طلب أحد الشبان الحمصيين عبر صفحة ”مغسل ومشحم حمص الدولي للدبابات“ على موقع فايسبوك من المتظاهرين الشباب أن يتحضروا لشهر رمضان المبارك، ونبههم إلى ضرورة عدم الإفطار كلما سمعوا صوت المدفع، الشاب الذي كان يسخر من محاصرة الدبابات لحي الخالدية، كان يكمل سخريته بالقول إن المؤونة تنفذ في البيوت، هذا عدا عن ما سرقه ”الشبيحة“، ولذلك ”لا نريد افطارات طوال النهار والليل“.
قصة صفحات السخرية السورية على ”فايسبوك“ ليست قليلة، وإلى جانب كل صفحة تنجح في جذب مئات المشاركين أو الآلف ينبت صحفات جديدة، تعمل على نقل الأخبار والسخرية من الواقع القائم، ولكن الصفحات الأكثر انتشاراً هي الصفحات الخاصة بالمعتقلين، فكلما دخل شاب أو صبية إلى المعتقل بعد تظاهرة أو مداهمة، يبدأ رفاقه بإنشاء صفحة خاصة به أو بها، وترسل ”توصيلات“ الدعوة للمشاركة في هذه الصفحات سريعاً ليتمكن الشبان من تأكيد تضامنهم مع المعتقل، والمطالبة بإطلاق سراحه سريعاً ووضع صوره الخاصة.
في اليومين الأخيرين اعتقلت القوى العسكرية في بيروت الناشط في مجال حقوق الإنسان سعد الدين شاتيلا وعادت فأطلقت سراحه ليلاً، الشاب البيروتي القادم من دراسة الحقوق والعامل في مجال متابعة وضع السجناء في لبنان، وكذلك وضع اللاجئين الأجانب والسوريين في لبنان، تم استدعاءه إلى التحقيق على خلفية نشره تقريراً عرض في مقر الأمم المتحدة في جنيف عن بعض الحالات التي تعرضت للتعذيب في السجون اللبنانية.
إذاً، وبعد التأكد من نبأ اعتقال سعد الدين، بدأ أصدقاؤه اللبنانيين والسوريين التواصل عبر ”فايسبوك“ و”تويتر“ لمعرفة أخباره، الكل كان ينتظر اللحظة المناسبة ليطلق صفحة تضامن مع سعد، شبيهة بصفحات التضامن مع المعتقلين في سوريا، ولكن ولسبب ما قرّر القاضي اللبناني اطلاق سراحه ليلاً من دون ”تنييمه“ في السجن، حيث بدأ الشبان اللبنانيين والسوريين المزاح حول اعتقاله وتحضيرهم لصفحة غير شكل من أجله.
قصة استدعائه غريبة. فلبنان الذي يتمتع بحرية أقل ما يقال فيها إنها أفضل بكثير من دول كثيرة في العالم العربي، بدأ هذا البلد مع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي يأخذ منحى جديداً في التعاطي بأساليب بعيدة عن الديموقراطية، فهذا الاستدعاء واستدعاء عدد من اللاجئين إلى التحقيق والاختفاء القسري لأربعة سوريين قبل أشهر بعد خروجهم من التوقيف في قصر بعبدا وظهورهم في المعتقلات السورية، وكذلك التهديدات المباشرة والمبطنة لناشطين لبنانيين وغيرها من الأمور، توحي أن مرحلة جديدة سيعيشها لبنان، مرحلة تعيد إلى الذاكرة قصص ”المواطن الصالح“ وأساليب الكيدية وأسبابها.
بيروت مجبولة بالحرية، ولولا أنها كذلك لما أمكنها أن تثور على الظلم والاغتيال السياسي وتعيد عقارب الساعة في العالم العربي إلى موقعها الحقيقي، وبيروت مدينة العدالة تاريخياً، من مدرسة الحقوق في العصر الروماني وصولاً إلى عهد ”المحكمة الخاصة بلبنان“ اليوم ستبقى صامدة في وجه محاولات الانقلاب.
فقدرات حكومة تحالف ”حزب الله“ على مواجهة الناس وسلبهم أبسط حقوقهم ستصطدم كل يوم بإرادة أقوى من إرادة العسكرة والذهاب إلى ”جمهوريات موز“ جديدة.
فالحصار الأخلاقي ضد حكومة قد تتغاضى عن تسليم متهمين إلى المحكمة الدولية سيشدد الخناق على رئيسها وعلى من يدور في فلكه، وهذا الحصار الأخلاقي بدأ منذ أشهر بعد ”الانقلاب“ على حكومة الوحدة الوطنية التي كان يرأسها سعد الحريري، فمن يذهب إلى الحج في مكة ويصوم شهر رمضان المبارك، ويدفع الزكاة إن كان يدفع، لا يمكنه أن يدّعي التقوى وهو يشارك في حماية ومنع التحقيق عن مشتبه بهم، إنه زمن ”الفايسبوك“ حيث تتحول الكلمة إلى ترداد قد يصل إلى ملايين الأشخاص خلال لحظات، ملايين الأشخاص سيحاصرون ”المؤمن“ بأخلاقياته لسؤاله في الأرض عن أفعاله، قبل أن يُسأل عن ذلك في السماء.
في إحدى الخطط التي تحدث عنها عدد من السياسيين، تبين أن مشروع ”تسكير وإغلاق بيت رفيق الحريري“ ما زال مستمراً، هذا المشروع لن يتوقف، فالحقد التاريخي على الرئيس الشهيد لم توقفه كل التنازلات التي قدمها الرئيس سعد الحريري من أجل لبنان، قدم الكثير وتنازل وحاول الحفاظ قدر المستطاع على الوحدة الوطنية في بلد متشظٍ، تحكم أكثر مناطقه أسلحة غير شرعية، عدا عن عصابات المتاجرة بالناس والمخدرات. قرّر الحريري الإبن زن يذهب بقدميه إلى دمشق من أجل ايقاف عمليات الاغتيال السياسي، واعترف بملف لا يمكن تصديقه فقط من أجل حماية لبنان من حافة البركان والزلازل، ولكن أصحاب الرأي ”السديد“، القادمون من عقد نفسية أرادوا أن يستكملوا مشروع الاغتيال السياسي ولو بالإبعاد والإكراه.
لا أحد أكبر من بلده، جملة قالها الرئيس الشهيد قبل أعوام، وكذلك لا أحد أكبر من العالم، والشباب الذين دفعوا أقسى ديكتاتوريات القرن العشرين إلى الرحيل من لبنان لن يتوانوا عن الدفاع عن حقهم الديموقراطي في صناديق الاقتراع وفي التظاهر وفي حماية تاريخهم المشرف الذي صنعوه بأيديهم.
بيروت.. غرب شرق
تشهد بيروت حركة حضور إعلامي غربي وعالمي منذ أشهر، شبان قدموا من أوروبا وأميركا واليابان والصين واستراليا ليكونوا قريبين من الثورة السورية، حيث يمكنهم من بيروت تلقّط أخبار هذه الثورة، واللقاء مع اللاجئين الموجودين على الحدود الشمالية، وكذلك الاتصال بناشطين سوريين إن وجدوا في لبنان للتعرف على واقع الثورة ونقل أخبارها.
من بين هؤلاء الإعلاميين تجد من يلبس لباساً رسمياً، ومنهم من يحاول اللحاق بالثورة الفلسطينية في الستينات فيلتفح بكوفية مع بنطلون جينز ممزق، ومنهم من يلبس ”شورت“ ويدور في شوارع العاصمة يحمل على كتفيه ”شنطة“، ومنهم من يعلق بين أغراضه صورة الرئيس السوري بشار الأسد، فبعض هؤلاء الشبان مقتنعون أن ”الممانعة“ الأسدية هي السبيل الوحيد لتخليص العالم العربي والإسلامي من الجهل الذي يعيشه، لا يمكنك أن تناقشهم بأفكارهم، فهم يحملون ”طهارة“ فكرية ليس لها علاقة بالواقع الذي يعيشه العالم العربي، ويرون أن جهل الشباب اللبناني في العام 2005 هو ما أوصله إلى القيام بانتفاضة الاستقلال والتحرر من نظام الوصاية السورية بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لأنهم يرون في الأسد الإبن نموذجاً متقدماً في بناء الدول، ومحرراً مستقبلياً.
حين تسأل بعض هؤلاء الشبان الذي عاشوا في مراتع الديموقراطية الغربية عن الحريات التي يطلبها الشباب العربي وخصوصاً في سوريا، ينظرون إليك فاغرين فمهم ”ومرخيين…“، مستغربين أن تطالب بقضايا لست بحاجة إليها قبل تحرير فلسطين وسفوح الجولان المحتل، ومعه لواء اسكندرون السليب وأن ننسى لن ننسى مزارع شبعا، وقليلاً من مياه البحر الأبيض المتوسط وقبرص هدية فوقهم جميعاً.
أحد الإعلاميين الغربيين هو شاب ألماني يعمل مراسلاً لإحدى محطات التلفزة الألمانية في الشرق الأوسط، يساري الهوى كما يقول، ومن الحالمين بتحقيق فكرة ”سوريا الكبرى“ أو وحدة بلاد الشام والبناء عليها لتصير المنطقة الأكثر تحرراً في العالم الثالث، يرى أن الثورة في سوريا هي نتاج غربي وليست أمر حقيقي. ولكنه خلال حديثه يخبرك عن زيارته إلى دمشق حيث شهد الفساد الإداري بقمة مجده، ورأى كذلك شباناً أحراراً غير مسلحين يتنقلون في تظاهراتهم الطيارة، يهتفون للحرية. عند قول الحقائق لا يخفي هذا الشاب إعجابه ويتخلى عن الكلام بلغة عربية تعلمها في أحد مدارس النظام في دمشق، وينطلق كبلبل في حديثه عن الحارات الشامية وغناء حفلات الأعراس للثورة، وكذلك كتابة الأطفال على جدران المدينة بالطبشور الأبيض كلمة ”حرية“.
oharkous@gmail.com
* كاتب لبناني- بيروت
لكل معتقل صفحة على فايسبوك.. إلا شاتيلا اطلق سراحه قبل اطلاق صفحته منذ ان قال الشعب السوري العظيم لا للاستبداد لا للديكتاتورية لا للفساد للقتل لا للاعتقالات العشوائية لا للذل لا للتهجير اي منذ حوالي 5 اشهر حيث نادى وباعلى صوته بواسطة شبابه المسالمين العراة الصدور بالحرية والديمقراطية تحولت سوريا بواسطة النظام الدموي الذي اعلن الحرب الدموية على شعبه -بان قال انا ربكم الاعلى- الى شلال من الدماء حيث يستشهد مواطن بريء كل يوم من الاطفال والنساء والشباب وعدد السجناء الذين ينكل بهم النظام السفاح 15000 مواطن. اي ان النظام قال لمن يطالب بالحرية والكرامة لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف… قراءة المزيد ..