“..مؤتمر المانحين” في الكويت: “وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ

0

تفيد التقديرات الدولية أن عدد اللاجئين السوريين إلى دول الجوار، أي لبنان وتركيا والأردن، يقارب ٦٠٠ ألف شخص. وأن عدد “المشرّدين داخلياً”، قرب الحدود أو في مناطق أخرى، يصل إلى ٢ مليون شخص. أي أن المجموع يصل إلى حوالي ٣ ملايين شخص.

ولكن التقديرات الدولية تستدرك بأن “الأرقام الحقيقية يمكن أن تكون أعلى من ذلك بكثير”! وهذا مؤكّد.

ففي لبنان وحده، تجاوز عدد النازحين السوريين، ومن فلسطينيي سوريا (٥٠ ألفاً؟)، ٥٠٠ ألف إنسان، ويمكن أن يصل إلى مليون نازح خلال فترة قريبة، خصوصاً أن تركيا والأردن أقفلت حدودها أو ضيّقت سيل النزوح إلى أقل ما يمكن. (كان لبنان يستقبل أعداداً مماثلة من “العمال السوريين” في فترات الإزدهار. ولكن “حكومة حزب الله وجبران باسيل” دمّرت ما تبقّى من حيوية في الإقتصاد اللبناني “المُستَباح”!) كما أن أعداداً كبيرة من سوريي المدن، بما فيها دمشق، نزحت عن بيوتها إلى أماكن أخرى ضمن المدن نفسها.

الأرقام السابقة تعني أننا أمام كارثة إنسانية ربما تشمل ١٥-٢٠ بالمئة من الشعب السوري. أو “مأساة إنسانية لا سابقة لها”، حسب جريدة “لوموند” الفرنسية. وهذا في عزّ فصل الشتاء. وهي تشير أيضاً إلى أن سوريا ما بعد الأسد ستكون بحاجة إلى برنامج “إعادة إعمار” وإلى برامج “دعم إنساني” لسنوات طويلة.

“أننا كعرب معكم ولن ننساكم”!

من منظور هذه الكارثة الإنسانية ينبغي النظر إلى “مؤتمر المانحين” الذي انعقد في الكويت قبل أيام وأسفر عن تعهّدات بقيمة ١،٥ مليار دولار بينها ٩٠٠ مليون دولار من الكويت والسعودية ودولة الإمارات، بمعدّل ٣٠٠ مليون دولار لكل دولة. يضاف إليها ٢٠ مليون دولار من دولة البحرين. أي أن ٣ دول خليجية، بينها الدولة المضيفة، قدمت ثلثي ما يسمى “المساعدات الدولية” للشعب السوري.

وكان واضحاً قبل المؤتمر، وأثناء المؤتمر، أن الكويتيين كانوا مصمّمين على إنجاح مؤتمر دعم الشعب السوري، وكان شعارهم أن فشل المؤتمر، الذي دعت إليه الأمم المتحدة، ممنوع! وقد صرّح وزير الإعلام الكويتي، الشيخ سلمان الحمود الصباح، أن النتيجة المهمة للمؤتمر، بالتوازي مع جمع مبلغ ١،٥ مليار دولار وإغاثة الشعب السوري داخل وخارج سوريا هو انه أوصل رسالة مباشرة وقوية للشعب السوري: “أننا كعرب معكم ولن ننساكم”. وأضاف الوزير الكويتي أن الكويت كانت حريصة على عقد مثل هذا المؤتمر الدولي الضخم الذي شاركت فيه 60 دولة و 20 منظمة دولية “على ارض عربية” وكان “سيكون الأمر اقرب للفضيحة لو عقد في دولة غير عربية”!

باخرتا وقود وسيارات إسعاف لليبيا!

وهذا الموقف الكويتي القوي والفاعل (قبل المؤتمر، لم تنجح الأمم المتحدة سوى في تجميع ٣ بالمئة من المبلغ المطلوب) ينسجم مع الموقف الكويتي، الذي لم يُحظَ بتغطية إعلامية، من الثورة الليبية. فمن يعرف أن الكويت أرسلت باخرتين لدعم “الشعب الليبي” في بنغازي ومصراته في أصعب فترات الثورة الليبية؟ وقد نقلت الباخرتان الوقود (٢٠ ألف طن من البنزين إلى مصراته، و٢٠ ألف طن إلى بنغازي) وسيارات الإسعاف للشعب الليبي المحاصر، ولم تنقل معها أية “أجندة سياسية” أو أية “أجندة دينية” سوى “أجندة دعم مؤسسات الدولة في ليبيا”، حسب تعبير أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح! وأثناء زيارة السيد مصطفى عبد الجليل للكويت، أثناء الثورة، تبرّع أمير الكويت بمبلغ ٢٠٠ مليون دولار لدفع رواتب الموظفين الليبيين المتاخرة بسبب حصار النظام. وفور تشكيل حكومة “الكيب”، قدّمت الكويت٥٤ سيارة إسعاف وإطفاء مجهّزة بأحدث المعدات “بهدف دعم مؤسسات الدولة في ليبيا خلال هذه المرحلة”! وهذا المطلب هو، تحديداً، ما يطالب به الليبيون في كل مدنهم وقراهم الآن: “إعادة بناء
مؤسسات الدولة الليبية”، وخصوصاً الجيش الوطني!

وهذا كله مع أن الكويت حافظت على موقفها “السويسري” من الإنتفاضات الليبية والسورية! فاعتمدت سياسة “النأي بالنفس” عن الصراع السياسي والعسكري، وقدّمت الدعم للشعوب وحدها!

من هذه الزاوية، يمكن إستغراب مواقف بعض الدول المشاركة، ومواقف من لم يشاركوا في المؤتمر. لماذا لم تشارك السلطة الفلسطينية في مؤتمر دعم الشعب السوري، مع أن نتائج المؤتمر ستؤثر حتماً في أوضاع النازحين الفلسطينيين في لبنان، وفي سوريا نفسها، بعد مأساة تدمير مخيمي اللاذقية واليرموك؟

ولماذا شاركت إيران في المؤتمر من غير أن تتعهّد بتقديم مساعدات إنسانية؟ على الأقل، بالتوازي ما تقدّمه لطاغية دمشق من دعم عسكري ولوجستي ومالي وميليشيوي (عبر حزب الله وجماعة السيد مقتدى الصدر) يسمح له بإطالة أمد معاناة الشعب السوري؟ فليس سرّاً أن الدعم الإيراني، أكثر من الروسي، هو ما يبقي النظام السوري على قيد الحياة!

لماذا “نجاد” في القاهرة.. الآن؟

(وهنا يمكن أن نستطرد لنسأل الرئيس “مرسي”، و”الإخوان المسلمين”، عن مغزى التقارب بين مصر وإيران، وعن جدوى استقبال “أحمدي نجاد” في القاهرة، من غير أن تضع مصر، التي وصل الرئيس مرسي إلى السلطة بفضل ثورة شعبها، أية شروط
على الدولة “العدو رقم ١” للشعب السوري؟ لا أحد يطلب من مصر، التي تعيش ضائقة إقتصادية، دعماً مالياً للشعب السوري. ولكن، من حقّ السوريين والعرب على السلطة الجديدة أن يطالبوها بموقف واضح من الدعم الإيراني “غير المحدود”، كما يقول الإيرانيون أنفسهم، لنظام الأسد! أو، على الأقل، بتأجيل زيارة أحمدي نجاد!)

وماذا قدّمت روسيا، التي يفتك سلاحها بالسوريين، ثواراً ومدنيين؟ إن لم يكن لدعم الشعب السوري، فعلى الأقل لتحسين صورتها في الخليج بعد أن وصلت الأمور إلى حد أن السعودية لم تسمح لطائرة وزير الخارجية الروسي بالهبوط في الرياض؟

“الكويت عقدة قطرية”؟

وأخيرا: “قطر” دولة مستقلة، وهي حرّة بأموالها! ولكن امتناع “قطر” عن التعهّد بمساعدات للشعب السوري، والإكتفاء بالتذكير بما سبق أن قدّمته “جعيات قطرية” في السنتين الماضيتين، لم يكن مقنعاً! خصوصاً بعد إعلان قطر، قبل ٣ أسابيع، عن عقدٍ جديد مع نادي “باريس سان جرمان” الفرنسي لكرة القدم بقيمة تتجاوز ١ مليار دولار أميركي (الواقع أن العقد يتجاوز ١،٣ مليار دولار أميركي). وقد نشر “الشفّاف” خبر هذا العقد الفريد من نوعه تحت عنوان “رزق الهِبل على المجانين”!! هل ينبغي على النازحين السوريين أن يلعبوا “كرة القدم” لكي يثيروا انتباه القطريين؟

أم، بالأحرى، هل امتنع القطريون عن “الإعلان” (“الإعلان” مسألة “حاسمة” في نظر إمارة قطر) عن دعم مؤثر للشعب السوري لأن “مؤتمر المانحين” انعقد في.. الكويت بالذات؟

الأرجح أن ما سبق يدخل كله في حسابات دولة قطر. والأرجح أيضاً أن الدعم الإنساني للشعوب الثائرة، بدون “أجندة سياسية”، ليس أمراً تجيده دولة قطر!

فالقطريون يدعمون “الربيع العربي” وفقاً لأجندة “قطرية” تركّز على استبدال الأنظمة القائمة بأنظمة “إخوانية” مسترهَنة للقطريين ولمصالحهم السياسية والمالية. في ليبيا، حيث يتّهم ليبيون كثيرون “قطر” بإفشال مشروع إعادة بناء الدولة والجيش الوطني! وفي تونس، التي لم تُقّدّم لها “قطر” المساعدات الإقتصادية التي كان السيد “الغنّوشي” يعوّل عليها! وفي مصر، حيث أقدم شباب “التحرير” قبل أيام على إحراق عَلَم قطر و”لوغو” قناة “الجزيرة”! وحيث يدور نقاش حول تعهّدات قدّمها “الإخوان” لدولة “قطر” بمشاريع إستثمارية (بـ”صكوك إسلامية”) تشمل قناة السويس والمنطقة المحيطة بها!

في النهاية، الشعب السوري يعيش أعظم “مِحنة” في تاريخه الحديث، وهو سيقدّر الدعم الإنساني الذي سيصله في محنته، وسيقدّر موقف كل دولة عربية حسب إسهامها في التخفيف من شظف عيشه في هذا الشتاء الصعب. وخصوصاً من الدول التي حرّكتها “غيرة عربية” و”غيرة إنسانية” مجرّدة عن “الأجندات السياسية” والمطامع المالية.

فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ (الرعد ١٧)

“مؤتمر المانحين” في الكويت إنجاز كويتي بالدرجة الأولى، التي يحكمها الآن “شيخ الديبلوماسية العربية”، الشيخ صباح الأحمد الصباح! وإنجاز خليجي وعربي. وخطوة دعم للشعب السوري الثائر الذي لا نشكّ لحظة في أنه سيطيح بنظام الإستبداد قريباً.

سوريا ما بعد الأسد ستكون بحاجة إلى “مشروع مارشال” لإعادة إعمارها، وقد تكون “الكويت” التي عرفت محنة الإحتلال والحريق والدمار، وهي “بلد خير” كما يقول عنها أبناؤها، الخيار الطبيعي لعقد “مؤتمر دعم إعادة إعمار سوريا”.. في أجل قريب!


بيَّّض الله وجوهكم يا أهل الكويت

دلع المفتي

Comments are closed.

Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading