ربما فاق السياسيون العراقيون الحاليون أقرانهم في لبنان الشقيق في الزيارات المثيرة للجدل إلى دول الجوار تحت ذريعة السعي لحل الاستعصاءات ومشاكل العراق الداخلية. فهذه الزيارات التي لا يعلن عن مضمونها للناخب العراقي هي سابقة مخجلة ستسجل لهذه المرحلة الملتبسة من مراحل تاريخ لعراق الحديث. إذ لم يجر في كل تاريخ العراق الحديث وعلى المكشوف وبمنتهى الصراحة أن يطرح السياسيون العراقيون مشاكل العراق على دول الجوار وغير دول الجوار لحلها. ففي سابق العهود كانت مثل هذه الممارسات والمؤامرات تجري سراً ووراء الكواليس، دون أن تتم على المكشوف وعبر زيارات معلنة. ففي العهد الملكي كانت الإدارات البريطانية مثلاً تمرر مطاليبها عبر الساسة العراقيين دون أن يجرأ أحد على إعلان ذلك في بيان رسمي. كما قام بعض الساسة العراقيين، وفي المقدمة البعثيون” بالتآمر على ثورة تموز بدعم من دول الجوار وغير دول الجوار عبر دسائس ومؤامرات سرية عقدت معها دون أن يعلن صراحة عن هذا التآمر والذي أدى إلى ردة 8 شباط المشؤومة في عام 1963. وتكررت هذه الممارسات في عهد صدام حيث كانت تجري المساومات والعهود دون أن يعلن ذلك على الملأ، خاصة أثناء الحرب العراقية الإيرانية.
إذن نحن على أبواب ممارسة لفرض تقاليد مريبة ومدمرة وعلنية في تاريخ الممارسة السياسية من شأنها أن تلغي حق الناخب العراقي وتزعزع أسس الديمقراطية التي يحلم العراقيون بها، وتضع العراق إلى الأبد على طاولة المزايدات والصفقات الإقليمية دون الرجوع إلى رأي الشعب صاحب المصلحة الكلية في مستقبل بلده. لقد توفرت بعد سقوط النظام السابق فرصة أمام العراقيين وأمام ساسته كي يراجعوا تجارب الماضي المريرة المليئة بالتدخلات الخارجية ويتعظوا بها ويتلمسوا مساوئها. ولكن للأسف، سار الكثير منهم على نفس التجارب السابقة مع سبق الإصرار. فالديمقراطية التي يتسترون بها زوراً أضحت في الجوهر استقواء علني بالعامل الإقليمي، إضافة إلى تشكيل ميليشيات مسلحة وبواجهات متنوعة وجمع الأسلحة وانتهاكات فظة للدستور الملتبس الذي صاغوه، واستغلال الحصانة التي وفرتها الديمقراطية لتنفيذ مآرب القوى الإرهابية ومشاريعها الشريرة ضد البلاد. كما تحولت الشعارات الزائفة حول السيادة واحترام رأي الشعب وضد الطائفية إلى جولات لا طائل منها إلى حكام الجوار الطائفيين الذين لا يعرفون ألف باء الديمقراطية، وتحولت أيضاً إلى ستار لأشد مظاهر التناحر الطائفي الدموي على يد هؤلاء الساسة.
ومن أجل وضع العراق على بر الأمان، لم يبحث هؤلاء الساسة عن الأطر الحديثة في بناء الدولة التي عانت من الاستبداد والفوضى وانعدام القانون والفساد والتخلف، بل راحوا يبحثون عن تشكيلات أكل الدهر عليها وشرب من ضروب العشائرية والمناطقية والإنعزال القومي والعودة إلى تقاليد البداوة وإسناد المناصب إلى الأميين وعلى أسس طائفية وليس على أساس النزاهة والخبرة، في مسعى لإلغاء تطبيق القوانين وجر البلاد إلى دائرة التشظي والتناحر بين مكوناته والتنكر للهوية الوطنية التي هي القاسم المشترك لمكونات الأمة العراقية ولعراق آمن ومستقر.
كما انغمر هؤلاء الساسة في التباري بالتلويح بالورقة الدينية والأنساب الدينية والتقرب من مراجع الدين، لغرض تعزيز مواقعهم السياسية وليس أحترام الإيمان الديني. وهكذا راح العديد منهم يغيد النظر، كما كان صدام حسين، بشجرتهم العائلية وربطها زوراً برموز من رموز تاريخنا الغابر. وهكذا انتعشت شبكات التزوير التي توفر لهؤلاء النسب المناسب الذي يخدع به الناخب ليحصل على الأصوات المطلوبة أو لتسلم المنصب على أساس هذا التزوير وليس على أساس الكفاءة والخبرة، وهذا ما كشفته الأجهزة الأمنية أخيراً. لقد انتشر بشكل غريب ومدهش في السنوات الأخيرة لقب “الموسوي” تارة و”الحسيني” و”العمري” تارة أخرى بحيث طال الملايين من العراقيين. ومنذ سقوط النظام أخذ هؤلاء السياسيون يتهافتون على أبواب المراجع الدينية لكسب ودها والحصول على “بركاتها” لإمرار مشاريعهم. وأقحمت المرجعيات الدينية على مختلف أشكالها وبشكل مفتعل وليس لصالح الدين ومضامينه من قبل هؤلاء الساسة في أمور لا علاقة لها بالدين والإيمان الديني، بقدر ما لها علاقة بمكاسب سياسية زائلة لهؤلاء الساسة. ولكن سرعان ما افتضحت اللعبة، وترددت بعض المراجع الدينية في فتح أبوابها أخيراً أمام رياء هؤلاء الساسة، بحيث لا نرى الآن من يحمل جعبته ليطرق أبواب هذه المراجع والتلهف لزيارتها كي تعينه على تسلق سلم السلطة.
وأزاء ذلك، راح هؤلاء الساسة يفتشون عن “اختراعات حديثة”. وهكذا تفتحت قريحة هؤلاء الساسة على ممارسة جديدة وهي التهافت والتسابق على دق أبواب دول الجوار علّها أن تعينهم على تسلق سلم السلطة بعدما لم يعد في مستطاع المرجعيات الدينية توفير هذا الغطاء. ففي دول الجوار الكثير من المغريات التي يظن هؤلاء الساسة أنها ستعينهم على تبوؤ المناصب التي يحلمون بها. فالطيارات جاهزة لنقل هؤلاء الساسة في جولاتهم المكوكية، والمساعدات المادية السخية التي يقدمها حكام الخليج خاصة لزعزعة الاستقرار في البلاد تغري هؤلاء الساسة على زيارة هذه الدول حيث لا توجد مثيلات لها عند المرجعيات الدينية. وهكذا تحول هذا الكشف الجديد بالتوجه إلى دول الجوار سنّة عند هؤلاء وبمثابة “إدمان” و”صرعة”. ولم يعد هؤلاء السياسيون يفكرون بأية فرصة كي يلتقوا بمن انتخبهم وأجلسهم على كرسي البرلمان، بقدر ما كان جل همهم القيام بجولات مملة وتصريحات متضاربة لا تحل هذا الاستعصاء الخطير الذي يشل حياة البلد. لقد كان الأجدر بهؤلاء الساسة لو كان لديهم الحد الأدنى من الحرص على العراق وسيادته أن يجمعوا كل هذه المبالغ التي تغطي جولاتهم كي يحولوا المدارس الطينية في قرى العراق إلى مدارس حديثة للتلاميذ ومستوصفات لانتشال المحرومين من العناية الصحية من البقاع المحرومة من بلادنا.
إن رهان هؤلاء الساسة على الطائفية والتغزل بأرباب التطرف القومي وبالورقة الدينية لاستمرار نجاحهم في أية انتخابات مقبلة هو رهان خاسر. فخداع هذا الناخب وحشره في دائرة الطائفية والتخلف الثقافي والسياسي هو أمر لا يمكن أن يدوم، وسيحكم التاريخ على هؤلاء الساسة كما حكم على من استهتر بحقوق العراق وشعبه. فممارسات هؤلاء الساسة التي تدفع بالبلاد إلى دائرة الفوضى وتشجيع القوى الإرهابية وفلول النظام السابق على الإمعان في جرائمهم ونشر الفساد والمحسوبية لا يمكن إلاً أن ترفع تدريجياً من مستوى الوعي واليقظة لدى الناخب العراقي وتدفعه إلى التدقيق في اختياراته وتصحيح أخطائه في خياراته السابقة عن طريق نبذ مثل هؤلاء الساسة الذي فشلوا خلال سبع سنوات في نشر الأمن والسلام، وفي وضع العراق على سكة التنمية والإعمار ومعالجة الفساد الذي زرعه النظام السابق ويتمسك به بعض ساستنا الحاليين.
ولا يمكن إيقاف هذه المهزلة الجارية في البلاد بعد سبعة أشهر من إعلان نتائج الانتخابات إلاً عن طريق مراجعة الناخب العراقي لأخطائه في اختيار مثل هؤلاء الساسة الذين لا يحلون مشاكل البلاد بل يزيدونها تفاقماً. فعلى الناخب العراقي الضغط على من انتخبهم أن يجلسوا في ظل نخيل العراق لا أن يهرولوا خارجه لإخراج البلاد من هذا المأزق الخطير، وبما في ذلك المطالبة الجدية بإعادة الانتخابات وسحب الثقة عن من تسبب في هذا الشلل المدمر لاركان الدولة، هؤلاء الذين يتحملون مسؤولية ممارسات منافية للعملية الديمقراطية وضارة بسيادة البلاد، والذين تحولوا إلى بيادق تثير السخرية في يد حكام المنطقة الذين يتلاعبون بمصير العراقيين.
adelmhaba@yahoo.co.uk
* كاتب عراقي
ماذا جنى السياسيون العراقيون من جولاتهم في دول الجوار؟ وليد الى السيد riskability كلامك واقعي، فالطائفية في العراق غير متجذّرة في نفوس الشعب العراقي عامّة، وهذا ما أفشل مشروع القاعدة الوهابي، فالوهابيين عند السنة كفّار. وحين أغارت قبائل الوهابيين على جنوب العراق، افتى السنة بكفرهم، ولم تبيدهم دوله فارس، بل السنة العثمانيين والجيش المصري بقيادة ابن محمد علي. وبقيت فتوى سنة العراق ضد الوهابيين نافذه و سارية بأعتبار الوهابيين كفار حتى الآن بدليل ان السنة لا يزوّجون بناتهم للوهابيين حتى الآن بينما يتزاوجون مع الشيعة. الطائفية السياسية نتاج المحتل: سلّم العراق للحكيم والدليمي ابو السدارة وكلاهما طائفيان. ومن الطبيعي ان… قراءة المزيد ..
ماذا جنى السياسيون العراقيون من جولاتهم في دول الجوار؟ – في احد مسرحيات (شكسبير) يقول الفارس للملك (بالقوة بامكانك ان تجعلنا نسير متر او مترين من اجلك , ولكن بالحق نقطع في سبيلك الالآف الاميال) .. السياسة والاعلام العربي ((أميان)) .. ببساطة نجحت ايران بكل ما لديها وما تبقى لها من (قوة) من جمع اقصى ما استطاعت حول “المالكي” .. الخبر الاول في (الصحافة العالمية) اليوم (اعداد كبيرة ومتزايدة من العراقيين “المتحالفين” مع امريكا ينفضون ويلتحقون بالمقاومة) .. طبعا النسبة الاكبر من هؤلاء هم ما يتم تصنيفهم “سنة” والمثال الابرز “الصحوات” .. وهو تصنيف “صحيح” بتحفظ , لأن العراق –… قراءة المزيد ..