاشه المتعلق بلبنان تحديداً واتهامه العريض للإدارة بأنها منخرطة في نشاطات سرية من دون موافقة تشريعية مناسبة، غير موثق أو متحيز. لقد نشرت “نيويوركر” قطعة رديئة التركيب، متحيزة في الغالب، ومنساقة كلياً تقريباً بمصادر هيرش (معظم المصادر الأكثر أهمية غير مسماة) باستثناء تأكيده المستقل للتفاصيل.
لنبدأ مع لبنان حيث الجهد الأميركي والسعودي لمواجهة إيران وحلفائها في زخمه الكامل. اليوم، الولايات المتحدة والمملكة، بل وأيضاً معظم المجتمع الدولي والعالم الإسلامي، يدعمون حكومة رئيس الوزراء فؤاد السنيورة، التي تواجه منذ ثلاثة شهور تحدياً جدياً لسلطتها من حزب الله المدعوم إيرانياً وسورياً.
ونعلم من هيرش، انه وفي إطار هذا الصراع ضد حزب الله فإن “ممثلين عن الحكومة اللبنانية” قدموا أسلحة وأموالاً لجماعة فلسطينية سنية متطرفة تدعى فتح ـ الاسلام التي يُزعم انها انشقت عن جماعة مدعومة سورياً هي فتح ـ الانتفاضة قبل الانتقال إلى شمال لبنان. وكانت فتح ـ الانتفاضة قد انشأها النظام السوري مطلع الثمانينات من القرن الماضي لمعارضة ياسر عرفات. ويشير هيرش ايضاً إلى ان “الأكبر بين الجماعات السنّية، عصبة الأنصار، الموجودة في مخيم عين الحلوة الفلسطيني في صيدا، جنوب لبنان، قد “تلقت أسلحة وامدادات من قوى الأمن الداخلي اللبنانية ومن ميليشيا مرتبطة بحكومة السنيورة”.
ما هو دليل هيرش على هذه التصريحات غير العادية؟ وأي ميليشيا يتحدث عنها”؟
في الازمة اللبنانية المستمرة، استخدم حزب الله هذه العبارة لوصف مؤيدي الحكومة من دون ان يثبت أبداً ان مثل هذه الميليشيا موجودة. وقصة فتح ـ الاسلام مسنودة بالكامل إلى اقتباس عن اليستير كرووك، وهي عميلة سابقة لـ”ام ـ 16″ التي، نعلم، “انها أبلغت بأن الأسلحة عُرضت على الجماعة للتجرؤ على تحدي حزب الله”. اما المقطع المتعلق بعصبة الأنصار فلم يسند إلى مصدر حتى.
قصة فتح ـ الاسلام منوّرة، لانها تظهر عيباً متكرراً في تقارير هيرش، وتحديداً شلله التحقيقي عندما يتعلق الأمر بسوريا. في مقالات سابقة، عمل هيرش كقناة للذين يدافعون عن التعاون الاستخباراتي بين الولايات المتحدة وسوريا في مرحلة ما بعد 11 أيلول، ويتباكون على العزلة اللاحقة التي فرضتها إدارة بوش على دمشق قبل غزو العراق وبعده. معظم المحللين اللبنانيين يعتقدون ان فتح ـ الاسلام، الأبعد ما تكون عن إمكان مساعدتها من قبل الحكومة اللبنانية، هي في الحقيقة غرسة سورية نقلت إلى لبنان لاستخدامها من قبل نظام الأسد في زعزعة البلد والحؤول دون التبني الرسمي من قبل حكومة السنيورة للمحكمة المعنية بمحاكمة المشتبه فيهم في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في شباط 2005. سوريا هي المشتبه فيه الأول في الجريمة.
لا يذكر هيرش بتاتاً خبرين كانا في طول وسائل إعلام بيروت وعرضها: ان السلطات اللبنانية اعتقلت عدداً من أعضاء الجماعة، وان أجهزة الأمن اللبنانية والفلسطينية تعاونت في مواجهة فتح ـ الاسلام في مخيمي اللاجئين الفلسطينيين في الشمال، نهر البارد والبداوي. وقد انتقدت القيادة الفلسطينية السائدة دخول مثل هذه الجماعات إلى البلد خشية ان يؤدي ذلك إلى اثارة توتر بين الفلسطينيين والدولة اللبنانية. ويقال ان زعيم فتح ـ الاسلام، أبو خالد العملة، قيد الاعتقال في منزله في دمشق، لكن بالنسبة لعدد من المحللين اللبنانيين الذين يتابعون الشؤون الفلسطينية عن كثب، يعتبرون هذه الرواية (اعتقال العملة) كاذبة هدفها فقط توفير حجة نفي معقولة لسوريا.
وبالنسبة لزعم هيرش حول عصبة الأنصار، فإن القليل جداً قد يقال حول صعوبة معرفة من أين يمكن البدء بالتفنيد. تاريخ عصبة الأنصار معقد، لكن الجماعة كانت، كما يشير الباحث الفرنسي برنار روجيه في كتابه على نشوء الاسلام المتطرف في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان “الجماعة المسلحة الأولى التي تعلن توجهاً سلفياً اسلامياً في عين الحلوة”.
يتعثر هيرش جراء نقص معرفته بالعلاقات اللبنانية ـ الفلسطينية. أولاً ليس واضحاً بمن يقارن عصبة الأنصار عندما يصفها بأنها الجماعة الاسلامية السنّية “الأكبر”. واستناداً إلى مصادر فلسطينية، فإن الجماعة تضم ما لا يزيد عن 70 ـ 80 رجلاً. وإذا كانت الحكومة اللبنانية، والسنّة تحديداً، ليتعاونوا مع أحد في المخيمات فإن ذلك سيكون مع المنظمات الفلسطينية الرئيسية، وتحديداً حركة فتح التابعة لسلطة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، التي هي أقوى عسكرياً وتمثل أشخاصاً أكثر بكثير من عصبة الأنصار.
ثانياً، ان الحكومة اللبنانية، في تعاملاتها مع الفلسطينيين، تميل إلى العمل من خلال الأطراف الفلسطينية الرئيسية نظراً إلى ان المخيمات ذات مناطق لها استقلال ذاتي بدرجة كبيرة. قد يختلف ذلك بين منطقة ومنطقة، لكن فكرة ان تقوم قوى الأمن الداخلي اللبنانية بشكل مباشر بتسليح عصبة الأنصار، التي هي على عداء مع فتح، لا صدقية لها. لا يمكن ان يفسد اللبنانيون علاقتهم بفتح بسبب عصبة الأنصار، كما لا يمكن إطلاقاً تصديق ان عصبة الأنصار قادرة أو “يمكن ان تتحدى حزب الله” الذي كانت الجماعة قريبة منه منتصف الثمانينات من القرن الماضي، قبل ان تبتعد عن إيران باتجاه السلفية الاسلامية. لا يقدم هيرش اثباتاً على ما يقول، الأسوأ، ان ما من مكان أعطي القراء إطاراً أوسع من شأنه تأكيد كم هي جدالاته ضعيفة.
آثام هيرش هي في انه يحاول بجهد كبير ان يربط إدارة بوش مع معظم الجماعات المتطرفة. في الحقيقة، صحيح ان الحكومة اللبنانية متحالفة مع إسلاميين سنّة، أبرزهم الجماعة الإسلامية، الفرع اللبناني للاخوان المسلمين. ويمكن فعلاً ان تكون قد سمحت بـ”بعض العون”، كما يكتب هيرش، الذي انتهى في أيدي جماعات إسلامية سنّية “ناشئة” مع ان هذه لغة غير دقيقة للغاية. الواقع هو انه في وسط الاستقطاب الطائفي في لبنان اليوم، وقف معظم السنّة إلى جانب الحكومة ضد حزب الله الشيعي. الجماعة قريبة من السعودية، وفي العام 2005 تدخل السعوديون قبل الانتخابات البرلمانية التي أعقبت الانسحاب السوري بهدف ضمان الا تصوت الجماعة في شمال لبنان ضد مرشحين مدعومين من سعد الحريري، الزعيم السنّي الأقوى في لبنان والذي يتمتع بدعم أميركي وسعودي.
“الجماعة لا تشبه عصبة الأنصار أو فتح ـ الاسلام بأي شيء: لقد انخرطت في الدولة وكان لديها أعضاء في البرلمان.
من دون شك، لديها وجهات نظر تجاه إسرائيل والغرب قد لا تستطيبها إدارة بوش، لكن كذلك هم رجال الدين السعوديون والأردنيون والمصريون. فهل ان هيرش يقترح ان تقطع الولايات المتحدة علاقاتها بالرياض وعمان والقاهرة؟
ما يجري اليوم هي سياسات قوة في أقصى عناصرها الرئيسية. وبينما يمكن لهيرش ان يعتبر ما يكشفه اخباراً، فإن عليه تقديم حجة أفضل على ان التحول الأميركي إلى سياسة سنّية المحور ضد إيران يقوّي الإسلاميين المتطرّفين. الدليل الذي يقدمه شحيح.
ماذا بشأن اعتقاد هيرش ان إدارة بوش تخفي بشكل غير شرعي بعض وجوه استراتيجيتها الاقليمية المؤيدة للسنّة؟ “العمليات السرية أبقيت سراً، في بعض الحالات، عبر ترك تنفيذ التموين للسعوديين، أو عبر إيجاد طرق أخرى للعمل بالالتفاف على عملية المخصصات في “الكونغرس”. رجل الإدارة المزعوم في هذا المسعى هو نائب الرئيس ديك تشيني.
هذا الكشف جدير بالملاحظة، لكن عندما نأتي إلى الجزء الأخير من نص هيرش الذي يتناول فيه القضايا التي يشرف عليها الكونغرس، نجد القليل من اللحم. من دون شرح تقفز المقالة زمنياً من مقابلة هيرش مع زعيم حزب الله السيد حسن نصرالله إلى الكيفية التي زعزعت فيها قضية ايران ـ كونترا عملية الاشراف. وذلك لأن شخصين من الذين تورطوا في صفقة السلاح مقابل الرهائن، منتصف الثمانينات من القرن السابق، وهما اليوت ابرامز، وهو مسؤول كبير في مجلس الأمن القومي الأميركي، وبندر بن سلطان، السفير السعودي السابق لدى الولايات المتحدة والذي يرأس مجلس الأمن القومي لبلاده، هما لاعبان رئيسيان في التحول تجاه السنّة.
لكن ايرن ـ كونترا كانت في حينها، اما عندما يتعلق الأمر باليوم فكل ما يمكن هيرش اخبارنا اياه هو ان “قضية الاشراف بدأت تأخذ المزيد من الاهتمام من قبل الكونغرس”. هل هذا هو الأمر؟ باستثناء الاقتباس عن مصادر مشككة لم يسمها، فإن هيرش لا ينورنا عن أمثلة محددة لقيام الادارة بخرق القوانين. انه يذكر، وليس للمرة الأولى، ان فرق العمليات العسكرية والخاصة الأميركية “صعّدت نشاطاتها في ايران لجمع المعلومات” ولطرد الايرانيين العاملين في العراق، هذا يتطلب المزيد من التحقيق، لكنه ليس مرتبطاً بشكل مباشر بنقطته الأكثر ازعاجاً حول ان الولايات المتحدة تعمل بشكل ما على تعزيز الإسلاميين السنّة المتطرّفين.
يذهب هيرش إلى تذكيرنا بأن أي إدارة، بهدف الانخراط في نشاطات سرية “يجب أن تصدر نتائج تحقيق مكتوبة وتعلم الكونغرس”. هذا نقاش عادل في حال لم تقم ادارة بوش بذلك. لكن في تلك القضية لماذا لم يذكر هيرش تقريراً لدايلي تلغراف نُشر في كانون الثاني، ويشير إلى ان “أعضاء من مجلس الشيوخ والنواب قد أوجزوا بشأن وثيقة سرية عن نتائج تحقيق رئاسي تجيز. للسي.اي.ايه تقديم دعم مالي ولوجسيتي لرئيس الوزراء فؤاد السنيورة “لمواجهة حزب الله؟ هل فات مدققو الحقائق في نيويوركر ذلك؟ إذا كان بوش راغبا بهذا القدر باخفاء يديه في لبنان وأي مكان آخر، فإن هذه القطعة الاخبارية تشير إلى ان الصورة معقدة أكثر. وإذا كان هيرش لا يتفق مع تليغراف، أما كان يجدر بمحررين الطلب منه ان يورد دفعاً لها في مقاله؟
لكن المحررين، كما اشتبه، ما كانوا ينظرون فعلاً. سايمور هيرش كتب بعض القطع الرائعة في الماضي، لكن قطعته الأخيرة هذه ليست واحدة منها. حججها سيئة، تعرض معرفة مهزوزة بالتفاصيل، ويبدو دافعها الرئيسي هو الكره لادارة بوش، وعندما تكون هناك ارتدادات سياسية خطيرة في الشرق الأوسط من مقالات هيرش المقروءة على نطاق واسع، فإن ما يمكن مساعدته هو ان يعرف أكثر ما يتحدث عنه.
(الترجمة نقلاً عن “المستقبل”، والنص الإنكليزي في الصفحة الإنكليزية)