لأننا، في “الشفّاف” مع “الربيع العربي”، الذي رفع شعارات الحرية، وحقوق الإنسان، والكرامة الإنسانية، وحكم القانون، ووقف الإعتقال التعسّفي إطلاق المساجين السياسيين، وحق الشباب في “العمل”، وإسقاط نظم الإستبداد والديكتاتورية، فنحن ضد ما يسمّى “المعارضة” الكويتية التي يقودها السيّد مسلم البراك ويختلط فيها حابل “القَبَلية” بنابل الإخوان!
ولأننا مع “الربيع العربي”، فقد اعتبرنا التحرّكات التي قامت، وتقوم بها، المعارضة الكويتية “ردة” تقوم بها جماعات التخلّف والتعصّب والطائفية في الكويت ضد نظام، أياً كانت شوائبه وأخطاؤه، يمثّل أفضل ما في التجربة الدستورية والديمقراطية في منطقة الخليج.
نحن مع “الربيع العربي”، لأننا نعتقد أنه ليس هنالك سبب لكي يظل “العربي” و”المسلم” خارج الحضارة الإنسانية المعاصرة، التي تعتبر مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان
مُلكاً وحقّاً لكل البشر وليس للأوروبيين والأميركيين وحدهم.
ولكننا ضد الجماعات التي قفزت على مركبة “الربيع العربي”، لانها كانت الأفضل تنظيماً والأفضل تمويلاً (من قطر خصوصاً..)، وهي تضمر إقامة أنظمة تعيد أنظمة الإستبداد المتهاوية ولكن تحت شعارات دينية وطائفية.
لقد ندّد بيان أخير للمعارضة الكويتية،
عشية الإفراج عن النائب السابق “مسلم البراك” (في الصورة النائب المحترم مع شعار من عهود البداوة و”الفتوّات”..) “بكفالة مالية”، بما قامت به قوات الامن من “قمع همجي غادر”.. واعتبرت ان المواجهات وملاحقات الناشطين والمعارضين تنذر بـ”تحويل الكويت الى دولة بوليسية تنعدم فيها الحريات”.
هل يصدّق كويتي واحد (واحد فقط..) أن حكومة الكويت، وأسرة آل صباح، تريد “تحويل الكويت الى دولة بوليسية تنعدم فيها الحريات”؟
بالأحرى، الكويت تواجه خطر التحوّل إلى دولة “قَبَلية” و”طائفية”، ذات طابع “إخواني” يُرفَع فيها شعار “تطبيق الشريعة” مثل “قميص عثمان” يسمح للجماعات الأكثر ديماغوجية وتخلّفاً بالقفز على السلطة “اقتداءً” بما حدث في مصر وتونس!
لقد تابعنا خلال السنة الماضية كل المطالب ومشروعات القوانين التي طرحتها “المعارضة الكويتية”، ووجّهنا الشكر لأمير البلاد لأنه ردّ كل مشروعات القوانين التعيسة التي أقرّتها أغلبية تعيسة من النوّاب. وهالنا صمت، أو جبن، نوّاب يمثّلون الشرائح الحديثة في الكويت، ولكنهم فضّلوا التلطّي، وترك المواجهة للسلطة التي ينتقدونها..!
“نوايا وأهداف ستسحق الدولة المدنية”
ماذا توحي لنا مطالب المعارضة الكويتية؟ نترك الكلام للجامعية الكويتية “إبتهال الخطيب”، التي تنتقد “الدولة” بحدة تفوق انتقادها لـ”المعارضة”، وقد كتبت مؤخراً عن “المعارضة”:
“كل ذرة فيّ تنضح باختلافي معها واستنكاري لها: ما تنادي به، الكيفية التي تنادي بها، اللغة العنيفة، الحس القبلي والديني المتطرفان، فقدان الاتزان في الخطاب السياسي، امتطاء صهوة البطولة الثورية، النوايا والأهداف التي ستسحق الدولة المدنية، كل هذا وأكثر يتنافى وكل ذرة منطق وقبول في عقلي”.
ونحن نتّفق معها حرفياً! (من غير أن نزعم أنها تتّفق مع تقييمنا لما يحدث في الكويت).
وفي مقابلة مع “رشيد خشانة”، في “سويس إنفو”، قال الدكتور شفيق الغبرا (وهو، مثل د. ابتهال الخطيب، ليس محسوباً على السلطة في الكويت، بل ينتقدها) أن “المشروع السياسي الأصولي يهدِّد هذه التجربة اليافِعة، مشدِّدا على أن الدولة والمجتمع على السواء في الكويت “ما زالا في حيِّـز المشروع المهدّد والقابل للإجهاض”، وأن المسؤولية تقتضي، حسب رأيه، “بذل جهود كبيرة في القطاع المدني الأهلي والإقتصادي، وكذلك في القطاع الحكومي لصالح إتمام هذا المشروع”.
ونحن موافقون على هذا الكلام!
إلا الدستور!
وحينما ترفع المعارضة الكويتية شعار “إلا الدستور”، فمن يستطيع أن يصدّق أن هذه المعارضة تؤمن فعلاً بمبدأ “الدستور” أو “القانون” بعد إقرارها لقوانين كانت ستُدخل البلاد في عصر “اللاقانون” لولا ردّها من قِبَل أمير البلاد.
* اقترح “دكتور في الشريعة” ينتمي إلى هذه الجماعات المعارضة أن يتمّ سنّ قانون يسمح بإعدام “مغرّد” (صادف أنهم “شيعي..) اتهم بالإساءة إلى الذات الإلهية، وتطبيقه بـ”مفعول رجعي” على “المغرّد” الموجود في السجن؟ “قانون إعدام بمفول رجعي”، ألا تذكّر هذه “البدعة” بقوانين البعث العراقي في زمن غير المغفور له صدّام حسين؟
* وردّ أمير الكويت قانون “الإساءة للذات الإلهية”، الذي أقرّه البرلمان الخاضع للمعارضة، ملاحظاً أنه يفتقر إلى تعريف دقيق لجريمة الإساءة إلى الذات الإلهية وأنه “يميّز بين المواطنين الكويتيين” (يحكم على المسلم بالإعدام وعلى غير المسلم بالسجن!).
* وردّ الأمير الكويت تعديل المادة 79 من الدستور، الذي يفرض انسجام القوانين مع الشريعة الإسلامية” لأنه “يؤدي إلى إثارة الخلافات السياسية وإثارة الفتن الطائفية المذهبية مما يهدد الوحدة الوطنية..”.
ورغم التصويت الكاسح لصالح التعديل، فقد اكتفى النوّاب المتحمّسون بأخذ العلم بردّ الأمير للإقتراح. وفجأة، تبخّر “التعديل”، ولم يعد أحد من “الأغلبية البرلمانية” يتحدث به، ناهيك بالردّ على نقطة “إثارة الفتن الطائفية والمذهبية بما يهدد الوحدة الوطنية”!
* وفي السياق نفسه، رفض رئيس المجلس الأعلى للقضاء المستشار فيصل المرشد المقترحات النيابية، بشأن تعديل تشكيل المحكمة الدستورية، وإدخال أعضاء من الحكومة والمجلس ضمن هيئة المحكمة. وقال المرشد في كتاب أرسله إلى رئيس مجلس الأمة أحمد السعدون «ان هذه المقترحات خطيرة، وتهدم الديموقراطية والقانون.. ومن شأنها أن تعصف باستقلال القضاء.
* أما عن “الحقوق السياسية للمرأة الكويتية”، فإن كل هذه المجموعة من النوّاب المعارضين تقف ضدّها بدون تحفّظ! ولا نقصد النائب مسلم البراك وحده، بل “الواجهة المحترمة للمعارضة”، رئيس البرلمان، السيد أحمد السعدون، الذي لم يتورّع قبل سنوات عن التصويت ضد “مقترحات السلطة” لإعطاء المرأة الكويتية حقوقها في التصويت وفي الترشّح للإنتخابات! وربما كان موقفه “نكاية بالسلطة”..! وهذا من نوع “عذر أقبح من ذنب”!
ونقطة أخيرة: كثير من الكويتيين، بما فيهم بعض أبناء الأسرة الحاكمة، يندّدون بـ”الفساد” و”الرشوة”! وكل الكويتيين يندّدون بوقف عجلة “التنمية” في الكويت (الشعار القَطَري: الكويت هي الماضي، والإمارات هي الحاضر، وقطر هي المستقبل!). فهل تتحمّل الدولة الكويتية وحدها مسؤولية وقف عجلة التنمية، أم أن العرقلة النيابية المتعمّدة، والمطالبات “الشعبوية” و”الديماغوجية” مسؤولة عن جمود التنمية في الكويت؟
حينما يتحدث الشارع الكويتي عن “الفساد” و”الرشوة”، فإنه يجدر به، أيضاً، أن يُدخِلَ ضمنها عشرات الألوف من الوظائف الحكومية التي لا تمثّل عملاً منتجاً والتي لا فائدة منها سوى استرضاء النوّاب والرأي العام على حساب الإستثمارات المنتجة؟
كل ما سبق لا يعني إعطاء حكومات الكويت المتعاقبة “شيكاً على بياض” عن كل ما قامت، أو لم تقم، به! فصحافة الكويت وديوانياتها الشهيرة مليئة بكل أنواع النقد والتهجّم على السلطة.
ولكنه يعني أنه ينبغي مواجهة المشروع “القَبَلي الأصولي الطائفي” لزعزعة إستقرار الكويت وتدمير تجربتها الديمقراطية التي تميّزها عن كل جيرانها، من إيران، إلى قطر، وإلى العراق والسعودية والإمارات.
وهذه مهمة المتنوّرين الكويتيين، وهي مهمة “الدولة” الكويتية أيضاً!
هل يطالِب موقع “ليبرالي” ، مثل “الشفّاف”، بدورٍ أكثر فاعلية لـ”الدولة”؟
للأصدقاء الكويتيين الذين يستغربون، وبينهم كتّاب رافقوا هذا الموقع طوال سنوات وكان لهم دور كبير في تطويره، فإن شعار الديمقراطيين والليبراليين في لبنان، بمواجهة “حزب الله” الطائفي، والإيراني الولاء، هو، تحديداً، شعار “بناء الدولة”!
ولحسن حظ الكويتيين، أنهم لم يصلوا إلى هذه “الكارثة” اللبنانية! فالدولة الكويتية ما تزال قائمة، ومن واجبها أن تواجه التيارات العّدّمية التي يمكن أن تخلخل المجتمع من أساساته! بمؤازرة أغلبية صامتة، حتى الآن، لكن لن تنطلي عليها الشعارات الفضفاضة.