الاساءة الى الافراد لا تعالج بالرقابة المسبقة بل باللجوء الى القضاء
وطنية – 24/8/2007 (متفرقات) رد وزير الثقافة طارق متري على قرار منع عرض مسرحية “ولكم تمنت نانسي ان يكون كل ذلك كذبة نيسان” بالبيان الاتي:” ليس في نص ربيع مروة وفادي توفيق المسرحي ما يستدعي المنع من قبل المديرية العامة للامن العام, ولما راجعتها في هذا الامر قيل لي ان العودة بالذاكرة الى ايام الحرب تثير النعرات وان توقيت مسرحية كهذه غير مناسب”.
اضاف: “لست من هذا الرأي, فالحديث عن الماضي بلغة الوقائع كما تفعل المسرحية، بدل اختراعه كما يفعل بعض الساسة وكتاب الاثارة، يسهم في شفاء ذاكرتنا المجروحة. والمسرحية مهما استحضرت من خلافات الماضي وصراعاته لا تثير الشقاق والعداء بالقدر الذي تفعله الحملات الاعلامية المنظمة التي يشهدها بلدنا على نحو غير مسبوق والتي تتوسل لغة التجريح وتشويه السمعة والادانة والتخوين والتخويف”.
وتابع: “قيل لي ايضا ان المديرية العامة للامن العام تطبق القانون. لست موافقا على تفسيرها القانون، وفي كل حال اعمل على تغييره. انا من الذين لا تقنعهم مبررات الرقابة على الكتب والمسرحيات والافلام السينمائية وسواها من الاعمال الابداعية. فالاساءة الى الافراد والجماعات التي قد تتسبب بها حرية التعبير لا تعالج بالرقابة المسبقة, بل باللجوء اللاحق الى القضاء, ان هذه هي الفكرة وراء مشروع قانون اعددته لكنه لسوء الحظ لما يشق طريقه”.
*
“الأمن العام” يمنع مسرحية “لكم تمنّت نانسي”.. لربيع مروة
هل تعود “أشباح” جميل السيد للانقضاض على حرياتنا؟
في خطوة تذكرنا (ربما عمداً) بعهد جميل السيد وعدنان عضوم وأسيادهما في عنجر، زمن الكبت والمنع والمصادرة والتعدي على الحريات و”الرهاب” البوليسي ـ البعثي من كل قول ثقافي أو فني حرّ وطليعي.. أقدم الأمن العام اللبناني، المعروف بصلاته و”اختراقاته” وعصيانه على إرادة الحكومة، على منع عرض مسرحية لبنانية على أراضي لبنان.
ونحن الذين كنا قد علمنا منذ أكثر من شهر بقرار المنع الغبي هذا، آثرنا عدم نشر الخبر إفساحاً في المجال لمساعي وزير الثقافة طارق متري ومعه فريق المسرحية ومنتجتها، آملين ان تتراجع دائرة الرقابة عن موقفها. لكن، بعد التأكد من إصرار الأمن العام على المنع ورفضه لأي مراجعة، كان لا بد أن نضع الرأي العام اللبناني أمام حقيقة المخاطر التي عادت لتطل مجدداً بوجه حرية التعبير، من جانب الجهات الأمنية والسياسية والايديولوجية نفسها التي عاثت فساداً وقمعاً في حياة اللبنانيين طوال 15 عاماً، فصادرت الكتب وبترت الأفلام ومنعت العروض وهددت الصحافيين ولاحقتهم، وكسرت عظام الطلاب، وسجنت السياسيين، وأرهبت المجتمع.. وها هي تحاول العودة مجدداً لتتحكم بحرياتنا التي يكفلها الدستور، ولتهين إرادة اللبنانيين التي تجلت بتظاهرات ثورة الارز، ثورة 14 آذار التي ما كانت لتقوم لولا إصرار مواطني لبنان على التمسك بدستورهم ونظامهم الديموقراطي وتراث حريتهم وتشبثهم بالاستقلال وإيمانهم بالانفتاح.
إن قرار الأمن العام هذا، لا بد وانه جاء على خلفية سياسية قاصداً التحدي والاستفزاز بوجه ما أنجزه اللبنانيون، وبالأخص المثقفون منهم، خلال السنتين الماضيتين، من استعادة لمناخات الحرية والتخلص من كل أشكال القمع والوصاية. بل انه قرار يهدف قصداً، على ما يبدو، إلى احراج الحكومة اللبنانية وتحدي سياستها المنفتحة والمتسامحة، لتظهر أمام العالم بوصفها “حكومة تمنع مسرحية”، فلا معنى لهكذا قرار رقابي لو لم يقم على خبث سياسي ضمني، ومن أجل التوظيف السياسي.
أمس ايقن المخرج المسرحي ربيع مروة ومعه شريكه في التأليف فادي توفيق و”جمعية أشكال ألوان” منتجة المسرحية، أن الأمن العام اللبناني لن يتزحزح عن موقفه، ولن يتراجع عن قرار المنع، فكان البيان التالي: بعدما كان مقرراً عرض مسرحية “لكم تمنت نانسي لو أن كل ما حدث لم يكن سوى كذبة نيسان” لربيع مروة والتي كتبها مع فادي توفيق، جاء قرار الرقابة في الأمن العام اللبناني بمنع عرض المسرحية على الأراضي اللبنانية.
وفي التفاصيل أنه وبعد إيداع طلب إجازة عرض لدى دائرة مراقبة المطبوعات والتسجيلات الفنية في المديرية العامة للأمن العام بتاريخ 16 تموز 2007 صدر قرار المنع ممهوراً بتوقيع مدير عام الأمن العام، اللواء الركن وفيق جزيني في 31 تموز 2007.
على الأثر تقدمنا بطلب إعادة النظر في قرار المنع بتاريخ 1 آب 2007، وبعد أسبوع من تاريخه جاء الرد بالإبقاء على القرار الأول. وانطلاقاً من حقنا في معرفة أسباب المنع تقدمنا بتاريخ 8 آب 2007 من الدائرة نفسها بطلب توضيح أسباب قرارها القاضي بالمنع، والحصول منها على كتاب خطي بذلك، فلم يستجب طلبنا وتمت الاستعاضة عنه بتوضيح شفهي مفاده أن المسرحية “قد تثير النعرات الفئوية، وتذكّر بأجواء الحرب وتسمّي الأشياء بأسمائها”. وقد عرضنا المسألة على وزير الثقافة طارق متري الذي حاول بدوره تذليل العقبات، لكن اتصالاته لم تُفلح في إلغاء قرار المنع.
يُذكر أن المسرحية تتناول موضوعة الحرب الأهلية اللبنانية على لسان أربعة مقاتلين وهميين ينتمون الى أحزاب لبنانية مختلفة، يروون فصول الحرب من خلال المعارك التي شاركوا فيها. وعُرضت لأول مرة في مهرجان طوكيو الدولي للفنون في شهر آذار 2007 وكان مقرراً عرضها في بيروت خلال شهر آب 2007. كما سيجري عرضها في الخريف المقبل في باريس ضمن نشاطات مهرجان الخريف (Festival d’automne) كما ستعرض في روما والقاهرة والرباط.
يشترك في التمثيل الى جانب مروة، كل من لينا صانع وحاتم إمام وزياد عنتر؛ السينوغرافيا وتصميم ملصقات العرض سمر معكرون، وتحريك الصور (animation) غسان حلواني. وقد تمت الاستعانة بملصقات جمعتها زينة معاصري في سياق بحث تجريه عن تاريخ الملصقات الحزبية في لبنان خلال الحرب الأهلية.
والمسرحية من إنتاج الجمعية اللبنانية للفنون التشكيلية (أشكال ألوان) ومهرجان طوكيو الدولي للفنون ومهرجان الخريف/ باريس (الدورة 36) وLa Ferme du Buisson/ France Temps d’image.
ربيع مروة (مخرج المسرحية)، كريستين طعمه (مديرة جمعية أشكال ألوان)
بيروت، 23/8/2007
هكذا يتبين لنا من الحيثيات “الشفوية” أن لدينا جهازاً أمنياً، ما زال هو المشرف على النتاج الثقافي (؟) وهو الذي يقوّم الفن والفنانين، يرى أنه لا يجوز “تذكر الحرب” ولا يجوز “تسمية الأشياء بأسمائها” ولا يسمح لنا بأن “ننحاز” الى فئة سياسية دون أخرى.
فهل عاد “الأشباح”؟ هل ما زال الأوصياء يمارسون وصايتهم عبر وكلائهم من رجالات جميل السيد، وأتباع “السيّد”؟
لَكمْ نتمنى (ونانسي) لو أن ما يحدث الآن ليس إلا كذبة نيسان في عز آب.
يوسف بزي
(المستقبل)