الشيعة اللبنانيون أسوة بغيرهم من اللبنانيين هاجروا الى ارض الله الواسعة طلبا للأمان والرزق او العلم. ولا شك ان النسبة الأعلى للهجرة شهدها لبنان خلال الحروب المتعاقبة، سواء الداخلية منها او تلك الاسرائيلية المتكررة ضد لبنان.
الهجرات الشيعية اتجهت الى مختلف انحاء العالم ولكنها تركزت في مناطق ودول محددة. لكن اللافت في خريطة الهجرة الشيعية ان إيران لم تكن يوما قبلة المهاجرين الشيعة لا في العقود الأخيرة ولا في بدايات القرن الفائت. فقط استقطبت إيران بضع مئات من طلاب العلوم الدينية بسبب إغلاق أبواب النجف الأشرف لأسباب سياسية معروفة.
شكلت دول الخليج العربي مركز استقطاب لهجرة واسعة لهم، والدول الأفريقية بدرجة ثانية، وبالحجم نفسه استقطبت استراليا وكندا والولايات المتحدة الاميركية عشرات الآلاف من الشيعة خلال العقود الثلاثة الماضية. كما استقطبت الدول الاوروبية الغربية مثلهم، من المانيا الى فرنسا والدول الإسكندنافية وغيرها من دول اوروبا بشرقها وغربها.
ورغم تعاظم دور إيران في لبنان من خلال تعاظم دور حزب الله محليا وإقليميا، لم تشكل يوما حلما للهجرة لغالبية الشيعة اللبنانيين. فرغم الترويج للنموذج الإيراني واعتباره في الثقافة الشيعية السياسية السائدة الدولة الممهدة لظهورالامام المهدي ونموذج العدالة الاجتماعية وحكم الله على الارض، لم يؤدّ هذا الترويج، منذ أكثر من عقدين، الى جعل الجمهورية الاسلامية قبلة المهاجرين الشيعة. هذا من دون ان نبحث في ما إذا كانت هذه الجمهورية تتيح الهجرة اليها. فعلى الأقل لم تبرز اي شكوى لبنانية، شيعية تحديدا، من اغلاق ايران ابوابها خلال العقود الماضية وتحديدا بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران عام ١٩٧٩.
وحتى يومنا الحالي يشكل الغرب عموما والخليج العربي خصوصا مناطق يتطلع اليها اللبنانيون من طالبي الهجرة، والشيعة منهم. والسبب لا يحتاج إلى كثير من التحليل. فهذه الدول، ومع اختلاف انظمتها، ملََكية كانت أو دينية او ليبرالية ديمقراطية، اتاحت فرصا لعشرات الآلاف من الشيعة. فرص عمل وفرص جني الثروات التي ساهمت في انخراط آلاف الطلاب الشيعة في جامعات العالم.
وقد ساهمت هذه الهجرة في دعم الاقتصاد اللبناني وإعالة الآلاف من العائلات، خصوصا في الجنوب اللبناني الذي شهد هجرة واسعة أكثر من أي منطقة لبنانية بسبب الحروب الاسرائيلية والداخلية. والطفرة المالية والاقتصادية التي شهدتها الطائفة الشيعية منذ بداية السبعينات شكلت هذه الهجرة مصدرها الاول.
ايران لم تكن قبلة هؤلاء ولم تدرج كخيار في حالات انعدام فرص الهجرة: لماذا؟ هو سؤال جدير بالتفكير اذ لمَ لا يشكل نموذج “حكم العدالة الالهية في الارض” كما ينضح الخطاب السياسي والديني جاذبا للمهاجرين الشيعة اليوم؟
من خلال الوقائع المادية والتجارب فإنّ إيران ليست فعلاً نموذجاً جاذباً للهجرة الشيعية فضلا عن اللبنانية عموما، كما تثبت الأرقام. وهي ليست جاذبة من الناحية الاقتصادية، ولا بطبيعة الحال تشكل جامعاتها الحلم الذي يراود كل شاب شيعي طامح إلى بناء مستقبله العلمي. ولا يبدو ان نمط الحياة في تلك الدولة مغريا لمن يبحث عن مكان يستقر فيه ليضمن الدنيا والآخرة، كما يقول المتدينون فضلا عن غيرهم.
يبدو ان الجاذبية الاساس للهجره الشيعيه تتركز هذه الأيام باتجاه “الشيطان الاكبر” في اميركا او الشيطان الأصغر في اوروبا ،أو الى بلدان “منبع الحقد على الشيعة”، على ما يروج الخطاب الشيعي التقليدي، أي معظم دول الخليج العربي . اما دولة العدل والحرية والاسلام ودولة نائب الامام والممهدة له فلا تخطر على بال هذه الجموع الشيعية المقيمة في دول الغرب، على سبيل المثال لا الحصر. اوحتى في أدغال أفريقيا… فعلاً، سؤال يوجه ايضا الى القائمين على دولة الاسلام في ايران لماذا يحب هؤلاء ان يعيشوا في بلاد “الشياطين” ولا يرغبون بالعيش في دولة الاسلام؟
الشيعة اللبنانيون المهاجرون في أفريقيا وأميركا والخليج العربي ساهموا كغيرهم في بناء هذه الدول. ولأنهم لا يزالون يطمحون للسفر اليها او البقاء فيها ويطرد بعضهم ظلما وعدوانا، فهم معنيون ان يحافظوا على هذه الطريق من لبنان الى الخليج والى اوروبا وأفريقيا وأميركا، أن يحافظوا عليه في الاتجاهين، هو الذي صار تقريبا باتجاه واحد: من الخليج الى لبنان، كما بات يلمس الكثيرون من الشيعة.
كل ذلك لا يقلل من التقدير بالحضارة الايرانية ولا من دعم ايران لفئة من اللبنانيين ولا من دعم هذه الفئة لنموذج الجمهورية الاسلامية في ايران .
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
نُشِر في “البلد”
لماذا “يقاطع”المهاجر الشيعي ايران؟! – يفضل اللبناني والشيعي التوجه نحو دول العالم المتحضر على دول الخليج البدائية, مقارنة بلبنان, كما أن سهولة التجنّس في بلاد المهجر على استحالتها في دويلات العرب كان الكابح الرئيس لاندفاع الشيعة واللبنانيين عامة نحو الخليج – سوى بعض ذوي الخبرات. – بعكس دول الخليج تملك إيران – حتى قبل الثورة الإسلامية – خبرات وأدمغة لا يستهان بها جعلتها تستغني عن استيرادها; كما تفعل دول المجلس. فكان من الطبيعي للبناني أن يولي وجهه شطر الدول التي تفتقر إلى خبرته ومهارته سواء الحرفية أو التجارية, لذا لم تشكل إيران جاذباً له. – ولا ننس أن سنين الحرب… قراءة المزيد ..