هل يحقّ لنا أن نتصوّر أن الجندي الإيراني، أثناء الحرب مع العراق، كان يهتف “الله وأكبر” وهو يوجّه صواريخه وذخائره ضد جنود صدام حسين (ونصفهم على الأقل كان من “الشيعة”)؟ حتماً!.. وحتى لو كانت تلك الصواريخ والذخائر إسرائيلية الصنع بموجب صفقة “إيران غيت” المشهورة؟..
أي مثلما فعل ثوار الداخل السوري الذين سجّل الشريط هتافاتهم، “الله وأكبر”، وهم يصوّرون الحرائق والإنفجارات في “قاسيون” بفعل الضربات الإسرائيلية (كما علموا لاحقاً)!
هل يمكن أن نتصوّر أن المناهضين لنظام موسوليني في إيطاليا في أواخر الحرب العالمية الثانية أصدروا “بيان تنديد” بــ”العدوان الأميركي” على “الجيش الإيطالي الباسل”، حينما بدأ الأميركيون، والحلفاء، بقصف قوات موسوليني وهتلر تمهيداً لتحرير إيطاليا؟ أو
أنهم اعتبروا “العدوان الأميركي” مناسبة لاستعادة “وحدة الإيطاليين”، أي وحدة الفاشييين مع المناضلين لتطهير إيطاليا من الفاشية؟
مثلما اعتبر الرئيس السابق لـ”المجلس الوطني”، ومثلما اعتبر “الإئتلاف السوري” في ما صدر عنهما بعد القصف الإسرائيلي!
والسؤال هنا هو: كيف يطالب المعارضون السوريون (ونقصد بهم جماعة الخارج) بتدخّل عسكري “أطلسي” أو “أميركي” أو “تركي” لإقامة “منطقة عازلة” لحماية الشعب السوري، مع أن ذلك يفرض مسبقاً، كما يعلمون، قصف دفاعات الجيش السوري “الباسل”، وخصوصاً دفاعات “الفرقة الرابعة” و”الحرس الجمهوري” التي قصفها الإسرائيليون؟
وكيف يطالبون الآن (وهذا يشكل تطوّراً عن مواقفهم في بداية الثورة حينما أصدر “المجلس الوطني” بيانات “ضد التدخل العسكري الأجنبي” مع أن أية دولة “أجنبية” لم تعرض مثل هذا التدخل!) بأسلحة مضادة للدبابات، ومضادة للطيران، لتدمير طائرات ودبابات الجيش “الباسل” الذي يقوده المجرم ماهر الأسد؟
بالمنطق “القومجي” (أو “الإسلاموي”)، ألا يعادل طلب تدمير دفاعات الجيش السوري “خيانة وطنية” و”استعانة بالأجنبي”؟
وذلك كله يذكّرنا بموقف بعض معارضي الخارج الذين كانوا، قبل سنتين (وقد تجاوزوا الآن تلك المراهقة) يجتمعون بالديبلوماسيين الأميركيين.. “سرّاً”!
صراع إيراني-إسرائيلي فوق رؤوس السوريين واللبنانيين
لم يكن مطلوباً من معارضة الخارج أن “تؤيّد” إسرائيل لأنها ضربت جيش الأسد. وفي اي حال، فقد سارعت حكومة إسرائيل (التي يبدو أنها، هي الأخرى، لا تدرك المغزى التاريخي للزلزال الحاصل في سوريا منذ سنتين!) لطمأنة بشار الأسد بأنها لم تقصد دعم الثورة ضد نظامه!
وكان يكفي أن تسجّل المعارضة السورية أن الغارة الإسرائيلية كانت ضد أسلحة وذخائر ومواقع لإيران ولحزب الله في دمشق، أي ضد الحليف الإيراني “الإستعماري” الذي “استدعاه” الأسد إلى بلاده، وضد شعبه، لكي ينقذ نظامه! أي أن الصراع بين إسرائيل وإيران يتم، حرفياً، فوق رؤوس السوريين الذين لم تستشرهم لا إيران ولا إسرائيل. وأن الصواريخ التي دمّرتها إسرائيل كانت ستفتك بالشعب السوري في جميع الأحوال. إلا إذا تم استخدامها لتوريط لبنان في حرب مدمرة مثل حرب ٢٠٠٦. ففي حسابات النظام الإيراني أن تحويل لبنان إلى “ميدان قتال” مع إسرائيل أفضل بكثير من نقل “ميدان القتال” إلى طهران.
ببساطة، بيانات “الإئتلاف” والرئيس السابق للمجلس الوطني تنمّ عن بقايا عقلية قومجية “بعثية”، ولا يمكن أن يُفهّم إلا على هذا النحو. وفي الحد الأدنى، ومع كثير من حسن النية، فهي تدخل في خانة “لزوم ما لا يلزم”!
*
بالمقارنة، تبدو قيادة حزب الله أكثر انسجاماً مع نفسها حينما تعتبر أن سقوط نظام بشار الأسد هو سقوط لـ”محور المقاومة والممانعة”! أي سقوط مرحلة “الأنظمة القومجية-العسكريتارية” التي كان شعار “المقاومة” الذريعة التي تذرّعت بها لاستعباد شعوبها وتكبيدهم الهزيمة بعد الهزيمة. ومعها الأحزاب والتركيبات والهيئات والشخصيات التي بنت “أمجادها” على ما كان يسمّى “جبهة الرفض” قبل أن يصبح “محور المقاومة والممانعة”.
وقيادة حزب الله أكثر انسجاماً مع نفسها لأنها تعرف أن سقوط الأسد يعني سقوط الدور الإيراني في المشرق العربي (حتى لو ظلّت لإيران مواقع قوة مؤقتة في العراق).
تحرير سوريا ينهي الصراع العربي-الإسرائيلي بصيغته القديمة
فما لا تريد معارضة الخارج السورية، بعد، أن تعترف به (ومثلها حكومة نتنياهو) هو أن سقوط نظام بشّار الأسد، وانقطاع خطوط اتصال حزب الله مع إيران عبر سوريا، لا يعني تحرير سوريا فحسب، بل وسيعني (بعد سقوط نظام صدام ثم نظامي القذافي ومبارك) انتهاء مرحلة تاريخية من مراحل الصراع العربي-الإسرائيلي!
ولن ندخل الآن في كل ما سيترتب على سقوط النظام السوري على المستويات الإيديولوجية والسياسية. يكفي تسجيل أنه لم تعد هنالك “جيوش عربية” قادرة على خوض الحرب ضد إسرائيل. (إنهيار”الجيوش العربية” سيفرض على الإسرائيليين، بالمقابل، إعادة النظر في نموذجهم “الإسبرطي” الباهظ الكلفة عليهم، وعلى الولايات المتحدة..).
بسقوط نظام الأسد، ستعود إيران إلى داخل حدودها التي تبعد ٢٠٠٠ كيلومتر عن القدس، وسيضطر نظامها البوليسي والمتخلف لمواجهة شعبه الذي هتف منذ انتخابات ٢٠٠٩ المزورة “لا غزة ولا لبنان”! وحتى لو نجح نظام الملالي في إنتاج قنبلته الذرية “الإسلامية”، فكيف سيبرّر للإيرانيين استعداده للدخول في حرب إنتحارية ضد إسرائيل بعد طرده من المنطقة العربية؟
لن يعني ذلك نهاية قضية الشعب الفلسطيني، ولن يعني نهاية الصراع لإقامة الدولة الفلسطينية التي يطالب الفلسطينيون بها إلى جانب دولة إسرائيل. ولكن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني سيأخذ أشكالاً أخرى، وسيكون للعرب دورهم في هذا الصراع،ـ ولكن ليس على حساب حرياتهم وحقوقهم كمواطنين وكبشر!
انتصار السوريين في ثورتهم سيغيّر الوضع في الشرق الأوسط كله!
وانتصارهم سيعيد “القضية الفلسطينية” إلى أصحابها، وهم الشعب الفلسطيني. وعندها سيكون على الإسرائيليين أن يعودوا للتعامل مع المعادلة التي فهمها أرييل شارون: إما قيام دولتين، دولة إسرائيل ودولة فلسطين، على أرض فلسطين التاريخية، أو بقاء الإحتلال وتحوّل العرب الخاضعين للإحتلال إلى قنبلة ديموغرافية موقوتة.
وسيكون الجديد في مثل هذا الصراع لإقامة “الدولتين” هو أن خطوط التحالفات والصراعات لن تمتد من جنوب لبنان إلى طهران، بل ستمرّ وسط المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني، وسيتواجه فيها (سياسياً) فلسطينيون وإسرائيليون ضد فلسطينيين وإسرائيليين آخرين.
مما قد يفتح نافذة حقيقية لسلام عربي-إسرائيلي لا مفرّ منه لتحوّل الربيع العربي إلى ربيع ديمقراطي حقيقي. فالسلام حاجة عربية أيضاً.
النفاق بنيوي بالثقافة الاسلاميه ومنها العربيه
علمونا النفاق منذ الصغر. ندعي شيئا ونمارس النقيض .