باريس – «الراي»
«سوف يصلكم على حسابي رقم —– مبلغ 13 مليون فرنك فرنسي، أتمنى عليكم تسليم هذا المبلغ نقدا في فترة ما بين 7 و25 ابريل 1995، إلى السيد مصطفى الجندي».
سطران كتبهما شيخ كويتي الى بنك سويسري في الخامس من ابريل 1995 يلخصان فضيحة احد ابرز ابطالها سمسار تجارة السلاح اللبناني الفرنسي زياد تقي الدين، والهدف كان رشوة رئيس وزراء يميني فرنسي سابق كان مرشحا لرئاسة الجمهورية من عمولات في صفقات اسلحة كان له دور في تنفيذها.
لم يقم الشيخ الكويتي، بحسب القاضي رينو فان ريومبيكه الذي حقق في القضية، سوى بإعارة «حساب عبور»، في حين ان الجندي، متلقي المبلغ، هو التابع المخلص لتقي الدين.
إما ان يكون الشيخ قد قام بذلك لوجه الله وإما ان له مصلحة في ذلك… يبقى المعنى في قلب الشاعر.
القصة كما اوردتها صحيفة «لو كانار انشينيه» الفرنسية ان تقي الدين، الوسيط في عملية بيع ثلاث غواصات وثلاث فرقاطات فرنسية إلى باكستان والسعودية في 1994، قال للقاضي ريومبيكه وهو ينظر مباشرة في عينيه: «لم ادفع فلسا واحدا لاي سياسي في فرنسا». لكن الصحيفة اوضحت ان القاضي لم يقتنع، وهو الذي يشرف بشكل كامل على التحقيق.
التحقيقات افادت انه تم فرض تقي الدين كوسيط على صفقتي السلاح بواسطة فرانسوا ليوتار، الذي كان وزير الدفاع في ذلك الوقت، وعمل القاضي على تحديد ما إذا كان جزء من عمولة الـ 80 مليون فرنك التي تلقاها اللبناني – الفرنسي وشريكه عبد الرحمن الأسير قد عاد إلى فرنسا من اجل تمويل، على سبيل المثال، الحملة الانتخابية الرئاسية لرئيس الوزراء في ذلك الحين ادوار بالادور في العام 1995 او الحزب الجمهوري لفرانسوا ليوتار.
أرسلت السلطات السويسرية إلى القاضي وثيقة تبين انه في ابريل 1995، تم سحب 13 مليون فرنك فرنسي نقدا من احد البنوك السويسرية من قبل ممثل عن تقي الدين (من حساب الشيخ الكويتي)، وهو المبلغ نفسه الذي تم ايداعه في ابريل 1995، نقدا في حساب مرشح رئاسة الجمهورية السيئ الحظ وعجز امين صندوق حملة بالادور رينيه جالي دوجان عن شرح مصدره بل وحتى عمن يكون قد اودعها في البنك.
مصدر الاموال هو شركتا «رابور» و«مركور» اللتان يملكهما تقي الدين وشريكه الاسير اللذان تلقيا العمولات. ثم تم نقل المبلغ فورا بعد ذلك إلى حساب الشيخ الكويتي في بنك تحالف Alliance de Geneve SCS في جنيف. وقبل وصول الاموال حتى إلى البنك، كان الشيخ قد اعطى الامر بجعلها نقدا في متناول يد لبناني يدعى مصطفى الجندي. والغريب ان ذلك كان حتى 25 ابريل فقط. اي بعد يومين من الانتخابات الرئاسية. لم يقم الشيخ «سوى بتقديم حسابه»، حسب اقوال القاضي في المحضر، في 9 مايو الماضي.
تكتب الصحيفة الفرنسية: «بمجرد وصول النقود إلى يد الجندي الغامض، اختفى اثرها. ولكن بالتأكيد ليست النقود نفسها هي التي اختفت. من هو هذا اللبناني الكريم، المستعد دائما للمساعدة؟ في تلك الفترة، كان سكرتير الاسير. ولكنه كان بالاخص مقربا من تقي الدين، الذي كان، من بين امور اخرى، مدير شركة ريفييرا بروبرتي، ومالك الفيلا الفاخرة في كاب دانتيب، ذات المسبح الشهير الذي كان يحب ارتياده اعضاء حزب الاتحاد من اجل حركة شعبية، جان فرانسوا كوبيه وبرايس اورتفو».
وتتابع الصحيفة: «إذا كان سحب 13 مليون يبدو الاكثر اثارة للقلق، فهو ليس الوحيد من نوعه، فبين يونيو 1994 ويوليو 1995، جرى القيام بـ 13 سحبا نقديا، في كل مرة، كان تقي الدين متواجدا في جنيف. احيانا لمدة ساعتين فقط، تماما في وقت اتمام العملية. مصادفة! يرد تقي الدين منكرا الامر».
وتوضح: «في 28 يوليو 1994، بعد ساعات على اجراء احد السحوبات، تم القبض على تقي الدين على الحدود الفرنسية وفي حوزته 500000 فرنك مخبأة تحت مقعد سيارته».
والاكثر من ذلك، تقول الصحيفة انه «في اليوم الشهير من 6 ابريل 1995، عشية الانتخابات الفرنسية، عندما سحب الجندي 10 ملايين فرنك من البنك، كان تقي الدين (هو نفسه دائما) موجودا في جنيف. عاد مساء اليوم نفسه إلى باريس، وفي اليوم التالي، في 7 ابريل، كرر الجندي الامر وسحب مبلغا اضافيا بقيمة 2 مليون. مفاجأة، عاد تقي الدين إلى سويسرا».
وتضيف: «يسأل القاضي تقي الدين: لماذا كررت ذهابك وايابك بين باريس وجنيف ان لم يكن من اجل احضار الاموال المسحوبة من قبل السيد الجندي واعادتها إلى باريس؟ يجيب بغطرسة: أردت العودة لدياري من اجل رؤية عائلتي».
وتوضح: «يبقى ان نعرف لماذا اتخذ تقي الدين الكثير من الاحتياطات لجعل المتلقين مجهولين تماما. هل يريد فقط تغطية تحركاتهم لتجنب الملاحقة القضائية المحتملة ضده؟ او انه على العكس، تصرف كرجل مسخّر، بحيث تبرع بجزء من عمولاته إلى السياسيين؟ أم قليلا من الاثنين؟»
تنهي الصحيفة تحقيقها المطول بالفقرة الاتية: «في الخامس من ابريل 1995، اخطر الشيخ الكويتي بنك جنيف: سوف يصلكم على حسابي رقم —– مبلغ 13 مليون فرنك فرنسي، أتمنى عليكم تسليم هذا المبلغ نقدا، بحسب امكانياتكم، في فترة ما بين 7 و25 ابريل 1995، إلى السيد الجندي».
كان السابع من ابريل هو اليوم الذي يسبق الجولة الاولى للانتخابات الرئاسية، والخامس والعشرين من ابريل كان بعد يومين من الجولة الثانية