في ظل ظروف “الربيع” في الكويت وفي محيطها العربي، تطل علينا أسئلة قد تمثّل إجاباتها منطلقا فكريا وحقوقيا جديدا لثقافة شعوب المنطقة. ولعل حرية التعبير، وسقفها، هي أحد العناوين الرئيسية لتلك الأسئلة على الرغم من الوجود النسبي المهم لهذه الحرية في المجتمع الكويتي.
إذاَ، لماذا يطل هذا العنوان وتبرز أسئلته مجددا في ضوء وجود نسبة لا بأس بها من حرية التعبير في الكويت؟
من الأسباب التي تجعل العنوان حيويا باستمرار، وقابلا للطرح والنقاش، هو تغيّر سقفه باستمرار في إطار عملية تغيير شاملة تتعرض لها حياتنا، فأسئلته تتجدّد ما دامت الظروف تتغير وما دامت الحياة تتطور. وما على “الربيع” إلا أن يحتضن هذا العنوان بحماس قل نظيره، لكونه يمثّل احدى أدوات التغيير الأساسية، ولكون مجموعة كبيرة من أفراد المجتمع ينتمون لحراكه وقد زج بهم في المحتجز بسب آرائهم.
فـ”الربيع” ليس إلا مخاضا لحصول الشعوب على حقوقها الحديثة، وحرية التعبير هي أحد المفاصل الرئيسية لتلك الحقوق، ومن ثَمَّ هي لم تعد مغلفة بالنمط الذي اعتدنا عليه خلال العقود القليلة الماضية، النمط التقليدي الذي صاحب فترة سياسية واجتماعية خاصة، بل تجاوزت الكثير من الصور التي كانت تساهم في تنظيم شؤون حياتنا.
فلم تعد أحكام السجن في قضايا الرأي متناسبة مع تطورات الحياة، ولم يعد منع الرأي إلا صورة نمطية قديمة. ولابد من تجاوز هذا المنحى نحو فتح آفاق الرأي والنقد على مصراعيه. فليس من مصلحة المجتمع أن تتحول حرية الرأي إلى نوع من النشاط الحذر المليء بالخوف والترهيب، ولا يمكن أن يسير النقد جنبا إلى جنب النشاط السري المراقب من قبل الأمن.
كما أن المجتمعات لا تستطيع أن تعالج عيوبها وتضع حلولا لمشاكلها خارج إطار حرية الرأي المطلقة. ولا يمكن للديموقراطية أن تصبح واقعا مساهما في القفز بالأفراد نحو آفاق تنموية واقعية من دون وجود مساحة نقد واسعة لا تسوّرها حدود أمنية.
أما حينما يصبح النقد والتعبير أمرا ثانويا، يبرز الرأي الواحد والنهائي. فلا يمكن أن يتقدم البشر من دون تعايش بين مختلف الآراء الحرة الناقدة دون هيمنة رأي على الآخرين واستحواذه على مساحة التعبير. فلا يوجد نص أو رأي أو مقولة يمكن اعتبارها فوق النقد، حتى لو كانت مقدسة عند صاحبها.
وفيما لو اشتمل الدستور على مواد قانونية تساهم في سجن المنتقِد، فإن الحياة الديموقراطية تحتم عدم اللجوء إلى هذه المواد، لأن ذلك يساهم في تشويه صورة الديموقراطية بوصفها خلت من روحها ومن مضمونها القائم على حرية مختلف صور النقد، بما فيها النقد العنيف والساخر. ولأن وجود هذه المواد هو في الأصل أتى بطريق الخطأ ولابد من تعديله بأسرع وقت، فلا يمكن هضم دستور ينظّم الحياة الديموقراطية في حين يشتمل على مواد تسجن المنتقِد.
إن أي أفكار، تصدر من السلطة، أو من أطراف منتمية لشباب الحراك، للجلوس على طاولة حوار جدي ومعمّق وشفاف في ظل سقف مفتوح لمناقشة مستقبل الربيع في الكويت، لا يمكن لها أن تنجح من دون شرط أوّل متمثّل في إزاحة العصا التي تهدد بضرب وسجن المنتقِد. وبوجود هذا السقف فذلك سيجعل الحوار بعيدا عن الواقع وعن الهدف الرئيسي للحراك والمتمثل بنقد ومحاسبة السلطة التنفيذية وصولا إلى تداولها وانتهاء بفصل السلطات الثلاث.
ففي ظل الأزمة السياسية – الاجتماعية التي يعيشها مجتمعنا، والحراك الساعي إلى الإصلاح السياسي، لا يمكن البحث عن حلول واقعية لها دون وجود أرضية صالحة للحوار المستكشف للخلل من دون أي خوف. فهذا الكشف لا يعلن عن نفسه إلا برفع الأغلال التي تقيّد ظهور الحقيقة ومنع ترهيب الساعين لطرح الحلول. والنقد، كما يقول فريد العليبي، يضعنا مباشرة أمام توتر، أمام ارتباك، وإذا لم يكن الأمر كذلك فإن أي كلام يقال عنه أنه يمثل نقدا لن يكون سوى لغو. وبعبارة أخرة، أي حوار حول الإصلاح هو لغو إن لم يحتو على نقد مفتوح وشفاف، بسقف مفتوح، ورؤية واقعية حول المستقبل.
كاتب كويتي
Fakher_alsultan@hotmail.com