يتورط نظام معمر القذافي الآن في العديد من المعارك عبر أنحاء ليبيا، إلا أن النقطة المحورية تكمن الآن في الغرب. فالمعركة نفسها لها جبهتان رئيسيتان: مدينة وميناء مصراتة ومناطق جبل نفوسة إلى الجنوب والغرب من طرابلس. ويحارب النظام بضراوة في كلتا المنطقتين. ولو فشل فسوف تدق الحرب أبواب العاصمة.
وتلعب “عملية الحماية الموحدة” التي يقوم بها حلف شمال الأطلسي [“الناتو”] دوراً عظيماً في جميع أنحاء غرب ليبيا. فقد أنقذت مصراته، ومن المرجح أنها منعت الموالين للقذافي من اجتياح العديد من المدن الجبلية التي يحتفظ بها المتمردون بصلابة. غير أنه حتى مع إلحاق الحملة ضرراً بطيئاً بقوات النظام العسكرية إلا أنها لم تفعل ما يكفي حتى الآن لتحطيم قوات القذافي أو حلحلة تماسكها الداخلي. وربما تأتي الهزيمة في الحقيقة للموالين للقذافي على المدى الطويل، لكن ما دامت الحكومة باقية فإنها يمكن أن تأمل التغيير، وسوف يستمر الشعب الليبي في معاناته.
جبهة مصراتة
إن المعركة على مصراتة، وهي ثالث أكبر مدينة ليبية، أصبح أهم ما في الحرب. فحجم المدينة وموقعها الساحلي على مسافة حوالي 115 ميل من طرابلس ومكانتها الرمزية للمعارضة في الغرب قد جعلها ذات أهمية كبيرة للنظام والمتمردين على حد سواء.
وبعد هجوم استمر أسابيع على المدينة بدا النظام مستعداً للاستيلاء عليها في منتصف نيسان/أبريل، غير أن مزيجاً من القوات الجوية لـ “الناتو” والمقاومة المستمرة من قوات التمرد — التي يكتسب أفرادها تدريجياً مهارات الخبرة القتالية — إلى جانب [حصولها على] أسلحة أفضل وتعزيزات من الشرق قد دفع وحدات النظام في نهاية المطاف إلى التقهقر نحو مشارف المدينة. وقد رد النظام على هذه النكسات بالسعي إلى عزل الميناء بالقصف المدفعي، ومحاولة ناجحة جزئياً لوضع ألغام بحرية. وفي الوقت نفسه، استمر النظام في ضرب المدينة بنيران الصواريخ والمدفعية مع إطلاق قذائف من قوات برية. ومن جانبهم أخذ المتمردون مبادرة الهجوم، وحاربوا لدفع الموالين للنظام إلى ما وراء مدى الصواريخ في المدينة، وللاستيلاء على مطار مصراتة الذي كان القاعدة الرئيسية لعمليات النظام في المنطقة.
جبهة مناطق جبل نفوسة
منذ بدأت الثورة في 17 شباط/فبراير، يسعى النظام — بنجاح محدود فقط — إلى إخماد الاضطرابات في مناطق جبل نفوسة. وتمثل هذه المناطق التي استولى عليها المتمردون تهديداً لقاعدة الحكومة حول طرابلس، وعائقاً محتملاً للاتصالات مع جنوب ليبيا حيث يمثل السكان البربر الساخطون تحدياً خاصاً للنظام. وفي سعيهم للسيطرة على الجبال يستخدم الموالون للقذافي فريقي عمل أو أكثر مسلحين وموحدين، يتألف كل منها من حوالي سبعين إلى ثمانين مركبة مدرعة، وأسلحة مضادة للطائرات محمولة على شاحنات، وقاذفات صواريخ. غير أن المتمردين قد أظهروا عزيمة، وانتظموا تحت اسم “قوات الجبال المتحدة”، وتحركوا من مدينة إلى أخرى للمساعدة على صد التهديدات القادمة من النظام. وقد ردت قوات التمرد بهجمات متكررة على نالوت وزينتان ويفرن.
وعلى الحدود التي تفصل وازن الليبية عن ذهيبة التونسية كانت هناك معركة متأرجحة بين المتمردين والموالين للقذافي، حيث قام الموالون مراراً بغارات قليلة العمق في تونس. وأما عن المتمردين فإن السيطرة على موقع حدودي ضروريٌ للحفاظ على خط إمداد داخل الجبال، بينما يحاول اللاجئون الهروب من القتال باستخدام الموقع للفرار إلى تونس. وبالنسبة للنظام فإن النصر في سباق الحدود يمكن أن يكون رمزاً للقدرة على ممارسة السيادة والسيطرة على أراضيه.
العمليات البحرية والجوية لحلف “الناتو”
لقد أثبتت ضربات حلف شمال الأطلسي أنها المعادل الكبير في الصراع، فقد أنقذت مصراتة من أن تُستعاد من قبل النظام، كما أنها تساعد المتمردين في جهودهم في مناطق جبل نفوسة.
وتتكون ضربات “الناتو” في المقام الأول من الاعتراض في ساحة القتال، وغارات تشبه الدعم الجوي القريب، ومهام من اللوجيستيات المضادة، وطلعات جوية مضادة للقيادة والسيطرة. ووفقاً لبيانات حلف شمال الأطلسي، تركز معظم مجهودات الهجمات على غرب ليبيا، وخاصة حول طرابلس ومصراتة وسرت وزينتان. ويؤكد مسؤولو “الناتو” أن الضربات تقلل من قدرة النظام على استخدام وقيادة قواته المقاتلة والحفاظ عليها. وفي 29 نيسان/أبريل أكد حلف شمال الأطلسي أنه ضرب حوالي 600 هدف، محطماً أو مدمراً ما يقرب من 220 مركبة مدرعة، و 200 من منشآت الذخيرة. ومع ذلك، فإن هذه الجهود مشتتة حيث يقوم حلف “الناتو” في المتوسط بشن ستين غارة جوية فقط في اليوم موزعة على القيادة والسيطرة والخدمات اللوجيستية وأهداف القوات، وفي مسرحي القتال الغربي والشرقي من البلاد. وفي حين أن المستوى الحالي من الجهود (على الأقل) ينبغي أن تسحق قوات النظام في نهاية المطاف، إلا أن العملية يمكن أن تطول بحيث تستغرق أسابيع إن لم تكن أشهراً.
وفي عملياته البحرية يساهم حلف “الناتو” بشكل فعال في جهود المتمردين في الحرب من خلال إبقاء ميناء مصراتة مفتوحاً مما يسمح للمتمردين بنقل التعزيزات من الرجال والأسلحة إلى مصراتة من الشرق، ولإخلاء الجرحى وغير الضروريين. وتُظهر محاولة 29 نيسان/أبريل من جانب النظام لتلغيم الميناء مدى خطورة الوصول إلى الميدان من جانب قوات التمرد.
الصراع المتطور
لا تُعتبر الحرب مأزقاً وذلك لعدة أسباب، فالاستنزاف قائم، وخسارة الرجال والعتاد هي على الأرجح في صف المتمردين، والإصابات المستمرة للنظام سواء بسبب الضربات الجوية أو هجمات المتمردين تشمل أنظمة قتال رئيسية مثل الدبابات وغيرها من المركبات القتالية المدرعة وقاذفات الصواريخ وكذلك الأفراد العسكريين المدربين. وعلى النقيض من ذلك، تبدو خسائر معدات المتمردين محدودة، كما أن العجز في قوتهم البشرية يبدو أنه يتم تعويضه دون صعوبات كبيرة.
وقد أثبتت قوات النظام قدرتها على التكيف. فحتى مع السيطرة الكاملة لحلف “الناتو” على المجال الجوي، استخدمت القوات الموالية للقذافي المشاة المدعومة بالدبابات في قتال ضيق في مصراتة، واستخدمت المدفعية في المدن والضواحي، بتوفيرها بشكل أساسي رداً للقوة الجوية لـ “الناتو”، وخلقت فرق عمل مسلحة موحدة ومتنقلة للقيام بعمليات في المناطق الريفية.
كما أن المتمردين أيضاً قد تأقلموا [مع التطورات على أرض المعركة]. ففي مدينة مصراتة أظهروا بعض المهارة في القتال المدني مستخدمين حواجز مؤقتة وفرق “صيادي الدبابات”. وبالإضافة إلى ذلك، فإن أسلحتهم قد تحسنت أيضاً حيث تظهر على ساحة القتال مدافع مضادة للطائرات محمولة على مركبات، وبنادق عديمة الارتداد، ومدافع هاون. وتشمل المصادر المحتملة لهذه الأسلحة ما استردوه من قوات العدو في أرض المعركة، وما استولوا عليه من مخزون النظام. وعلاوة على ذلك، فقد قام المتمردون بنشر وسائل لإعادة إمداد وتعزيز مصراتة من الشرق و– كما هو موضح من قبل — القدرة على تنظيم وتنسيق المقاومة في مناطق جبل نفوسة. وقد ساعدت هذه التكيفات على إحباط عمليات النظام بشكل أساسي في الغرب.
وقد تطورت عمليات “الناتو” هي الأخرى، بما في ذلك تعديلات لمواجهة مناورات قوات النظام، كما تشمل التغيرات تركيزاً على إيجاد وضرب أنظمة الأسلحة الرئيسية، وشن هجمات على مواقع القيادة والسيطرة والنقل والإمداد واستخدام الطائرات بدون طيار.
وفي الشرق لم تنته الحرب، لكن نصراً كبيراً قد توقف قرب مرسى البريقة وأجدابيا. على أن غياب القتال قد سمح للمتمردين بإعادة تنظيم وتدريب الوحدات وإرسال التعزيزات إلى مصراتة مع مواصلة كبح جزء من قوات النظام. وبحثاً عن فرصة، بدأ النظام العمل في الواحات جنوب أجدابيا فاستعاد واحة الكفرة، واستخدمها على الأرجح كقاعدة عملياتية يمكن من خلالها للقوات الزحف شمالاً نحو أجدابيا. غير أن سيطرة “الناتو” على المجال الجوي تجعل من المستبعد أن يحقق الموالون للقذافي نتائج كبيرة من خلال موضعهم الجديد هذا.
الخلاصة
إن إصرار النظام على القتال للسيطرة على جميع أنحاء ليبيا يضعه في خطر فقدان كل شيء. فمع تضاؤل الموارد لم يعد النظام قادراً على حشد قوات كافية لهزيمة المتمردين بصورة حاسمة. وفي الوقت نفسه، لم يتنازل الموالون عن أية مناطق مؤخراً. وأياً كان السيناريو اليوم، فإن استراتيجية طرابلس كانت ستؤتي ثمارها لولا تدخل حلف شمال الأطلسي.
وقد التزم “الناتو” بوضوح باستخدام قوة محدودة في صراع طويل. وكما أُشير سابقاً فإنه حتى الحرب المطولة سوف تنتهي على الأرجح بهزيمة النظام مما يفترض مواصلة حلف شمال الأطلسي لعملياته عند نفس المستويات الحالية على الأقل. لكن التكلفة التي سيعانيها الشعب الليبي سوف تكون هائلة في كل من الإصابات والأضرار وكذلك الاحتماليات المخيفة بصعوبة التعافي الاقتصادي بعد الحرب فضلاً عن النزاع السياسي المستمر. يجب على المتمردين تحسين قدراتهم الهجومية والدفاعية على حد سواء. وينبغي على حلف شمال الأطلسي مواصلة الضغط عند المستويات الحالية على الأقل. وإذا كان هناك التزام أكبر من موارد “الناتو” للمعركة ومساعدة المتمردين، فضلاً عن قدر أكبر من الاستعداد لتحمل المخاطر في استخدامها، فإن الحرب يمكن أن تصبح قصيرة، مما سيقلل من تكلفتها.
جيفري وايت هو زميل للشؤون الدفاعية في معهد واشنطن، متخصص في الشؤون العسكرية والأمنية.