فُوجئت شأني شأن كل العراقيين الطييبن من بني وطني بالقرار الذي اتخذته حكومة السيد نوري المالكي بإلغاء العيد الوطني العراقي في الرابع عشر من تموز العظيم ، ذلك اليوم الذي تحقق فيه للعراق الاستقلال الحقيقي، وتخلص من الهيمنة الإمبريالية، وتشكلت لأول مرة في تاريخه أول حكومة عراقية وطنية مستقلة عن إرادة السفارة البريطانية، وقد اتخذت حكومة المالكي بدلا منه الثالث من تشرين الأول عيداً وطنياً للعراق، وهو اليوم الذي جرى فيه ضم العراق إلى عصبة الأمم عام 1932، حيث منحت الحكومة البريطانية العراق استقلالاً شكلياً لم ينطلي على أبناء شعبنا، بعد أن ربطته بتلك المعاهدة المعروفة بمعاهدة عام 1932 الاسترقاقية التي كبلته بقيودها الجائرة وسلبته حريته واستقلاله، ونهبت ثرواته النفطية ، واقامت لها في الوطن ثلاث قواعد عسكرية في معسكر الرشيد والشعيبة في البصرة والحبانية في الانبار، بالإضافة إلى تعيين مستشارين عسكريين بريطانيين في مختلف الوزارات وفي مقدمتها وزارة الدفاع، وكانت لهم اليد الطولى في إدارة تلك الوزارات.
أما الدستور فقد جرى وضعه من قبل وزارة المستعمرات البريطانية، وتم فرضه على المجلس التأسيسي بالقوة، كما تم من قبله فرض المعاهدة المذكورة بالتهديد والوعيد، حتى أن شاعرنا الكبير معروف الرصافي وصف ذلك الدستور في إحدى قصائده قائلا:
مَنْ يقرأ الدستور يعلم أنه وفقاً لصك الانتداب مُصنفٌ إن من المؤسف والمستنكر إن تتنكر حكومة المالكي ، هكذا وبكل بساطة، لثورة الرابع عشر من تموز 1958 ، تلك الثورة التي أسقطت النظام الملكي الذي ربط العراق بقيود ثقيلة بدءً من معاهدة 1922 ، فمعاهدة عام 1932 وانتهاءً بحلف بغداد العدواني، واقامت الجمهورية العراقية المتحررة من هيمنة الإمبرياليين ، وحطمت حلف بغداد، وحررت العملة العراقية من الارتباط المفروض قسراً بالجنيه البريطاني الذي افقد الاقتصاد العراقي استقراره، وجعله رهينة لتقلبات سعر الجنيه في الأسواق، وخاصة خلال الحرب العالمية الثانية التي اجتاحت خلالها الجيوش البريطانية للوطن من جديد، وأوصلت العراق إلى تلك ألازمة الاقتصادية الخانقة قاسى منها الشعب العراق اشد المعانات طيلة سنوات الحرب، والتي أطلق عليها الشعب اسم [ سنوات الخبز الأسود]، واستعادت حكومة الثورة بموجب القانون رقم 80 الذي أصدره قائدها الشهيد عبد الكريم قاسم 99،5% من الأراضي التي تضمنتها اتفاقية النفط التي فُرضت بالقوة والتهديد بسلخ ولاية الموصل وإلحاقها بتركيا إذا لم تصادق الحكومة ويصادق البرلمان على تلك الاتفاقية الجائرة التي تم بموجبها سلب ثروات البلاد .
أن ثورة الرابع عشر من تموز لم تكن ثورة سياسية وطنية فحسب، بل كانت ثورة اجتماعية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، حيث حررت 75% من الشعب العراقي المتمثل بطبقة الفلاحين من هيمنة الإقطاعيين، بموجب قانون الإصلاح الزراعي، الذي قلب العلاقات الانتاجية رأساً على عقب ، وحرر الفلاح من عبودية الإقطاعيين المذلة ، كما جاء قانون الأحوال الشخصية الذي أصدرته حكومة الثورة هو الآخر ثورة اجتماعية ثانية تناولت حياة وحقوق نصف المجتمع العراقي المتمثل بالمرأة العراقية ، وتحريرها من عبودية الرجل.
إن إلغاء العيد الوطني العراقي في 14 تموز جاء إرضاءً للإمبريالية الأمريكية والبريطانية التي ناصبت الثورة وقائدها العداء منذ اللحظة الأولى لانبثاقها ، بل أقدمت الدولتان على إنزال قواتهما في بيروت وعمان ، وأوعزتا لحليفتيهما تركيا وإيران بتحشيد جيوشهما بغية العدوان على العراق وإجهاض الثورة الوليدة ، ولولا وقوف الاتحاد السوفيتي تلك الوقفة الحاسمة والشجاعة بتهديد الإمبرياليين من مغبة العدوان على العراق، وعزمه على التصدي لكل من تسول له نفسه العدوان ، وبذلك افشل خطط الامبرياليين وجعلهم يحسبون الف حساب للتهديد السوفيتي الجدي آنذاك، وأجبرهم على إعادة النظر في خططهم لإسقاط الثورة الوطنية التي احتضنها الشعب العراقي بكل قواه السياسية ، حيث بدأوا بالتخطيط لانقلاب بعد آخر للإطاحة بالثورة وقائدها الشجاع عبد الكريم قاسم ، فكانت مؤامرة العقيد الشواف في الموصل عام 1959 ، فمحاولة الانقلاب التي دبرتها القوى القومية بزعامة رشيد عالي الكيلاني ، فمؤامرة عبد السلام عارف لقتل الزعيم عبد الكريم في وزارة الدفاع، فمؤامرة رأس القرية البعثية التي استهدفت حياة قائد الثورة ، وأخيرا تكللت بالنجاح محاولات الامبرياليين باغتيال الثورة في انقلاب 8 شباط 1963 البعثي القومي المشؤوم، واغتيال الشهيد عبد الكريم قاسم وصحبه الأبرار، وإغراق العراق بالدماء.
إن ثورة الرابع عشر من تموز وقائدها الوطني الجسور عبد الكريم قاسم سيظلان دائماً وأبداً في ضمائر المخلصين لوطنهم وأمتهم ، وإن إقدام حكومة المالكي على إلغاء هذا العيد الوطني الحقيقي الذي تقدسه غالبية الشعب يعد استفزازاً لمشاعرهم ، وإرضاء للمحتلين الأمريكيين والبريطانيين المشبعين بروح الانتقام من ثورة الرابع عشر من تموز وقيادتها الوطنية .
إن حكومة المالكي مدعوة إلى التراجع عن هذا القرار الخطير الذي لن تجنِِ منه الحكومة إلا العار، عار الرضوخ لمشيئة الامبرياليين الذين استباحوا وطننا بحجة كاذبة هي تحرير الشعب العراقي من طغيان صنيعتهم وخادمهم الأمين صدام حسين وزمرته المجرمة، الذين أوصلوا العراق إلى الاحتلال والخراب والدمار، وتدمير البنية الاجتماعية والاقتصادية، وأوصل الإمبرياليون العراق إلى الحرب الأهلية الطائفية التي نشهدها اليوم، والتي ذهب ضحيتها مئات الألوف من بني وطني ، وتشريد أكثر من أربعة ملايين مواطن عراقي في مختلف بلدان العالم، وهم في حالة يرثى لها .
أعيدوا أيها السادة عيدنا الوطني الحقيقي ، عيد الرابع عشر من تموز المجيدة ، وأعيدوا راية الثورة علماً للعراق فهو الراية التي تستحق أن ترفرف فوق هاماتنا جميعاً ، لا راية الصداميين التي حملت النجمات الثلاث التي ترمز للوحدة والحرية والاشتراكية، والتي لا تمت مع الحقيقة بصلة، والتي أضاف لها الدكتاتور لفظ الجلالة زوراً وبهتاناً، واتخذت هذه الراية ستاراً لحروب صدام العدوانية الداخلية منها والخارجية، والتي دفع الشعب العراقي خلالها ثمنا باهظاً من دماء ابنائه البررة ، وأضاعت استقلال العراق إلى أمد غير محدود، وبات على الشعب العراقي العودة إلى نقطة الصفر ليناضل من أجل استعادة حريته واستقلاله من جديد.
Hamid3441@comhem.se