المنفى والمهجر والاغتراب، مترادفات تنطوي على معنى المعاناة والحنين، سواء كان الاغتراب إراديّا أو قسريّا، ومهما كان شكله. ويخال الكثيرون ان الجيل الأول من المهاجرين هو من يحمل العبء الأكبر من المعاناة والمسؤولية، وأن الجيل الثاني يتمتع بالاستقرار وبالضمانات الحياتية التي يكفلها النظام الاجتماعي للدول المضيفة في الغرب.
والواقع أن الجيل الثاني من المهاجرين هو الأكثر معاناة وضياعا، إذ يقع في حيّز تجاذب قطبين، يعجزان عن فهم واستيعاب عمق المأزق (دايلما) الذي يعايشه، في البيت يخشى الأهل فقدان أولادهم لهويتهم الأصلية والابتعاد عن دينهم، مما يدفعهم الى ألمزيد من التعصب واعطائهم جرعات اضافية من التديّن والتمسك بالهوية، وفي المجتمع هم مطالبون بالاندماج، أو في الحد الأدنى التماشي مع متطلبات البيئة.
وبحكم تأثير المدرسة والشارع والصحبة، لا يستطيعون الا ان يكونوا متشابهين مع الآخر المختلف عنه. وهذا ما أوجد علاقة صراع معقد بين الهوية والانتماء، بدل الانسجام والتوافق ومثال ذلك أن بعض العمليات الإرهابية في لندن ومدريد قد نفذها شباب ولد ونشأ في الغرب الذي ربما عرفوه تاريخا وجغرافيا أكثر من مواطنهم الأصلية، فما الذي يدفعهم لذلك؟ وأين يقع الخلل في توجيه هؤلاء الشباب بعد ان حصلوا على فرص التعليم وممارسة حياة طبيعية مريحة يحسدهم عليها أقرانهم في بلدانهم الأصلية!
ليس موضوعنا هنا علاقة الهوية والانتماء، لكن تلك العلاقة المرتبكة تفرز إشكاليات متعددة ومختلفة، منها ما يطرح اليوم مثل موضوع التعاون مع الأجهزة الأمنية للدول المضيفة وقد كانت تلك الإشكالية موضوع حلقة في برنامج أكثر من رأي على قناة الجزيرة. إذ طرح سؤال بمعنى : اذا عرف احد ” من المهاجرين طبعا” بحادث أمني على وشك الحدوث فهل يتوجب عليه تبليغ الأجهزة الأمنية بذلك أم لا ؟ الجواب على تبسيط هكذا سؤال هو بالتأكيد ان التبليغ هو عمل إنساني قبل كل شيء. فهو ينقذ أرواح أبرياء وان تلك العمليات الإرهابية لا تميز بين “كافر” ومهاجر. وهو أيضا عمل أمني شريف تفرضه الأخلاق الإنسانية والإسلامية. ولأنه يهدد أمن البلد واستقراره وسوف ينعكس سلبا على المهاجرين ويجعلهم يدفعون الثمن الأغلى، كما هو حاصل اليوم من معاناة ووسم للمسلمين بالإرهاب ظلما نتيجة أعمال فئة ضالة وقد يكون بعض السياسيين والصحفيين في الغرب أكثر إنصافا وعدلا، اذ يرى بعضهم ان المسلمين قد وسموا بالارهاب في النرويج مع أن 90% من ضحايا العمليات الارهابية هم من المسلمين، كما أشار الى ذلك الخبير في شؤون الارهاب ” برينيار ليا ” مضيفا الى أنه لا يوجد مواطنين نرويجيين أو حاصلين على اقامة، ممن انخرطوا في الحرب في العراق أو افغانستان، وأضاف أنه عثر قبل سنة على وثيقة من 900 صفحة، بين الحدود السورية / العراقية، مع لائحة طويلة بأسماء محاربين من بلاد مختلفة، ولم تتضمن اللائحة أي اسم من النرويج.
تتداول الصحف النرويجية، في هذه الفترة، موضوع محاولات استقطاب وتجنيد الشباب النرويجي، من أصول أجنبية، من قبل كبار في السن ومجموعات متطرفة ويعتقد المسؤولون هنا بأن التحدي الإرهابي في النرويج مرتبط بالدعم المادي للإرهاب في خارج النرويج، وأن انتاج الوثائق المزورة والتحويل المادي يتم من داخل البلاد.
في مقابلة أجرتها صحيفة الأفتن بوستن، مع “يورن هولمي” رئيس جهاز أمن الشرطة، صرح بأن لدى الأجهزة الأمنية معلومات عن وجود أشخاص يعيشون في الظل ويرتبطون بشبكة إرهابية. وأضاف بأنه علينا أن نكون مستعدين لتقبل فكرة “أن مواطنينا من الشباب قد يصبحون متطوعين في شبكة ارهابية، وان هناك تطورات خطيرة في هذا الشأن”. واستطرد قائلا بأن لديه رسائل مزعجة عن كبار في السن ومتطرفين بارعين في تشجيع الشباب على الانخراط في الجهاد خارج البلاد. وهذا ما نأخذه في جهاز أمن الشرطة على محمل الجد. لكن من دون التصريح من هم هؤلاء وكم عددهم ولا عن الكيفية التي تتم فيها محاولات الاستقطاب، ولا كيف يتم الاتصال بالشباب النرويجي. لكنه يؤكد وجود خلايا تنشط في محاولات التجنيد هذه، وأن هذه الحلقات الارهابية على صلة بشبكة إرهابية خارج البلاد أما كيف سيتعامل جهاز أمن الشرطة مع هذه المعلومات، فهذا أمر متكتّم عليه. كما أن ” يورن هولمي” لم يتطرق بالتفصيل عنهم أو عن الشباب الذي يتدرب في معسكرات التدريب في أفغانستان وأظهر بوضوح أنه لا يوجد خطر ارهاب في النرويج، لأن الشباب المتصل بهم طلب منهم العمل خارج البلاد، كما أنه لم يسجل أي تغيير في نسبة الخطر الذي يهدد النرويج.
وعندما سئل عن الوضع الأمني في البلاد أجاب بأن الوضع معقد ومتشابك أكثر من ذي قبل. لكنه يؤكد على أهمية الحوار بين جهاز أمن الشرطة والمجموعات الاسلامية. ووجوب اشراك القوى الفاعلة في البيئات الاثنية المختلفة ويضيف “هولمي” بأنه يعتمد على الثقة والتعاون مع كل الذين يمكن أن يكون لديهم معلومات، في البيئات الاسلامية المتطرفة، وأن عمل الجهاز يسير بالتوازي مع القوى الناشطة والعائلات ؛ وأنه لا يجب التعامل مع المسلمين بشدة أو وضعهم في سلة واحدة مع المتطرفين، كما يجب الوثوق بالمعلومات التي تأتي من تلك البيئات، وأنه يجب الوثوق بهذا الفريق من الناس.
تظهر هذه التصريحات ثقل الضغوطات التي يتعرض لها الشباب المهاجر من الجيل الثاني، ويتحمل الأهل مسؤولية وضع ابنائهم في مثل هذه المواقف، بغسل أدمغتهم بثقافة خير أمة أخرجت للناس ؛ وأن الدين عند الله الإسلام ؛ ونفي الآخر وحجب الجنة عنه ؛ وحصرها بالمسلمين صالحين كانوا أم خاطئين. فالخاطىء يعاقب الى حين، لكنه في النهاية سيدخل الجنة للتمتع بنعيمها؛ بينما الآخر، “فمأواهم جهنم خالدين فيها أبدا” مع هكذا تربية وتوجيه فانهم يمهدون الطريق أمام أبالسة المتطرفين، ويسهلون مهمتهم في غسل أدمغة أبنائهم وتجنيدهم لذا فان المسؤولية في الدرجة الأولى يتحملها الأهل.
ولا نغفل عن دور الدعاة الاسلاميين، الذين بدأوا بالتكاثر مثل الفطر على الفضائيات وفي التجمعات، بحيث أصبحت الدعوة عمل من لا عمل له . لا أدّعي متابعة محاضراتهم كمتخصصة. لكنني من ضمن هذا الوسط الذي يوصف بأنه وسط الأجانب. لكن التركيز على الآخرة، وإغراءات النعيم، ثم الدعوة للاستشهاد في سبيل الله، يشجع الشباب على الانحياز لثقافة الموت لا لخيار الحياة . وتكمن الخطورة في الخلط بين اعتبار من يستشهد في سبيل وطنه هو شهيد في سبيل الله، وكأن الاستشهاد في سبيل الوطن هو حكر على أصحاب ديانة معينة، أو على المؤمنين فقط. وليت أن السلطات التي تمارس سياسة تكميم أفواه الكتاب والمفكرين، تلتفت إلى دور هؤلاء الدعاة ووضع الضوابط لانفلاتهم، فقد شغلوا الشباب بالسماء وأنسوهم العمل لحياتهم ومواجهة التحديات التي تواجههم . وحبذا لو أن هؤلاء الدعاة يرسلون أبناءهم الى الآخرة حيث النعيم كما يتمنون لأبناء غيرهم .
أما في مجال التعاون الأمني، فان الخشية فيها تكمن في مزاجية المبلّغين وكاتبي التقارير، التي قد لا تكون نزيهة، فقد تربى الكثير من المهاجرين في ظل أجهزة قمعية، بعضهم ممن كانوا من كتبة التقارير، أو ضحية تقارير ملفقة، حيث أن أجهزتنا الأمنية لا تعتمد الا سبيلا واحدا لانتزاع الاعترفات والمعلومات، وهي اساليب كما يصفها أصحابها ” بأنها كفيلة بان تنطق الحجر”.
لكن يبقى الاعتماد على وعي جهاز أمن الشرطة هنا وكيفية التعامل مع هذه المعلومات وتمحيصها، آخذة بعين الاعتبار البيئات المضطهدة التي جاء منها المهاجرون، وكيف يمكن ان تولد لديهم العقد والحقد….
لكن مسؤولية الدولة النرويجية تكمن في انتاج مشاريع ثقافية ورياضية تشغل بها الشباب المهاجر، لتؤسس لديهم احترام ثقافة الآخر وتقبله، بدلا من دعم المؤسسات الدينية وبناء المساجد وحبذا لو أن هؤلاء المتطرفين يوجهون عملياتهم نحو الأنظمة التي اضطهدتهم وجوعتهم ودفعتهم لهجرة محفوفة بالمخاطر والمتاعب، بدلا من توجيهها نحو البلاد التي حضنتهم ومنحتهم ما لم تمنحه لهم بلدانهم.
albakir8@hotmail.com
* حنان بكير روائية فلسطينية من لبنان ومواطنة نرويجية
مأزق الشباب العربي في الغربسؤال يطرحه دائما المثقفين والتنورين العرب الدين يقيمون في الغرب لمادا غالبية المسلمين وبالدات العرب يرفضون الاندماج مع المجتمعات الغربية في حين نرى المسيحي القادم من بلدان الشرق الاوسط وكدلك الصابئي واليزيدي واليودي والزرادشتي وكل المواطنين من غير المسلمين ليس لديهم اي مشاكل مع المجتمعات الغربية ومندمجين وحتى منصهريين في هده المجتمعات وكدلك الحال مع الهندوسي والتسيخي والبودي القادم من الهند الصينية وآلاف الاديان وهي تتعايش بسلام مع الشعوب الغربية ولديهم اديان وعادات وتقاليد ولم نسمع عنهم ارهاب وقتلو في حين المسلمين تراهم منعزلين ومنغلقين عن المجتمعات التي يعيشون فيها وهم يتمتعون بنفس الحقوق التي يتمتع… قراءة المزيد ..
الى سعاد الفرا
بل وتحية لك با ست سعاد على وعيك وتفهمك . وجودك في مجتمع مسلم في الغرب خير دعم واسناد للتنوير والحكمة بين اخوتنا العرب الذين يردعهم الجهل عن التكيف تحت اسم الدين والعقيدة أو بحجة الكفر والحقد على الغرب الذي آواهم. اشكرك على التعليق. بارك الله بك وكثّر الله من امثالك.
مأزق الشباب العربي في الغرب
أعجبتبني مقابلة “يورن هولمي” حيث أنه يميز بين المسلمين والمتطرفين ولا يضعهم في سلة واحدة. وليث أن الغرب يتعامل بنفس الطريقة مع المسلمين في الغرب.
مأزق الشباب العربي في الغرب
أوافقك الرأي بأن يوجه هؤلاء المتطرفين نشاطهم الإرهابي ضد الأنظمة التي دفعتهم إلى الهجرة.
مأزق الشباب العربي في الغربتحية إليك الكاتبة حنان المحترمة. قرأت مقالك وقد ركزت على جوانب نحن لا نعطيها أهمية إطلا قا. نعم، كما تفضلت الأطفال الذين يتربون هنا في النرويج يعيشون مأزقا مثل ما كتبت ” الديلما” كبت في المنزل وفي المدرسة الحياة خارج البيت مع الأصدقاء حياة أخرى. أهل هؤلاء الشباب محرومين من علاقات مع الشباب النرويجيين بحكم أن هؤلاء الاخيرين أولاد كفار وتختلف تربيتهم عن تربيتنا.وصراحة عندهم حق. لأن تربية الكثيرين من هؤلاء الشباب الأجانب تربية فاسدة عاطلة ، بطالة عدم التأقلم في الأنشطة الثقافية مع الشباب النرويجين. بعضهم يشكلون عصابات وآخرون يقعون فريسة المتطرفين، يغسلون أدمغتهم ويوجهونهم… قراءة المزيد ..