باريس – من سمير تويني:
بعد مرور اسبوع على زيارة الرئيس السوري بشار الاسد الى فرنسا، كيف يمكن تقويم هذه الزيارة التي اثارت الكثير من التفسيرات وخصوصا في ما يتعلق بالملف اللبناني الذي شكل الطبق الرئيسي على طاولة المفاوضات؟
بالعودة قليلا الى الوراء، يتبين ان العلاقات بين سوريا وفرنسا كانت في شكل عام متفاوتة، فأحيانا تكون جيدة واحيانا اخرى مضطربة ومتوترة، ويعود السبب غالباً في السنوات الاخيرة الى ادارة الملف اللبناني. عام 2007 اعتبر الرئيس نيكولا ساركوزي ان سوريا بلد لا مفر من التعامل معه، وان دمشق يمكنها ان تؤدي دورا معتدلا في بعض الملفات الاقليمية. ويمكن القول ان الرئيس الفرنسي ساعد في انفتاح سوريا على الدول الغربية واعاد اليها دورا في اللعبة السياسية الاقليمية. وتوج ذلك حضور الرئيس الاسد قمة “الاتحاد من اجل المتوسط” في باريس التي شكلت نقطة التحول والانفتاح السياسي الدولي على سوريا على رغم معارضة الحليف الاميركي لهذا التقارب. وعززت هذا المنحى زيارة ساركوزي الى دمشق عام 2008، وكانت أول زيارة لرئيس غربي الى عاصمة الامويين من اكثر من خمس سنوات.
وما هي النتائج التي حصلت عليها باريس لبنانيا من جراء هذا التقارب؟ لا يمكن اعتبار ان دمشق قدمت كثيرا الى باريس او ان تغيراً فعليا او ظاهريا استُجد في علاقاتها الاقليمية، بل يمكن القول ان اقامة علاقات ديبلوماسية بين لبنان وسوريا وعدم معارضة اجراء انتخابات رئاسية لبنانية هما من نتائج التقارب. غير ان مواقف سوريا اعادت بعض البرودة الى هذه العلاقات، ومنها عدم استمرار دمشق في السير وفق خريطة الطريق التي رسمت لهذه العلاقات، كما ان القمة الثلاثية التي عقدت في دمشق وضمت الى الرئيس السوري الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد والامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، شكلت نقطة تحول جديدة واثارت تساؤلات عن مدى التعاون السوري الفرنسي في ما يتعلق بالملف اللبناني ومدى الجدية السورية في استمرار التعاون. ولا يزال موضوع المحكمة الخاصة بلبنان التي تنظر في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري يشكل احد الملفات الشائكة التي يتنافر بسببها البلدان، وهي من دون شك في قلب التوتر بين دمشق وباريس، بعدما اعلن “حزب الله” رفضه الامتثال للقرار الاتهامي في حال اتهام عناصر تابعة له، بينما تحاول باريس في السياق تخفيف حدة التوتر في لبنان.
وشكل استقبال الرئيس السوري في باريس واللقاءات التي عقدها الرئيس الفرنسي قبل ذلك مع المسؤولين اللبنانيين: الرؤساء ميشال سليمان ونبيه بري وسعد الحريري، ومع العماد ميشال عون واللقاءات التي سيعقدها مع الدكتور سمير جعجع والرئيس امين الجميل مرحلة تقصٍّ لما يمكن القيام به لتخفيف حدة التوتر ودعم استقرار الوضع الداخلي في حال صدور اتهام “حزب الله”.
وفي السياق يمكن اعتبار ان هدف زيارة الاسد لباريس هو منع عودة التوترات ودعوة دمشق الى دور معتدل في لبنان. ويمكن اختصار الموقف الفرنسي العلني باربع نقاط:
اولا – ان باريس تدعم المحكمة الخاصة بلبنان وتعتبر انه لا يمكن منع صدور القرار الاتهامي، لانه لا يمكن التدخل في عمل المحكمة التي يجب ان تكشف الحقيقة وتعاقب القتلة. وفي هذا الصدد اقر الرئيس السوري بوجودها على ألا تكون مسيسة وان يكون الاتهام مبني على قرائن. غير انه لم يحصل على ضمانات تتعلق بما يمكن ان يحتويه القرار الاتهامي، ومنها عدم اتهام سوريا.
ثانيا – ان باريس اعلنت وتكرر انها تؤيد حكومة الاتحاد الوطني برئاسة الرئيس سعد الحريري، وهي تؤيد المؤسسات اللبنانية الدستورية وتدعم الجيش اللبناني. ودعا الرئيس الفرنسي نظيره السوري الى القيام بالمثل، مذكرا اياه بأن بلاده تعتبر ان ارسال سوريا استنابات قضائية في حق لبنانيين يشكل تدخلا في الشؤون اللبنانية. وعلى رغم ان الرئيس السوري يدعم حكومة الاتحاد الوطني، فان دمشق ما زالت ترفض التعامل مع لبنان من خلال المؤسسات الدستورية.
ثالثاً – تريد باريس المحافظة على الاستقرار ومنع الفتنة، وقد دعا ساركوزي الأسد الى التوسط مع المعارضة اللبنانية وخصوصاً مع “حزب الله” للتوصل الى تسوية وإيجاد مخارج على خلفية قرب الإعلان عن فحوى القرار الاتهامي. وطلب الأسد من ساركوزي تفويضاً لئلا يتهم بالتدخل، ملاحظاً أن الحل هو أولاً لبناني – لبناني، والأسد لا يملك جميع أوراق المعارضة ويحتاج في هذا السياق الى موافقة “حزب الله” على الطروحات أو أي مبادرة يمكن القيام بها.
ومن ناحية أخرى أوضح الرئيس الفرنسي أمام نظيره أن أية محاولة من “حزب الله” للإمساك بالسلطة في لبنان والإخلال بالتوازن السياسي الداخلي قد تؤدي إلى تدخل عسكري اسرائيلي في لبنان يمكن أن يمتد إلى الدول المجاورة وقد يؤدي إلى دمار لبنان.
رابعاً – عدم التعرض للقوة الدولية “اليونيفيل” التي تشكل الكتيبة الفرنسية قسماً منها.
وأشارت مصادر ديبلوماسية إلى أن اللقاء لم يكن ناجحاً على رغم الحفاوة التي أبدتها باريس في استقبال الرئيس الأسد وزوجته، وبدا ذلك من لهجة الرئيس السوري خلال حديثه مع الصحافيين في باحة قصر الاليزيه ورفضه البحث في المسعى السوري – السعودي وضم الفرنسيين اليه. كما ان زيارة الرئيس السوري الى قطر قد تشكل “تطويقاً” لعجزه عن إقناع الرئيس الفرنسي بمواقفه. ويشكل الاعتداء الأخير على الكتيبة الفرنسية في الجنوب رسالة الى باريس التي تدرس السبل للمحافظة على أمن جنودها في لبنان. كما ان إعلان باريس دعمها للمؤسسة العسكرية بتزويدها صواريخ جو – أرض تأكيد فرنسي جديد لدعم الحكومة اللبنانية والمؤسسات الدستورية.
وفي السياق أعلن الناطق الرسمي باسم الخارجية الفرنسية برنار فاليرو “ان التعاون العسكري مع لبنان يساهم في استقلال لبنان واستقراره وهو مطابق للقرار الدولي 1701 الصادر عن مجلس الأمن”. وأضاف: “نسعى إلى دعم السلطات اللبنانية والجيش الذي يشكل القوة الشرعية الوحيدة لتأمين حماية لبنان وفق قواعد إجراءات محددة. والهدف الآخر هو تعزيز حضور الجيش اللبناني ودعمه في جنوب لبنان وتعاونه مع “اليونيفيل” وفقاً للقرار 1701″.
وتابع: “وفقاً لما أشار اليه سفيرنا في لبنان في 15 كانون الأول فقد سلم إلى الرئيس الحريري كتاباً موجهاً من رئيس الوزراء فرنسوا فيون يكرر فيه التزام فرنسا بجانب لبنان، خصوصا في دعم الجيش وتجهيزه”.