القراران 1559 و1701 يتكاملان ولا يمكن الالتزام بالثاني
ورفض الأول المتعلّق بالسلاح غير اللبناني أيضاً
في الأيام الأخيرة، توالت المواقف الصادرة عن قياديين في “حزب الله”، والتي تدعو إلى ما يسمّونه “حماية سلاح المقاومة”. بدأ الأمر بموقفٍ لأحد القياديين يقول ما مفادُه “ليس الرئيس أكثر ما يهمّنا بل حماية سلاحنا”. تلاه بعد ذلك قياديّ آخر تساءل عن “العلاقة” بين الاستحقاق الرئاسي والقرار 1559. ثمّ أعلن قياديّون آخرون انّ “المدخل إلى الحلّ في لبنان هو إنهاء القرار 1559″.
إسقاط الـ1559
مطلب إيراني ـ حزب اللهي
تزامن هذا الموقف لـ”حزب الله” مع معلومات تُفيد انّ “المعارضة” ـ أي “حزب الله” تحديداً ـ طرحت عبر الرئيس نبيه بري في إطار “مفاوضات التوافق” التي يجريها مع زعيم “تيار المستقبل” سعد الحريري “التخلّي” عن القرار 1559 في مقابل الالتزام بالقرار 1701. وتفيدُ المعلومات أيضاً انّ إيران طرحت الموضوع نفسه في إطار الاتصالات الإقليمية المواكبة للمفاوضات اللبنانية. وعلى هذا الأساس، يمكنُ اعتبار “التخلّي” عن الـ1559 أو “إسقاطه” مطلباً إيرانياً ـ حزب اللهياً بامتياز.
لكن على أهمية ما تقدّم، يبقى “المضمون” هو الأهمّ. ذلك انّ “حزب الله” يعرضُ “تسوية” تلغي الـ1559 وتستبقي الـ1701. فهل هذه “التسوية” حقيقية؟.
1701 أنهى المبرّر الموضوعي للسلاح
في هذا المجال، لا بدّ من إعادة التذكير بأنّ القرار 1701 بما هو “النتيجة السياسية” الفعليّة لحرب تموز ـ آب 2006، إذ وضع الجنوب اللبناني في عهدة استراتيجية دفاعية تقوم على ثنائية الجيش ـ قوات الطوارئ الدولية، اعتبر سياسياً وعملياً أنّه لم يعد ثمّة مبرّر لـ”مقاومة” في الجنوب، و”على الأقل” أن ليس ما يبرّر وجود “مقاومة” خارج الدولة التي منحها القرار 1701 دعماً كاملاً لسيادتها على أرضها ولحصريّة امتلاك السلاح، وقد دعّم ذلك ببنود تحظر وصول السلاح إلى قوى “غير شرعيّة” وتطلب منع التهريب عبر الحدود لا سيّما الحدود اللبنانية ـ السورية.
الـ1701 يُنهي الأساس الموضوعي لعمل مقاوم ـ مستقل عن الدولة ـ وهو لذلك يمثّل تحوّلاً استراتيجياً على صعيد “مقاومة حزب الله”. وبصرف النظر عن كيفية “التطبيق اللبناني” لهذا القرار الدولي، والتي قضت ـ أي تلك الكيفية ـ بعدم بحث مصير “سلاح حزب الله” مباشرةً بعد القرار لا سيما في ظرف تمتنع إسرائيل عن تنفيذ ما يتوجّب عليها (المزارع والأسرى)، فإنّ احتفاظ “حزب الله” بـ”مقاومته” وبسلاحه تالياً، ليس له ما يبرّره في الـ1701. ولطالما جادل العديد من اللبنانيين مع “حزب الله” تحت عنوان انّ الـ1701 فكّ ارتباط لبنان بالوضع الإقليمي، وتحت عنوان انّه لم تعد لـ”المقاومة” وظائف لبنانية، وأنّ كلّ بحث عن تعزيز قدرات لبنان هو بحثٌ في قدرات الدولة وفي الاستراتيجية الدفاعية للدولة.
..والـ1559 تتمّة
وأخذاً لكلّ ذلك في الاعتبار، لا يعود الـ1701 مفصولاً عن الـ1559، لا بل يصبح الـ1559 نتيجة للـ1701، مع انّه صدر زمنياً قبله. فالقرار 1559 ينصّ على نزع “سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية”. والقرار 1701 يفيد باكتمال شروط نزع السلاح. ولذلك، فهما قراران يكمّل واحدهما الآخر.
وعلى هذا الأساس فإنّ في إعلان “حزب الله” إسقاط الـ1559 والالتزام بالـ1701 تناقضاً، إذ كيف يكون ملتزماً بالثاني ورافضاً للأول؟.
فإذا كان مفهوماً انّ الحزب يعترض على “الصياغة اللفظية” للـ1559 التي تصنّفه “ميليشيا”، فليس هناك ما يبرّر احتفاظه بسلاحه بعد “المتحوّل الاستراتيجي” الذي يجسّده الـ1701، بدليل انّ الحزب لم يقم بأيّ عملية مقاومة منذ 14 شهراً. وأكثر من ذلك فانّ الـ1559 يتعلّق بـ”السلاح غير اللبناني”، وقد دفع لبنان ثمنه في نهر البارد، وهو موجود في معسكرات في غير مكان من لبنان، فكيف يتمّ التخلّي عنه إذاً؟.
لماذا التمسّك بالسلاح؟
ولذلك، تساءلت أوساط عدّة في الآونة الأخيرة عن “لغز” المعادلة الجديدة التي يطرحها الحزب تحت عنوان “نعم للـ1701 لا للـ1559″.
هل إنّ إعلان الالتزام بالـ1701 في موازاة الاحتفاظ بالسلاح يعني انّ الحزب لم يُسقط من حسابه احتمال الانقلاب على الـ1701 في وقت من الأوقات؟.
هل إنّ التمسّك بالسلاح لا يزال يُضمر ارتباطاً بعناوين إقليمية أي انّ ثمّة أبعاداً إقليمية لهذا السلاح؟.
هل إنّ الإصرار على بقاء التسلّح ذو علاقة بـ”مشروع سياسي” داخلي أم بـ”تحسين شروط” الحزب داخلياً؟.
وما علاقةُ كلّ ذلك بـ”الثلث المعطّل” الذي طالب الحزب ـ و”المعارضة” ـ به ويطالبان به في الحكومة المقبلة.. أي ما العلاقة بين “الالتزام” بالـ1701 إذا كان مؤكداً بـ”ثلث التعطيل”؟.
ما العلاقة بين “المثالثة”
وإسقاط الـ1559؟
أسئلة كثيرة تُطرح. غير انّ وراء هذه الأسئلة وغيرها سبباً رئيسياً هو الآتي:
قبل مدّة وفي إطار الاتصالات الإقليمية ـ الدولية بشأن الأزمة اللبنانية، “عرضت” إيران على محاورين أوروبيين أن تنشأ في لبنان “صيغة” جديدة بديلة من الطائف تقوم على “المثالثة”.. قبل أن “يُضبّ” هذا “العرض” الذي خلق استنفاراً لبنانياً في وجهه. والآن تعرض إيران إسقاط القرار 1559 بما يؤدي إلى احتفاظ “حزب الله” بسلاحه. فهل انّ استبدال عرض بآخر يؤدي الغرض نفسه؟. هل “المثالثة” تعني احتفاظ الحزب بسلاحه أم انّ الاحتفاظ بالسلاح يقود إلى “المثالثة”؟ أم ماذا؟.
ومع ذلك، فإنّ كشف الحزب لـ”القطبة المخفيّة” ينطوي على إيجابية: فالمسألةُ بالنسبة إليه، بلا لفّ ولا دوران هي الاحتفاظُ بالسلاح. وأن يُقال ذلك في موازاة “مفاوضات التوافق” لا بل من ضمنها، يحمل فضيلة الوضوح.
الحوار يجب أن ينطلق
من حتميّة تسليم السلاح
حيالَ هذا الطرح، لا بدّ أن يكون لدى 14 آذار موقف. ولا بدّ أن يتضمّن الموقف العناصر الآتية:
عند صدور القرار 1559 في العام 2004، وبعد ذلك بين العام 2005 ومنتصف العام 2006، كان لقوى رئيسية في 14 آذار موقفٌ يقول بضرورة “لبننة” تنفيذ الـ1559 في بنده المتعلّق بسلاح “حزب الله”. سعد الحريري أكد في باريس وواشنطن ونيويورك انّ “سلاح المقاومة مسألة لبنانية وتحلّ لبنانياً”. ومثله قال وليد جنبلاط في باريس وعواصم عدّة.
“اللبننة” عنت آنذاك التفاوض اللبناني ـ اللبناني حول “سلاح حزب الله”. ووضع للتفاوض عنوان سمّي “الاستراتيجية الدفاعية”. لكن جاءت حرب تموز فـ”طيّرت” الحوار والاستراتيجية الدفاعية معاً، ثمّ استكمل انقلاب “المعارضة” بعد الحرب إسقاط الحوار.
أمّا اللبننة “اليوم”، إذ يجب أن تحتفظ بحقيقة انّ المسألة لبنانية، يجب في الوقت نفسه أن تؤكد على انّ مبرّر “مشروع المقاومة” انتفى وانتفى معه مبرّر السلاح، وأنّ “حزب الله” يجب أن يسلّم سلاحه إلى الدولة، وأن يبدأ نقاش ما سمّي “الاستراتيجية الدفاعية” من نقطة انّ سلاح الحزب سيسلّم إلى الدولة، وأنّ “التساهل” الوحيد الممكن في هذا المجال هو “مرحلة” تسليم السلاح أي أن يسلّمه الحزب “بالتقسيط” وفق روزنامة متفق عليها. “يعطي” الحزب سلاحه إلى الدولة و”يأخذ” لبنان استراتيجية دفاعية، و”يأخذ” الحزب حضوراً في الدولة وحماية الدولة.. وكلّ ضمانات التضامن اللبناني معه لإسقاط مفاعيل الاتهامات الغربية الموجّهة إليه.
فخّ للمحكمة الدولية
انّ إلغاء الـ1559 يكون بتنفيذه لبنانياً.
لا يمكن تجزئة القرارات الدولية: الـ1559 والـ1701 والـ1680 (الحدود اللبنانية ـ السورية) كلّ مترابط.. والأصلُ في اتفاق الطائف.
ثمّ انّ في قبول التجزئة فخاً. فمن سيمنع أيّاً كان إن أُسقط الالتزام بالـ1559 من أن يطالب في الوقت المناسب بإسقاط الالتزام بالمحكمة الدولية وقرار إنشائها رقم 1757؟. مَن يمكنه في هذه الحالة أن يمنع أحداً من المطالبة بـ”التهاون” في قضايا المحكمة الدولية ومتطلّباتها؟.
إنّ 14 آذار تريد حكماً ملتزماً بقرارات الشرعية الدولية. رئيس وحكومة ينفّذان هذه القرارات مع تعهّد “متبادل”: سلاح “حزب الله” يُحلّ في إطار الدولة في مقابل أنّ تسليمه إلى الدولة “حتميّ”.
أخطر من تمديد الأزمة
غيرُ ذلك يعني التمديد للأزمة. لكنّ الأخطر من تمديد الأزمة هو تجديدُ تشريع سلاح “حزب الله” بالرغم من إنتفاء مبرّراته. والأخطر هو الاعتراف بـ”ثنائية” بين سيادة الدولة وسلاح خارج الدولة. وهو إعطاءُ المبرّرات لسقوط الدولة.
وبما انّ “مفاوضات التوافق” قاربت “عمق” المواضيع، وبما انّ الأمور تُقال بـ”صراحة”، لا بدّ من القول انّ القرارات الدولية كما مقرّرات الإجماع في مؤتمر الحوار الوطني عام 2006، تشكّل مجتمعة أساس أيّ تسوية فعليّة لم يعد جائزاً تأجيلها أو تركها للزمن، خاصّة انّ اتفاق الطائف هو مرجعية القرارات الدولية والمقرّرات الوطنية في آن.
المستقبل