وصلت موجة الانقلابات التي اجتاحت إفريقيا الناطقة بالفرنسية للمرّة الأولى إلى دولة مزدهرة نسبياً بمعايير القارة. فقد عزل الجيش الرئيس علي بونغو أونديمبا، الذي يحكم الغابون منذ عام 2009، ويمثّل السلالة السياسية التي حكمت البلاد منذ 56 عاماً.
حدث ذلك بعد أيام قليلة من الانتخابات العامة التي اعتبرها معارضو الرئيس غير عادلة. وعلى عكس الانقلابات في ماليوالنيجر وبوركينا فاسو، أعلن الجيش على الفور وبشكل لا لبس فيه، أنّ البلاد لن تتخلّى عن التزاماتها السابقة، ولن تغيّر سياستها الخارجية. إنّ الرواية القائلة بأنّ “يد موسكو” تلوح في الأفق وراء الانقلاب لم تظهر في وسائل الإعلام الغربية، على الأقل حتى الآن. واقتصر موقفا الولايات المتحدة وفرنسا على التعبير عن القلق والحديث عن نيتهما دعم الديموقراطيات.
الانقلابات في القارة الإفريقية تتوالى، وكانت لروسيا اليد الطولى فيها، وهي لم تنف ذلك، حيث بات الصراع واضحاً على النفوذ الجغرافي والثروة الطبيعية، لكن في انقلاب الغابون لم تظهر بصمات موسكو حتى الآن، بحسب الصحافة العالمية.
ومن المثير للدهشة أنّ مسار الانقلاب مشابه للأحداث الأخيرة في النيجر. تمّ تغيير السلطة من دون إراقة دماء، وظهرت مجموعة من العسكريين على شاشة التلفزيون وأعلنت أنّ الدولة تمرّ بـ”أزمة مؤسسية وسياسية واقتصادية واجتماعية حادّة”، وأن رئيس الدولة يجب أن يستقيل. وكما كانت الحال في النيجر في البداية، فليس من الواضح تماماً من هو المبادر الرئيسي للانقلاب. وأعلن الانقلابيون في خطاب متلفز، نقل كل السلطات في البلاد إلى لجنة انتقال واستعادة المؤسسات. ولم يُذكر من هو مشمول فيها. إلاّ أنّ هذه الهيئة، بحسب الجيش، تتولّى صلاحيات كل فروع الحكومة. ومن المهم جداً أن يعلنوا على الفور عن استعدادهم للوفاء بالالتزامات الدولية التي تعهّد بها أونديمبا.
فإذا كان الرئيس النيجيري محمد بازوم، بعد انتخابات ديموقراطية، قاد النيجر لمدة عامين فقط ولم يكن من أقارب الزعيم السابق محمدو إيسوفو، فإنّ أونديمبا يتولّى السلطة منذ عام 2009. وسلفه هو عمر بونغو الذي حكم البلاد منذ عام 1967. وكانت عشيرتهما الضخمة (الرئيس الحالي وحده لديه العشرات من الإخوة والأخوات) تناور بمهارة بين مختلف القوى والمجموعات العرقية داخل الغابون لسنوات عديدة، إذ عملت كحكم لا غنى عنه في نزاعاتها.
إنّ ردّ الفعل الدولي على الانقلاب في بلد صغير يبلغ عدد سكانه 2.2 مليون نسمة لم يكن عنيفاً إلى هذا الحدّ، والشخصية الغامضة للحاكم المخلوع منذ فترة طويلة تجعل الغرب يتحدث بحذر أكبر، بكثير من الحديث عن الأحداث في النيجر.
بشكل عام، لا يزال العالم يفضّل فقط “التعبير عن قلقه”. ولا تتحدث الولايات المتحدة ولا فرنسا ولا الاتحاد الإفريقي عن العقوبات والتدخّل. لكن هذا لا يعني أنّها لا تستطيع أن تكون كذلك.
تحتل الغابون موقعاً مهمّاً في مصالح السياسة الخارجية لفرنسا. هذا البلد، على عكس معظم المستعمرات الفرنسية الأخرى في إفريقيا، مزدهر للغاية. ويتزايد مؤشر التنمية البشرية، الذي يوضح مستوى معرفة القراءة والكتابة والتعليم وطول عمر المواطنين. وهذا هو أعلى معدّل بين الدول الناطقة بالفرنسية في إفريقيا. وتمتلك البلاد احتياطيات نفطية كبيرة، ورواسب من اليورانيوم والمنغنيز، ويتمّ استخراج الذهب.
الجيش الفرنسي موجود في الغابون بعدد قليل، 400 جندي فقط. على النقيض من النيجر، لا توجد جماعات جهادية هنا، والسلطات الفرنسية لن تكون مطالبة بالتدخّل في الوضع. الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الانقلاب كبيرة بالفعل: الموانئ لا تعمل، وتمّ إلغاء الرحلات الجوية في المطار الرئيسي. وتوقفت شركة تعدين المنغنيز الفرنسية Eramet عن العمل.
لكن شركات النفط لا تزال تعمل. ويعتمد الرخاء النسبي الذي تتمتع به الغابون، إحدى دول منظمة أوبك، في المقام الأول على صادرات النفط. وتُعدّ الصين إحدى الدول الرائدة في استيراد المواد الخام، بينما تساعد البلاد في مشاريع البنية التحتية. مباشرة بعد الانقلاب، طُلب ضمان أمن رئيس الدولة. بالمناسبة، قام رئيس الدولة هذا العام بزيارة بكين وباريس.