من لم يقرأ في حياته نصا روائيا راقيا أو قصيدة حب حالمة، و انشغل بقراءة الكتب الصفراء وقصص أهل الكهوف و المغارات وأساطير القرون الغابرة، فحتما ستكون ثقافته الأدبية مختلفة.
ومن لم يحضر في حياته عملا مسرحيا إبداعيا، و اكتفى بعروض مجالس النميمة والقيل والقال والخوض في أعراض الناس وأنسابهم، فمن الطبيعي أن تكون ثقافته المسرحية مختلفة.
ومن لم يشاهد في حياته من الأفلام السينمائية سوى أفلام الغزوات التاريخية المليئة بقعقعة السيوف و نحر الرقاب و سبي النساء، فمن الغريب ألا تكون ثقافته السينمائية مختلفة.
ومن يحرم الغناء و العزف و ترديد قصائد الحب الملحنة، مكتفيا في أحسن الأحوال بسماع أناشيد الجهاد و الغزو، فمن المستحيل ألا تكون ثقافته الغنائية مختلفة
و من لم يسطر في حياته مقالا علميا أو أدبيا أو سياسيا رصينا ، و حصر قلمه في كتابة مقالات البذاءة و الشتم و التحريض و الإقصاء، فلا بد أن تكون ثقافته القلمية مختلفة.
ومن لم يزر من الأماكن الفسيحة في العالم سوى بيت جدته أو خالته، فلا بد أن تكون ثقافته الجغرافية و معرفته بالشعوب و الأقوام و البلدان و الثقافات مختلفة.
ومن لم ينجز في حياته أي عمل أو بحث أو مشروع إنساني و اكتفى بمراقبة الناس و التدخل في خصوصياتهم و تكفيرهم، و الانشغال “بمثنى و ثلاث و رباع” فلا بد أن تكون ثقافته الاجتماعية مختلفة.
ومن لم يعرف من ثورة الاتصالات و تكنولوجيا المعلومات سوى إرسال رسائل التهديد و التكفير والتشنيع الالكترونية و الدخول إلى مواقع الفتاوي المهدرة للدماء، فلا بد أن تكون ثقافته الانترنتية مختلفة.
ومن لم يكن يتخيل يوما أن يجلس على مقعد المشرع، و ينعم بالتالي بمزايا الجواز الخاص والراتب العالي والسيارة الفارهة والحصانة البرلمانية، فمن الطبيعي أن تكون ثقافته القانونية والتشريعية مختلفة.
وهكذا فانه ليس من المستغرب على هؤلاء إن اعترضوا مسيرة الثقافة و الإبداع الأدبي و الفكري و الثقافي و الفني و النقدي في البحرين بهجمة عمياء و ثورة شرسة على الحب و الجمال و الخير و القيم الإنسانية الرفيعة التي يهدف المبدعون، كل في مجاله، إلى نشرها ارتقاء بالذائقة الفنية وتنمية للحس الجمالي و إشاعة للفرح و الحبور. فثقافتهم كما قلنا مختلفة، حدودها أزقة “الفرجان” الضيقة و صفحات الكتب العتيقة و مجالس النميمة و مواقع الجهاد و المسيار الالكترونية، و بالتالي لا يمكنهم أن يفهموا نتاج المبدعين أو يقدروا أعمال المفكرين أو يدركوا مرامي الفنانين أو يستوعبوا جهود الأكاديميين إلا من خلال نظارة سوداء حالكة هي نظارة الخصوصية و الموروث.
وبطبيعة الحال، فانه لا اعتراض إطلاقا على ما ارتضوه لأنفسهم من خيارات. فهذا شأنهم، بل حقهم المكفول في الدستور و الميثاق. لكن حينما يصل الأمر إلى محاولة فرضهم لتلك الثقافة الضيقة على المجتمع بأسره و خاصة في بلد متميز كالبحرين، و مصادرتهم لحريات و حقوق الآخر المشترك في الوطن و المختلف فكرا و ثقافة و رؤية، و تحريضهم ضد ما ارتضاه هذا الآخر لنفسه، باستغلال المشروع و غير المشروع من الآليات، فان المسألة يجب ألا تمر مرور الكرام. فهناك دستور وميثاق يحرسه عاهل البلاد و يكفل حق الأفراد و الجماعات في التعبير و الإبداع والاختيار دون تعسف أو إقصاء أو حجر أو هيمنة.
ومن هنا قلنا “فلتكن لكم ثقافتكم و لنا ثقافتنا”، وكفى المؤمنين شر القتال، إلا إذا كنتم تعتبرون أنفسكم أوصياء على البشر أو تمنحون أنفسكم صلاحيات لا يملكها سوى جلالة الملك.
elmadani@batelco.com.bh