إنفانتينو كان مستعداً لهدم كل الإصلاحات المستحدثة لأن راتبه أقل من راتب “بلاتر”!
كان بين مفاجآت كونغرس “الفيفا” في مكسيكو قبل أيام أن السيد “غياني إنفانتينو” انقلب على تعهّدات قيل أنه كان قدّمها قبل انتخابه بالتراجع عن قرار منع الكويت من المشاركة في ألعاب “الفيفا”! الأمر الذي كشف مدى ارتباطه بنفس مجموعة الشخصيات الأوروبية والعربية والإفريقية التي كانت تتحكم بشؤون “الفيفا” (وبشؤون “اللجنة الأولمبية الدولية”، بقيادة “توماس باخ”) في عهد سلفه “سيب بلاتر”. ثم جاءت المفاجأة الكبرى في استعداد إنفانتينو للإطاحة بكل الإصلاحات التي تم استحداثها قبل 3 سنوات لمجرّد أن الراتب الذي سيتقاضاه لن يكون بمستوى راتب “سيب بلاتر”!
أسطورة إنفانتينو “الإصلاحي” سقطت بعد 3 أشهر من انتخابه! المقابلة التالية التي أجرتها جريدة “لوموند” الفرنسية مع “مهندس إصلاحات الفيفا” تنتهي إلى “حكم مبرم” بحق إنفانتينو الذي يمكن أن يطيح به ما يمكن أن تكشف عنه وثائق “بناما ليكس” المقبلة! “الفيفا” من فساد بلاتر إلى فساد إنفانتينو!
*
يمر السويسري « غياني إنفانتينو »، الذي انتخب رئيساً لـ »الفيفا » (الإتحاد الدولي لكرة القدم) في 26 فبراير، في ما يشبه « منطقة اضطرابات »! ففي 14 مايو، غداة انتهاء الكونغرس الـ66 للفيفا في مكسيكو، أعلن السويسري الآخر « دومينيكو سكالا »، مسؤول اللجنة «المستقلة» لتدقيق الحسابات ومراقبة تقيّد «الفيفا» بقوانينها منذ 2013، عن استقالته احتجاجاً.
في ما يلي مقابلة أجرتها «لوموند» الفرنسية مع البروفسور في جامعة «بال»، المحامي الجنائي «مارك بييت»، الذي كان رئيس لجنة إصلاحات «الفيفا» بين العام 2011 والعام 2013، وينتهي فيها إلى أن ما رحيل «دومينيكو سكالا» يمكن اعتباره إبعاداً له وليس استقالة طوعية.
لوموند: كيف تنظر إلى استقالة « دومينيكو سكالا »؟
هنالك تفسير بنيوي، أي مسألة مبدئية، وهنالك بالطبع سبب شخصي. أولاً وقبل كل شي، فما جرى أمر جوهري. حينما بدأنا عملية إصلاح « الفيفا » في العامين 2011 و2012، كان بين أول ما قمنا به هو أننا أبلغنا « سيب بلاتر » (رئيس « الفيفا » بين 1998 و2015، حينما أصدرت « لجنة الأخلاق » في « الفيفا » قراراً بإبعاده لمدة 6 سنوات) أنه لا يحق له هو أن « يقرّر مَن الذي سيتولى أي تحقيق، ومن الذي يراقب الفيفا، بل أن ذلك القرار ينبغي أن يصدر عن أشخاص مستقلين ».
وكان أول بنود الإصلاح هو استحداث منصب رئيس تدقيق الحسابات، هو السيد « دومينيكو سكالا »، إضافة إلى محقق وقاضي (يتوليان،على التوالي، منصب رئيس غرفة التحقيق، ومنصب رئيس لجنة الأخلاق في « الفيفا ». مع مناصب نوّاب لكل منهما.
لكن، ما الذي قرّره كونغرس « الفيفا » في مكسيكو؟
لقد سمج ذلك الكونغرس للأشخاص الذين ينبغي أن يكونوا خاضعين لتدقيق الحسابات باستبعاد الأشخاص الذين تتمثل وظيفتهم في مراقبتهم، وباستبدالهم بأشخاص ربما يكونون أكثر طواعية!
« لوموند »: أي أن قرار كونغرس مكسيكو بمنح « مجلس الفيفا » الذي يرأسه غياني، وحتى العام 2017، سلطة تعيين أو إقالة أعضاء لجنة تدقيق الحسابات والإمتثال للقوانين والأخلاق، يفسّر إلى حدّ ما استقالة « دومينيكو سكالا »؟
نحن أمام مشكلة كبيرة جداً. أنا أعتقد أن السيد « دومينيكو سكالا » فعل الشيء المنطقي الوحيد الذي كان ينبغي له القيام به. فحيث أنه اعتبر أن القرار ينزع عنه استقلاليته، فقد قرّر أن يرحل بدلاً من الدخول في مناكفات يومية مع إنفانتينو حول هذه المواضيع. هذا مؤسف جداً.
لدي معلومات بأنهم حاولوا قبل يوم واحد أن يبعدوا « دومينيكو سكالا »، عبر دفعه للإستقالة. وكانت هنالك تهديدات قوية من نوع « سوف نطردك »، وهذا الكلام صدر أثناء الإجتماع الكامل الأعضاء، وقد ردّ هو عليهم قائلاً « ماذا تنتظرون، اتخذوا قراراً بإبعادي »! إن الإستقالة كانت بمثابة الخطة « ب »، أما الخطة « أ » فكانت تقضي بإبعاده بقرار من الكونغرس.
« لوموند »: لماذا؟
كان « دومينيكو سكالا » رئيس هيئة تدقيق الحسابات وكان أيضاً رئيساً للجنة مخصصات « الفيفا ». وحتى قبل انتخاب إنفانتينو، في 26 فبراير، كان « دومينيكو سكالا » قد اتخذ قرارات تتعلق براتب رئيس « الفيفا »، وبصلاحياته. فقد تقرّر فصل الوظيفتين. وحسب القوانين الحالية لـ »الفيفا »، فإن السكرتير العام هو المسؤول عن العمليات، والشؤون التجارية، في حين يتولى الرئيس الإشراف العام على عمل المنظمة، أي أن منصبه سياسي. ويبلغ راتبه السنوي 2 مليون فرنك سويسري (1،8 مليون أورو). كما تذهب العلاوة الإضافية على الراتب إلى السكرتير العام (الذي يقبض سنوياً أكثر من الرئيس). ذلك القرار كان مرفوضاً من إنفانتينو إلى درجة أنه قرّر التخلص من « دومينيكو سكالا » بغية استبداله بشخص يكون من أصدقائه. وهذه ممارسة « بلاترية » (نسبةً للرئيس السابق « سيب بلاتر ») كما كان الأمر في السابق، تقوم على وظائف وهيكلية تقتصر على أصدقاء الرئيس.
« لوموند »: أي أن إنفانتينو اعتبر أن راتب 2 مليون فرنك سويسري ليس مقبولاً؟
الأمر أسوأ من ذلك. فهو كان مستعداً لتدمير كل ما تم من إصلاحات، أو القسم الأساسي من الإصلاحات، وهو الهيئات المستقلة، من أجل مصلحته الشخصية. وكان مستعداً للعودة إلى الوضع الذي كان سائداً قبل 2012، في عهد « بلاتر »، حينما باشرنا بالإصلاحات. فأنت حينما تلغي وظيفة الهيئات المستقلة، فذلك يعني أن كل ما تبقى من إصلاحات هو مجرد عمليات تجميل. وهذا لأن إنفانتينو لا يقبل براتب 2 مليون فرنك سويسري. وهذا يعني أنه يقول « طالما أنكم لا تعطوني الراتب الذي كان « بلاتر » يحصل عليه (3،6 مليون فرنك سويسري، أي 3،25 مليون أورو في 2015)، فقد قرّرت أن أطيح بكل عملية الإصلاح »!
« لوموند »: أنت، شخصياً، هل تعتبر إنفانتينو إصلاحياً؟
كانت دائماً تراودني شكوك بشأنه. في العام 2013، اصطدم إنفانتينو مع بلاتيني (رئيس الإتحاد الأوروبي لكرة القدم بين 2007 و2016، حينما صدر قرار بإبعاده لمدة 4 سنوات) حول مبدأ « اختبار النزاهة » (الذي ينبغي لـ »الفيفا » إجراؤه). وحينما تمّت مواجهة إنفانتينو بموقفه السابق هذا أثناء حملته الإنتخابية لترؤس « الفيفا »، كان جوابه أن « الأزمنة تغيّرت »! ولكن ما حدث في الأيام الأخيرة لا يوحي بأننا فعلاً أمام سياسة جديدة!
أنا شخصياً، بصفتي مهندس الإصلاح، وصلت إلى قناعة بأنه لم يعد بوسعنا أن نصدّق « الفيفا »! وهذا أمر مؤسف، لأن الجميع كان يأمل في أن وصول رئيس جديد لـ »الفيفا » سيسمح بالتحرر من أعباء الماضي. والحال، فقد وقعنا بصورة كاملة في « البلاترية »، بل وبصورة أقل مرونة واكثر علنية مما كان الوضع عليه في عهد « بلاتر ».
بل إن بعض الصحف السويسرية نشرت عناوين من نوع « الديكتاتور إنفانتينو »! وقد وصل بعض المعنيين إلى درجة الغضب. فقد أعطى الأمير « علي بن الحسين » مقابلة لجريدة « الدايلي تلغراف » البريطانية تحدث فيها عن « خيانة » إنفانتينو. إن من يعرفون أفكار ومفهوم الإصلاح يعرفون بوضوح ماذا يجري حالياً.
« لوموند »: يعني كلامك أن القرار الذي اتخذه كونغرس مكسيكو يمثّل تهديداً لأعضاء « لجنة الأخلاق » في « الفيفا »؟
ربما سيظلون في مواقعهم حالياً. والسبب هو أنه سيكون صعباً جداً على إنفانتينو أن يقوم بإبعادهم. لننتظر ونرى ماذا سيحدث إذا ما قرّرت « لجنة الأخلاق » أن تدرس موضوع « أنجيل فيلار » (نائب الرئيس الأول للإتحاد الأوروبي لكرة القدم، الذي صدرت بحقه غرام بقيمة 25000 فرنك سويسري مع « تنبيه »، في نوفمبر 2015). هنالك خطر كبير جداً يطال هذه المجموعة من الناس، التي تقيم علاقات وثيقة في ما بينها، إذا ما تم فتح تحقيق حول « أنجيل فيلار »! كذلك، لننتظر ونرى ماذا سيحدث إذا ما تم نَشر وثائق جديدة حول إنفانتينو نفسه في ما يسمى « أوراق بناما » (« بناما ليكس »)!
« لوموند »: لكن القرار الصادر في 13 مايو بتعيين السنغالية « فاطمة سمورة » لمنصب السكرتير العام للفيفا يمثّل خطوة جيدة، أليس كذلك؟
من حيث المبدأ، ففكرة تعيين إمرأة، من إفريقيا، لمنصب السكرتير العام للفيفا هي فكرة جيدة. إنها مؤشر. ولكن تم اقتراح إسمها في الدقيقة الأخيرة. كما لم يتم إخضاعها لـ »امتحان النزاهة » الإلزامي. لقد تصرّف إنفانتينو بصورة تتعارض مع قوانين « الفيفا » من أجل إنجاح إنقلابه الصغير هذا. لم تكن طريقة تقديم الموضوع سليمة!
ردود فعل « الفيفا » على المقابلة الواردة أعلاه:
ردّاً على أسئلة جريدة « لوموند » حول « راتب » رئيس « الفيفا »ـ السيد غياني إنفانتينو، كان جواب « الفيفا » أنها تشعر بالذهول لأن السيد « بييت » يملك معلومات حول « رواتب الموظفين » التي يفترض أن تكون « شأناً شخصياً وسرياً ». وأضافت أن السيدين « كورنيل بوربولي »، و »هانس يواكيم إكيرت »، وهما على التوالي رئيس غرف التحقيق، وقاضي لجنة الأخلاق، أخذا علماً باستقالة « دومينيكو سكالا ». وهما يعتبران أن « قرار الكونغرس… لا يؤثر في محتوى عملهما ». وقد أعلنا أن « الغرفتين ستواصلان عملهما باستقلالية تامة ».