وهل الجليليات كنّ في استقبالك، بمناديلهن المطرزة، وحزنهن الزيتوني الأبدي ؟!
اختارك الموتُ هذه المرة، لا الإيقاع.
وصرت رجعا للكمان، تصغي للحجر.
لك يا صديقي حكمة المحكوم بالموت – الآن -، فحدثنا قليلا عنه، قصّ حكايتك الأخيرة قبل أن تمضي.
وحدها حقول الأقحوان ستبكيك طويلا بالندى المبثوث أشعارا وعصافير.
كيف نثق بالماء – الآن – ونحن سكّان أغنيتك/أرضك؟
كيف نثق بالموت؟!
(أنزل هنا، والآن، عن كتفيك قبرك
وأعط عمرك فرصة أخرى لترميم الحكاية
ليس كلُ الحب موتا
ليست الأرض اغترابا مزمنا)
هل رممت الحكاية، وعدت من اغترابك إلى اغترابك؟
سقطت أنتَ مضرجا بدمّ القصيدة، وسقطنا مضرجين باغترابك الأبدي.
كنت وحدك قارة من الكلمات، كنت كما بلادك (القريبة من كلام الله)، ولك في كل قلب موطن، ولك في كل وطن مرتقى إلى العرش السماوي المجيد.
السلام عليك..
(السلام أنين محبيّن يغتسلان
بضوء القمر)
من لـ(ريتا)
من لـ(أمي)، خبزها، وقهوتها المعمدة بالحبّ، ووطن عينيها، ورائحة عشبها، وصوتها؟
لماذا ترى يا درويش كلّ العاشقين الكبار تأسرهم (النون) في سورة الرحمن؟
كيف هي مديات عشقك؟
وتقول: قصيدة..[كتبت عام 1999]، ثم ترسل الضوء شفيفا:
هذا هو اسمك/
قالت امرأة،
وغابت في الممر اللولبي…
..
هذه قصيدة؟
هذا الحوار الفلسفي العميق المتشابك المتفجر ..قصيدة وحسب؟
هذا الحوار الذي يغشى (هيدغر) و(ابن عربي) و(المعري) ويسرح في البعيد، محمّلا بالمعاني كلّها، والأسئلة الصعبة المفخخة كلّها، قصيدة وحسب ؟!
خضراء، أرض قصيدتـ(ك) خضراء.
لك – الآن – متسع من الأنهار، تكفي لتهمس للفراشة: آهِ يا أختي!
الأرض عيد الخاسرين [وأنت/أنا/نحن/هم..منهم]
فـ(يا موتنا ! خذنا إليك على طريقتنا، فقد نتعلم الإشراق).
درويش
هل المناخ معتدل هناك؟
وهل كتاب واحد يكفي؟
هل جاء الموت كالمتسولين، وجلس على بابك كالشحاذ؟
أم كان كـ(الحب عاصفة على شجر)؟
اخاله لصا جبانا!!
(هزمتك يا موت الفنون جميعها
هزمتك يا موت الأغاني في بلاد
الرافدين.مسلة المصري، مقبرة الفراعة،
النقوش على حجارة معبد هزمتك
وانتصرت، وأفلت من كمائنك
الخلود..
فاصنع بنا، واصنع بنفسك ما تريد)
من أنت (دون منفى)
وما المنفى..بدونك؟
قصيدة أخيرة، وامضِ يا صديقي، متيقنا من دربك، ولا تخشَ – كما كنت دائما – العلو على الصليب.
فمثلك يزهر جبينه على الصليب، ويغتسل بضوء الشمس/الشعر على الصليب.
حلّق على الصليب، أيها الراحل في الليل غريبا ووحيدا.
فمن لم يصلب، لربما لم يعرف الحياة، ولم يعرف الموت، ولم يعرف الله.
أنت حرّ الآن.
حرّ.
حرّ.
khalidowais@hotmail.com
* كاتب من السودان