سؤال استباقي يفرضه التحريض الذي يسري كالنار في الهشيم داخل بيئات شيعية وبيئات فلسطينية. يكفي ان تعلن جهات رسمية او قضائية، او ان تتناقل وسائل اعلام معينة مقولة ان السيارتين اللتين انفجرتا في بئر العبد والرويس اعدتا وخرجتا من مخيم برج البراجنة، لتستنفر النفوس وتستفيق الاحقاد، وتستحضر كل مرادفات العنصرية والمذهبية لتعمي العيون والصدور.
الجاري ترسيخه في وعي الناس ان السيارتين خرجتا من مخيم برج البراجنة، اي ان الذي نفذ الجريمتين في بئر العبد والرويس هو فلسطيني. هذه الفرضية تحولت الى حقيقة في البيئة المستهدفة. ليس هناك من اعترف وأقرّ، ليس لدى الاجهزة الامنية او العسكرية اي متهم يؤكد ان اياً من سيارتي التفجير خرجت من مخيم برج البراجنة، فضلا عن عدم وجود اي هوية معلنة لمتورط في هذين التفجيرين. لكن ثمة من تعامل مع هذه الفرضية على انها الحقيقة وبدأ يبني على اساسها. والمؤسف هو صمت البعض، الذي بدا تثبيتا لرواية خرجت، بشكل مريب، عن تفجير بئر العبد، بعد ساعات من تفجير الرويس.
ليس هناك اي تأكيد رسمي او قضائي يثبت حقيقة ما يتم تداوله. بل ثمة محاولة تركيب ملفات على بعضها البعض، بحسب مصادر فلسطينية في حركة حماس، ومحاولة ربط واختلاق ملفات من دون ان تكون لها صلة ببعضها البعض.
المعلومات المتداولة، والمنسوبة الى مصادر امنية، غير مؤكدة في طبيعة الحال، كشفت عن علاقة بين تفجيري طرابلس والنظام السوري. هذه المعلومات خففت من الذعر في المخيمات الفلسطينية، لا سيما ان لدى الفلسطينيين عموما شعوراً دائماً، كما يقول مصدر سياسي فلسطيني: “كل جريمة بطلها فاعل من النظام السوري في لبنان، يجب ان يليها استحضار ابو عدس فلسطيني”. ويتابع المصدر ان “معظم القوى السياسية اللبنانية تحدثت عن ان الفاعل واحد في تفجيري طرابلس وتفجير الرويس، لذا يمكن ملاحظة تراجع نسبي في الحملة الاعلامية على تحميل مخيم برج البراجنة والفلسطينيين عموما مسؤولية التفجيرات”.
الاحتقان الفلسطيني – الشيعي لم يتراجع. ما زالت الروايات المشبوهة وغير المؤكدة تغذيه. فلا جهد يبذل لتوضيح الحقائق، وتحديد المسؤوليات. ابناء المخيم الذين خبروا او سمعوا بحرب المخيمات، لا يمانعون ان يدخل حزب الله الى المخيم ويقوم بدورياته داخل احيائهم. المهم الا تنفجر المواجهات مع المحيط. لا ينفي بعض ابناء المخيم حقيقة وجود اتجاهات سلفية داخل المخيم، وان البعض اعترض على قيام حزب الله بوضع حاجز على مدخل المخيم الرئيس، الذي كاد يؤدي بقاؤه الى مواجهات، لكن استلام الجيش اللبناني الحاجز مع قوى الامن الداخلي خفف من التوتر. علماً انها المرة الاولى التي يقوم الجيش، منذ سنوات طويلة، بوضع حاجز على مدخل المخيم، خلافا لبقية المخيمات الفلسطينية، ما يطرح التساؤل عن الجهات التي حالت دون وضعه طيلة السنوات الماضية. وبالتأكيد مع استمرار حواجز حزب الله على المداخل الجانبية من جهات الشرق والشمال والجنوب.
القوى الفلسطينية الرئيسة، لا سيما حركتا فتح وحماس وغيرهما من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، اعلنت تضامنها مع ضحايا الرويس وزارت وفودا قيادية منها موقع الانفجار مستنكرة. لكن ذلك لا يمنع وجود مجموعات فلسطينية استفادت من حماية سلاح المخيمات، لخلق جزر امنية داخل هذه المخيمات. هي مجموعات كانت تزداد قوة بسبب الشرخ المذهبي، وتستعين على ذلك اليوم بالازمة السورية، رغم ان بعضها لطالما استثمر العلاقة مع النظام السوري وحزب الله واجهزة امنية للاستقواء على حركة فتح في سنوات سابقة.
في هذه المرحلة لا بد من استحضار محاولات شتى سعت من خلالها القيادة الفلسطينية الى تنظيم السلاح الفلسطيني في المخيمات وحصره في اطار فلسطيني بأمرة الجيش اللبناني. كل هذه المحاولات كانت ترفضها جهات لبنانية واقليمية معروفة لكن الفلسطينيين في المخيمات اليوم يدركون ان السلاح في المخيم لم تعد له علاقة بفلسطين، وهم اكثر من تأذى منه. وثمة رعب فلسطيني داخل المخيمات، من ان يُدفعوا نحو حرب لا يريدونها.
فهل تدفع المخيمات ثمن موقف معظم الفلسطينيين – افرادًا وفصائل- المؤيد للثورة السورية؟
alyalamine@gmail.com
البلد