في الذكرى الخامسة لإستشهاد الرئيس رفيق الحريري
أيها اللبنانيون!
يا شعبَ الحرية والسيادة والإستقلال ورسالةِ العيش المشترك.
هي الذكرى محفورةً في عقلنا والوجدان:
• بعد 6 ساعات على استشهاد الرئيس رفيق الحريري ظُهرَ الإثنين 14 شباط 2005، «تنادت قياداتُ المعارضة الإستقلالية اللبنانية إلى إجتماع إستثنائي عُقد في دارة الشهيد الكبير» وأصدرت بياناً قالت فيه: «إنّ هذا التفجير الإجرامي قد بلغ مستوىً لم يَرقَ إليه أيُّ اعتداء آخر منذ انتهاء الحرب في لبنان، سواءٌ من حيث ما يرمز إليه الرئيس رفيق الحريري، باعتباره شخصية لبنانية وعربية ودولية، أو من حيث اللحظة المصيرية التي تعيشها البلاد.(…) إن المعارضة، إزاءَ هذه التطورات الخطيرة، تطالب المجتمع الدولي بتحمُّل مسؤولياته تجاه لبنان وتدعوه إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية تضع اليد على هذه الجريمة».
• في 18 شباط 2005، أعلنت المعارضة إنطلاق ” إنتفاضة الإستقلال ” ودعت الشعب اللبناني بجميع فئاته وقواه السياسية إلى التوحُّد حول مطلبي ” السيادة والحقيقة “.
• في 14 آذار 2005، إجتمع اللبنانيون من كل المناطق والطوائف والمشارب، حول ضريح الشهيد الكبير في ساحة الحرية، مطالبين بالحرية والسيادة والإستقلال، وبإظهار الحقيقة في تلك الجريمة المروّعة، معبّرين عن تخطيهم حواجز الحرب وما بعد الحرب، ومردّدين بصوت واحد: ” نُقسم بالله العظيم، مسلمين ومسيحيين، أن نبقى موحَّدين، إلى أبد الآبدين، دفاعاً عن لبنان العظيم”.
أيها اللبنانيون!
لقد توحَّدتُم فَنِلتُم الإستقلال وإستعدتم قراركم الوطني وحريتكم.
أيها اللبنانيون!
بين إستشهاد رفيق الحريري وانتفاضة الإستقلال نشأ عهدٌ وقَسَم، وثَّقَتهُما قافلةٌ من الشهداء الأبرار، وعذاباتٌ مشتركة تجاوزناها بالصبر والإيمان.
بين إغتيال رفيق الحريري واستقلال لبنان الثاني توهَّجت لحظةُ حقيقة، أضاءها دمُ الشهيد ورفاقه، على طريقٍ موصول، قرَّرتم أنتم في ” إنتفاضة الإستقلال ” – نعم قرّرتم – أنه طريقٌ يمتدّ من دمِ كمال جنبلاط وبشير الجميّل وناظم القادري ورنيه معوّض والمفتي حسن خالد وداني شمعون، إلى شهداء المقاومة ” اللبنانية ” و ” الوطنية ” و ” الإسلامية “، إلى باسل فليحان، وسمير قصير وجورج حاوي و جبران تويني وبيار الجميّل، ووليد عيدو، و أنطوان غانم ورفاقهم، إلى فرنسوا الحاج و وسام عيد، وكل شهداء القوات المسلّحة اللبنانية في معارك “نهر البارد” وسائر المواقع،
إلى كل نقطة دمٍ سالت من جريح على هذا الطريق وإلى كل الشهداء الأحياء،
إلى كل معتقل إختطفته يدُ القهر والإستبداد،
إلى كل خيبةِ أملٍ لدى فتاة أو شاب غادرا لبنان بحثاً عن المستقبل في بلدٍ آخر،
وإلى كل الصابرين على أرض لبنان والعاملين من أجل غدٍ أفضل لهذا الوطن!
أيها اللبنانيون!
بعد انسحاب قوات الإحتلال الإسرائيلية في العام 2000، حقّقتُم في السنوات الخمس الماضية، بفضل وحدتكم، مسيحيين ومسلمين وقوى حيّة تعشق الحرية والإستقلال والديموقراطية في جمهورية العيش المشترك – حققتم سبعة إنجازات تاريخية كانت تبدو مستحيلةً للقريب والبعيد :
1) حققتم مصالحةً وطنية فعليَّة طوت الحرب الأهلية إلى غير رجعة، فشرعتم في إعادة صوغِ هويتكم الوطنية الجامعة على ما ينبغي أن تكون.
2) إستولدتُم رأياً عاماً مشتركاً، هو الأشدُّ اتساعاً وصلابةً وتنويراً في تاريخ لبنان.
3) اسقطتم نظاماً أمنياً إستبدادياً، بقوة الإنتفاضة الشعبية السلمية.
4) حصلتم على إنسحاب القوات السورية من بلدكم عام 2005 وعلى العلاقات الدبلوماسية بين لبنان وسوريا.
5) وضعتم حداً لاستمرار لبنان بلداً ترتكب فيه الجرائم ويبقى المجرمون بمنأى عن العقاب وحصلتم على قيام محكمة دولية خاصة بلبنان لمعاقبة الضالعين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وسائر الجرائم ذات الصلة.
6) وصمدتم بوحدتكم لوطنية في وجه العدو الإسرائيلي ولا تزالون تواجهون تهديداته العدوانية موحّدين.
7) إنتصرتم بصناديق الإقتراع من أجل العبور إلى الدولة والحفاظ على وجه لبنان الحضاري وعلى العيش المشترك والمناصفة بين المسيحيين والمسلمين.
أيها اللبنانيون!
نريد حقاً وصدقاً أن نطوي كل الصفحات السود، ولكننا نريد أيضاً وخصوصاً أن نفتح صفحة الأمل على مستقبلٍ واعدٍ لأبنائنا، منسجم مع هويتنا العربية، معزِزٍ لرسالتنا ومتّسعٍ لحلمنا اللبناني.
لهذا وضعنا قضية اغتيال الرئيس الشهيد ورفاقه في يد المحكمة الدولية، لجلاء الحقيقة وإصدار الحكم العادل.
ذلك أن المستقبل الذي نريد لا ينهض إلا على الحق والحقائق، وأن دولتنا المنشودة لا تُبنى على عادةِ الإفلات من العدالة.
ولذلك أيضاً نُعاهدكم، أيها اللبنانيون، على التمسّك بوحدتنا الوطنية وتوسيع نطاقها، لأنها أساسُ إستقلالنا، وضمانةُ أسلوب عيشنا، ومصدرُ قدرتنا على مواجهة التحديات المقبلة. غير أن وحدتنا هذه، على غنى تنوعنا المشروع والمرغوب، لا تقوم ولا تستقيم بشروط فئة من بيننا، ولا طبعاً بشروط الخارج، وإنما بشروط الدولة الجامعة:
• الدولة المدنية القائمة على ميثاق العيش المشترك، المحتكمة إلى سلطة المؤسسات الدستورية والقانون، وإلى آليات النظام الجمهوري البرلماني الديموقراطي.
• الدولة السيّدة على جميع أراضيها والمقيمين عليها، والمسؤولة حصراً عن كل المقدرات في مجالي الأمن الداخلي والدفاع الوطني في مواجهة العدو الاسرائيلي وكل الأخطار الأخرى.
• الدولة التي نوحّد فيها إنجاز التحرير مع إنجاز الإستقلال الثاني، فلا يبقى خارجها ومتنافراً معها .
• الدولة التي تلتزم تعهداتها العربية والدولية، لأن هذه التعهدات لا تمثّل قيوداً تُضعِفُها، بل هي مظلّةُ حمايةٍ لها.
• الدولة المبنية على الشراكة الوطنية ومصلحة لبنان والتي يرفض أبناؤها تغليب الروابط والمصالح الخارجية عليها.
• الدولة التي تدعم حقّ الشعب الفلسطيني في العودة إلى أرضِه والتي تتمسّك برفض التوطين وفقاً للميثاق الوطني والدستور.
• الدولة التي تقوم على التفاهم المستند إلى الشراكة الإسلامية – المسيحية، لا على منطق الثنائيات أو الثلاثيات الطائفية التي دفع لبنان ثمنها غالياً في مراحل سابقة.
• الدولة التي تضمُّ مواطنين أحراراً وجماعات دينية متنوعة، تؤمن برسالة العيش المشترك وتداول السلطة والتغيير عبر الوسائل السلمية والديموقراطية، فتستمد من ذلك الثقة بالنفس وبهاء الحضور، نابذةً خلف ظهرها فكرة الأقليات الخائفة أو المتواطئة.
• الدولة التي تبدو على صورةِ شعبها المتناغم مع بعضه بعضاً.
• الدولة العادلة فلا يكرهها شعبها، والطاردة للفساد فلا يخجلُ منها شعبها.
أيها اللبنانيون!
ما بين 14 شباط و14 آذار 2005 صنعتم ربيع بيروت وربيع لبنان، وعلى مدى السنوات الخمس الماضية إنتصرتم لرسالة العيش المشترك والشراكة الإسلامية – المسيحية في أصعب الظروف وأحلك الأوقات، فكنتُم أجملَ تحيةٍ إلى عالمكم العربي الذي توسّم في لبنان المتجدد مستقبَلَ العرب والعروبة الحديثة والمنفتحة. لقد قلتم كلمتكم: العيشُ المشترك رسالتُنا وإسرائيل عدوتنا، وعروبةُ الإعتدال والتسامح والحوار والتضامن بساطُنا وخيمتُنا، وعالمُ العيش معاً فضاؤنا، حيث يعيش الناس معاً أحراراً متساوين مع تنوعهم.
أيها اللبنانيون!
من أجل ذلك كله، نحنُ على الموعد في الرابع عشر من شباط، في ساحة الحريّة، وبالعزيمة ذاتها، لنجدد العهد والقسم والأمل. إنّ تغيّر الظروف أو المقتضيات لا يغيّرُ من تمسّكنا بمبادئنا وثوابتنا. فلنحتشد في الساحة وفاءً لدماء الرئيس الشهيد وكل شهداء الإنتفاضة، ولنعلن إستمرار مسيرتنا الإستقلالية وعزمنا على العبور إلى دولة الإستقلال، ولنؤكّد مرةً جديدة أنّنا جميعاً أسيادُ قرارنا، نمسِكُ مصيرنا بأيدينا.
إحتشادكم في ساحة الحريّة يحصّن لبنان،
إحتشادكم يمتّنُ سيادته وإستقلاله،
إحتشادكم يحافظ على 14 آذار ويعزّز موقع الرئيس سعد الحريري.