ن.. لاح فى الأفق منصب رئيس الجمهورية، وكان الإخوان المسلمين يعزفون عنه من قبل. وما إن ظهر فى الأفق حتى دفعوا بأحد أعضائهم – خيرت الشاطر – ليكون رئيساً للجمهورية. وفزع الناس من ذلك وارتاعوا، فقد بدا لهم الأمر كأنما هو مخطط يظهرون منه خطوة كلما لاح لهم سبب.
كأنما يريدون الاستحواذ و”التكويش” على كل المناصب الرئيسية فى الدولة، وهو أمر خاف منه الناس وفزعوا، خاصة وقد كان فريق الإخوان وتيار الإسلام السياسي يرفع راية “الدولة الدينية”، بينما كان باقي الشعب وعامة الناس يرفعون راية “الدولة المدنية”. والفارق بين الدولتين لفظي أكثر منه عملي، لكنه يخيف أكثر مما يدعو للإطمئنان. ففي صحيح الإسلام لا توجد دولة دينية. ولم تتضمن نصوص القرآن نصاً واحداً يؤسس للدولة الدينية وكان أبو بكر الصديّق (الخليفة الأول) وعمر ابن الخطاب (الخليفة الثاني) قد أعلنا بوضوح أن ولايتهم أمريالمسلمين جاءت من المسلمين أنفسهم ومن بيعتهم له. وفي عهد عثمان ابن عفان (وهو سفياني أي من قبيلة أبى سفيان) هو الذى نوّه لأمر خلافة المسلمين أو خلافة الله حينما طال به عهد الحكم طالبه المسلمون بالاستقالة من الخلافة فقال قولته الشهيرة: “وكيف أخلع قميصاً ألبسنيه الله”؟ أي أن الخلافة كانت استخلافا من الله له وكان خلعها لا يجوز إلا بأمر الله. وبهذا الفهم دخلت إلى الإسلام فكرة الحق الإلهي المقدس للملوك المسيحيين (The Divine Right of the Kings) أي أن الحكم هو حكم الله والاستقالة منه يكون أمراً من الله نفسه.
وغلبت الفكرة على عجمة السلاطين، فادعوا بها صراحة أو ضمناً لكن أغلب المسلمين لم يعتقد فى الحكومة الدينية قط. ورأت كثرة المسلمين أن الحكومة الدينية بدعة تحاكي بدعة الروم والمسيحيين، لتحكم باسم الله فعلاً، ولتدعي أن الحكومة الدينية هي الحكم الحقيقي للإسلام.
كان اتجاه الإخوان المسلمين يستهدف الحكومة الدينية، ذلك بأنهم كانوا ينادون بأن “القرآن دستور المسلمين” وهو ابتداع من بطانة السلطان عبد الحميد الثاني (الملقب بالسلطان الأحمر كناية عن كثرة سفكه الدماء) وادعاء بطانته بأن “القرآن دستور المسلمين” حتى يمكّنوه من إلغاء الدستور المدني (المعبر عنه بالعالماني خطأ) واللجوء إلى الشعار البرّاق بأن القرآن دستور المسلمين.
نفذ هذا القول الشطط إلى أغلب المسلمين من خلال جمعية رشيد رضا – بعد أن انفصل عنه محمد عبده. ودارت الشعارات دورتها من خلال عنصر البداوة الذي نفذ إلى المسلمين من خلال رفاعة رافع الطهطاوي والشيخ محمد عبده ورشيد رضا. وبعد انفصال محمد عبده واختصاصه بالتعليم ثم مواكبة رشيد رضا (وتابعه حسن البنا) للمذهب الوهابي البدوي، حمل الراية الإخوان المسلمون لعودة الخلافة الإسلامية وسريان الشريعة الإسلامية والنظام العسكري الصارم.
بعد مقتل حسن البنا ونشوب صراعات من العنف خالطت الجماعة وعارضت الرئيس السابق عبد الناصر، بدأت الجماعة تترنح ثم عهدت إلى الترنح الزائد فى السعودية، وخلال ذلك نشأت صرعات عنيفة وغبية.
بعدما ظهرت النتائج الأولى لإستفتاء الرياسة، انحصر جانب فى الفريق أحمد شفيق آخر رئيس وزارة في عهد الرئيس السابق مبارك وبين الدكتور محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسى للإخوان المسلمين). وكان أحدهما يمثل الدولة المدنية بينما كان الثاني يمثل الدولة الدينية. وفي سبيل تأسيس الدولة المدنية علا صوت يذكر أن “مصر إمارة”، وهى تؤسس للخلافة، وتتخذ من القدس عاصمة لها. وكان ذلك ذا أثر غائر وبعيد على جماعة حماس والدولة اليهودية.
بعد أن كادت تنشق الجماعة المصرية إلى اتجاه مدني وتيار ديني، حدث بتدريل شديد، وليس له من مبرر مفهوم وواضح. ذلك أن جماعة الإخوان المسلمين اصطفت فى صفوف الجماعة المدنية، فانتهى بذلك أو كاد نزاع طويل وصراع عتيد كان يقسم الجماعة المصرية فى جماعتين.
كان الخطاب الأساسى فى كلَّ هو اتجاه الدولة المدنية. ولو أن ذلك حدث منذ البداية لدعم وحدة الصف المصرى، وجمع بين عنصرين فى عنصر واحد، ولما تفتتت هذه الجماعة إلى جماعات.
ولا يعرف حتى الآن سبب هذا الإصطفاف الجديد، وما إذا كانت له أسباب خفية أم أسباب واضحة، لكن الأمر قد مر كلمح البصر وفى رؤية واضحة بصيرة، كانت الجماعة المصرية ترنو لها زمناً وتعمل من أجلها طويلاً.
وفى مستقبل الأيام سوف يظهر السبب الحقيقي والراعى الرئيسي لذلك، وما إذا كان عملاً مدروساً بعناية وحفياية، أم أنه كان عملاً وصي الخاطر ودرج السبيل.
القاهرة