(ف) فى شهر يوليو 1979، وبمجرد أن نشرت جريدة الأخبار المصرية مقالين، تبسيطاً لما فى كتاب “أصول الشريعة” (مايو 1979) من أفكار، وكان المقال الأول عن الخلط الذى حدث فى الفكر الإسلامى بين الشريعة، وهى ما نزل من الله، والفقه وهو ما صدر عن الناس، كما كان المقال الثانى يبين أن المنهاج الصحيح فى تفسير آيات القرآن أن يحدث ذلك على أسباب التنزيل، ووفقاً لها، وهى غالباً ما تكون مبينة ومحددة فى الآية التى يتقرر تفسيرها.
بمجرد هذا النشر للمقالين، وإستباقاً لقرءاة باقى المقالات، هاجت جماعة الإخوان المسلمين وماجت، واضطربت وثارت، وهددتنى بالثبور وعظائم الأمور.
وجاء من أقصى الجزيرة رجل يشغب، ويدعى أنى أُقدّم ديناً جديداً. وحرصت مجلة “الدعوة” التى كانت تصدر عن جماعة الإخوان المسلمين أن تهاجمنى بتدنٍ وبكلام مرسل، يرمينى بالكفر والإلحاد، وما يدور فى هذا المعنى. وكتب مستشار سابق (أى رجل قضاء) يقول إن “الشباب” (يقصد الجهاز السرى للإخوان) يعرفون سنّة النبي عند مهاجمة الإسلام، يرمي بذلك إلى تشريع اغتيالى كما حدث في واقعات اغتيال كعب ابن الأشرف وأبي رافع ابن الحقيق وعصماء بنت مروان، وأبى عفك الشاعر المسنّ. ونشرت مجلة تصدر عن بعضهم تدعي علىّ بما لم أقله، وكنت – وأنا قاضٍ يلتزم الصدق فيما يقول ويكتب – أتساءل كيف لمن يدّعي أنه ينطق باسم الإسلام أن يزعم عليّ ما لم أقله، ويزيد فيه ويعيد، ويكرر ويؤكد؛ ذلك للتأثير على الشباب الغرّ غسيل المخ حتى يتقدم أحدهم فيقتلني، ولم يخافوا الله فى الكذب والتزوير والتزييف.
ولا تنبهوا إلى أن الله يحفظ بعنايته من يتكلم بالحق ويكتب بالصدق.
(ص) وهذا كله منشور فى مؤشر البحث جوجل وياهو و msn، وفيما نُشر أن الشرطة رتبت لى حراسة لمدة 24 ساعة أى على مدار اليوم، وما زالت الحراسة منذ هذا التاريخ توجد حولي، لكنى أعوّل فى الأساس على الله.
(ق) استمررت فى الكتابة حتى وصلت إلى المقال رقم 6، وفيه ذكرت الآية التى تجعل حساب الناس على الله، وتضع المحبة والإحترام بين الناس بديلاً عن التهديد والإغتيال. تقول الآية (إن الذين آمنوا “أى أمة محمد” والذين هادوا “أى اليهود” والنصارى “المسيحيين” والصابئين “وهم الصابئة” من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا حوف عليهم ولا هم يحزنون) سورة البقرة 62 وبتبديل آخر فى سورة المائدة آية رقم 68.
ظهر الدكتور النمر – وكان يدعى أنه صديق لي، وكان يرأس لجنة تقنين الشريعة – التى أنشأها السادات (إمعاناً في مداهنة الإسلام السياسى) ظهر الشيخ النمر الذى كان يؤمّل أن يصبح مشروعه تطبيقاً للشريعة فى كل البلاد العربية بما يتبعه من شهرة ومال، مع أن المشروع الذى وضعه لتقنين الشريعة هو فى الحقيقة تقنين الفقه، ظهر وكتب مقالاً ضدي، قال فيه إن الآية التى أشرت إليها قد نُسخت، وأضاف قائلاً إننى فى عملي القضائى محترم ومشهور، وليس لي أن أتدخل فى المسائل الدينية. وقد رددت عليه بمقال يؤكد أن الآية لم تنسخ من القرآن لأنها وعد إلهى وتُعّد من ثوابت الإسلام، فضلاً عن ذكرها فى القرآن مرتين. أما النسخ فكان فى آيات التشريع. لم يعجب ردي الشيخ النمر وهيج عليّ طلاب الأزهر الذين اجتمعوا وتظاهروا وطالبوا بعزلي من القضاء ومحاكمتى على إهانتي للإسلام!! وطلب الشيخ النمر من كل المساجد التى تتبعه كوزير للأوقاف أن تخطب ضدي. واستمعت بنفسى – كما استمع كل من كانوا يحضرون ندوة توفيق الحكيم – خطيب مسجد يذكرني بالإسم ويتهمني بالكفر والإلحاد، ويطلب أن يطبق عليّ حد الردّة فى الإسلام (مع أن القرآن لم يذكر حداً للردة).
(ر) أحدث كل ذلك ضجة كبيرة فى المجتمع المصري، وصار الأمر على كل لسان، واهتم الوسط الدبلوماسي بما حدث، وفهمت من رسالة بعث بها إلى الرئيس السادات أنه سوف يعزل الشيخ النمر من وزارة الأوقاف، وبالفعل عزله فى تعديل وزارى أُجرى فى أبريل 1988. وقد أثر ذلك بعمق في الشيخ النمر، وكتب بعد ذلك يقول إن الشريعة مطبقة فى مصر وأن القانون المصري يوافق الشريعة إلا فى مسائل قليلة يمكن تداركها فيما بعد.
وقد ذكر رأيي فى الآية السالفة كل من الدكتور عبد العزيز كامل والدكتورة عائشة عبد الرحمان (بنت الشاطئ) وآخرون ممن ينتمون لتيار الإسلام السياسى ومن المستنيرين الذائل الدينية.
بهذا كله، وبالسرد المحقق والمختصر – ظهر إرهاب آخر، هو إرهاب للفكر والإبداع، شديد الوطأة عنيف الأثر، يهدف به الإسلاميون إلى إلقاء الرعب والفزع لمن يتصدرون للمسائل الإسلامية، كيما يؤيدنهم ويقولون قولهم أو يسكتون إلى الأبد.
(ش) انتشر الإرهاب الفكرى وإستشرى، وظهر أثره فى معارك مع المسيحيين بقتل بعضهم والإستيلاء على المشغولات الذهبية فى محالهم، وقتلهم وإتلاف كنائسهم، ويحدث هذا الإرهاب (الإسلامى) مع المسيحيين الأقباط المصريين لأول مرة منذ عهد الخليفة الحاكم بأمر الله، الخليفة الفاطمى الشهير.
ووقف الرئيس السادات فى إحدى المناسبات وهو يخطب فى مجلس الشعب فقال قولاً خاطئاً ومغلوطاً، إذ قال (أنا رئيس مسلم لبلد مسلم)، وهذا القول كان كعادة الرئيس السادات – يفرق بين المواطنين على أساس عقائدى (مع الأقباط) كما فعل من قبل على أساس سياسي (مع الماركسيين). وولاية رئيس الجمهورية – فى الواقع الفعلي والحكم القانوني – هي على كل المصريين مسلمين كانوا أم أقباطاً، منتمين لأحزاب الموالاة أم أحزاب المعارضة. وعلى رئيس الجمهورية (أى رئيس الدولة) أن يضع فى تقديره دائماً هذا المبدأ الأصيل، ولا يعتبر من يعارضه أو من لا يوافق على أرائه، أو من يرى هو أن يكيد لهم أن يعتبرهم أعداء لمصر أو خصوماً للإسلام. ذلك أنه رئيس الجميع ونبذ جماعة أو إهانة أخرى أمر لا ينبغي أن يصدر عن رئيس الدولة، وإلا يكون قد قسم الشعب وضرب مبدأ المواطنة فى الصميم، وهذا يخرجه عن وضعه وولايته وحقه، ويخدش صورته ويقلقل حكمه.
(ت) وكما كان متوقعاً، فقد قتلت “جماعة الجهاد”، وهي من الإسلاميين، الرئيس السادات، وجرت محاولة الإستيلاء على أسيوط ومحافظتها.
وفى عهد مبارك، هدأت الأمور نوعاً ما، لكن التطرف الإسلامى دعا نظام الحكم إلى تقوية وتمكين الأجهزة الأمنية. وكلما اشتد الإسلام السياسى إشتدت بالتالي قبضة الأجهزة الأمنية.
فهم الذين بدأو بالإرهاب والتطرف المادي والمعنوي، وفى ذلك فقد قتلوا الرئيس السادات (بصورة درامية) كما قتلوا آخرين منهم فرج فودة، وكثيراً من المسيحيين الأقباط.
ذلك عرض مُبسط لأحوال الإسلام السياسى، نذكرها لعلها تنفع من يقرأ ويفهم، ونقدمها إلى د. محمد حبيب ليصحح فكرة عمن بدأ بالإرهاب الفكري والمادي، فكان الهجوم عليهم رد فعل مشروعاً، ودفاعاً عن الإسلام الذي لم يقدموا فيه فقهاً ولا فكراً، وإنما مجرد كلام مرسل يسهل نقضه حين يشاء من قال به.
ولم ينته البحث بعد.
(والبقية تأتي)
saidalashmawy@hotmail.com
القاهرة
ماذا يجرى فى مصر؟ (24)
الاخوان كارثة نزلت على رؤوسنا على يد حسن البنا فى عشرينات القرن الماضى ردا على علمانية مصطفى اتاتورك فى تركيا والغائة الخلافة كاءن انتفاضة تركيا ضد الخرافة والاتجار فى الدين ندفع نحن ثمنها واكتملت حلقة التخلف والكذب بوصول العسكر الى السلطة فى 52 وهو من سوء الطالع على مصر –وها هى الان تنتفض على الاخوان والعسكر مما يبشر ب الخير ان شاء اللة
والشكر موصول لسيادة المستشار العشماوى على مقالاتة الرائعة وفكرة غير المسبوق